الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخَاهُ أَرضَهُ، خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَأخُذَ عَلَيهَا كَذَا وَكَذَا لِشَيءٍ مَعلُومٍ، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الحَقلُ، وَهُوَ بِلِسَانِ الأَنصَارِ المُحَاقَلَةُ.
رواه أحمد (1/ 313)، ومسلم (1550)(122).
[1637]
وعَن ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن المُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: لَا بَأسَ بِهَا.
رواه مسلم (1549)(119).
* * *
(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع
(1551)
(2)[1638] عَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: أَعطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ بِشَطرِ مَا
ــ
(14)
ومن باب: المساقاة
وهي مأخوذة من السقي. وأصلها: تعاهد الأشجار بالماء. ثم قد صارت عبارة - بحكم العرف- عن العمل في الأشجار بما يصلحها من سقي، وإبار، وجداد، وغير ذلك من العمل الذي تصلح به الثمرة على جزء مسمى، يأخذه العامل من الثمرة. وقد اختلف العلماء في حكمها، ومحلها، ووقتها.
فأما حكمها: فالجواز عند مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، وكثير من الكوفيين، تمسّكًا بهذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب، وبقياسها على القراض. وهو متفق عليه؛ لأنها في معناه. ومنعها أبو حنيفة، وزفر من أصحابه لما فيها من الغرر؛ ولأنها من باب: بيع الثمر قبل طيبه. وهو منهي عنه كما تقدَّم. وحمل أحاديث مساقاة خيبر على أن أهلها كانوا عبيدًا للنبي صلى الله عليه وسلم فما أخذ فهو له،
يَخرُجُ مِن تَمَرٍ أَو زَرعٍ، وكَانَ يُعطِي أَزوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسقٍ ثَمَانِينَ وَسقًا
ــ
وهذا بناه على أن النبي صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة. وهذا غير مُسَلّم له، فإن خيبر كانت قرى كثيرة؛ فمنها ما فتح عنوة، ومنها ما فتح صلحًا؛ كذلك رواه مالك ومن تابعه، وهو قول ابن عقبة. ولو سُلِّم: أنه فتحها عنوة فلا يُسلّم أن السيد يجوز له أن يعامل عبده بالرِّبا، ولا أن يعاقده عقدًا فاسدًا بغرر أو مجهول. وقد نصَّ في هذا: أنَّه عاقدهم عليها، وشرط عليهم، وشرطوا عليه. ولا يجوز أن يحمل ذلك على أنه انتزاع مال من أيديهم، لا لغة، ولا عرفًا. فبطل ما قالوه.
وأما محلها: فمنعها داود في كل شيء إلا في النخل. والشافعي إلا في النخل، والكرم. وأجازها مالك في سائر الشجر؛ إذا احتاج للمساقاة. والمشهور عندنا: منعها في الزرع إلا إذا عجز عنه أهله. فأمَّا داود: فقصرها على محل ورودها، وأما الشافعي: فبناه على أنها رخصة، ولا تتعدى الرخص. لكنه قد ألحق بالنخيل الكرم، مع أنه ليس فيه حديث صحيح. فإن كان ثبت عنده به نقل فقد صح له المشي على ذلك الأصل، وإن لم يثبت ذلك فليزمه مذهب داود. والإلحاق كما ذهب إليه مالك، لأن الشجر كله في معنى النخل، من حيث إنه يحتاج إلى علاج، وعمل، وسقي إلى انتهاء الثمرة. وهي أصول قائمة ثابتة يدوم أمرها، وتدوم الحاجة إلى القيام عليها. ومن هنا فارقت الزرع القائم. فإن ألغينا هذا القيد؛ جازت فيه المساقاة على ما تقدَّم. والله تعالى أعلم.
وأما وقت انعقادها: فعند الشافعي ما لم تظهر الثمرة؛ لأنها إذا ظهرت فقد ملكها رب النخل، فإذا دفع جزأها في مقابلة العمل؛ فقد باع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها. وعند مالك: ما لم تطب، وإن كانت قد ظهرت. وعنه في ذلك بعد الطيب قولان. وأصله في ذلك: أن القراض، والمساقاة، عقدان مستثنيان من الإجارة المجهولة، للحاجة إلى ذلك، وللرفق الحاصل لرب المال والعامل؛ إذ ليس كل من له مال يحسن القيام عليه ولا العمل فيه، ثم من الناس من يحسن
مِن تَمرٍ، وَعِشرِينَ وَسقًا مِن شَعِيرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بن الخطاب قَسَمَ خَيبَرَ خَيَّرَ أَزوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَن يُقطِعَ لَهُنَّ الأَرضَ وَالمَاءَ، أَو يَضمَنَ لَهُنَّ الأَوسَاقَ
ــ
العمل ولا مال له. فاقتضت حكمة الشرع أن يرفق بكل واحد منهما على ما تيسر غالبًا. ولما ظهر له ذلك طرد المعنى، فحيث دعت الحاجة إلى ذلك أعملها. وعلى هذا فتجوز المساقاة في النخل بعد الطيب. وفي الزرع إذا عجز عنه أهله. والله تعالى أعلم.
و(قوله: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر) وفي لفظ آخر: (عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع) بإثبات لفظ: (أو) التي للتنويع. أو بمعنى: (الواو) كما قال في الرواية الأخرى: (على نصف ما يخرج منها من الثمر والزرع) بغير ألف، وظاهر هذا الحديث: أن أرض خيبر - أعني: بياضها - كان كثيرًا، وأنه كان مقصودًا له صلى الله عليه وسلم ولهم، وأنه ضم المساقاة في الأصول وكراء الأرض بما يخرج منها في عقد واحد. ويتمسَّك به من قال: يجوز كراء الأرض بجزء مما تنبت، كما تقدم (1). ويتمسَّك به أيضًا من جوز أن يضم إلى المساقاة عقد غيرها.
قلت: والجمهور على ترك هذا الظاهر لما تقدَّم في منع كراء الأرض بجزء مما يخرج منها. وإذا منع ذلك منفردًا للغرر والرِّبا؛ كان أحرى، وأولى أن يمنع إذا اجتمع مع غيره مما يكثر فيه الغرر، ولما كان ذلك حمل الجمهور هذا على أحد محملين.
فأمَّا مالك فقال: إن بياض خيبر كان قليلًا تابعًا للأصول بين أضعاف السو د، فجاز ذلك فيه لتبعية الأصول، وشرط في الجواز اتفاق البياض والأصول في الجزء. فلو اختلفا في الجزء لم يجز لزوال التبعية.
وقال غيره: يجوز أن يكون الذين ساقى غير الذين زارع. وتكون مزارعته لمن زارعه منهم على الوجه الجائز فيها، ثم إن الراوي نقل ذلك جملة، ولم يفصل كيف وقعت المزارعة، ولا من الذين سوقوا من الذين زورعوا، والله تعالى أعلم.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ل 1).
كُلَّ عَامٍ فَاختَلَفنَ، فَمِنهُنَّ مَن اختَارَ الأَرضَ وَالمَاءَ، وَمِنهُنَّ مَن اختَارَ الأَوسَاقَ كُلَّ عَامٍ، فَكَانَت عَائِشَةُ وَحَفصَةُ مِمَّن اختَارَتَا الأَرضَ وَالمَاءَ.
رواه البخاري (2285)، ومسلم (1551)(2)، وأبو داود (3008)، وابن ماجه (2467).
[1639]
وعنه: أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَجلَى اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِن أَرضِ الحِجَازِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيبَرَ، أَرَادَ إِخرَاجَ اليَهُودِ مِنهَا، فَسَأَلَت اليَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُقِرَّهُم بِهَا، عَلَى أَن يَكفُوا عَمَلَهَا وَلَهُم نِصفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نُقِرُّكُم بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئنَا. فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجلَاهُم عُمَرُ إِلَى تَيمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
ــ
و(قوله: وكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق) يريد بقسمته بينهن ألا تطالبه واحدة منهن بنفقة تلك السنة، وهذا - والله أعلم - كان بعد أن كان أزواجه طالبنه بالنفقة، وأكثرن عليه، كما تقدَّم في كتاب النكاح. ويدل هذا على أن ادخار ما يحتاج الإنسان إليه، ويعده للحاجات المتوقعة في الاستقبال، ليس قادحًا في التوكل، ولا منقصًا منه.
و(قوله: فلما ولي عمر قسم خيبر) يعني: قسم سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان له بخيبر الذي كان وقفه النبي صلى الله عليه وسلم لمؤونة عياله وعامله بعد إجلاء عمر رضي الله عنه اليهود منها. وإنما أجلى عمر بن الخطاب اليهود والنصارى من الحجاز؛ لأنهم لم يكن لهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم على بقائهم بالحجاز دائمًا، بل ذلك كان موقوفًا على مشيئته، ولما عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بإخراجهم من جزيرة العرب، وانتهت النوبة إلى عمر، أخرجهم من الحجاز إلى تيماء، وأريحاء، على ما يأتي، إن شاء الله تعالى.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: (نقركم بها على ذلك ما شئنا) تمسَّك به بعض أهل الظاهر
رواه أحمد (2/ 149)، والبخاري (2338)، ومسلم (1551)(6) وأبو داود (3008)، وابن ماجه (2467).
* * *
ــ
على جواز المساقاة إلى أجل مجهول. وجمهور الفقهاء: مالك، والشافعي، والثوري، وأكثر علماء المدينة: على أنها لا تجوز إلا لأمد معلوم. وقالوا: إن هذا الكلام جواب لما طلبوه حين أراد إخراجهم منها. وقولهم له: على أن نكفيكم العمل، إنما كان منهم على سبيل إظهار المصلحة المرغبة في إبقائهم في تلك البلاد، فكأنهم قالوا: إبقاؤنا فيها أنفع لكم من إخراجنا؛ لأنا نكفيكم مؤونة العمل في أرضكم، وتأخذون نصف ما يخرج منها، فإن أخرجنا بقيت الأرض أو غالبها لا عامر لها. فلما فهمت المصلحة أجابهم إلى الإبقاء، ووقفه على مشيئته. وبعد ذلك عاملهم على عقد المساقاة، والله تعالى أعلم.
وقد دلَّ على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه: (عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شطر ما يخرج منها). فأفرد العقد بالذكر دون ذكر الصلح على الإبقاء. فإن قيل: فلم ينصّ ابن عمر على مدَّة معلومة، لا هو ولا غيره ممن روى القصة، فمن أين يشترط الأجل؛ فالجواب: أن الإجماع قد انعقد على منع الإجارة المجهولة فيما من شأنه أن يعرف العمل فيه بالزمان.
والمساقاة من باب الإجارة، لكن اغتُفِرَت فيها حالة جهالة مقدار ما يحصل من الأجرة. وهذا موضع الرخصة الخاصة بها، فاستثني جواز ذلك، وبقي تعيين الزمان على أصله من وجوب المراعاة. فإن قيل: لا نسلم أنها من باب الإجارة، بل هي أخت القراض، وهو أصلها، كما قدمتم. والقراض لا يحتاج إلى ضرب مدة، فكذلك المساقاة. فالجواب: أن المساقاة، وإن أشبهت القراض (1)، فيما ذكرناه، غير أنها تفارقه من وجه آخر؛ وهو: أن الفائدة الحاصلة منها مقيدة في العادة بالزمان؛ إذ الغالب من
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثمرة أنها لا بدّ منها في كل سنة، وهي الفائدة. ولذلك قلنا نحن وأبو ثور: إذا وقعت المساقاة، ولم تتعين فيها مدة، صحت، وحملت على مدة فائدة تلك السَّنة، وليس كذلك القراض؛ إذ لا يدرى هل يحصل منه فائدة أو لا؟ وإذا حصلت فلا يدرى ما هي؟ فكان القراض بباب الجعل أولى، ولذلك كان في المشهور عقدًا جائزًا (1)، ولا يحتاج إلى أجل. وكانت المساقاة بباب الإجارة أولى، ولذلك كانت عقدًا لازمًا، واحتاج إلى ضرب الأجل.
وعلى هذا فيحتمل الحديث أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عيَّ للمساقاة أجلًا لم يسمعه الراوي، فلم ينقله، أو وقع عقد المساقاة، وحمل على سنة واحدة، فلما جاءت السنة الأخرى بقاهم على ذلك. وهكذا في الأعوام المتوالية، والله تعالى أعلم.
و(قوله: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل خيبر ليهودها على أن يعملوها من أموالهم) يعني به: النفقة فيما تحتاج الثمرة إليه من نفقة الأجراء، والدواب، والعلوفة، والآلات، والأجر في العزاق والجداد، وغير ذلك مما يذهب بذهاب المساقاة. وأما ما يبقى بعدها كبناء حائط، أو حفر بئر أو نحوه فلا يلزم العامل.
و(قوله: كان يعطي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة مائة وسق: ثمانين وسق من تمر، وعشرين وسق من شعير) دليل لمالك: على قوله: إن بياض خيبر كان تابعًا لسوادها. ألا ترى: أن الشعير خمس، والتمر أربعة أخماس؛ ولذلك صحَّ أن يدخل في المساقاة بالشرط، ولكن بشرط اتفاق الجزء كما تقدَّم. وقد استحب مالك أن يلغيه للعامل رفقًا به، وإحسانًا إليه. وهذا الحديث وغيره دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قسم أرض خيبر على خمسة أخماس، على قسم الغنائم. وكذلك قال الشافعي. وهو مقتضى عموم قوله تعالى:{وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ومالك وأصحابه يرون إيقاف الأرض للمسلمين ممن
(1) في (ج 2): لازمًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حضر وغاب، وممن يأتي بعد، تمسكًا بفعل عمر رضي الله عنه في أرض العراق والشام ومصر، فإنه أقرها، ولم يقسمها، واحتج بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم} وتأول عطفه على قوله: {لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام في قسمتها، أو إقرارها بأيدي أهلها، وتوظيف الخراج عليها، وتصييرها ملكًا لهم كأرض الصلح.
فإن قيل: فكيف يرفع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعمله بمقتضى عموم الآية بقول عمر وفعله؟ فالجواب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي فعله في قسم خيبر ليس على جهة التحتيم الذي لا يجوز غيره، وإنما هو أحد الوجهين الجائزين. غير أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر له: أن الأولى قسمتها في ذلك الوقت، لشدَّة حاجة أولئك الغانمين. ولما كان زمن عمر رضي الله عنه اتسعت أموال المسلمين لكثرة الفتوحات عليهم؛ فرأى: أن إيقافها لمصالح المسلمين أولى من قسمتها (1)، وتابعه على ذلك أهل عصره، ولم يخالفه أحد من الصحابة، فصار كالإجماع على صحة ما فعل وجوازه. وعند هذا يظهر: أن الأولى قول الكوفيين؛ الذي هو التخيير؛ لأنه جمع بين الأمرين. وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه قطعًا. ولذلك قال عمر رضي الله عنه فيما رواه عنه مالك (2): لولا أن أترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانًا، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانًا. فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا بتخصيصه بهم. فلم يبق إلا ما ذكرناه. غير أن الكوفيين زادوا على ما فعل عمر. فإن عمر إنما وقفها على مصالح المسلمين، ولم يملكها لأهل الصلح، وهم قالوا للإمام أن يملكها أهل الصلح. وأما من لم يسلك هذه الطريقة فيلزمه: إما نسخ
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
رواه البخاري (2334)، وأبو داود (3020).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعل النبي صلى الله عليه وسلم بفعل عمر رضي الله عنه وهو باطل قطعًا. وإما نسبة عمر ومن كان معه من الصحابة إلى الخطأ، حيث فعلوا ما لا يجوز. وهو باطل قطعًا.
وقد استمر العمل بين الأمة بعد ذلك الصدر على استمرار وقف تلك الأراضي التي وقف عمر رضي الله عنه إلى الآن، ولم يتعرض أحد إلى نقضها، ولا إلى تغييرها عما وضعها عليه عمر - فيما علمت - حتى اليوم. فتطابق إجماع السابقين واللاحقين، ولم يلتفت إلى من خالفهم من المتأخرين.
وإنما خيّر عمر رضي الله عنه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بين إقطاع الأرض، وبين ضمان الأوساق مبالغة في صيانتهن، وكفايتهن التبذل في تحصيل ذلك، فسلك معهن ما يطيب قلوبهن ويصونهن. ولم يكن هذا الإقطاع لمن اختاره منهن إقطاع تمليك؛ لأنه لو كان ذلك منه لكان تغييرًا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال عمر لعليّ والعباس: لا أغير من أمرها شيئًا، إني أخاف إن غيرت من أمرها شيئًا أن أزيغ. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما تركت بعد نفقة عيالي، ومؤونة عاملي فهو صدقة)(1) ووقف الأرض لذلك. وإنما كان إقطاع اغتلال. وذلك أنه قسم عدد الأوساق المائة على عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمن اختارت الأوساق ضمنها لها. ومن اختارت النخل أقطعها قدر ذلك لتتصرف فيها تصرف المستغل، لا المالك، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه أحمد (1/ 208)، والبخاري (5358).