الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان
[1512]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالمَصَّتَانِ.
رواه أحمد (6/ 95)، ومسلم (1450)، وأبو داود (2063)، والترمذي (1150)، والنسائي (6/ 101)، وابن ماجه (1941).
[1513]
وعَن أُمِّ الفَضلِ قَالَت: دَخَلَ أَعرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيتِي فَقَالَ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي كَانَت لِي امرَأَةٌ، فَتَزَوَّجتُ عَلَيهَا أُخرَى، فَزَعَمَت امرَأَتِي الأُولَى أَنَّهَا أَرضَعَت امرَأَتِي الحُدثَى رَضعَةً أَو رَضعَتَينِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُحَرِّمُ الإِملَاجَةُ وَلا الإِملَاجَتَانِ.
وفي لفظ آخر: لَا تُحَرِّمُ الرَّضعَةُ أَو الرَّضعَتَانِ، أَو المَصَّةُ أَو المَصَّتَانِ.
ــ
(22)
ومن باب: لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان
(قوله: لا تُحرِّم الإملاجة والإملاجتان) قال أبو عبيد: يعني: المَصَّة والمَصَّتين. والملج: المَصّ. يقال: ملج الصبي أمَّه، يملجها -بالجيم - وملح، يملح - بالحاء المهملة -. وأملَجَت المرأةُ صبيَّها. والإملاجة: أن تُمِصَّه لبنَهَا مرة واحدة. وأمَّا الرَّضاعة: فقال ابن السكيت وغيره: فيه لغتان؛ كسر الراء وفتحها. وكذلك: الرَّضاع. وقد رضع -بفتح الضاد وكسرها - لغتان. ورضُع - بضم الضاد -: إذا كان لئيمًا، فهو: راضع، وجمعه: رُضَّع. ومنه قول ابن الأكوع:
واليوم يوم الرُضَّع
أي: يوم هلاك اللِّئام.
رواه أحمد (6/ 340)، ومسلم (1451)(18 و 20)، والنسائي (6/ 100 و 101)، وأبو داود (2064)، والترمذي (1153).
ــ
قلت: لم يقل أحدٌ فيما علمت بظاهر ذلك (1) الحديث إلا داود. فإنَّه قال: أقل ما يُحرِّم ثلاث رضعات، ولا تُحرِّم الرضعة ولا الرضعتان. وهو تمسُّكٌ بدليل الخطاب. وذهب الشافعي: إلى أن أقل ما يقع به التحريم خمس رضعات، أخذًا بحديث عائشة الآتي. وشذَّت طائفة، فقالت: أقل ما يقع به التحريم عشر رضعات. تمسُّكًا بأنَّه كان فيما أنزل: عشر رضعات. وكأنهم لم يبلغهم الناسخ. وذهب مَن عدا هؤلاء من أئمة الفتوى إلى أن الرضعة الواحدة تُحَرِّم إذا تحققت؛ متمسِّكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرَّضاع. ولا شك في صدق الاسم في مثل قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرضَعنَكُم وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَاعَةِ} وفي قوله: (يحرم من الرَّضاعة ما يحرم من النَّسب)(2) على القليل، كما صدق على الكثير. وعُضِّدَ هذا بما وُجِد من العمل عليه في المدينة. فقد روى مالك عن عروة، وسعيد بن المسيب، وابن شهاب: أن القطرة الواحدة تُحَرِّم. وقد عُضِّدَ ذلك بقياس الرَّضاع على الصِّهر بعلّة: أنه طارئ يقتضي تأبيد الحرمة (3)، فلا يشترط فيه العدد، كالصِّهر (4). أو يقال: مائع يلج الباطن محرمٌ، فلا يشترط فيه عدد كالمني. واعتذر عن تلك الأحاديث بأمور:
أحدها: أنه ليس عليها العمل. قال مالك: ليس العمل على حديث: (ثم نُسِخنِ بخمس معلومات). وهذا إنما يتمشَّى على مذهب من يقول: إن العمل أولى من الخبر. وهو مذهب مالك وأصحابه على تفصيل يعرف في الأصول.
(1) في (ج 2): هذا.
(2)
سبق تخريجه في أحاديث الباب.
(3)
في (ج 2): التحريم.
(4)
ساقط من (ع).
[1514]
وعَنها: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتُحَرِّمُ المَصَّةُ؟ قَالَ: لَا.
رواه مسلم (1451)(23).
* * *
ــ
وثانيها: أنها أحاديث مضطربة متعارضة، الأعداد؛ فيها: عشر، وخمس، وثلاث. فوجب تركها، والتمسَّك بالأصل.
وثالثها: أن عائشة رضي الله عنها ذكرت: (في عشر رضعات، ونسخها في خمس)(1): أن ذلك كان بالقرآن، ولم يتواتر إلينا، فليست بقرآن، ولا رفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرًا من أخبار الآحاد، فلا يصلح التمسُّك به، كما ذكر في الأصول.
وغاية ما يحمل عليه حديث عائشة: أن ذلك كان كذلك، ثم نُسخ كُلُّ ذلك تلاوةً وحُكمًا، والله تعالى أعلم.
وأمَّا حديث: (لا تُحَرِّمُ المصَّة ولا المصَّتان) فهو أنصُّ ما في الباب، غير أنه يمكن أن يُحمل على ما إذا لم يتحقق وصول اللَّبن إلى جوف الرَّضيع. ويؤيد هذا التأويل قوله:(عشر رضعات معلومات) و (خمس معلومات). فوَصفُهَا بالمعلومات إنما هو تحرُّز مما يتوهم، أو يشك في وصوله إلى الجوف من الرضعات. ويفيد دليل خطابه: أن الرضعات إذا كانت غير معلومات لم تُحرِّم. وقال بعضهم: لعل هذا حين كان يشترط في التحريم العشر والعدد، فلما نسخ ارتفع ذلك كلُّه، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) ذُكِر نصُّ هذا الحديث في الباب التالي.