المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

[1718]

عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلحِقُوا الفَرَائِضَ

ــ

لقوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا فليمحه (1)، وقد قدَّمنا ذلك.

(4)

ومن باب: ألحقوا الفرائض بأهلها

الفرائض: جمع فريضة. وأصل الفرض: القطع. والألف واللام في الفرائض للعهد؛ لأنَّه يعني بها الفرائض الواقعة في كتاب الله تعالى، وهي ستة: النصف، والرُّبع، والثُّمن، والثلثان، والثلث، والسُّدس.

فالنصف فرض خمسة: ابنة الصُّلب، وابنة الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والزوج - وكل ذلك إذا انفردوا عمَّن يحجبهم عنه.

والربع: فرض الزوج مع الحاجب، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدمه.

والثُّمن: فرض الزوجة أو الزوجات مع الحاجب.

والثلثان فرض أربع: الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب أو بنات الابن أو الأخوات الأشقاء، أو للأب - وكل هؤلاء إذا انفردن عمَّن يحجبهن عنه.

والثلث فرض صنفين: الأم مع عدم الولد وولد الابن وعدم الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات، وفرض الاثنين فصاعدًا من ولد الأم - وهذا هو ثلث كل المال.

فأما ثلث ما يبقى فذلك للأُم في مسألة زوج أو زوجة وأبوين؛ فللأم فيها ثلث ما يبقى، وفي مسائل الجدِّ مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى له أحظى له.

(1) رواه أحمد (3/ 12 و 21 و 39 و 56)، ومسلم (3004)، والدارمي (1/ 119).

ص: 564

بِأَهلِهَا، فَمَا تَرَكَت الفَرَائِضُ فلِأَولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.

وفي رواية: اقسِمُوا المَالَ بَينَ أَهلِ الفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَت الفَرَائِضُ فَلِأَولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.

رواه أحمد (1/ 292)، والبخاري (6746)، ومسلم (1615)(2 و 3)، والترمذي (2098)، والنسائي في الكبرى (6331)، وابن ماجه (2740).

ــ

والسُّدس فرض سبعة: فرض كل واحد من الأبوين والجد مع الولد وولد الابن، وفرض الجدة والجدَّات إذا اجتمعن، وفرض بنات الابن مع بنت الصُّلب، وفرض الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، وفرض الواحد من ولد الأم ذكرًا كان أو أنثى.

وهذه الفروض كلّها مأخوذةٌ من كتاب الله تعالى، إلا فرض الجدَّات فإنَّه مأخوذ من السُّنَّة.

فهؤلاء أهل الفرائض الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم المال عليهم لَمَّا قال: اقسموا المال بين أهل الفرائض، وهو معنى قوله: ألحقوا الفرائض بأهلها.

وقوله فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، وفي غير مسلم لأولى عصبة ذكر تقييد أوَّلى بفتح الهمزة وواو ساكنة بعدها ياءٌ تأنيث أوَّل، هذه الرواية المشهورة، وقد رواها ابن الحذَّاء عن ابن ماهان لأدنى، وهو تفسير لـ أولى، ويعني به الأقرب للميت.

وقد اختلفوا في وصف الرَّجل بالذُّكوريَّة هنا هل له فائدة أو لا؛ فقال بعضهم: لا فائدة له غير التأكيد اللفظيِّ، فإن العرب قد تعيد اللفظ الأول بحاله وقد تأتي في كلامها متبعة على جهة التأكيد، كما قالوا: حسن بَسَنٌ، وقبيح شقيحٌ. وكذلك قالوا هنا: رجل ذكر، وابن لبون ذكر، ويطير بجناحيه، وعشرة كاملةٌ - فهذا كلامُ العرب، وأجيبوا بأن العرب

ص: 565

[1719]

وعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَرِثُ المُسلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسلِمَ.

ــ

لا تؤكد إلا حيث تفيدُ به فائدةً؛ إمَّا تمكين المعنى في النفس، أو رفع المجاز المتوهَّم - وكل ذلك معدومٌ فيما نحن فيه. وقيل: أفاد بقوله ذكر هنا وفي قوله ابن لَبُون ذكر التحرز من الخناثى، فلا تُؤخذ الخنثى في فريضة الزَّكاة ولا يحوز المال إذا انفرد، وإنَّما له نصف الميراثين. وقيل في اللَّبُون: إنَّما وصف بالذُّكوريَّة ليتحرز من إطلاق ابن على الأنثى كما قد أطلق ولد على الذكر والأنثى. وقيل: إنَّما نبَّه بالذكورية في المحلين لينبِّه على معنى مُشعرٍ بتعليل، وذلك أن ابن اللبون أفضل من بنت المخاض من حيث السِّن، وقد نزَّله الشارعُ بمنزلتها في الأخذ، فقد يخفى على من بعد فهمه ويقول: كيف يَجعَلُ بدلها وهو أفضل؟ فوصفه بـ ذكر ليشعر بنقصه عنها بالذكورية وإن زاد عليها بالسِّن. وكذلك وصف الرَّجل بالذُّكوريَّة مشعرا بأن الذي استحق به التعصيب هو كمال الذُّكوريَّة التي بها قوام الأمور ومقاومة الأعداء، والله تعالى أعلم.

والعصبة كل رجل بينه وبين الميت نسب يحوز المال إذا انفرد، ويرث ما فضل عن ذوي السِّهام.

والعصبات ثلاثة أصناف: الأبناء وبنوهم، والآباء وبنوهم (1)، والأجداد وبنوهم - وتفصيل هذه الجملة في كتب الفقه.

ويُستفاد من هذا الحديث أن النساء لا يكنَّ عصبةً، وقد أطلق الفقهاءُ على الأخت مع البنت أنَّها عصبة، وذلك تجوز؛ لأن الأخت لا تحوز المالَ إذا انفردت، لكنَّها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب فأطلق عليها اسمه.

وقوله لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، تضمَّن هذا الحديث أمرين؛ أحدهما مجمع على منعه وهو ميراث الكافر للمسلم، والثاني

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 566

رواه أحمد (5/ 200)، والبخاري (6764)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2909)، والترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6371).

* * *

ــ

مختلف فيه وهو ميراث المسلم الكافر - فذهب إلى منعه الجمهور من السَّلف ومن بعدهم، فمنهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وجمهور أهل الحجاز والعراق: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وابن حنبل، وعامة العلماء. وذهب إلى توريث المسلم من الكافر معاذ ومعاوية وابن المسيب ومسروق وغيرهم، وروي عن أبي الدرداء والشعبي والنخعي والزهري وإسحاق، والحديث المتقدِّم حجة عليهم (1)، ويَعضُده حديث أسامة بن زيد وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتوارث أهل ملتين (2)، ونحوه في كتاب أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، وقد احتجَّ للقول الثاني بما خرَّجه أبو داود من حديث يحيى بن يعمر واختصم إليه أخوان - يهودي ومسلم، فورَّث المسلم منهما وقال: حدثني أبو الأسود أن رجلا حدثه أن معاذًا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإسلام يزيد ولا ينقص (3) - فورَّث المسلم، وبما يحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال - إن صحَّ: إن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (4)، وبقياس الميراث على النكاح، قالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لهم أن ينكحوا نساءنا، كذلك يجوز لنا أن نرثهم ولا يرثونا.

قلت: ولا حجة لهم في شيء مما ذكروه، وأمَّا الحديثان فلا يصحُّ منهما شيء؛ أمَّا الأول فلأن فيه مجهولًا، وأمَّا الثاني فكلام يحكى ولا يُروى سلَّمنا

(1) في (ج 2): نصٌّ في المنع.

(2)

رواه أبو داود (2911).

(3)

رواه أبو داود (2912).

(4)

رواه البخاري (3/ 218) تعليقًا والبيهقي (6/ 205).

ص: 567

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحتهما، لكنَّا نقول بموجبهما، فإن دين الإسلام لم يزل يزيد إلى أن كمل في الحين الذي أنزل الله تعالى فيه {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} ولم ينقص من أحكامه ولا شريعته التي شاء الله تعالى بقاءها شيءٌ، وقد أعلاه الله تعالى وأظهرَه على الدِّين كلِّه وكما وعدنا تعالى. سلَّمنا ذلك، لكن الأحاديث الأول أرجح؛ لأنها متفق على صحتها، وهي نصوص في المطلوب، والقياس الذي ذكروه فاسد الوضع لأنَّه في مقابلة النَّصّ ولخلوه عن الجامع، فإذا ثبت هذا فاعلم أن المسلم والكافر المذكورين في الحديث للعموم، فلا مسلمًا ما يرث كافرًا ما ولو كان مرتدًّا، وهو مذهب مالك وربيعة والشافعي وابن أبي ليلى - قالوا: لا يرث المرتدَّ أحدٌ من المسلمين، ومالُهُ فَيءٌ لبيت المال.

وخالفهم في ذلك طائفة أخرى فقالوا: إن ورثته من المسلمين يرثونه - وبه قال الأوزاعي وإسحاق والحسن البصري والشعبي وعمر بن عبد العزيز، وروي ذلك عن عليّ وابن مسعود.

وفرَّقت طائفة ثالثة فقالت: يرث ماله الذي كان له قبل ردَّته ورثته المسلمون، وما استفاده بعد الرَّدة فيءٌ - وهو قول الثوريِّ وأبي حنيفة، والعموم المتقدم حجة على هؤلاء الطائفتين.

وقوله يتوارث أهل ملَّتين قال بظاهره مالك، فلا يرث اليهودي النصرانيَّ ولا يرثان المجوسيَّ، وهكذا جميع أهل الملل أخذًا بظاهر هذا الحديث. وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود: إن الكفار كلهم أهل ملة واحدة، وإنهم يتوارثون - محتجِّين بقوله تعالى:{وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} فوحَّد المِلَّة. وبقوله: {لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ} والخطاب بـ لكم للكفار كلهم مع توحيد دين، وتأولوا قوله لا يتوارث أهل ملتين على أن المراد به الإسلام والكفر، كما قال في الحديث الأول لا يرث المسلم الكافر، ولا حجة لهم في ذلك.

أمَّا الآية الأولى فلأن ملّتهم وإن كانت موحدة في اللفظ فهي مكثرة في المعنى؛ لأنه قد

ص: 568