الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر
[1718]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلحِقُوا الفَرَائِضَ
ــ
لقوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا فليمحه (1)، وقد قدَّمنا ذلك.
(4)
ومن باب: ألحقوا الفرائض بأهلها
الفرائض: جمع فريضة. وأصل الفرض: القطع. والألف واللام في الفرائض للعهد؛ لأنَّه يعني بها الفرائض الواقعة في كتاب الله تعالى، وهي ستة: النصف، والرُّبع، والثُّمن، والثلثان، والثلث، والسُّدس.
فالنصف فرض خمسة: ابنة الصُّلب، وابنة الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والزوج - وكل ذلك إذا انفردوا عمَّن يحجبهم عنه.
والربع: فرض الزوج مع الحاجب، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدمه.
والثُّمن: فرض الزوجة أو الزوجات مع الحاجب.
والثلثان فرض أربع: الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب أو بنات الابن أو الأخوات الأشقاء، أو للأب - وكل هؤلاء إذا انفردن عمَّن يحجبهن عنه.
والثلث فرض صنفين: الأم مع عدم الولد وولد الابن وعدم الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات، وفرض الاثنين فصاعدًا من ولد الأم - وهذا هو ثلث كل المال.
فأما ثلث ما يبقى فذلك للأُم في مسألة زوج أو زوجة وأبوين؛ فللأم فيها ثلث ما يبقى، وفي مسائل الجدِّ مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى له أحظى له.
(1) رواه أحمد (3/ 12 و 21 و 39 و 56)، ومسلم (3004)، والدارمي (1/ 119).
بِأَهلِهَا، فَمَا تَرَكَت الفَرَائِضُ فلِأَولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
وفي رواية: اقسِمُوا المَالَ بَينَ أَهلِ الفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَت الفَرَائِضُ فَلِأَولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
رواه أحمد (1/ 292)، والبخاري (6746)، ومسلم (1615)(2 و 3)، والترمذي (2098)، والنسائي في الكبرى (6331)، وابن ماجه (2740).
ــ
والسُّدس فرض سبعة: فرض كل واحد من الأبوين والجد مع الولد وولد الابن، وفرض الجدة والجدَّات إذا اجتمعن، وفرض بنات الابن مع بنت الصُّلب، وفرض الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، وفرض الواحد من ولد الأم ذكرًا كان أو أنثى.
وهذه الفروض كلّها مأخوذةٌ من كتاب الله تعالى، إلا فرض الجدَّات فإنَّه مأخوذ من السُّنَّة.
فهؤلاء أهل الفرائض الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم المال عليهم لَمَّا قال: اقسموا المال بين أهل الفرائض، وهو معنى قوله: ألحقوا الفرائض بأهلها.
وقوله فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، وفي غير مسلم لأولى عصبة ذكر تقييد أوَّلى بفتح الهمزة وواو ساكنة بعدها ياءٌ تأنيث أوَّل، هذه الرواية المشهورة، وقد رواها ابن الحذَّاء عن ابن ماهان لأدنى، وهو تفسير لـ أولى، ويعني به الأقرب للميت.
وقد اختلفوا في وصف الرَّجل بالذُّكوريَّة هنا هل له فائدة أو لا؛ فقال بعضهم: لا فائدة له غير التأكيد اللفظيِّ، فإن العرب قد تعيد اللفظ الأول بحاله وقد تأتي في كلامها متبعة على جهة التأكيد، كما قالوا: حسن بَسَنٌ، وقبيح شقيحٌ. وكذلك قالوا هنا: رجل ذكر، وابن لبون ذكر، ويطير بجناحيه، وعشرة كاملةٌ - فهذا كلامُ العرب، وأجيبوا بأن العرب
[1719]
وعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَرِثُ المُسلِمُ الكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسلِمَ.
ــ
لا تؤكد إلا حيث تفيدُ به فائدةً؛ إمَّا تمكين المعنى في النفس، أو رفع المجاز المتوهَّم - وكل ذلك معدومٌ فيما نحن فيه. وقيل: أفاد بقوله ذكر هنا وفي قوله ابن لَبُون ذكر التحرز من الخناثى، فلا تُؤخذ الخنثى في فريضة الزَّكاة ولا يحوز المال إذا انفرد، وإنَّما له نصف الميراثين. وقيل في اللَّبُون: إنَّما وصف بالذُّكوريَّة ليتحرز من إطلاق ابن على الأنثى كما قد أطلق ولد على الذكر والأنثى. وقيل: إنَّما نبَّه بالذكورية في المحلين لينبِّه على معنى مُشعرٍ بتعليل، وذلك أن ابن اللبون أفضل من بنت المخاض من حيث السِّن، وقد نزَّله الشارعُ بمنزلتها في الأخذ، فقد يخفى على من بعد فهمه ويقول: كيف يَجعَلُ بدلها وهو أفضل؟ فوصفه بـ ذكر ليشعر بنقصه عنها بالذكورية وإن زاد عليها بالسِّن. وكذلك وصف الرَّجل بالذُّكوريَّة مشعرا بأن الذي استحق به التعصيب هو كمال الذُّكوريَّة التي بها قوام الأمور ومقاومة الأعداء، والله تعالى أعلم.
والعصبة كل رجل بينه وبين الميت نسب يحوز المال إذا انفرد، ويرث ما فضل عن ذوي السِّهام.
والعصبات ثلاثة أصناف: الأبناء وبنوهم، والآباء وبنوهم (1)، والأجداد وبنوهم - وتفصيل هذه الجملة في كتب الفقه.
ويُستفاد من هذا الحديث أن النساء لا يكنَّ عصبةً، وقد أطلق الفقهاءُ على الأخت مع البنت أنَّها عصبة، وذلك تجوز؛ لأن الأخت لا تحوز المالَ إذا انفردت، لكنَّها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب فأطلق عليها اسمه.
وقوله لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، تضمَّن هذا الحديث أمرين؛ أحدهما مجمع على منعه وهو ميراث الكافر للمسلم، والثاني
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
رواه أحمد (5/ 200)، والبخاري (6764)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2909)، والترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6371).
* * *
ــ
مختلف فيه وهو ميراث المسلم الكافر - فذهب إلى منعه الجمهور من السَّلف ومن بعدهم، فمنهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وجمهور أهل الحجاز والعراق: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وابن حنبل، وعامة العلماء. وذهب إلى توريث المسلم من الكافر معاذ ومعاوية وابن المسيب ومسروق وغيرهم، وروي عن أبي الدرداء والشعبي والنخعي والزهري وإسحاق، والحديث المتقدِّم حجة عليهم (1)، ويَعضُده حديث أسامة بن زيد وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتوارث أهل ملتين (2)، ونحوه في كتاب أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، وقد احتجَّ للقول الثاني بما خرَّجه أبو داود من حديث يحيى بن يعمر واختصم إليه أخوان - يهودي ومسلم، فورَّث المسلم منهما وقال: حدثني أبو الأسود أن رجلا حدثه أن معاذًا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإسلام يزيد ولا ينقص (3) - فورَّث المسلم، وبما يحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال - إن صحَّ: إن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (4)، وبقياس الميراث على النكاح، قالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لهم أن ينكحوا نساءنا، كذلك يجوز لنا أن نرثهم ولا يرثونا.
قلت: ولا حجة لهم في شيء مما ذكروه، وأمَّا الحديثان فلا يصحُّ منهما شيء؛ أمَّا الأول فلأن فيه مجهولًا، وأمَّا الثاني فكلام يحكى ولا يُروى سلَّمنا
(1) في (ج 2): نصٌّ في المنع.
(2)
رواه أبو داود (2911).
(3)
رواه أبو داود (2912).
(4)
رواه البخاري (3/ 218) تعليقًا والبيهقي (6/ 205).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صحتهما، لكنَّا نقول بموجبهما، فإن دين الإسلام لم يزل يزيد إلى أن كمل في الحين الذي أنزل الله تعالى فيه {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} ولم ينقص من أحكامه ولا شريعته التي شاء الله تعالى بقاءها شيءٌ، وقد أعلاه الله تعالى وأظهرَه على الدِّين كلِّه وكما وعدنا تعالى. سلَّمنا ذلك، لكن الأحاديث الأول أرجح؛ لأنها متفق على صحتها، وهي نصوص في المطلوب، والقياس الذي ذكروه فاسد الوضع لأنَّه في مقابلة النَّصّ ولخلوه عن الجامع، فإذا ثبت هذا فاعلم أن المسلم والكافر المذكورين في الحديث للعموم، فلا مسلمًا ما يرث كافرًا ما ولو كان مرتدًّا، وهو مذهب مالك وربيعة والشافعي وابن أبي ليلى - قالوا: لا يرث المرتدَّ أحدٌ من المسلمين، ومالُهُ فَيءٌ لبيت المال.
وخالفهم في ذلك طائفة أخرى فقالوا: إن ورثته من المسلمين يرثونه - وبه قال الأوزاعي وإسحاق والحسن البصري والشعبي وعمر بن عبد العزيز، وروي ذلك عن عليّ وابن مسعود.
وفرَّقت طائفة ثالثة فقالت: يرث ماله الذي كان له قبل ردَّته ورثته المسلمون، وما استفاده بعد الرَّدة فيءٌ - وهو قول الثوريِّ وأبي حنيفة، والعموم المتقدم حجة على هؤلاء الطائفتين.
وقوله يتوارث أهل ملَّتين قال بظاهره مالك، فلا يرث اليهودي النصرانيَّ ولا يرثان المجوسيَّ، وهكذا جميع أهل الملل أخذًا بظاهر هذا الحديث. وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود: إن الكفار كلهم أهل ملة واحدة، وإنهم يتوارثون - محتجِّين بقوله تعالى:{وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} فوحَّد المِلَّة. وبقوله: {لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ} والخطاب بـ لكم للكفار كلهم مع توحيد دين، وتأولوا قوله لا يتوارث أهل ملتين على أن المراد به الإسلام والكفر، كما قال في الحديث الأول لا يرث المسلم الكافر، ولا حجة لهم في ذلك.
أمَّا الآية الأولى فلأن ملّتهم وإن كانت موحدة في اللفظ فهي مكثرة في المعنى؛ لأنه قد