الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(29) باب فسخ صفقة الربا
[1684]
عن أَبي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ بِتَمرٍ بَرنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مِن أَينَ هَذَا؟ . فَقَالَ بِلَالٌ: تَمرٌ كَانَ عِندَنَا رَدِيءٌ، فَبِعتُ مِنهُ صَاعَينِ بِصَاعٍ لِمَطعَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِندَ ذَلِكَ: أَوَّه،
ــ
أطبقوا على الاحتجاج به. ووجه ذلك: أن غايتهم في التمسك به أن يحتجوا بمذهب معمر. وهو صحابي، وهو أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.
قلت: إن قول معمر هذا رأي منه، لا رواية. وما استدل به من قوله صلى الله عليه وسلم:(الطَّعام بالطَّعام) لا حجة له فيه؛ لأنه إن حمل على عمومه لزم منه: ألا يباع التمر بالبُرِّ، ولا الشعير بالملح، إلا مثلًا بمثل. وذلك خلاف الإجماع، فظهر: أن المراد به: الجنس الواحد من الطَّعام. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الأجناس المختلفة في حديث عبادة بن الصامت (1) وغيره، وفصَّلها واحدًا واحدًا، ففصل التمر عن البر، والشعير عنه، ثم قال بعد ذلك:(فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم). ثم الظاهر من فتيا معمر: أنها إنما كانت تقية وخوفا. ألا ترى نصَّه، حيث قال: إني أخاف أن يُضَارع؟ ! والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في قول غيره.
(29)
ومن باب: وفسخ صفقة الرِّبا
(البَرنِّي): نوع من أجود أنواع التمر. وكذلك: الجنيب. و (الجمع) خلطٌ من التَّمر. وقيل: هو من أدنى التَّمر.
و(قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: من أين هذا؟ ) دليل: على أن للإنسان أن يبحث عمَّا يستريب فيه، حتى ينكشف له حاله.
و(قوله: أوَّه) كلمة تحزُّن، وتوجُّع. وهي مقصورة الهمزة، مشدَّدة الواو،
(1) رواه مسلم برقم (1587)(81).
عَينُ الرِّبَا، لَا تَفعَل، وَلَكِن إِذَا أَرَدتَ أَن تَشتَرِيَ التَّمرَ فَبِعهُ بِبَيعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشتَرِ بِهِ.
رواه أحمد (3/ 62)، والبخاريُّ (2312)، ومسلم (1594)، والنسائي (7/ 272 - 273).
[1685]
وعنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمرٍ فَقَالَ: مَا هَذَا التَّمرُ مِن تَمرِنَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِعنَا تَمرَنَا صَاعَينِ بِصَاعٍ مِن هَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ، ثُمَّ بِيعُوا تَمرَنَا وَاشتَرُوا لَنَا مِن هَذَا.
رواه مسلم (1594)(97).
ــ
ساكنة الهاء. وقد قيلت أيضا: بمد الهمزة. وقد قيلت أيضًا: (أووه).
و(قوله: عين الربا) أي: هو الربا المحرم نفسه، لا ما يشبهه.
و(قوله: لا تفعل) وفي الرواية الأخرى: (فردُّوه) يدل على: وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصح بوجه. وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: إن بيع الربا جائز بأصله، من حيث إنه بيع ممنوع بوصفه من حيث هو ربا، فيسقط الرِّبا، ويصحَّ البيع. ولو كان على ما ذكر لما فسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة، ولأمره برد الزيادة على الصَّاع، ولصحَّح الصفقة في مقابلة الصَّاع.
و(قوله: ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به) وفي الرواية الأخرى: (بيعوا تمرنا، واشتروا لنا من هذا) قد يحتج بإطلاقه من لم يقل بسدِّ الذرائع. وهو الشافعي، وأبو حنيفة، وكافتهم، فأجازوا شراء (البرني) مثلًا ممن باع منه (الجمع). ومنعه مالك رحمه الله على أصله في سدِّ الذرائع. فإن هذه الصورة تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلًا، ويكون الثمن لغوا. ولا حجة
[1686]
وعنه قَالَ: كُنَّا نُرزَقُ تَمرَ الجَمعِ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الخِلطُ مِن التَّمرِ، فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَينِ بِصَاعٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا صَاعَي تَمرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَي حِنطَةٍ بِصَاعٍ، وَلَا دِرهَمَ بِدِرهَمَينِ.
رواه أحمد (3/ 49 - 50)، ومسلم (1594)(98)، والنسائي (7/ 272).
* * *
ــ
لهم في هذا الحديث؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم ينص على جواز شراء التمر الثاني ممن باع منه التمر الأول، ولا تناوله ظاهر اللفظ بعموم، بل بإطلاقه. والمطلق يحتمل التقييد احتمالًا يوجب الاستفسار، فكأنه إلى الإجمال أقرب. وبهذا فرق بين العموم والإطلاق. فإن العموم ظاهر في الاستغراق، والمطلق صالح له، لا ظاهر فيه. وإذا كان كذلك فيتقيد بأدنى دليل. وقد دلَّ على تقييده الدليل الذي دلَّ على سدِّ الذرائع، كما بيَّنَّاه في الأصول. وقد نصَّ ابن عبَّاس رضي الله عنهما على منع مثل هذا، حيث منع فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ.
وفي هذا الحديث من الفقه جواز اختيار طيبات الأطعمة دون أدانيها (1). وجواز الوكالة. وفيه ما يدلُّ على أن البيوع الفاسدة كلَّها تفسخ، وتُرَدُّ إذا لم تفت.
* * *
(1) في (ج 2): دانيها.