المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

(15) كتاب النكاح

(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

[1447]

عَن عَلقَمَةَ قَالَ: كُنتُ أَمشِي مَعَ عَبدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَقِيَهُ عُثمَانُ فَقَامَ سعد يتحَدّث، فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَنِ، أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً

ــ

(15)

كتاب النكاح

حقيقة النكاح: الوطءُ، وأصله: الإيلاج. وهو: الإدخال. وقد اشتهر إطلاقه على العقد؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحتُمُ المُؤمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} ؛ أي: إذا عقدتم عليهن. وقد يُطلق النكاح ويُراد به العقد والوطء؛ كما قال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا المُشرِكَاتِ حَتَّى يُؤمِنَّ} ؛ أي: لا تعقدوا عليهن، ولا تطؤوهن.

(1)

باب الترغيب في النكاح (1)

(قوله: ألا نزوجك جاريةً شابةً؟ )(ألا): عرض وتحضيض. و (الجارية) هنا:

(1) العنوان ساقط من الأصول، واستدركناه من التلخيص.

ص: 80

- وفي رواية بكرا مكان شابة - لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ مَا مَضَى مِن زَمَانِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ: لَئِن قُلت ذَاكَ، لَقَد قَالَ لَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ مَن استَطَاعَ

ــ

المعصر (1) وما قارب ذلك. والبِكرُ: الذي لم يتزوج من الرِّجال والنِّساء؛ يقال: رجلٌ بِكرٌ، وامرأةٌ بِكرٌ - بكسر الباء- والبكر أيضًا: أوّلُ الأولاد - بالكسر -؛ كما قال الشاعر:

يا بِكرَ بِكرَينِ ويَا خِلبَ الكَبِدِ

أصبحتَ مِنِّي كذِراعٍ مِن عَضُد

وفي مقابلة البكر: الأيِّم، وسيأتي ذِكرُها إن شاء الله تعالى.

و(قوله: لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك) أي: زمان نشاطك وغُلمتك (2). فقد قال في الرواية الأخرى: (لعلها (3) ترجع إليك ما كنت تعهد من نفسك) وكان عبد الله قد قلت رغبته في النساء؛ إما للاشتغال بالعبادة، وإمّا للسِّنِّ، وإما لمجموعهما، فحرّكه عثمان بذلك.

و(الباءة) - بفتح الباء، والمد -: النِّكَاح. وأصله: المَنزِل؛ يقال: باءةٌ، ومباءة، ومبوَّأ. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في المدينة حين أطلَّ عليها:(هذه المبوَّأ)(4) أي: المنزل. ثم قيل للتزويج: باه؛ لأن من تزوَّج امرأة بوَّأها منزلًا. قال الأصمعي: وفيه لغتان: باهٌ، وباءٌ. قال: هو الغشيان. وإن شئتَ جمعتَ بالتاء، فقلتَ: باءات. قال غيره: فيه أربع لغات، وزاد: باهة، فأبدل من الهمزة هاءً، وباها - بالقصر والهاء -.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع) أي: مَن وَجَدَ ما به يتزوج. و (من لم يستطع)

(1) هي التي بلغت عصر شبابها، وأدركت (اللسان).

(2)

"الغُلْمَةُ": هيجان شهوة النكاح من الرجل والمرأة وغيرهما.

(3)

ساقطة من (ج 2).

(4)

ذكره ابن الأثير في النهاية (1/ 159).

ص: 81

مِنكُم البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج

ــ

أي: من لم يجد ذلك. ولا يُراد به هنا: القدرة على الوطءِ؛ لقوله: (فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء).

و(قوله: فليتزوج) أمرٌ، وظاهره: الوجوب. وبه قال داود ومَن تابعه. والواجب عندهم العَقدُ لا الدخول، فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر. والجمهور: على أن التزويج مندوب إليه، مُرَغَّبٌ فيه على الجملة. وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظر إلى أحوال النَّاس، وقسَّمه بأقسام الأحكام الخمسة (1). وذلك واضحٌ. وصرف الجمهورُ ذلك الأمرَ عن ظاهره لشيئين:

أحدهما: أن الله تعالى قد خيَّر بين التزويج والتَّسَرِّي بقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ثم قال: {أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} ، والتَّسرِّي ليس بواجب إجماعًا، فالنكاح لا يكون واجبا؛ لأن التخيير بين واجب وبين ما ليس بواجب يرفع وجوب الواجب. وبَسطُ هذا في الأصول.

وثانيهما: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ} ولا يقال في الواجب: إنه غير ملوم.

ثم هذا الحديث لا حجة لهم فيه لوجهين:

أحدهما: أن نقول بموجبه في حق الشابّ المستطيع الذي يَخافُ الضررَ على نفسه ودينه من العُزبة، بحيث لا يرتفع عنه إلَاّ بالتزويج، وهذا لا يُختلف في وجوب التزويج عليه.

والثاني: أنهم قالوا: إنّما يجب العقد لا الوطء. وظاهرُ الحديث: إنّما هو الوطء، فإنّه لا يحصل شيءٌ من الفوائد التي أرشد إليها في ذلك الحديث؛ من

(1) الأحكام الخمسة هي: الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام.

ص: 82

فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ، وَأَحصَنُ لِلفَرجِ،

ــ

تحصين الفرج، وغَضِّ البصر بالعقد. بل: إنّما يحصل كلُّ ذلك بالوطء، وهو الذي يحصل دفع الشَّبق إليه بالصوم. فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث. وما تناوله الحديثُ لم يذهبوا إليه. وذلك دليل على سوء فهمهم، وقلة فطنتهم.

ولا حجة لهم في قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ} الآية؛ لأنَّه أمرٌ قُصِدَ به بيانُ ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء، لا أنَّه قصد به حكم أصل القاعدة.

ولا حجة لهم في قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم} ؛ فإنَّه أمرٌ للأولياء بالإنكاح، لا للأزواج بالنِّكاح.

وأغض: أسدُّ (1). وأحصن: أمنع.

و(قوله: فعليه بالصوم) قال الإمام أبو عبد الله: فيه إغراءٌ بالغائب، ومن أصول النحويين ألا يُغرى بغائبٍ، وقد جاء شاذًّا قول بعضهم: عليه رجلًا ليسني؛ على جهة الإغراء. قال القاضي أبو الفضل عياض: هذا الكلام لأبي محمد بن قتيبة والزَّجَّاجي وبعضهم، ولكن على قائله أغاليط ثلاثة:

أولها: قوله: لا يجوز الإغراء بالغائب، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب، أو لا يُغرَى غائبٌ. فأمَّا الإغراء بالشاهد والغائب فجائزٌ. وهكذا نصَّ أبو عبيد في هذا الحديث، وكذلك كلام (2) سيبويه ومَن بعده من أئمة هذا الشأن قالوا: وإنَّما يؤمر بمثل هذا الحاضر، والمخَاطَب، ولا يجوز: دونه زيدًا، ولا: عليه زيدًا - وأنت تريد غير المخاطب -؛ لأنه ليس بفعل له، ولا تصرّف تصرّفه. وإنما جاز

(1) في اللسان: غضَّ طرفه وبصره: كفّه، وخفضه، وكسره.

(2)

ساقط من (ع).

ص: 83

وَمَن لَم يَستَطِع فَعَلَيهِ بِالصَّومِ،

ــ

للحاضر؛ لما فيه من معنى الفعل، ودلالة الحال. فأمَّا الغائب فلا يوجد ذلك فيه؛ لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد.

وثانيها: عدُّ قولهم: عليه رجلًا ليس من إغراء الغائب. وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه. ورأوه شاذًّا.

قال القاضي: والذي عندي: أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يُرِد هذا القائلُ تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره، وإنما أراد الإخبار عن نفسه بعدم (1) مبالاته بالغائب، وأنَّه غير متأتٍّ له منه ما يريد، فجاء بهذه الصورة يَدَلُّ على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عنّي؛ أي: اجعل شغلك بنفسك عنِّي، ولم يُرِد أن يغريه به، وإنّما مرادُه: دَعني، وكن كمن شُغِلَ عَنِّي.

وثالثها: عدُّهم هذه اللفظة في الحديث؛ من إغراء الغائب.

قال القاضي: والصَّواب: أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة. والكلام كلُّه والخطابُ للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: (من استطاع منكم الباءة) فالهاء هنا (2) ليست للغائب، وإنّما هي لمن خصَّ من الحاضرين بعدم الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابُه بكاف الخطاب؛ لأنه لم يتعيّن منهم، ولإبهامه بلفظة (من) وإن كان حاضرًا. وهذا النحو كثيرٌ في القرآن؛ كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتلَى الحُرُّ بِالحُرِّ إلى قوله: {فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيءٌ} وكقوله: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ} وكقوله: {وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ} ، فهذه الهاءاتُ كلّها ضمائرُ للحاضر لا للغائب، ومثله: لو قلتَ

(1) في (ج 2): لقلّة.

(2)

أي: الهاء في "فعليه".

ص: 84

فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.

رواه أحمد (1/ 432)، والبخاري (5066)، ومسلم (1400)، وأبو داود (2046)، والترمذي (1081)، والنَّسائيُّ (4/ 169)، وابن ماجه (1845).

[1448]

وعَن أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزوَاجَ

ــ

لرجلين: من قام الآن منكما فله درهم (1). فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين.

قلت: اختصرتُ كلام القاضي في هذا الفصل من غير تبديل، ولا زيادة، وهو حسن جيّدٌ، فلذلك نقلته بلفظه.

و(قوله: فإنه له وِجَاء) - بكسر الواو، والمد - وهو: عض الأنثيين (2)، أو رضهما بحجر ونحوه. وأصله: الغمز، والطّعن. ومنه: وَجَأَ في عُنُقِه، وَوَجَأَ بَطنَهُ بالخنجر. وقال بعضهم: الوَجءُ: أن توجأ العروق والخصيتان باقيتان بحالهما. والخصاء: شق الخصيتين، واستئصالهما. والجب: أن تحمى الشفرة، ثم تستأصل بها الخصيتان. وقد قاله بعضهم:(وجا) بفتح الواو، والقصر. وليس بشيء؛ لأن ذلك هو: الحفا في ذوات الخُفِّ، قاله الخطابي.

وفيه دليل: على جواز المعاناة لقطع الباه بالأدوية. وعلى أن مقصود النكاح: الوطء. وعلى وجوب الخيار في العنّة.

و(المعشر): الجماعة من الناس.

و(قوله: أن نفرًا) النفر: الجماعة من الناس (3)، وأقلهم ثلاثة وهم كذلك

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

أي: لزقهما مع بعضهما. انظر: إكمال إكمال المعلم (4/ 7).

(3)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هنا. وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من هذا وأتم، فقال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلمّا أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمَّا أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أمَّا أنا فأصوم الدَّهرَ ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزلُ النساء، فلا أتزوّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(أنتم القائلون كذا؟ أَمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتِي فليس مني)(1).

قلت: فهؤلاء القوم حَصَلَ عندهم أنَّ الانقطاعَ عن ملاذِّ الدُّنيا من النساء والطَّيِّب من الطَّعام والنوم، والتَّفرغ لاستغراق الأزمان بالعبادات أولى، فلما سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته، لم يدركوا من عبادته ما وقع لهم أبدَوا فارقًا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم: بأنَّه مغفورٌ له. ثمَّ أخبر كلّ واحد منهم بما عَزَمَ على فعله، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بأن ألغى الفارق بقوله:(إني أخشاكم لله) وتَقرِيرُ ذلك: إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني على الاجتهاد وملازمة العبادة، لكن طريق العبادة ما أنا عليه، فمن رغب عنه وتركه؛ فليس على طريقي في العبادة.

قلت: ويوضح هذا المعنى ويُبيِّنَه: أنَّ عبادة الله إنَّما هي امتثالُ أوامره الواجبة والمندوبة، واجتناب نواهيه المحظورة والمكروهة، وما من زمان من الأزمان إلا وتتوجَّهُ على المكلَّف فيه أوامر أو نواهٍ، فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدَّى العبادة، وقام بها. فإذا قام بالليل مصلِّيًا: فقد قام بوظيفة ذلك الوقت. فإذا احتاج إلى النوم لدفع ألم السّهر، ولتقوية النفس على العبادة، ولإزالة تشويش

(1) رواه البخاري (5063).

ص: 86

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَن عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعضُهُم: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعضُهُم: لَا آكُلُ اللَّحمَ، وَقَالَ بَعضُهُم: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ،

ــ

مدافعة النوم المشوَّشة للقراءة، أو لإعطاء الزوجة حقَّها من المضاجعة: كان نومُه ذلك عبادةً كصلاتِه، وقد بيّن هذا المعنى سلمان الفارسي لأبي الدرداء بقوله: لكنِّي أقوم وأنام، وأحتسب في نومتي ما أحتسبه في قَومتي. وكذلك القول في الصيام. وأمَّا التزويج فيجري فيه مثل ذلك وزيادة نيَّة تحصين الفرج، والعين، وسلامة الدين، وتكثير نسل المسلمين. وبهذه القصود الصحيحة تتحقق فيه العبادات العظيمة.

ولذلك اختلف العلماء في: أيَّ الأمرين أفضل؟ التزويج أم التفرُّغ منه للعبادة؟ كما هو معروف في مسائل الخلاف. وعلى الجملة: فما من شيء من المباحات المستلذات وغيرها، إلا ويُمكن لمن شرح الله صدره أن يصرفه إلى باب العبادات والطاعات بإخطار معانيها بباله، وقصد نية التقرّب بها، كما قد نصَّ عليه المشايخ في كتبهم، كالحارث المحاسبي وغيره. ومَن فَهِمَ هذا المعنى وحصَّلَهُ تحقَّق: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد حَلَ من العبادات أعلاها؛ لانشراح صدره، وحضور قصده، ولعلمه بحدود الله، وبما يُقرّب منه، ولما لم ينكشف هذا المعنى للنّفر السائلين عن عبادته استقلوها بناءً منهم على أن العبادة إنما هي استفراغ الوسع في الصلاة، والصوم، والانقطاع عن الملاذّ. وهيهات بينهما ما بين الثريَّا والثَّرى، وسُهيل والسُّها (1).

وعند الوقوف على ما أوضحناه من هذا الحديث يتحقق أنَّ فيه ردًّا على غلاة المتزهدين، وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كُلُّ فريقٍ منهم قد عَدَلَ عن طريقه، وحاد عن تحقيقه.

و(قوله: وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ) قال البخاري بدل هذا الكلام: أما أنا فأصوم ولا أفطر. وهذا المساق أحسن؛

(1) كويكب صغير خفي في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارَهم (اللسان).

ص: 87

وَأَثنَى عَلَيهِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي.

رواه أحمد (3/ 241)، والبخاريُّ (5063)، ومسلم (1401)، والنسائي (6/ 60).

[1449]

وعن سَعدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ قُالُ: أَرَادَ عُثمَانُ أَن يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَو أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لَاختَصَينَا.

ــ

لأنه صلى الله عليه وسلم أجابهم في الروايتين بقوله: (لكني أصوم وأفطر) ولم يرو فيه مسلم جوابًا عن الأكل والنَّوم على الفراش بأكثر من قوله: (لكنِّي أصوم وأفطر) فبقي أكل اللحم، والنوم على الفراش بغير جواب، فكان مساق البخاري أولى، والله تعالى أعلم.

و(قوله: ردَّ على عثمان التَّبَتُّل)(1) وهو هنا: الانقطاع عن النساء. وأصله: الانقطاع مطلقا. يقال: بَتلَ إلى كذا؛ أي: انقطع إليه. وَتَبَتَّل عن كذا؛ أي: انقطع عنه. ومنه: تبَتَلتُ الأمرَ. والبتلة والعذراء: البتول؛ أي: المنقطعة عن الرجل إلى عبادة الله تعالى. وردُّ التَبتل: عبارة عن أنَّه لم يأذن له فيه، ولم يُجزهُ له؛ كما قال:(لا رهبانية في الإسلام)(2) أي: لا تَبَتُّل.

و(قوله: ولو أجاز له ذلك لاختصينا)(3). قد بيَّنَّا: أن الخصاء هو شَقُّ الخصيتين وانتزاعهما. وقد يقال: من أين يلزم من جواز التبتل عن النساء جواز

(1) هذه العبارة من الحديث رقم (6/ 1402) وليست من الحديث الذي في التلخيص والذي رقمه (8/ 1402).

(2)

ذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/ 528).

(3)

هذه العبارة من الحديث رقم (8/ 1402) وهو الوارد في التلخيص.

ص: 88

رواه أحمد (1/ 175)، والبخاري (5073)، ومسلم (1402)، والترمذي (1083)، والنسائي (6/ 58)، وابن ماجه (1848).

* * *

ــ

الاختصاء (1)؟ وهو قطع عضوين شريفين بهما قوام النسل، وفي قطعهما ألم عظيم لا يجوز لأحد أن يُدخِلَهُ على نفسه، وضررٌ عظيم ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك، وهو محرمٌ بالاتفاق.

والجواب: إن ذلك لازم من حيث إن مطلق التبتل يتضمنه، وكأنَّ قائل ذلك وقع له: أنَّ التبتل الحقيقي الذي تؤمن معه شهوة النساء هو الخصاء. فكأنّه أخذ بأكثر مما يدل عليه الاسم. وقولكم: هو ألم عظيم مُسَلَّم، لكنه مُغتفرٌ في جنب صيانة الدّين، فقد يُغتفر الألم العظيم في جنب ما هو أعظم منه، كقطع اليد للأكلة، وكالكيِّ، والبَطِّ (2)، وغير ذلك. وقولكم: هو مُفض إلى الهلاك غالبًا، غير مُسلَّم، بل نقول: وقوعُ الهلاك منه نادرٌ، فلا يُلتَفتُ إليه، وخصاء البهائم يشهد لذلك. وما ذكرناه إنما هو تقدير ما وقع لسعدٍ، ولا يُظَنُّ أن ذلك يجوز لأحدٍ اليوم، بل هو محرّم بالإجماع. وكلُّ ما ذكرناه مبنيٌّ على الأخذ بظاهر:(لاختصينا)، ويحتمل أن يريد به سعدٌ: لمنعنا أنفسنا من النساء منع المختصي. والظاهر هو الأول، والله الموفق.

وحديث أنس وسهلٍ يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة. وهو أحد القولين المتقدمين. ويمكن أن يقال: كان ذلك في أول الإسلام، لما كان النساء عليه من المعونة على الدِّين والدنيا، وقلة الكلف، والتعاون على البر والتقوى، والحنوّ، والشفقة على الأزواج. وأمَّا في هذه الأزمان فنعوذ بالله من

(1) في (ج 2): الخصاء.

(2)

البَطُّ: الشَّق، يقال: بط الدُّمَّل ونحوه: شقه.

ص: 89