الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح
[1679]
عَن أَبِي الأَشعَثِ قَالَ: غَزَونَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ،
ــ
بيد). وقد بالغ مالك رحمه الله في هذا، حتى منع المواعدة على الصرف، والحوالة، والوكالة على عقد الصرف دون القبض. ومنع أن يعقد الصرف، ويقوم إلى قعر دكانه، ثم يفتح صندوقه، ويخرج ذهبه. بناء على ما تقدَّم من أصله. وهذا هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه عن الشرع حين قال:(وإن أنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره، إني أخاف عليكم الربا). وقال: (دعوا الربا والريبة).
و(الورق) - بكسر الراء -: الفضة. وهو اسم جنس معرَّف بالألف واللام الجنسيتين، فيتضمن ذلك الجنس كله، مسكوكه، ومصوغه، وتبره، ونقاره. وكذلك الذهب، فلا يجوز مصوغ بتبر إلا مثلًا بمثل. وكذلك جميع أنواعها. وليس له أن يستفضل (1) قيمة الصنعة، ولا عمالتها. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
(26)
ومن باب: تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح
الرِّبا في اللغة: الزيادة مطلقا. يقال: ربا الشيء، يربو: إذا زاد. ومنه الحديث: (فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها)(2) يعني به: الطَّعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. ثم إن الشرع قد تصرَّف في هذا الإطلاق، فقصره على بعض موارده، فمرَّة أطلقه على اكتساب الحرام كيفما كان، كما قال تعالى في اليهود:{وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ} ولم يرد به الرِّبا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا؛ وإنما أراد المال الحرام، كما قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ
(1) سقطت من (ع).
(2)
رواه البخاري (3581)، ومسلم (2057).
فَغَنِمنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمنَا آنِيَةٌ مِن فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَن يَبِيعَهَا فِي أَعطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنهَى عَن بَيعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ بِالفِضَّةِ، وَالبُرِّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمرِ بِالتَّمرِ، وَالمِلحِ بِالمِلحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَينًا بِعَينٍ، فَمَن زَادَ أَو ازدَادَ فَقَد أَربَى.
ــ
أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ} يعني به: المال الحرام من الرُّشا، وما استحلوه من أموال الأميين حيث:{قَالُوا لَيسَ عَلَينَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} وعلى هذا: فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب.
والربا الذي غلب عليه عُرفُ الشرع: تحريم النَّساء، والتفاضل في النقود، وفي المطعومات، على ما تقدم وعلى ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
و(قوله: غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية) يعني: أميرًا، لا خليفة؛ فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك الوقت بكثير.
و(قوله: فغنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية أن يبيعها في أُعطيات الناس) هذا البيع لهذه الآنية كان بالدَّراهم، ولذلك أنكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه واستدلّ عليه بقوله:(الفضة بالفضة) ولو كان بذهب أو عرض لَمَا كان للإنكار، ولا للاستدلال وجه.
و(قوله: فتسارع الناس في ذلك) يعني في شراء تلك الآنية بالدَّراهم. وهو يدلُّ على أقلية العلماء، وأن الأكثر الجهال. ألا ترى معاوية رضي الله عنه قد جهل ذلك مع صحبته، وكونه من كُتَّاب الوحي، ويحتمل أن يقال: إن معاوية كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس وغيره. والأول أظهر من مساق هذا الخبر. فتأمل نصَّه؛ فإنَّه صريح: في أن معاوية لم يكن علم بشيء من ذلك.
و(قوله: نهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح) قد تقدَّم القول في النقود،
في رواية: الآخِذُ وَالمُعطِي فِيهِ سَوَاءٌ. فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ، قَد كُنَّا نَشهَدُهُ وَنَصحَبُهُ فَلَم نَسمَعهَا مِنهُ؟ فَقَامَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَأَعَادَ القِصَّةَ، قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعنَا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِن كَرِهَ مُعَاوِيَةُ، (أَو قَالَ: وَإِن رَغِمَ) مَا أُبَالِي أَلَا أَصحَبَهُ فِي جُندِهِ لَيلَةً سَودَاءَ. قَالَ حَمَّادٌ هَذَا أَو نَحوَهُ.
ــ
والقول هنا في الأطعمة. ولم يختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الستة (1)، لكن هل تعلق حكم الرِّبا بأسمائها أم بمعانيها؟ فأهل الظاهر قصروه على أسمائها، فلا يجري الرِّبا عندهم في غير هذه الأصناف الستة. وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا: أن ذلك الحكم متعلق بمعانيها. وتمسَّكوا في ذلك بما تقدَّم، وبأن الدقيق يجري فيه حكم الرِّبا بالاتفاق، ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث. فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردودٌ إلى حَبِّه في حكمه. قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلَّق بأسمائها، بل بمعانيها. والله تعالى أعلم.
وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى. فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا. وذهب الشافعي في القديم: إلى أن المعنى: هو أنه مأكول مكيل، أو موزون جنسًا. وفي الجديد: هو أنَّه مطعوم جنس. وحُكي عن ربيعة: أن العلة هي: كونه جنسًا تجب فيه الزكاة. واختلفت عبارات أصحابنا. وأحسن ما في ذلك هو كونه مقتاتًا، مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا. ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها علم الخلاف، وكتب الفروع.
و(قوله: البُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير) دليل على أنهما نوعان مختلفان؛
(1) في (م) و (ج 2) و (ع): الأربعة. ويشير بذلك إلى المطعومات فقط. والمثبت من (ل 1).
وفي رواية: مِثلًا بِمِثلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اختَلَفَت هَذِهِ الأَصنَافُ، فَبِيعُوا كَيفَ شِئتُم إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. ومن حديث أبي هريرة:
ــ
كمخالفة التمر للبُرٍّ؛ وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، وابن عُلّيَّة، وفقهاء أهل الحديث. وذهب مالك، والأوزاعي، والليث، ومعظم علماء المدينة والشام: إلى أنهما صنف واحد. وهو مروي عن عمر، وسعيد، وغيرهما من السَّلف متمسكين بتقاربهما في المنبت، والمحصد، والمقصود؛ لأن كل واحد منهما في معنى الآخر، والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيِّد الشيء لرديئه.
و(قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) إشارة إلى ما ذكره في الحديث من الأصناف، ويلحق بها ما في معناها على ما ذكرناه آنفًا، وينضاف إلى كل نوع منها ما في معناه، وما يقاربه، وما بعد عن ذلك كان صنفًا منفردًا بنفسه، ولذلك لم يختلف قول مالك: في أن الدُّخنَ صنف منفرد، وكذلك الأرز، وهو قول كافة العلماء. والعَلَس عند أكثر المالكية صنف منفرد. وقال الشافعي: هو صنف من أصناف الحنطة. وقاله بعض أصحابنا. واختلف قول مالك في القطاني. هل هو صنف واحد، أو أصناف؟ وقد ضم مالك السَّلت إلى البر والشعير. وقال الشافعي: هو صنف منفرد بنفسه. وقال الليث: السَّلت، والدُّخن، والذرة، صنف واحد. وقاله ابن وهب. وسبب هذا الاختلاف اختلاف الشهادة بالتقارب في المقصود، والمحصد، والمنبت. فمن شهدت له عادة استعمال صنف في معنى صنف، وشابهه في شيء مما ذكرناه ألحقه به. ومن لم يحصل له ذلك لم يلحق. والأصل: أن ما اختلفت أسماؤه، ومقاصده أن يعدَّ أصنافًا مختلفة بدليل ظاهر الحديث المتقدِّم، والله تعالى أعلم.
و(قوله: وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، سواءً بسواء) يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الرِّبَوِيّ بصنفه. وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع،
فَمَن زَادَ أَو استَزَادَ فَهو ربا.
رواه مسلم (1587)، وأبو داود (3349)، والنسائي (7/ 274)، وابن ماجه (4454).
* * *
ــ
أو بالعادة وزنًا أو كيلًا. والأولى عند مالك: أن تجعل ذهبك في كفة، ويجعل ذهبه في كفة، فإذا استوى أخذ وأعطي، وكذلك يكون الكيل واحدًا، ويجوز بصنجة واحدة؛ معلومة المقدار بالعادة أو بالتحقيق. ولا يجوز عند مالك والشافعي في الصرف ولا غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول، يتفقان عليه؛ لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه.
قلت: وعلى هذا التعليل؛ فلا تجوز المراطلة (1) المذكورة، لوجود الجهل المذكور.
و(قوله: فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أي: من بذل الزيادة، وطاع بها، ومن سألها، كل واحد منهما قد فعل الرِّبا. وهما سواء في الإثم؛ كما قال في الرواية الأخرى:(الآخذ والمعطي فيه سواء) أي: في فعل المُحَرَّم، وإثمه. وفي كتاب أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الرِّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه). وقال:(هم سواء)(2) أي: في استحقاق اللعنة والإثم.
* * *
(1) قال في اللسان: رطله: رازه ووَزَنه ليعلم كم وزنه.
(2)
رواه أبو داود (3333) دون قوله: "هم سواء". والحديث بتمامه عند مسلم (1598)، وانظره في التلخيص برقم (1991).