الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الصرف والربا
(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق
[1676]
عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: أَبصَرَت عَينَايَ، وَسَمِعَت أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ
ــ
ومن أبواب الصَّرف والربا
(25)
ومن باب: تحريم التفاضل والنساء (1)
الصَّرف: مصدر صرف، يصرف، صرفًا: إذا دفع ذهبا، وأخذ فضة، أو عكسه. هذا عُرفُه الشرعي. وحقيقته: بيع ذهب بفضة. وللشرع فيه معنيان:
أحدهما: منع النَّساء فيه، مع اتفاق النوع، واختلافه، فلا يجوز بيع ذهب بذهب، ولا بفضة نَساء. وهذا مجمع عليه.
وثانيهما: منع التفاضل في النوع الواحد منهما، فلا يجوز ذهب بذهب، ولا فضة بفضة متفاضلًا عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين من أهل المدينة، والحجاز، والشام، وغيرهم. وفيه خلاف شاذٌّ عن بعض الصحابة مرجوع عنه، وسيأتي ذكرهم في بابه إن شاء الله تعالى.
وقد دلّ على صحة ما ذكرناه من المنعين، وإبطال قول المخالف نصوص هذا الباب؛ كقوله: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا
(1) هذا العنوان مستدرك من التلخيص.
بِالوَرِقِ إِلَّا مِثلًا بِمِثلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعضَهَا عَلَى بَعضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيئًا غَائِبًا مِنهُ بِنَاجِزٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ.
ــ
تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز). وفي اللفظ الآخر: (إلا وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، سواء بسواء) وفي رواية: (يدًا بيد) وفي أخرى: (إلا هاء وهاء) وغير ذلك مما في هذا الباب.
فهذه نصوصٌ مؤكدة، وألفاظ متعددة، تفيد: أن تحريم التفاضل كتحريم النَّساء، ويستوي في ذلك أنواع كل جنس منها، فلا يلتفت للخلاف في ذلك. وسيأتي القول إن شاء الله تعالى على قوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الربا في النسيئة)(1) ثم اختلف العلماء: هل هذا الحكم معلل بعلة، أو ليس معللًا؟ فنفاة القياس منعوا ذلك على أصلهم في نفي التعليل مطلقا. وممن قال بهذا القول: داود وأتباعه. وقد تابعهم على نفي تعليل هذا الحكم بعض من قال بالقياس. بناء على أنه لم يجد دليلًا عليه، أو: على أنه لم يجد لعلَّة ذلك فرعًا يلحقه بها. فتكون العلَّة قاصرة، ولا يعلل بالعلة القاصرة. وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب مالك والشافعي وأتباعهما إلى تعليل ذلك الحكم بكونها أثمانًا. وهل هو معلل بمطلق الثمنية، فيلحق بذلك كلما يكون ثمنًا كالفلوس، والجلود المطبوعة إذا تُعُومل بها، أو بثمنية تكون رءوس الأثمان، وقيمًا للمتلفات غالبًا، فتخرج الفلوس، وغيرها منهما؟ قولان لأصحابنا. والذي حمل المعللين على القول بالتعليل التمسك بالقاعدة الكلية: إن الشرع جاء باعتبار المصالح. والمصلحة لا تعدو أوصاف المحل. وقد سبرنا أوصافه، فلم نجد أولى من هذا، فتعين أن يكون هو العلَّة. وقد حققنا هذه الأصول في الأصول، فلتنظر هنالك.
و(قوله: ولا تشفوا بعضها على بعض) أي: لا يكن لأحدهما شفوف على
(1) رواه مسلم (1596)(102).
وفي رواية: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الوَرِقَ بِالوَرِقِ، إِلَّا وَزنًا بِوَزنٍ، مِثلًا بِمِثلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
رواه البخاريُّ (2177)، ومسلم (1584)، والنسائي (7/ 278 و 279).
[1677]
وعَن عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَينِ، وَلَا الدِّرهَمَ بِالدِّرهَمَينِ.
رواه مسلم (1585).
[1678]
وعَن مَالِكِ بنِ أَوسِ بنِ الحَدَثَانِ، أَنَّهُ قَالَ: أَقبَلتُ أَقُولُ: مَن يَصطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللَّهِ، وَهُوَ عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ، ثُمَّ ائتِنَا، ثُمَّ إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعطِيكَ وَرِقَكَ. فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: كَلَّا وَاللَّهِ، لَتُعطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، أَو لَتَرُدَّنَّ إِلَيهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا
ــ
الآخر؛ أي: زيادة. وقد بالغ مالك رحمه الله في منع الزيادة في هذا، حتى جعل المتوهّم كالمتحقق. فمنع دينارًا ودرهما بدينار ودرهم، سدًا للذريعة، وحَسمًا للتوهمات؛ إذ لولا توهم الزيادة لما تبادلا. وقد علل منع ذلك بتعذر المماثلة عند التوزيع، فإنه يلزم منه: ذهب وفضة بذهب. وأوضح من هذا: منعه التفاضل المعنوي. وذلك: أنه منع دينارًا من الذهب العالي، ودينارًا من الذهب الدُّون بدينارين من الوسط. فكأنه جعل الدينار من الوسط في مقابلة العالي، وألغى الدُّون. وهذا من دقيق نظره رحمه الله تعالى.
و(قوله: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء) الرواية المشهورة في (هاء): بالمد، وبهمزة مفتوحة، وكذلك رويته. ومعناها: خذ. فكأنها اسم من أسماء
هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمرُ بِالتَّمرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ.
رواه البخاريُّ (2134)، ومسلم (1586)، وأبو داود (3348)، والترمذي (1243)، والنسائي (7/ 273)، وابن ماجه (2259 و 2260).
* * *
ــ
الأفعال. كما تقول: هاؤم. وفيها أربع لغات:
إحداها: ما تقدَّم، وفيها لغتان:
إحداهما: أنها تُقال للمذكر والمؤنث، والواحد والاثنين، والجمع، بلفظ واحد (ها) من غير زيادة. قال السيرافي: كأنهم جعلوها صوتًا، كصه، ومه.
وثانيهما: تلحق بها العلامات المفرَّقة. فتقول للذكر: هاءَ، وللمؤنث: هائي. وللاثنين: هاءا. وللجمع: هاءوا، كالحال في: هاؤم، وفي: هلم.
الثانية: بالقصر والهمزة الساكنة، فتقول: هأ، كما تقول: خَف. وفيها اللغتان المتقدمتان. حكاهما ثابت وغيره من أهل اللغة.
الثالثة: هاءِ بالمد وكسر الهمزة. وهي للواحد، والاثنين، والجميع. بلفظ واحد، غير أنهم زادوا ياءً مع المؤنث. فقالوا: هائي.
الرابعة: ها، بالقصر، وترك الهمز. حكاها بعض اللغويين. وأنكرها أكثرهم، وخُطِّئ من رواها من المحدِّثين كذلك. وقد حكيت لغة خامسة: هاءَكِ، بمدَّةٍ، وهمزة مفتوحة، وكاف خطاب مكسورة للمؤنث.
قلت: ولا بُعد في أن يقال: إن (هاء) هذه هي اللغة الأولى، وإنما زادوا عليها كاف الخطاب المؤنث خاصة، فلا تكون خامسة.
ومعنى: (هاء وهاء): خذ وهات في هذه الحال من غير تراخ، كما قال: (يدًا