المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(36) باب الشفعة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(36) باب الشفعة

(36) باب الشفعة

[1700]

عَن جَابِرٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفعَةِ فِي كُلِّ شِركَ

ــ

منه لمن لم يتب. وسبب هذا كلِّه: أن اليمين الكاذبة يمين غموس، يؤكل بها مال المسلم بالباطل.

و(قوله: إيَّاكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق)(إياكم) معناه: الزَّجر، والتحذير. و (كثرة) منصوب على الإغراء، كما تقول: إياك والأسد؛ أي: احذره واتقه. وإنما حذر من كثرة الحلف؛ لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور، وإن سلم من ذلك على بعده لم يسلم من الحنث، أو النَّدم؛ لأن اليمين حنث أو مندمة. وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها، والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري، مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم، بل على جهة مدح السِّلعة، فاليمين على ذلك تعظيم للسِّلع، لا تعظيم لله تعالى. وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد.

(36)

ومن باب: الشفعة

(قوله: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشُّفعة في كل شرك لم يُقسَم) أي: حكم، وألزم.

والشُّفعة في اللغة: هي الضم، والجمع، كما قدمناه في الإيمان. وهي في عرف الشرع: أخذ الشريك الجزء الذي باعه شريكه من المشتري بما اشتراه به، وهي حق للشريك على المشتري، فيجب عليه أن يُشفِعَهُ، ولا يحل له الامتناع من ذلك.

و(الشرك): النصيب المشترك. وقد يقال على الشريك، كقوله تعالى:{جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} ؛ أي: شريكًا. ويدل على أن الشفعة إنما

ص: 523

لَم يُقسَم رَبعَةٍ أَو حَائِطٍ

ــ

تستحق بالاشتراك في رقبة الملك، لا باستحقاق منفعة في الملك، كممر طريق، ومسيل ماء، واستحقاق سكنى؛ لأن كل ذلك ليس بشرك.

و(قوله: لم يقسم) يفيد أن الشفعة لا تجب إلا بالجزء المشاع؛ الذي يتأتى إفرازه بالقسمة، فلا تجب فيما لا ينقسم، كالحمَّام، والرَّحا، وفحل النخل، والبئر، وما أشبه ذلك مما لا ينقسم. وأعني بكونه لا ينقسم: أنه لو قسم لبطلت المنفعة المقصودة منه قبل القسم. كالحمَّام إذا قسم بطل كونه حمامًا، وكذلك الرَّحا. وهذا هو مشهور المذهب. وقيل: تجري الشفعة في ذلك لأنه وإن بطل كونه حمامًا فيصح أن ينقسم بيوتًا مثلًا، أو دكاكين. والظاهر الأول، وهو قول ابن القاسم؛ لأنه يلزم من قسمه إفساد مالية عظيمة، وذلك ضرر عظيم فيدفع.

و(قوله: رَبعَة، أو حائط، أو أرض) الرواية الصحيحة فيه بخفض ربعة وما بعده على البدل من: (كل شرك) فهو تفسير له، وتقييد. والرَّبعة: تأنيث الرَّبع. وهو: المنزل. ويجمع ربوعًا، وإنما قيل للمنزل ربع؛ لأن الإنسان يربع فيه؛ أي: يقيم. يقال: هذه ربع، وهذه ربعة. كما يقال: دار، ودارة (1). والحائط: بستان النخل. والأرض يعني بها: البراح الذي لا سكن فيها ولا شجر، وإنما هي معدَّة للزراعة.

وقد دلَّ هذا الحديث: على أن الشفعة إنما تستحق في العقار المشترك الذي يقبل القسمة. وهذا هو المحل المتفق على وجوب الشفعة فيه. واختلف فيما عدا ذلك. فذهب بعض المكيين (2) إلى وجوبها في كل شيء من العقار، والحيوان، والعروض، والأطعمة. وإليه ذهب عطاء في إحدى الروايتين عنه معتمدًا في ذلك

(1) ما بين حاصرتين مستدرك من (م).

(2)

في (ج 2): المالكيين.

ص: 524

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما خرَّجه الترمذي من حديث ابن عباس مرفوعًا: (الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء)(1). وروى الطحاوي نحوه مرفوعًا، ومُتمسِّكًا في ذلك بقياس غير العقار عليه، بعلِّة وجود الاشتراك، ولا حجة في ذلك؛ لأن الحديث ليس بصحيح الإسناد. وإنما صحيحه مرسل، ولو سلمنا صحته، لكنه مقيّد بما ذكرناه من قوله:(ربعة، أو حائط، أو أرض). ومثل هذا التقييد متفق على قبوله عند أهل الأصول؛ لأنه قد اتفق فيه الموجب والموجب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الشفعة فيما لم يقسم: ربعة، أو حائط، أو أرض). فأتى بـ (إنَّما) التي هي للحصر. وهو أيضًا مفهوم من الألف واللام في قوله: (الشفعة فيما لم يقسم) وبدليل: زيادة البخاري في هذا الحديث: (فإذا ضربت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)(2) وهذا نصٌّ في أن الشفعة مخصوصة بما ذكر في ذلك الحديث. وأما ذلك القياس: فليس بصحيح لوجود الفرق بين الفرع والأصل، فإن الأصل الذي هو العقار يعظم الضرر فيه على الشريك بمشاركة الأجنبي له، ومخالطته، فقد يؤذيه، ولا يقدر على التخلص منه لصعوبة بيع العقار، وتعذر ذلك في أكثر الأوقات، وليست كذلك العروض، وما ينقل ويحوَّل، فإن الانفصال عن الشركة فيه يسير لسهولة بيعها، والخروج عنها في كل الأوقات، وأكثر الحالات؛ فانفصلا، فلا يصح القياس. وإذا ثبت: أن الشفعة شرعت لرفع الضرر الكثير اللازم. فهل الوصفان جزءا علَّة، فلا تجري الشفعة إلا فيما اجتمعا فيه، أو يكون كل واحد منهما علّة مستقلة؟ فيه احتمال. وعليه ينبني الخلاف الذي عند أصحابنا في الشفعة في الثمرة، والدِّيون، وكتابة المكاتب، والكراء، والمساقاة. فإن الضرر فيها يعظم، وإن لم يلازم. فمن رأى أنه علَّة مستقلة أوجب الشفعة، ومن رأى أن العلَّة مجموع الوصفين منعها في ذلك

(1) رواه الترمذي (1371).

(2)

رواه البخاري (2213).

ص: 525

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كله. وذهب الشعبي: إلى أنه لا شفعة في مشاع لا يسكن. وقال ابن شعبان مثله عن مالك. فلا شفعة على هذا في أرض، ولا عقار يتخذ للغلَّة. وهو مخالف للحديث المتقدم. فإنه قد نص فيه على الحائط. وهذا المتخذ للغلَّة. وعلى الأرض، وهي تراد للزراعة. والصحيح: الأول.

وذهب الجمهور: إلى أن الشفعة لا تجب في الجوار؛ وهو مذهب عمر، وعلي، وعثمان، ومن بعدهم، كسعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وربيعة، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وذهب أبو حنيفة والكوفيون: إلى أنه تجب به الشفعة، وبه قال ابن مسعود. وسببهما معارضة حديثين صحيحين:

أحدهما: حديت جابر المتقدم. وقد خرَّجه البخاري. ولفظه فيه: (الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة)(1).

وثانيهما: خرَّجه البخاري عن أبي رافع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه)(2). وقد خرَّجه الترمذي من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعته، ينتظر إن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا)(3). وقد تأوَّل بعض العلماء (الجار) في حديث البخاري بأنَّه الشريك، كما قد تأول بعضهم: أن (الصقب) المذكور فيه حق الجوار، كما قال في الحديث الآخر: أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي جارين. فإلى أيُّهما أُهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابا)(4). وهذان التأويلان فيهما بُعدٌ. فإن حديث الترمذي ينصّ على خلاف ذلك. وأشبه ما

(1) هو الحديث السابق.

(2)

رواه البخاري (6977 - 6981).

(3)

رواه الترمذي (1369).

(4)

رواه البخاري (2259).

ص: 526

لَا يَحِلُّ لَهُ أَن يَبِيعَ حَتَّى يُؤذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِن شَاءَ أَخَذَ، وَإِن شَاءَ تَرَكَ،

ــ

يقال في ذلك - فيما يظهر لي -: إن حديث جابر الأول أرجح، لما قارنه من عمل الخلفاء، وجمهور العلماء، وأهل المدينة، وغيرهم، والله تعالى أعلم.

وأيضًا فإن أحاديث الجمهور مشهورة متفق على صحتها. وأحاديث الكوفيين ليست بمنزلتها في ذلك، فهي أولى.

تفريع: قال سفيان: الشريك أولى بالشفعة، ثمَّ الجار الذي حدُّه إلى حدَّه. وقال أبو حنيفة: الشريك في الملك، ثم الشريك في الطريق، ثم الجار الملاصق، ولا حق للجار الذي بينك وبينه الطريق.

و(قوله: لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه) وفي طريق أخرى: (لا يصلح) مكان: (لا يحل). هو محمول على الإرشاد إلى الأولى، بدليل قوله:(فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به). ولو كان ذلك على التحريم لذمَّ البائع، ولفسخ البيع، لكنه أجازه وصحَّحه، ولم يذمّ الفاعل، فدلَّ على ما قلناه. وقد قال بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه.

و(قوله: فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك) يعني: إن شاء أخذ الشقص (1) بما أعطي به من الثمن؛ لأنه أحق به بعد البيع، فيكون له بما أعطي به من الثمن قبله. وفيه دليل: على أن من نزل عن الشفعة قبل وجوبها لزمه ذلك إذا وقع البيع، ولم يكن له أن يرجع فيه. وبه قال الثوري، وأبو عبيد، والحكم. وهي إحدى الروايتين عن مالك، وأحمد بن حنبل. وذهب مالك في المشهور عنه، وأبو حنيفة (2)، وعثمان البتي، وابن أبي ليلى: إلى أن له الرُّجوع في ذلك، وهذا الخلاف جار في كل من أسقط شيئًا قبل وجوبه، كإسقاط الميراث قبل موت

(1)"الشقْص": القطعة من الشيء.

(2)

زاد في (ج 2) والشافعي.

ص: 527

فَإِذَا بَاعَ وَلَم يُؤذِنهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.

وفي رواية: مَن كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبعَةٍ أَو نَخلٍ، فَلَيسَ لَهُ أَن يَبِيعَ حَتَّى يُؤذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِن رَضِيَ أَخَذَ، وَإِن كَرِهَ تَرَكَ.

ــ

المورث، وإجازة الوارث الوصية قبل الموت، وإسقاط المرأة ما يجب لها من نفقة وكسوة في السَّنة القابلة. ففي كل واحدة من تلك المسائل قولان.

و(قوله: وإن باع فهو أحق به) يعني: أن الشريك أحق به بالثمن الذي اشتراه به المشتري من عين أو عرض، نقدا أو إلى أجل. وهو قول مالك وأصحابه. وذهب أبو حنيفة والشافعي: إلى أنَّه لا يشفع إلى الأجل، وأنه إن شاء شفع بالنقد، وإن شاء صبر إلى الأجل، فيشفع عنده. واختلف أصحابنا إذا لم يعلم الشفيع إلا بعد حلول الأجل. هل يضرب له مثل ذلك الأجل، أو يأخذه بالنقد؛ على قولين.

و(قوله: من كان له شرك) عموم في المسلم وفي الذمِّي. وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة. وحكي عن الشعبي، والثوري: أنه لا شفعة للذمِّي؛ لأنه صاغر. وهو قول أحمد. والصواب: الأول للعموم، ولأنَّه حق جرى بسببه، فيترتب عليه حكمه من استحقاق طلبه وأخذه، كالدَّين، وأرش الجناية.

و(قوله في حديث البخاري: فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) حجة للجمهور على الكوفيين القائلين بوجوب الشفعة لجار الدار. وقد ذهب بعض شيوخنا: إلى أن حديث الترمذي في شفعة الجار محمول على الندب، لا على الوجوب.

قلت: أحاديث الشفعة إنما جاءت في انتقال الملك بالبيع، ويلحق به ما في معناه من المعاوضات، كدفع الشَّقص في صداق، أو أجرة، أو أرش جناية، وما أشبه ذلك. فهذا فيه الشفعة. ولا ينبغي أن يختلف فيه؛ لأنه من أقوى مراتب

ص: 528

وفي أخرى: الشُّفعَةُ فِي كُلِّ شِركٍ فِي أَرضٍ، أَو رَبعٍ، أَو حَائِطٍ. وذكر نحو الأول.

رواه أحمد (3/ 296)، والبخاريُّ (2213)، ومسلم (1608)، وأبو داود (3514)، والترمذيُّ (1370)، والنسائيُّ (7/ 321)، وابن ماجه (2499).

* * *

ــ

الإلحاق. وأما انتقال الملك بالميراث فلا شفعة فيه؛ لأنه لا يصح إلحاقه بالمعاوضات؛ لأنه انتقال في (1) غير عوض؛ ولا اختيار، فلا شفعة فيه بوجه. وقد حكي الاتفاق على ذلك، غير أنه قد انفرد الطابقي (2) فحكى عن مالك: أنه رأى الشفعة في الميراث. وهو قول شاذّ، منكر نقلًا ونظرًا.

واختلف في المنتقل بالهبة، والصدقة. هل فيه شفعة أو لا؟ على قولين مشهورين. سببهما: تردّد الصدقة والهبة بين المعاوضات والميراث. فمن حيث إنه انتقال عن اختيار يشبه البيع، ومن حيث إنه خلي عن العوض أشبه الميراث. والأولى - والله أعلم - إجراء الشفعة فيها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(الشفعة في كل شرك لم يقسم) ولم يفرق بين جهات الأملاك. وللحوق الضرر الشديد الملازم الداخل على الشريك اختيارًا. ولا يُرَدُّ الميراث؛ لأنَّه ملك جبري، لا اختيار فيه للمنتقل إليه، والله تعالى أعلم.

* * *

(1) في (ج 2): عن.

(2)

في (ع) و (ج 2): الطابثيُّ.

ص: 529