الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرَ تَتَايَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ، فَأَجَازَهُ عَلَيهِم.
رواه مسلم (1472)(17).
* * *
(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
[1544]
عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمكُثُ عِندَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، فَيَشرَبُ عِندَهَا عَسَلًا قَالَت: فَتَوَاطَأتُ أَنَا وَحَفصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلتَقُل: إِنِّي أَجِدُ مِنكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى
ــ
و(قوله: فلما تتايع الناس في الطلاق أجازه عليهم) رويناه: بالياء باثنتين، وبالباء بواحدة، وهما بمعنى واحد. غير أن الياء باثنتين أكثر ما تستعمل في الشَّرِّ. وهي أليق بهذا المعنى، والله تعالى أعلم.
وكذلك القول في الرواية في: (تتايعوا)(1).
(4)
ومن باب: في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(المغافير): جمع مُغفُور، وهو: صمغ حلو له رائحة كريهة؛ يخرجه شجر العُرفُط، وهو بالحجاز.
و(العُرفُط): من شجر العِضَاه، وهو: كل شجر له شوك. وقيل: تشبه رائحته رائحة النبيذ. وقيل: إذا رعته الإبل خبثت رائحة (2) ألبانها حتى
(1) هي في رواية أبي داود (2199).
(2)
سقطت من (ل 1).
إِحدَاهُمَا، فَقَالَت ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: بَل شَرِبتُ عَسَلًا عِندَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، وَلَن أَعُودَ لَهُ.
ــ
يتأذى بها الناس (1).
و(جرست): أكلت. يقال: جَرَستِ النحل، تَجُرسُ جَرسًا: إذا أكلت لِتَعسِّل. ويقال للنحل: جوارس؛ أي: أواكل.
و(العكة): أصغر من القِربَة.
وقول سودة: (لقد كدت أبادئه فرقًا منك) -بالباء بواحدة-؛ أي: أبتدئه بالكلام خوفًا من لومك. وفي رواية ابن الحذَّاء: (أناديه) من النداء. وليس بشيء.
و(قولها: كان يُحبُّ الحلواء والعسل)(الحلواء): هي الشيء المُستَحلَى، وهو دليل على استعمال مباحات لذائذ الأطعمة، والميل إليها، خلافًا لما يذهب إليه أهلُ التَّعمق والغلوِّ في الدين.
و(قوله: بل شربت عسلًا عند زينب، ولن أعود له) زاد البخاري هنا: (وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا) وذلك لئلا يبلغ الأخرى الخبر، وأنه فعله ابتغاء مرضاة أزواجه، فيتغير قلبها. وقيل: كان ذلك في قصة مارية، واستكتامه صلى الله عليه وسلم حفصة: ألا تخبري بذلك عائشة. وقيل: أسرَّ إلى حفصة أن الخليفة بعده أبو بكر ثم عمر. والصحيح: أنه في العسل (2).
ويعني بقوله: (لن أعود له): على جهة التحريم. وبقوله: (حلفت) أي: بالله تعالى؛ بدليل: أنَّ الله تعالى
(1) زاد في (ج 2):
تتميم: المغافير، ويقال: المغاثير -بالثاء المثلثة-: واحدها: مُفعول -بضم الميم-. واختلف في الميم هل هي زائدة أو أصلية؟ وقيل: ليس في الكلام مُفعول -بضم الميم- إلا: مُغفور ومُغرود؛ لضربٍ من الكمأة، ومُنخور: للمنخر.
وهو صمغٌ حلوٌ كالناطف، وله رائحة كريهة، وقيل: له رائحة تشبه رائحة النبيذ.
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
فَنَزَلَ: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى قَولِهِ: إِن تَتُوبَا إلى الله (لِعَائِشَةَ وَحَفصَةَ)
ــ
أنزل عليه معاتبته على ذلك، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ؛ يعني: العسل المحرم بقوله: (لن أعود له){تَبتَغِي مَرضَاتَ أَزوَاجِكَ} ؛ أي: تفعل ذلك طلبًا لرضاهنَّ {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ؛ غفور: لما أوجب المعاتبة، رحيم: برفع المؤاخذة. {قَد فَرَضَ اللَّهُ لَكُم تَحِلَّةَ أَيمَانِكُم وَاللَّهُ مَولاكُم وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} ؛ أي: قدَّر وبيَّن. والفرض: التقدير. وتحلة اليمين: ما يستحل به الخروج عن اليمين. وهي التي قال الله تعالى فيها: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغوِ فِي أَيمَانِكُم وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُمُ الأَيمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية. والأيمان: جمع يمين. واليمين التي حلف النبي صلى الله عليه وسلم بها هي قوله: (وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا). وهذا أصحّ ما قيل في هذه الآية، وأجوده.
وقد روى النسائي من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرَّمها، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآيات (1). وكأنَّ ابن عباس أشار إلى هذا الحديث حيث قال: إن الرَّجل إذا حرَّم عليه امرأته فهي يمين يكفرها. وقال: {لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ}
وقد اختلف السَّلف ومن بعدهم في تحريم الزوجة اختلافًا كثيرًا. مجموعه فيما بلغنا أربعة عشر قولًا:
أحدها: لا شيء عليه. وبه قال الشعبي، ومسروق، وأبو سلمة، وأصبغ. وهو عندهم كتحريم الماء والطعام.
وثانيها: هي ظهار، ففيها كفارة ظهار. قاله إسحاق.
وثالثها: كفارة يمين. قاله ابن عباس، وبعض التابعين.
ورابعها: إن نوى الطلاق؟ فواحدة بائنة، إلا أن ينوي ثلاثًا، فإن نوى اثنتين
(1) رواه النسائي في الكبرى (11607).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فواحدة، فإن لم ينو شيئًا؛ فهي يمين. وهو قول قاله أبو حنيفة، وأصحابه. وبمثله قال زُفر، إلا أنَّه قال: إذا نوى اثنتين ألزمناه.
وخامسها: إن نوى الطلاق؛ فما أراد من أعداده. وإن نوى واحدة؛ فهي رجعية. وهو قول الشافعي. وروي مثله عن أبي بكر، وعمر، وغيرهما من الصحابة والتابعين.
وسادسها: إن نوى ثلاثًا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى يمينًا فهي يمين، وإن لم ينو شيئًا؛ فلا شيء عليه. وهو قول سفيان. وبمثله قال الأوزاعي، وأبو ثور، إلا أنهما قالا: إن لم ينو شيئًا؛ فهي واحدة.
وسابعها: له نيّته، ولا يكون أقل من واحدة. قاله ابن شهاب.
وثامنها: هي في المدخول بها ثلاثٌ، ويُنوَى في غير المدخول بها. وهو قول علي بن زيد، والحكم، والحسن. وهو مشهور مذهب مالك.
وتاسعها: لا ينوى في أقل وإن لم يدخل بها. قاله عبد الملك في المبسوط. وبه قال ابن أبي ليلى.
وعاشرها: هي لمن لم يدخل بها واحدة، وفي المدخول بها: ثلاث. قاله أبو مصعب، ومحمد بن عبد الحكم.
وحادي عشرها: هي واحدة بائنة وإن كانت مدخولًا بها. حكاه ابن خويز منداد عن مالك.
وثاني عشرها: هي واحدة رجعية. حكاه ابن سحنون عن عبد العزيز بن سلمة (1).
وقد تداخل في العدد الذي ذكرنا قولا زفر، والأوزاعي. فالأقوال أربعة عشر.
(1) في (ع) و (ل 1): عبد العزيز بن أبي سلمة، والمثبت من (ج 2) وسير أعلام النبلاء (8/ 321).
وَإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعضِ أَزوَاجِهِ حَدِيثًا (لِقَولِهِ: بَل شَرِبتُ عَسَلًا).
رواه أحمد (6/ 221)، والبخاري (6691)، ومسلم (1474)(20)، وأبو داود (3714).
ــ
وسبب هذا الاختلاف العظيم: أنَّه ليس في كتاب الله الكريم، ولا سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم نصٌّ، ولا ظاهرٌ صحيح يعتمد عليه في هذه المسألة، فتجَاذَبَها الفقهاءُ لذلك. فمن متمسِّك بالبراءة الأصلية، فقال: لا حكم، فلا يلزم بها شيء. ومن ملحق لهذه الكلمة بأصل يعتمده. فواحدٌ يلحقها بالظهار، وآخر يلحقها بالنذر المطلق. وآخر يرى أنها قابلة للنية مطلقا، أو في غير المدخول بها. وأصحابنا يحتجّون لمشهور مذهبهم بعرفٍ ثبتَ عندهم صيَّرها من كنايات الطلاق الظاهرة. والله تعالى أعلم. وهذا كله في الزوجة.
وأما في الأمة: فلا يلزم فيها شيء من ذلك كله، إلا أن ينوي به العتق عند مالك.
وذهب عامة العلماء: إلى أن عليه كفارة يمين، وكأنهم تمسَّكوا بحديث أنس المُتقدِّم. وقال أبو حنيفة: إذا قال ذلك حَرُمَ عليه كل ما حَرَّمَ على نفسه من طعام، أو شراب، أو أمة. ولا شيء عليه حتى إذا تناوله لزمه كفارة يمين. وأُمُّ الولد كالأمة على ما تقدَّم.
و(قوله تعالى: {وَإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعضِ أَزوَاجِهِ حَدِيثًا} هو قوله لحفصة: (بل شربتُ عسلًا، وقد حلفت: لا تخبري أحدًا) على ما تقدم في حديث البخاري. وقيل: هو تحريمه مارية على ما تقدَّم في حديث النسائي. وقيل غير ذلك. وهذان القولان أحسن ما قيل في ذلك.
و(قوله: {فَلَمَّا نَبَّأَت بِهِ وَأَظهَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ عَرَّفَ بَعضَهُ وَأَعرَضَ عَن بَعضٍ} ؛ أي: حديث حفصة حين أفشت ما أمرها بإسراره النبي صلى الله عليه وسلم و {وَأَظهَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ} ؛ أي: أطلَعَ الله تعالى نبيه على ذلك الحديث. {عَرَّفَ بَعضَهُ} مشدَّدًا، وهي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القراءة المشهورة؛ أي: عاتبها على ذلك. وأعرض عن بعضه، فلم يبالغ في المعاتبة عملًا بمكارم الأخلاق، وحسن المصاحبة. وقرأه الكسائي بتخفيف الراء، من:(عَرَفَ) ومعناه: جازى عليه؛ بأن غضب. يقال: عرفتُ حقَّك؛ أي: جازيتُك عليه. و (لأعرفنَّ حقك) بمعناه. وقال الضحاك: إن الذي أعرض عنه حديث الخلافة لئلا ينتشر. وهذا بناه: على أنَّه هو الحديث الذي أسرَّه لحفصة. وهذا القول ليس بشيء؛ إذ لم يثبت بذلك نقل، ولم يدلّ عليه عقل. بل النقل الصحيح ما ذكرناه.
و(قوله: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَت مَن أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم حفصة بالخبر الذي أفشته، فقالت مستفهمة عمن أعلمه بذلك: {مَن أَنبَأَكَ هَذَا}؟ وكأنها خَطَر ببالها أن أحدًا من أزواجه أو غيرهن أخبره. فأجابها بأن قال: {نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ}؛ أي: العليم بالسرائر، الخبير بما تجنُّه الضمائر. ثم قال تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا}؛ يخاطب عائشة وحفصة، وهذا يدلُّ على أن الصحيح من الروايات رواية من روى أن هذه القصة إنما جرت لعائشة وحفصة (1)؛ لأجل العسل الذي شرب عند زينب، أو لأجل مارية، وأنهما هما اللتان تظاهرتا عليه، كما جاء نصًّا من حديث ابن عبَّاس عن عمر على ما يأتي. وهو رواية حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمر، عن عائشة.
وأمَّا رواية أبي أسامة التي ذكر فيها: أن المتظاهرات عليه: عائشة (2) وسودة وصفية (3)؛ فليست بصحيحة؛ لأنها مخالفة للتلاوة؛ فإنها جاءت بلفظ خطاب الاثنتين. ولو كان كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث. قال أبو محمد الأصيلي: حديث الحجاج أصحّ طرقه. وهو أولى
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (م).
(3)
في (ع): حفصة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بظاهر الكتاب. قال غيره: انقلبت الأسماء في حديث أبي أسامة، والله تعالى أعلم.
و{صَغَت قُلُوبُكُمَا} مالت عن الحق. وأراد قلب عائشة وحفصة. وعدل إلى لفظ الجمع استثقالًا للجمع بين تَثنِيَتَين، وقد جمع بينهما من قال: ظَهرَاهُمَا مثل ظُهورِ التُّرسَين.
و(قوله: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ}؛ أي: تعاونا عليه بما تواطأتما عليه في العسل أو في مارية {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ}؛ أي: وليه، ومعينه، وكافيه، فلا يضره من كاده، أو من تعاون عليه. والوقف على مولاه، حسن، ويُبتَدَئ: {وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعدَ ذَلِكَ}؛ أي: بعد تولي الله له (1). {ظَهِيرٌ} أي: مُعِينون له على ما يصلحه، ويحفظه، ويوافقه. وظهير وإن كان واحدًا؛ فمعناه الجمع. وقيل: كل واحد ظهير؛ كما قال تعالى: {ثُمَّ نُخرِجُكُم طِفلا} ؛ أي: كل واحد منكم طفلًا. و {وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ} ؛ أحسن ما قيل فيه: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ومن جرى مجراهما ممن سبق إسلامه، وظهر غناؤه. وقيل: كان حق {وَصَالِحُ} أن يكتب بالواو، ولكنهم حذفوها، ليوافق الخطُّ اللفظ. ويحتمل أن يقال:{وَصَالِحُ} مفرد، لكنه سُلِك به مسلك الجنس، والله تعالى أعلم.
ثم بالغ الله تعالى في تأديب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتهديدهن بقوله: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزوَاجًا خَيرًا مِنكُنَّ مُسلِمَاتٍ} ؛ أي: منقادات بالإسلام والاستسلام. {مُؤمِنَاتٍ} ؛ أي: مصدقات بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ملازمات أحوال المؤمنين به من التعظيم والاحترام. {قَانِتَاتٍ} خاضعات لله بالعبودية، ولرسوله
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
[1545]
وعَنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحَلوَاءَ وَالعَسَلَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدنُو مِنهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفصَةَ فَاحتَبَسَ عِندَهَا أَكثَرَ مِمَّا كَانَ يَحتَبِسُ، فَسَأَلتُ عَن ذَلِكَ فَقِيلَ لِي: أَهدَت لَهَا امرَأَةٌ مِن قَومِهَا عُكَّةً مِن عَسَلٍ، فَسَقَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنهُ شَربَةً. فَقُلتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِسَودَةَ وَقُلتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيكِ فَإِنَّهُ سَيَدنُو مِنكِ، فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لَا. فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشتَدُّ عَلَيهِ أَن تُوجَدَ مِنهُ
ــ
بإيثار الطَّواعية على الغيرة النفسية. {عَابِدَاتٍ} يقمن لله بما له عليهن من العبادة، وبما لك عليهن من الحرمة والخدمة. {سَائِحَاتٍ} ابن عباس: صائمات، زيد بن أسلم: مهاجرات، من السياحة في الأرض. ويمكن أن يقال: مسرعات إلى ما يرضيك، ذاهبات فيه، فلا يشتغلن (1) بسوى ذلك؛ لأن من ساح في الأرض فقد ذهب فيها، وانقطع إلى غيرها. {ثَيِّبَاتٍ} جمع ثيب. قيل: يعني بذلك: آسية امرأة فرعون. {وَأَبكَارًا} جمع بكر. قيل: يعني بذلك: مريم. وفيه نظر وبُعدٌ.
وما ذكرناه في هذه الآية إشارة إلى المختار. والأقوال فيها أكثر مما ذكرناه. فلنقتصر على ذلك القدر، والله تعالى الموفق (2).
و(قول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن) يُستَدَلُّ بهذا لأحد القولين المُتقدِّمين، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن القسم عليه واجبا. ويمكن أن يصرف عن ذلك؛ بأن يقال: إن ذلك إنما كان يفعله؛ لأنهن كن قد أذن له في ذلك؛ بدليل ما جاء في الأم (3): أنَّه كان صلى الله عليه وسلم يستأذنهن إذا كان في
(1) في (ج 2): يستعجلن.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
(3)
انظر صحيح مسلم، الحديث رقم (1476).
الرِّيحُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتنِي حَفصَةُ شَربَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ: جَرَسَت نَحلُهُ العُرفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكِ لَهُ، وَقُولِيهِ أَنتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَودَةَ قَالَت: تَقُولُ سَودَةُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَد كِدتُ أَن أُبَادِئَهُ بِالَّذِي قُلتِ لِي، وَإِنَّهُ لَعَلَى البَابِ فَرَقًا مِنكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: لَا، قلَت: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: سَقَتنِي حَفصَةُ شَربَةَ عَسَلٍ، قَالَت: جَرَسَت نَحلُهُ العُرفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلتُ لَهُ مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَت له مِثلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفصَةَ قَالَت له: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسقِيكَ مِنهُ؟ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ. قَالَت: تَقُولُ سَودَةُ: سُبحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَد حَرَمنَاهُ قَالَت: قُلتُ لَهَا: اسكُتِي.
رواه البخاريُّ (5268)، ومسلم (1474)(21)، وأبو داود (3715)، والنسائي (6/ 151)، وابن ماجه (3323).
[1546]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قالُ: إذا حَرمِ الرجل عليه امرأته فهي يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.
وَقَالَ: لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ.
رواه البخاريُّ (5266)، ومسلم (1473)(18)، والنسائي (6/ 151).
* * *
ــ
يوم المرأة منهن. وقد يُستدل به من يرى القَسمَ واجبا؛ لكنه بالليل دون النهار.
وقال الداودي: كأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد العصر ملغى؛ أي: جعله وقتًا مشتركًا لجميعهن.
و(قولها: (فيدنو منهنَّ) أي: من غير مسيس. وقد جاء كذلك في بعض الروايات، وإنما كان يفعل ذلك تأنيسًا لهن، وتطييبًا لقلوبهن؛ حتى ينفصل عنهن إلى التي هو في يومها، ويتركها طيبة القلب، والله تعالى أعلم.