المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

[1460]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يُجمَعُ بَينَ المَرأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَينَ المَرأَةِ وَخَالَتِهَا.

ــ

ابن عباس، وعائشة، وبعض السَّلف إباحة ذلك؛ أعني: الحمر. وقد اختلف عنهم في ذلك. واختلف عن مالك، هل ذلك النهي محمول على التحريم، أو على الكراهية؟ وسيأتي استيفاء هذا المعنى في كتاب الأطعمة، إن شاء الله تعالى.

و(الأَنَسِيَّةُ) جمهور الرواة على فتح الهمزة والنون، ورواه جماعة: بكسر الهمزة وسكون النون، قال القاضي: والأنس - بفتح الهمزة -: الناس، وكذلك بكسرها.

قلت: وعلى هذا فتكون النسبتان قياسيتين، ودّل على ذلك قول الجوهري: الإنس: البشر، الواحد: إِنسِيٌّ، وأَنَسِي. وهذا هو الصحيح.

(5)

ومن باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها

(قوله: لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها). لا يجمع - برفع العين - هي الرواية على الخبر عن المشروعية، فيتضمّن النهي عن ذلك. وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح. وكذلك: أجمع المسلمون على تحريم الجمع بين الأختين بالنكاح؛ لقوله تعالى: {وَأَن تَجمَعُوا بَينَ الأُختَينِ} وأمَّا بملك اليمين؛ فروي عن بعض السَّلف جوازه، وهو خلاف شاذٌّ استقر الإجماع بعده على خلافه. وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وخالتها. ولا يُعتد بخلافهم؛ لأنهم

ص: 101

قَالَ ابنُ شِهَابٍ: فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا، وَعَمَّةَ أَبِيهَا بِتِلكَ المَنزِلَةِ.

رواه أحمد (2/ 462)، والبخاري (5109)، ومسلم (1408)(33) و (36)، والنسائي (6/ 96).

ــ

مرقوا من الدِّين، وخرجوا منه؛ ولأنهم مخالفون للسُّنة الثابتة.

و(قول ابن شهاب: (فنرى خالة أبيها، وعمة أبيها في تلك المنزلة) إنما صار ابن شهاب إلى ذلك؛ لأنه حمل الخالة والعمّة على العموم، وتَمَّ له ذلك؛ لأن العَمَّة: اسم لكل امرأة شاركت أباك في أصلَيه، أو في أحدهما. والخالة: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها، أو في أحدهما.

وقد عقد علماؤنا فيمن يحرمُ الجمع بينهما عقدًا حسنًا، فقالوا: كل امرأتين بينهما نسب؛ بحيث لو كانت إحداهما ذكرًا لحرمت عليه الأخرى، فلا يجمع بينهما. وإن شئت أسقطَّت: بينهما نسب (1).

وقلت بعد قولك: كانت إحداهما ذكرًا لحرمت عليه الأخرى من الطرفين. وفائدة هذا الاحتراز مسألةُ نكاح المرأة وربيبتها؛ فإن الجمع بينهما جائز، ولو قدرت امرأة الأب رجلًا لحلّت له الأخرى. وهذا التحرّي هو على مذهب الجمهور المجيزين للجمع بين المرأة وربيبتها، وقد منعه الحسن، وابن أبي ليلى، وعكرمة.

وعلّل الجمهور منع الجمع بين من ذكرناه؛ لما يُفضِي إليه الجمع من قطع الأرحام القريبة؛ بما يقع بين الضرائر من الشَّنَآن والشرور بسبب الغيرة.

وقد شهد لصحة هذا التعليل ما ذكره أبو محمد الأصيلي (2) في فوائده، وأبو عمر بن عبد البر، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العَمَّة، أو على

(1) ساقط من (ع).

(2)

هو عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأموى: عالم بالحديث والفقه، من أهل أصيلة في المغرب، له كتاب:"الدلائل على أمهات المسائل"، مات في قرطبة (392 هـ).

ص: 102

[1461]

وعَنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَخطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَومِ أَخِيهِ، وَلَا تُنكَحُ المَرأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى

ــ

الخالة. وقال: (إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)(1). ومن مراسيل أبي داود عن حسين قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة)(2).

وقد طرد بعض السلف هذه العلة، فمنع الجمع بين بنتي العمَّتين والخالتين، وبنتي الخالين والعمّين). وجمهور السلف وأئمة الفتوى (3) على خلافه، وقصر التحريم على ما ينطلق عليه لفظ العمّات والخالات. وقد روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا وقال فيه:(إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُنكح المرأة على عمتها، أو العمّة على ابنة أخيها، والمرأة على خالتها، أو الخالة على ابنة أختها، ولا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى)(4). وقال: حديث حسن صحيح. وهو مَسَاق حسن بيِّن، غير أن فيه واوًا اقتضت إشكالًا، وهي التي في قوله:(ولا) وذلك: أنَّه قد ذكر العَمَّة؛ وهي الكبرى، وابنة أخيها وهي الصغرى، والخالة وهي الكبرى، وابنة أخيها وهي الصغرى، ثم أتى بالنهي عن إدخال إحداهنَّ على الأخرى، طردًا وعكسًا.

ويرتفعُ الإشكال بأن تُقدَّر الواو زائدةً. ويكون الكلام الذي بعدها مؤكِّدًا لما قبلها، ومؤيدًا له.

وفي كتاب أبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: نهى أن يجمع بين العَمَّة والخالة، وبين العمتين والخالتين (5). قال ابن النحاس: الواجب على لفظ هذا الحديث: ألا يجمع بين امرأتين، إحداهما عمة الأخرى،

(1) رواه أحمد (1/ 372)، وأبو داود (2067)، والترمذي (1125).

(2)

رواه أبو داود في المراسيل رقم (208).

(3)

في (ج 2): الفتيا.

(4)

رواه الترمذي (1126).

(5)

رواه أبو داود (2066).

ص: 103

خَالَتِهَا، وَلَا تَسأَلُ المَرأَةُ طلاق أُختِهَا لِتَكتَفِئَ صَحفَتَهَا، وَلتَنكِح فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا.

رواه البخاري (2140)، ومسلم (1413)(51) و (54)، وأبو داود (2080)، والترمذي (1134)، والنسائي (7/ 258)، وابن ماجه (1272).

[1462]

وعن عُثمَانَ بنَ عَفَّانَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَنكِحُ المُحرِمُ، وَلَا يُنكَحُ، وَلَا يَخطُبُ.

ــ

والأخرى خالة الأخرى.

وهذا يخرج على وجه صحيح. وهو: أن يكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها؛ تزوج الأب البنت والابن الأم، فولدت كل واحدة منهما بنتًا، فابنة الأب عمة ابنة الابن، وابنة الابن خالة ابنة الأب.

وأما الخالتان: فأن يتزوج رجل ابنة رجل، ويتزوج الثاني ابنة الأول، فيولد لكلِّ منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما خالة الأخرى.

وأما العمتان: فأن يتزوج رجل أم رجل، ويتزوج الآخر أم الآخر، ثم يولد لكل واحد منهما ابنة، فبنت كل واحد منهما عمة الأخرى.

و(قوله: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها) قال الهروي: تكتفئ: تفتعل، من كفأتُ القدر: إذا فرّغتها. وهذا مثلُ لإمالة الضرّة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. وقال الكسائي: أكفأت الإناء: كَبَبتُه. وكفأته: أملتُه. وقيل: هو كناية عن الجماع، والرغبة في كثرة الولد. والأول أولى.

و(قوله: ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها) يعني أنها تنكح ولا تشترط طلاق الضرّة، فإن الله تعالى إن كان قد قدر أن تنفرد بذلك الزوج وصلت إلى ذلك، وإن لم يقدّره لم ينفعها الشرط. فقد يطلق الضّرّة، ثم يردّها، فلا يحصل للمشترطة مقصودها.

و(قوله: لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب) لا خلاف في منع

ص: 104

رواه مسلم (1409)، وأبو داود (1841)، والترمذي (840)، والنسائي (5/ 192).

[1463]

وعَن ابنَ عَبَّاسٍ أَنَّه قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مَيمُونَةَ وَهُوَ مُحرِمٌ.

رواه البخاري (4258)، ومسلم (1410)(47)، وأبو داود (1844)، والترمذي (842)، والنسائي (5/ 191).

ــ

المُحرم من الوطء. والجمهور على منعه من العقد لنفسه، ولغيره، ومن الخطبة كما هو ظاهر هذا الحديث، وكما دلّ عليه قوله تعالى:{فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ} ؛ على أحد التأويلات المتقدمة في كتاب الحج. وذهب بعضهم: إلى أنه يجوز للمحرم ذلك تمسُّكًا بحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. وهذا لا حجة فيه لأوجه:

أحدها: إن هذا الحديث مما انفرد به ابن عباس دون غيره من كبراء الصحابة ومعظم الرواة.

وثانيها: إنكار ميمونة لهذا، وإخبارها بأنه صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهو حلال، وهي أعلم بقصَّتها منه.

وثالثها: أن بعض أهل النقل والسِّير ذكر (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مولاه أبا رافع من المدينة، فعقد نكاحها بمكة بوكالة النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، ثم وافى النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا، فبنى بها بسَرِف حلالًا، وأشهر تزويجها بمكة عند وصوله إليها.

(1) في (ج): حكوا.

ص: 105

[1464]

وعَن يَزِيدَ بنِ الأَصَمِّ قال: حَدَّثَتنِي مَيمُونَةُ بِنتُ الحَارِثِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ: وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَةَ ابنِ عَبَّاسٍ.

رواه أحمد (6/ 333)، ومسلم (1411)، وأبو داود (1843)، والترمذي (845)، وابن ماجه (1964).

* * *

ــ

ورابعها: أن قول ابن عباس: (وهو محرم) يحتمل أن يكون دخل في الحرم، فإنَّه يقال: أحرم؛ إذا دخل في الحرم، واسم الفاعل منه: مُحرِم؛ كما يقال: أَنجَد، وأتهَمَ. وهو مُنجِد، ومُتهِم؛ إذا دخل ذلك.

وخامسها: تسليم ذلك كلّه، وادعاء الخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت تخصيصاته في باب النكاح بأمور كثيرة؛ كما خُصَّ بالموهوبة، وبنكاح تسعٍ، وبالنكاح من غير ولي، ولا إذن الزوجة؛ كما فعل مع زينب، إلى غير ذلك.

وسادسها: أن هذه حكاية حال واقعة معينة، تحتمل أنواعًا من الاحتمالات المتقدّمة.

والحديث المقتضي للمنع ابتداء تقعيد قاعدة وتقريرها، فهو أولى على كل حال، والله الموفق.

* * *

ص: 106