المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(26) باب تحريم الربا في البر والشعير والتمر والملح - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(26) باب تحريم الربا في البر والشعير والتمر والملح

(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

[1679]

عَن أَبِي الأَشعَثِ قَالَ: غَزَونَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ،

ــ

بيد). وقد بالغ مالك رحمه الله في هذا، حتى منع المواعدة على الصرف، والحوالة، والوكالة على عقد الصرف دون القبض. ومنع أن يعقد الصرف، ويقوم إلى قعر دكانه، ثم يفتح صندوقه، ويخرج ذهبه. بناء على ما تقدَّم من أصله. وهذا هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه عن الشرع حين قال:(وإن أنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره، إني أخاف عليكم الربا). وقال: (دعوا الربا والريبة).

و(الورق) - بكسر الراء -: الفضة. وهو اسم جنس معرَّف بالألف واللام الجنسيتين، فيتضمن ذلك الجنس كله، مسكوكه، ومصوغه، وتبره، ونقاره. وكذلك الذهب، فلا يجوز مصوغ بتبر إلا مثلًا بمثل. وكذلك جميع أنواعها. وليس له أن يستفضل (1) قيمة الصنعة، ولا عمالتها. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

(26)

ومن باب: تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

الرِّبا في اللغة: الزيادة مطلقا. يقال: ربا الشيء، يربو: إذا زاد. ومنه الحديث: (فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها)(2) يعني به: الطَّعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. ثم إن الشرع قد تصرَّف في هذا الإطلاق، فقصره على بعض موارده، فمرَّة أطلقه على اكتساب الحرام كيفما كان، كما قال تعالى في اليهود:{وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ} ولم يرد به الرِّبا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا؛ وإنما أراد المال الحرام، كما قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ

(1) سقطت من (ع).

(2)

رواه البخاري (3581)، ومسلم (2057).

ص: 472

فَغَنِمنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمنَا آنِيَةٌ مِن فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَن يَبِيعَهَا فِي أَعطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنهَى عَن بَيعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ بِالفِضَّةِ، وَالبُرِّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمرِ بِالتَّمرِ، وَالمِلحِ بِالمِلحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَينًا بِعَينٍ، فَمَن زَادَ أَو ازدَادَ فَقَد أَربَى.

ــ

أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ} يعني به: المال الحرام من الرُّشا، وما استحلوه من أموال الأميين حيث:{قَالُوا لَيسَ عَلَينَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} وعلى هذا: فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب.

والربا الذي غلب عليه عُرفُ الشرع: تحريم النَّساء، والتفاضل في النقود، وفي المطعومات، على ما تقدم وعلى ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

و(قوله: غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية) يعني: أميرًا، لا خليفة؛ فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك الوقت بكثير.

و(قوله: فغنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية أن يبيعها في أُعطيات الناس) هذا البيع لهذه الآنية كان بالدَّراهم، ولذلك أنكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه واستدلّ عليه بقوله:(الفضة بالفضة) ولو كان بذهب أو عرض لَمَا كان للإنكار، ولا للاستدلال وجه.

و(قوله: فتسارع الناس في ذلك) يعني في شراء تلك الآنية بالدَّراهم. وهو يدلُّ على أقلية العلماء، وأن الأكثر الجهال. ألا ترى معاوية رضي الله عنه قد جهل ذلك مع صحبته، وكونه من كُتَّاب الوحي، ويحتمل أن يقال: إن معاوية كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس وغيره. والأول أظهر من مساق هذا الخبر. فتأمل نصَّه؛ فإنَّه صريح: في أن معاوية لم يكن علم بشيء من ذلك.

و(قوله: نهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح) قد تقدَّم القول في النقود،

ص: 473

في رواية: الآخِذُ وَالمُعطِي فِيهِ سَوَاءٌ. فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ، قَد كُنَّا نَشهَدُهُ وَنَصحَبُهُ فَلَم نَسمَعهَا مِنهُ؟ فَقَامَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، فَأَعَادَ القِصَّةَ، قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعنَا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِن كَرِهَ مُعَاوِيَةُ، (أَو قَالَ: وَإِن رَغِمَ) مَا أُبَالِي أَلَا أَصحَبَهُ فِي جُندِهِ لَيلَةً سَودَاءَ. قَالَ حَمَّادٌ هَذَا أَو نَحوَهُ.

ــ

والقول هنا في الأطعمة. ولم يختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الستة (1)، لكن هل تعلق حكم الرِّبا بأسمائها أم بمعانيها؟ فأهل الظاهر قصروه على أسمائها، فلا يجري الرِّبا عندهم في غير هذه الأصناف الستة. وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا: أن ذلك الحكم متعلق بمعانيها. وتمسَّكوا في ذلك بما تقدَّم، وبأن الدقيق يجري فيه حكم الرِّبا بالاتفاق، ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث. فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردودٌ إلى حَبِّه في حكمه. قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلَّق بأسمائها، بل بمعانيها. والله تعالى أعلم.

وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى. فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا. وذهب الشافعي في القديم: إلى أن المعنى: هو أنه مأكول مكيل، أو موزون جنسًا. وفي الجديد: هو أنَّه مطعوم جنس. وحُكي عن ربيعة: أن العلة هي: كونه جنسًا تجب فيه الزكاة. واختلفت عبارات أصحابنا. وأحسن ما في ذلك هو كونه مقتاتًا، مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا. ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها علم الخلاف، وكتب الفروع.

و(قوله: البُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير) دليل على أنهما نوعان مختلفان؛

(1) في (م) و (ج 2) و (ع): الأربعة. ويشير بذلك إلى المطعومات فقط. والمثبت من (ل 1).

ص: 474

وفي رواية: مِثلًا بِمِثلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اختَلَفَت هَذِهِ الأَصنَافُ، فَبِيعُوا كَيفَ شِئتُم إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. ومن حديث أبي هريرة:

ــ

كمخالفة التمر للبُرٍّ؛ وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، وابن عُلّيَّة، وفقهاء أهل الحديث. وذهب مالك، والأوزاعي، والليث، ومعظم علماء المدينة والشام: إلى أنهما صنف واحد. وهو مروي عن عمر، وسعيد، وغيرهما من السَّلف متمسكين بتقاربهما في المنبت، والمحصد، والمقصود؛ لأن كل واحد منهما في معنى الآخر، والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيِّد الشيء لرديئه.

و(قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) إشارة إلى ما ذكره في الحديث من الأصناف، ويلحق بها ما في معناها على ما ذكرناه آنفًا، وينضاف إلى كل نوع منها ما في معناه، وما يقاربه، وما بعد عن ذلك كان صنفًا منفردًا بنفسه، ولذلك لم يختلف قول مالك: في أن الدُّخنَ صنف منفرد، وكذلك الأرز، وهو قول كافة العلماء. والعَلَس عند أكثر المالكية صنف منفرد. وقال الشافعي: هو صنف من أصناف الحنطة. وقاله بعض أصحابنا. واختلف قول مالك في القطاني. هل هو صنف واحد، أو أصناف؟ وقد ضم مالك السَّلت إلى البر والشعير. وقال الشافعي: هو صنف منفرد بنفسه. وقال الليث: السَّلت، والدُّخن، والذرة، صنف واحد. وقاله ابن وهب. وسبب هذا الاختلاف اختلاف الشهادة بالتقارب في المقصود، والمحصد، والمنبت. فمن شهدت له عادة استعمال صنف في معنى صنف، وشابهه في شيء مما ذكرناه ألحقه به. ومن لم يحصل له ذلك لم يلحق. والأصل: أن ما اختلفت أسماؤه، ومقاصده أن يعدَّ أصنافًا مختلفة بدليل ظاهر الحديث المتقدِّم، والله تعالى أعلم.

و(قوله: وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، سواءً بسواء) يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الرِّبَوِيّ بصنفه. وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع،

ص: 475

فَمَن زَادَ أَو استَزَادَ فَهو ربا.

رواه مسلم (1587)، وأبو داود (3349)، والنسائي (7/ 274)، وابن ماجه (4454).

* * *

ــ

أو بالعادة وزنًا أو كيلًا. والأولى عند مالك: أن تجعل ذهبك في كفة، ويجعل ذهبه في كفة، فإذا استوى أخذ وأعطي، وكذلك يكون الكيل واحدًا، ويجوز بصنجة واحدة؛ معلومة المقدار بالعادة أو بالتحقيق. ولا يجوز عند مالك والشافعي في الصرف ولا غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول، يتفقان عليه؛ لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه.

قلت: وعلى هذا التعليل؛ فلا تجوز المراطلة (1) المذكورة، لوجود الجهل المذكور.

و(قوله: فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أي: من بذل الزيادة، وطاع بها، ومن سألها، كل واحد منهما قد فعل الرِّبا. وهما سواء في الإثم؛ كما قال في الرواية الأخرى:(الآخذ والمعطي فيه سواء) أي: في فعل المُحَرَّم، وإثمه. وفي كتاب أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الرِّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه). وقال:(هم سواء)(2) أي: في استحقاق اللعنة والإثم.

* * *

(1) قال في اللسان: رطله: رازه ووَزَنه ليعلم كم وزنه.

(2)

رواه أبو داود (3333) دون قوله: "هم سواء". والحديث بتمامه عند مسلم (1598)، وانظره في التلخيص برقم (1991).

ص: 476