الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ الرَّابِعُ الْحَوَالَةُ]
إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْحَوَالَةِ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» فَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ وَالْأَمْرُ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَجْلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَلَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَنَظَرًا لِبَيَانِ صَاحِبِ الْبَحْرِ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ، فَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا (الْبَحْرُ) .
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْعَائِدَةِ لِلْحَوَالَةِ: الْحَوَالَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ اسْمٌ مِنْ الْإِحَالَةِ، تَأْتِي بِمَعْنَى النَّقْلِ الْمُطْلَقِ، يَعْنِي: سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْقُولُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا. (وَحَوَالَةُ الْغِرَاسِ) تُفِيدُ نَقْلَ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنَى الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مِنْ قَبِيلِ نَقْلِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ (الْفَتْحُ وَالْبَحْرُ) .
(الْمَادَّةُ 673) الْحَوَالَةُ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى أَيْ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ هَذَا النَّقْلِ يَنْتَقِلُ أَمْرُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، يَعْنِي أَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ الْمُطَالَبُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْحَوَالَةِ الْمُحِيلَ فَيَصِيرُ الْمُطَالَبُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ.
اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ، وَدَلِيلُهُمْ هُوَ هَذَا: إذَا وَهَبَ الْمُحَالُ لَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحِيلِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ مِنْهُ لَا تَكُونُ هِبَتُهُ وَبَرَاءَتُهُ صَحِيحَتَيْنِ. فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَكَانَتْ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهِبَتُهُ صَحِيحَتَيْنِ وَبِالْعَكْسِ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهِبَتُهُ إيَّاهُ الدَّيْنَ. (الْفَتْحُ وَالْبَحْرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَتَعْبِيرُ (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ) الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَقَوْلُ (يَبْرَأُ الْمُحِيلُ) الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ (690) دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْمَجَلَّةِ هَذَا الْقَوْلَ.
سُؤَالٌ (1) - لَمْ تَقْبَلْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا الْقَوْلَ الْآتِيَ. بَلْ إنَّهَا قَبِلَتْ صُورَةً ثَالِثَةً لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا إنَّهُ هُوَ نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ مَعًا فَالْقَوْلُ الْآتِي نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ. فَالْمَجَلَّةُ تَقُولُ بِنَقْلِ الدَّيْنِ فَقَطْ وَلَا تَقُولُ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ لَفْظٍ بِخُصُوصِ الْمُطَالَبَةِ.
الْجَوَابُ - إنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ بِلَا مُطَالَبَةٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِلَا لَازِمٍ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. وَلِهَذَا السَّبَبِ اكْتَفَتْ الْمَجَلَّةُ بِذَكَرِ الدَّيْنِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يُذْكَرُ الدَّيْنُ تَكُونُ الْمُطَالَبَةُ كَأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَضَفْنَا شَرْحًا عِبَارَةَ (الْمُطَالَبَةِ) .
وَلَيْسَ فِي الْحَوَالَةِ - الَّتِي تُعْقَدُ عَلَى أَنْ يُؤَدَّى الدَّيْنُ مِنْ الْأَمَانَةِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (964) - نَقْلُ دَيْنٍ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْغَصْبِ عَلَى رَأْيِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ وَأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ مُخَلَّصٌ
سُؤَالٌ (2) - نَظَرًا لِلْمَادَّةِ (694) لَا يُنْقَلُ الدَّيْنُ فِي الْحَوَالَةِ الْمَشْرُوطِ إعْطَاؤُهَا فِي مَالِ الْأَمَانَةِ، كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُونَ (الْوَاجِبُ فِي الْغَصْبِ هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ مُخَلَّصٌ) الْجَوَابُ - الْحَوَالَةُ الْوَدِيعَةِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ.
سُؤَالٌ (3) - لَا نَقْلَ لِلدَّيْنِ فِي الْحَوَالَةِ الْوَاقِعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْمُحِيلِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ. الْجَوَابُ - الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحِيلِ لَيْسَتْ حَوَالَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ هِيَ الْإِحَالَةُ الْحَاصِلَةُ بِفِعْلِ الْمُحِيلِ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي هَذِهِ مُنْتَفٍ، بَلْ فِيهَا شَطْرٌ مِنْ الْحَوَالَةِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللُّزُومِ عَلَى الْمُحَالِ. وَأَمَّا الشَّطْرُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ انْتِقَالُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ فَهُوَ مَفْقُودٌ (الْفَتْحُ وَأَبُو السُّعُودِ) . وَذَكَرَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ وَأَنَّ الدَّيْنَ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ كَدَلِيلٍ عَلَى مُدَّعَيَاتِهِمْ الْمَوَادَّ الْآتِيَةَ:
أَوَّلًا - إذَا أَبْرَأَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إبْرَاءً صَحِيحًا. وَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِبْرَاءُ مَرْدُودًا بَرِئَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَإِبْرَاءِ الْكَفِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (660) ، فَيُفْهَمُ مِنْ عَدَمِ رَدِّ الْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورِ بِالرَّدِّ أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ هِيَ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ، وَالدَّيْنَ لَيْسَ بِثَابِتٍ. وَأَمَّا إسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ يَعْنِي غَيْرَ مُتَضَمِّنٍ التَّمْلِيكَ، وَرَدُّ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ أَيْضًا إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَكَانَ مُتَضَمِّنًا التَّمْلِيكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا بِالرَّدِّ، كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْمَادَّةِ (1568) وَكَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالُ الْمُحِيلَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ (الْفَتْحُ) .
ثَانِيًا - إذَا أَوْفَى الْمُحِيلُ الدَّيْنَ أَيْ الْمُحَالَ بِهِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ إلَى الْمُحَالِ لَهُ فَالْمُحَالُ لَهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ بِالْحَوَالَةِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمُحِيلُ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ مُتَبَرِّعًا لَمَا كَانَ مَجْبُورًا عَلَى الْقَبُولِ، لِأَنَّهُ إذَا أَوْفَى شَخْصٌ ثَالِثٌ تَبَرُّعًا الدَّيْنَ الَّذِي لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ لَا يُجْبَرُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبُولِ، فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ، لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِلدَّائِنِ (قُطْلُوبُغَا) . تَفْصِيلٌ - إذَا أُحِيلَ دَيْنٌ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَفِيَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ لَهُ أَدَّاهُ الْمُحِيلُ لِلْمُحَالِ لَهُ
يَكُونُ الْمُحَالُ لَهُ مَجْبُورًا عَلَى الْقَبُولِ، وَلَا يَكُونُ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مُوَقَّتَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (690) وَحَيْثُ إنَّ صُوَرَ رُجُوعِ الْمُحَالِ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ يَثْبُتُ بَعْضَ الْأَحْيَانِ فَالْمُحِيلُ يَكُونُ بِهَذِهِ التَّأْدِيَةِ أَوْفَى الدَّيْنَ كَامِلًا وَأَبَدًا وَيَكُونُ الْمُحِيلُ قَدْ اسْتَفَادَ بِالتَّأْدِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَنْ آخَرَ دَيْنٌ أَلْفُ قِرْشٍ مُعَجَّلًا وَحَوَّلَ دَائِنُهُ عَلَى الْآخِرِ الْمَذْكُورِ مُؤَجِّلًا لِمُدَّةِ سَنَةٍ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً وَبَعْدَ ذَلِكَ أَعْطَى هُوَ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ يَأْخُذُ مَطْلُوبَهُ مِنْ مَدِينِهِ مُعَجَّلًا، كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُحَالُ لَهُ مِنْ الْمُحِيلِ مَطْلُوبَهُ تَغَلُّبًا بِسَبَبِ أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مُفْلِسٌ فَيَسْتَوْفِي الْمُحِيلُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَيَعُودُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ الَّذِي ذُكِرَ انْقِطَاعُهُ فِي الْمَادَّةِ (692) . (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ)
. ثَالِثًا - إذَا وَكَّلَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الْمُحَالِ بِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَصَارَ الْمُحِيلُ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ كَانَ تَوْكِيلُ الْأَجْنَبِيِّ لِقَبْضِ الدَّيْنِ صَحِيحًا لَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَصِحَّ وَكَالَةً بِقَبْضِ الدَّيْنِ.
رَابِعًا - إذَا أَبْرَأَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْمُحَالِ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ، وَأَمَّا إذَا وَهَبَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحَالَ بِهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ فِي الْحَوَالَةِ بِالْأَمْرِ. وَإِذَا كَانَ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ يَقَعُ التَّقَاصُّ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ الدِّينُ انْتَقَلَ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى حُكْمُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ فِي كِلْتَا. الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ الْمَحْكِيِّ آنِفًا فِي مَوْضِعَيْنِ: - إذَا أَبْرَأَ الْمُحَالُ لَهُ الْمُحِيلَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمُحِيلَ مِنْ أَصْلِهِ صَارَ بَرِيءَ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ بِالْحَوَالَةِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَيَصِيرُ الْمُحِيلُ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالنَّظَرِ لِهَذَا الْقَوْلِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَالْمُطَالَبَةَ فَقَطْ تَحَوَّلَتْ أَيْ انْتَقَلَتْ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِذَا حَوَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِدَيْنِهِ عَلَى شَخْصٍ فَلَهُ بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ اسْتِرْدَادُ الْمَرْهُونِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الدَّيْنِ.
وَأَمَّا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ إذَا أَجَّلَ وَأَخَّرَ الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ (الْبَحْرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَأَفْتَى بِالْقَوْلِ الثَّانِي فِي أَوَائِلِ مَبَاحِثِ الرَّهْنِ فِي كِتَابِ الْفَتْوَى أَيْضًا الْمُسَمَّى بِالْبَهْجَةِ وَصَمَّمَ فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُرْتَهِنُ إنْ أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّوَى (تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ فِي الْحَوَالَةِ) رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (690) . تَوْفِيقُ الِاخْتِلَافِ: أَنْكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الِاخْتِلَافَ الْحَاصِلَ فِي انْتِقَالِ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ بِالْحَوَالَةِ وَعَدَمِ انْتِقَالِ الدَّيْنِ أَوْ انْتِقَالِ الِاثْنَيْنِ مَعًا، وَقَالُوا: الْمَنْقُولُ هُوَ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَلَيْسَ الدَّيْنُ وَهَذَا غَيْرُ مَرْوِيٍّ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُشَارُ إلَيْهِ الْأَحْكَامَ الْمُتَشَابِهَةَ وَكَمَا أَنَّهُ أَوْجَبَ أَنَّ الْحَوَالَةَ فِي
الْبَعْضِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ هِيَ تَأْجِيلٌ وَأَنَّ مَا نُقِلَ هُوَ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَلَيْسَ الدَّيْنُ أَوْجَبَ فِي بَعْضِ أَحْكَامٍ أُخَرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الدَّيْنُ وَالْمُطَالَبَةُ كِلَاهُمَا، وَسَبَبُ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَشَابِهَةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ: فِي الْحَوَالَةِ اعْتِبَارَانِ:
الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ - كَوْنُ الْحَوَالَةِ عِبَارَةً عَنْ نَقْلِ الدَّيْنِ بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَبِحَسَبِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الْحَوَالَةُ إبْرَاءً وَيَكُونُ الْمُحَالُ بِهِ الدَّيْنَ وَالْمُطَالَبَةَ مَعًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ لَفْظِ الْحَوَالَةِ تُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ وَنَقْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُفِيدُ النَّقْلَ وَجُعِلَتْ مُضَافَةً لِلدَّائِنِ أَيْضًا، إذْ مَعْنَى الْحَوَالَةِ لُغَةً النَّقْلُ، يُقَالُ أَحَالَ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ عَلَى آخَرَ: صَرَفَهُ عَنْهُ إلَيْهِ: فَهُوَ (مُحِيلٌ) وَالْغَرِيمُ (مُحَالٌ) وَالْغَرِيمُ الْآخَرُ (مُحَالٌ عَلَيْهِ) وَالْمَالُ (مُحَالٌ بِهِ) وَالْأَسْهُمُ (الْحَوَالَةُ)(الْفَتْحُ) بِنَاءً عَلَيْهِ قَدْ اُعْتُبِرَتْ الْحَوَالَةُ نَقْلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي سَرَدَهَا الْمَشَايِخُ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ لِلْمُحَالِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحِيلَ بِالْمُحَالِ بِهِ أَبَدًا.
الِاعْتِبَارُ الثَّانِي - كَوْنُ الْحَوَالَةِ تَأْجِيلًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى، إذَا هَلَكَ الْمُحَالُ بِهِ عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَثُبُوتُ حَقِّ مُرَاجَعَةِ الْمُحَالِ لَهُ لِلْمُحِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا قَدْ اُعْتُبِرَ تَأْجِيلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، كَمَا جَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْمَشَايِخُ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ أَقْوَالِهِمْ، نَظَرًا لِعَدَمِ جَوَازِ الْحَوَالَةِ فِي الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 687 الَّتِي خُصِّصَتْ لِلدَّيْنِ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَمَا أَنَّهَا تُفِيدُ مَعْنَى النَّقْلِ أَيْ كَمَا أَنَّهَا نَقْلٌ شَرْعِيٌّ فَالدَّيْنُ أَيْضًا بِصِفَتِهِ وَصْفًا شَرْعِيًّا جَوَّزَ تَأْثِيرَ النَّقْلِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا ثَبَتَ شَرْعًا.
وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحَيْثُ إنَّهَا مَحْسُوسَةٌ فَلَا تَنْتَقِلُ بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ بَلْ إنَّهَا مُحْتَاجَةٌ لِلنَّقْلِ الْحِسِّيِّ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ أَلْفَ مَرَّةٍ: نَقَلْتُ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَنْتَقِلُ الْكِتَابُ مِنْ مَحَلِّهِ بِهَذَا الْقَوْلِ بَلْ يَلْزَمُ لِذَلِكَ نَقْلٌ حِسِّيٌّ (الدُّرَرُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ - يَجِبُ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ مَدِينًا لِلْمُحَالِ لَهُ، فَلِذَلِكَ إذَا أَحَالَ رَجُلٌ شَخْصًا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مَدِينٍ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ حَوَالَةٌ بَلْ وَكَالَةٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَكَّلَ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ بِقَبْضِ مَطْلُوبِهِ مِنْ الشَّخْصِ الْآخَرِ (التَّنْوِيرُ رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إحَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُوَكَّلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ هِيَ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ حَقَّ الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (1461) ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ بِالْحَوَالَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمُوَكَّلِ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (3) فِيهَا أَنَّهُ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ دَيْنٍ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَلَى مُوَكَّلِهِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحِيلَ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَدِينٍ لِمُوَكَّلِهِ الْمُحَالِ لَهُ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ حَوَالَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْحَوَالَةِ) .