الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَمْتَازُ الْحَاجِرُ عَنْ غَيْرِهِ يَعْنِي لَا يُوجَدُ لِلدَّائِنِينَ الْحَاجِرِينَ امْتِيَازٌ فِي أَمْوَالِ الْمَدِينِ الْمَوْجُودَةِ حِينَ الْحَجْرِ فَلِكُلِّ دَائِنٍ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِمِقْدَارِ مَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ الثَّابِتِ وُجُودُهُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى لَيْسَ لِلْمَحْجُورِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِبَعْضِ الدَّائِنِينَ دُيُونَهُمْ كَامِلَةً بِرِضَاهُ وَيَحْرِمَ الْآخَرِينَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَعْطَى الْمَدِينُ الْمَحْجُورُ دَائِنًا دَيْنَهُ كَامِلًا فَيُجْبَرُ ذَلِكَ الدَّائِنُ عَلَى رَدِّ مَا يَزِيدُ عَمَّا يَلْحَقُهُ مِنْ الدَّيْنِ غَرَامَةَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
وَهَذِهِ الْمَادَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الْمَدِينِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى بَيْعِهِ إجْبَارًا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا لِأَجْلِ الدَّيْنِ فَيَبْدَأُ بِمَا بَيْعُهُ أَهْوَنُ فِي حَقِّ الْمَدِينِ بِتَقْدِيمِ النُّقُودِ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ تَفِ فَالْعُرُوضُ فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعُرُوض أَيْضًا فَالْعَقَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَحْصُلُ بِهِ الْمُسَارَعَةُ إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمَدِينِ وَهَذَا نَافِعٌ لَلْمَدِينِ وَالْغُرَمَاءِ مَعًا (الْهِنْدِيَّةُ) . حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لَلْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَبِيعَ مَا كَانَ أُنْظِرَ لَهُ (الْعِنَايَةُ) وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُرُوضِ يَكْفِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعُرُوضِ الَّتِي يُخْشَى عَلَيْهَا التَّلَفُ وَتُبَاعُ الْعُرُوض الْأُخْرَى فِي حَالِ عَدَمِ كِفَايَةِ تِلْكَ الْعُرُوضِ وَمِنْ ثَمَّ يَنْتَهِي إلَى الْعَقَارِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلسَّلْبِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا فَيَكُونُ بَيْعُهَا أَهْوَنُ عَلَى الْمَدِينِ، فَإِنْ فُضِلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاعَ الْعُرُوضَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَدُّ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَلْحَقُهُ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي بَيْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بَاعَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعَدُّ لِلِاقْتِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي بَيْعِهِ فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (التَّنْقِيحُ) . فَقَوْلُهُ (يَبْدَأُ بِالنُّقُودِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بَيْعَ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ عِبَارَةُ (يَبْدَأُ بِالْأَهْوَنِ) وَيَكُونُ بَيْعُ النُّقُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: فَإِذَا كَانَ دَيْنُ الدَّائِنِ ذَهَبًا وَالْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَدِينِ مِنْ النُّقُودِ فِضَّةٌ تُبْدَلُ الْفِضَّةُ بِذَهَبٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً وَالْمَوْجُودُ ذَهَبًا فَيُبْدَلُ الذَّهَبُ بِفِضَّةٍ وَيُؤَدَّى الدَّيْنُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِدَايَةُ) . أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ ذَهَبًا وَمَالُ الْمَدِينِ ذَهَبًا أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيْعِ فَيُوفِي الْحَاكِمُ الدَّيْنَ مِنْهُ بِلَا أَمْرِ الْمَدِينِ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً وَنَقْدُ الْمَدِينِ فِضَّةً أَيْضًا فَلِلْحَاكِمِ أَيْضًا أَنْ يُوفِيَ الدَّيْنَ مِنْهُ بِلَا أَمْرِ الْمَدِينِ وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ إذَا ظَفِرَ بِمَالٍ لِلْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَهُ الْحَقُّ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِدُونِ رِضَا الْمَدِينِ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعِينَهُ فِي اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ (الْهِدَايَةُ) .
وَبَيْعُ النُّقُودِ أَخَفُّ وَأَهْوَنُ مِنْ بَيْعِ غَيْرِهَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ وَوَجْهُ الْأَخَفِّيَّةِ هُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا فَقَدْ أُعِدَّتْ لِلسَّلْبِ (التَّنْقِيحُ) . وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَدِينِ هُنَا الْمَدِينُ الْحَاضِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَدِينُ غَائِبًا فَحِينَئِذٍ لَا تُبَاعُ عُرُوضُهُ وَعَقَارَاتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ (أَبُو السُّعُودِ)
[
(مَادَّةُ 999) الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ]
(مَادَّةُ 999) - (الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ أَيْ الَّذِي دَيْنُهُ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ أَزْيَدُ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ بِالتِّجَارَةِ أَوْ أَنْ يُخْفِيَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ وَرَاجَعُوا الْحَاكِمَ عَلَى
حَجْرِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِدَيْنِ الْآخَرِ حَجَرَهُ الْحَاكِمُ وَبَاعَ أَمْوَالَهُ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ ثَمِينَةٌ وَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا ثِيَابًا رَخِيصَةً تَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا دَارًا مُنَاسِبَةً لِحَالِ الْمَدِينِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ) الْمَدِينُ الْمُفْلِسُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ صَارَ إلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ فَهُوَ مُفْلِسٌ وَالْجَمْعُ مَفَالِيسُ وَصَنْعَتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالِ الْيُسْرِ إلَى حَالِ الْعُسْرِ (الطَّحْطَاوِيُّ) أَيْ هُوَ الَّذِي دَيْنُهُ مُسَاوٍ لِمَالِهِ أَوْ كَانَ دَيْنُهُ أَزْيَدَ إذَا خَافَ غُرَمَاؤُهُ ضَيَاعَ مَالِهِ بِالتِّجَارَةِ، أَوْ أَنْ يُخْفِيَهُ وَكَيْفَ يَصِيرُ إخْفَاءُ الْمَالِ؟ وَلَعَلَّ الْفِقْرَةَ الَّتِي بَعْدَ عِبَارَةِ (أَنْ يُخْفِيَ مَالَهُ) مُفَسِّرَةُ الْعَطْفِ الْوَاقِعِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (الشَّارِحُ) أَوْ يَجْعَلُهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ كَأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مُوَاضَعَةً أَوْ يُقِرَّ بِهِ وَرَاجَعُوا الْحَاكِمَ لِأَجْلِ حَجْرِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ حَجَرَهُ الْحَاكِمُ (الْكِفَايَةُ) .
وَالْمَدِينُ إنَّمَا يُحْجَرُ بِحَجْرِ الْحَاكِمِ فَالِاخْتِلَافُ الْجَارِي فِي حَجْرِ السَّفِيهِ لَا يَجْرِي فِي حَجْرِ الْمَدِينِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) . وَقَدْ قَصَرَتْ الْمَجَلَّةُ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهَا (الَّذِي دَيْنُهُ. إلَخْ) عَلَى الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ يَعُمُّ الْمُفْلِسَ حَقِيقَةً وَغَيْرَ الْمُفْلِسِ حَقِيقَةً يَعْنِي كَأَنْ يَدَّعِيَ الْإِفْلَاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَمُمْتَنِعٌ عَنْ تَأْدِيَةِ مَا عَلَيْهِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ نُقُودٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَمُمْتَنِعٌ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَهُوَ غَنِيٌّ كَحَالِ الْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ. وَقَدْ جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَهُنَا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إمَّا مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ - فَيَتَنَاوَلُ الْغَنِيَّ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي نَفْسِهِ - إمَّا مَنْ حَالُهُ حَالُ الْمُفْلِسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ حَالٌ فِي عَدَمِ أَدَاءِ الدَّيْنِ حَالَ الْمُفْلِسِ فَلَا يَلْزَمُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِمَنْ هُوَ مُفْلِسٌ حَقِيقَةً. وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي تَخْصِيصِ الْمَجَلَّةِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُفْلِسِ الْحَقِيقِيِّ هُوَ ذِكْرُ حُكْمِ مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَهُوَ غَيْرُ مُفْلِسٍ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
وَإِذَا حَجَرَ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَئِذٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ تَصَرُّفَاتُهُ كَالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ، أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ. وَتَصَرُّفَاتُهُ تَكُونُ صَحِيحَةً بَعْدَ الْحَجْرِ أَيْضًا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْحَبْسُ فِي هَذَا الْحَجْرِ، يَجُوزُ حَجْرُ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَنَتَائِجُ الْأَفْكَارِ) وَبِمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ كَلِمَةَ (عَنْ التَّصَرُّفِ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَا مَعَ الْبَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُوبِلَ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْ قَصَدَ مَا عَدَا الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ مِنْ الْعَامِّ عَطْفَ الْمُبَايِنِ عَلَى الْمُبَايَنِ، وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] الْآيَةَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
بِبَيْعِ الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينِهِ فِي الْحَالِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ الَّتِي لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ لَهُ وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ فِي الصَّيْفِ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَدِينُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ سَجَّادٍ وَبُسُطٍ
وَكَوَانِينَ وَمَدَافِئَ وَيُوفِي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ فِي الشِّتَاءِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ نِطَعٍ وَمَقَاعِدَ جِلْدِيَّةٍ يُوفِي مِنْ ثَمَنِهَا الدَّيْنَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) . كَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلْمَدِينِ عِدَّةُ دُورٍ فَيُتْرَكُ لَهُ إحْدَاهَا مَسْكَنًا وَتُبَاعُ الْبَقِيَّةُ (أَبُو السُّعُودِ) . وَإِذَا كَانَتْ دُيُونُ الْمُفْلِسِ مُسَاوِيَةً لِمَالِهِ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَوْفَى كُلُّ دَائِنٍ دَيْنَهُ كَامِلًا. وإذَا كَانَتْ دُيُونُهُ أَزْيَدَ مِنْ مَالِهِ فَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيفَاءُ كُلِّ دَيْنِهِ كَامِلًا فَيُعْطَى كُلٌّ بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ (تَقْسِيمُ الْغُرَمَاءِ) . وَإِذَا كَانَتْ كُلُّ الدُّيُونِ حَالَّةً فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُقَسَّمُ بِحَسَبِ الْحِصَصِ. أَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُهَا حَالًّا وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلًا فَتُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، لِلدَّائِنِينَ أَنْ يُرَاجِعُوا أَصْحَابَ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ وَيُقَاسِمُوهُمْ مَا أَخَذُوهُ وَيُشَارِكُوهُمْ فِيهِ كُلٌّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجْرِ) الدُّيُونُ الْمُمْتَازَةُ: بَعْضُ دُيُونِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ تَكُونُ مُمْتَازَةً فَلَا يَدْخُلُهَا أَصْحَابُهَا فِي الْغُرَمَاءِ، وَهِيَ: أَوَّلًا ثَمَنُ الْمَبِيعِ.
وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ مَالًا، لَكِنْ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ 0 وَأَصْبَحَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ 0 حَتَّى إنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمَذْكُورَ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ حَقٌّ بِأَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ظَالِمًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَغَيْرِ مُحِقٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ الْمَذْكُورُ (الطَّحْطَاوِيُّ)، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (227) . وَلَا يَدْخُلُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي تَقْسِيمِ الْغُرَمَاءِ (أَبُو السُّعُودِ) أَمَّا لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَأَفْلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ فِي تَقْسِيمِ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مُعَجَّلًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ بِمَا قَبَضُوهُ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ. ثَانِيًا: الدَّيْنُ الَّذِي فِي مُقَابِلِ رَهْنٍ. وَذَلِكَ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَدِينٌ مَالًا لَهُ فِي دَيْنٍ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ فَبِمَا أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ مُمْتَازٌ فَلَا يَتَدَخَّلُ الْغُرَمَاءُ فِي الرَّهْنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ هَذَا الدَّيْنُ عُهْدَةَ الْبَيْعِ: لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ أَمْوَالَ الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَعُودُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ أَيْ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَى الْمَدِينِ وَلَيْسَ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينِهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ ضُبِطَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَدِينِ بِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينِهِ (مُنْلَا مِسْكِينٍ) . وَلَكِنْ يُتْرَكُ لَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَيْ لِلْمَدِينِ دَسْتُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ دَسْتَانِ عَادِيَانِ مِنْ لِبَاسِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِبَيْعِ مَا عَلَيْهِ فَوْقَ الْإِزَارِ وَالسِّرْوَالِ، (الْخَانِيَّةُ) ، وَإِذَا وُجِدَ لِلْمَدِينِ دَسْتُ وَاحِدٌ لِلنَّهَارِ وَدِسْتٌ آخَرُ ثَمِينٌ يَلْبَسُهُ فِي الْأَعْيَادِ وَمَا يُمَاثِلُهَا يُتْرَكُ لَهُ الْأَوَّلُ وَيُبَاعُ الثَّانِي وَعَنْ شُرَيْحُ أَنَّهُ بَاعَ الْعِمَامَةَ (صُرَّةُ الْفَتَاوَى، الْخَانِيَّةُ) .
يُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ أَوْ دَسْتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُتْرَكَ دَسْتُ وَإِذَا لَمْ يُتْرَكْ زِيَادَةٌ عَنْ دَسْتُ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ عِنْدَ غَسْلِهِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْبَيْتِ مَلُومًا مَحْسُورًا. أَمَّا عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ دَسْتُ وَاحِدٌ وَيُبَاعُ الْبَاقِي (مُنْلَا مِسْكِينٍ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) ؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةٌ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ (يُتْرَكُ لَهُ ثَوْبًا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلٍ وَقَوْلُهَا (أَوَثَوْبَيْنِ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلٍ آخَرَ. وَعَلَيْهِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَرَكَ لَهُ دَسْتًا وَاحِدًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لَهُ دَسْتَيْنِ وَبَاعَ الْبَاقِيَ وَأَدَّى دَيْنَهُ. إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ ثِيَابٌ ثَمِينَةٌ وَكَانَ يُمْكِنُ بِالنَّظَرِ إلَى شَخْصِيَّتِهِ وَحَيْثِيَّتِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا ثِيَابًا رَخِيصَةً تَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَعْطَى بَاقِيَهَا لِلْغُرَمَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ (الْجَوْهَرَةُ) . كَذَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَدِينِ كَانُونٌ نُحَاسٌ يُبَاعُ الْكَانُونُ الْمَذْكُورُ وَيُشْتَرَى لَهُ كَانُونٌ مِنْ الطِّينِ وَالزَّائِدُ يُعْطَى إلَى الْغُرَمَاءِ (الْجَوْهَرَةُ) . كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا بَاعَهَا وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا دَارًا مُنَاسِبَةً لِحَالِ الْمَدِينِ وَأَعْطَى مَا يَزِيدُ لِلْغُرَمَاءِ. وَلَا يُقَالُ يُعْطِي كَامِلَ ثَمَنِ الدَّارِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَيَسْكُنُ الْمَدِينُ دَارًا بِالْأُجْرَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ مَالًا) . قِيلَ (إذَا أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهَا جَسَامَةً. مَثَلًا إذَا كَانَتْ دَارُ الْمَدِينِ كَبِيرَةً عَلَيْهِ وَزَائِدَةً عَنْ حَاجَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ فَتُبَاعُ تِلْكَ الدَّارُ إذَا كَانَ فِي الْإِمْكَانِ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ غَيْرِهَا بِنِصْفِ ثَمَنِهَا مَثَلًا دَارًا صَغِيرَةً تَكْفِي الْمَدِينَ فِي جِوَارِهَا. يَعْنِي إعْطَاءَ (مَا دُونَهَا) وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكَانُونِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا آنِفًا فَهِيَ نَظِيرُ ذَلِكَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهَا قِيمَةً وَذَلِكَ كَأَنْ تَكُونَ دَارُ الْمَدِينِ فِي مَحَلٍّ مُعْتَبَرٍ لَوْ بِيعَتْ يُمْكِنُ شِرَاءُ مِثْلِهَا فِي مَكَان آخَرَ غَيْرِ مُعْتَبَرٍ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا. مَثَلًا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ دَارٌ فِي (جُفَالٍ أَوْ غُلِّي) فِي إسْتَانْبُولْ تَكْفِي لِاسْتِيعَابِ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ فَقَطْ وَكَانَتْ إذَا بِيعَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْ ذَهَبَةٍ وَيُمْكِنُ شِرَاءُ دَارٍ بِأَلْفِ ذَهَبَةٍ فِي جِوَارِ بَابِ أَدَرِنَةٍ بِعَيْنِ الْجَسَامَةِ وَالْحَجِّ.
وَإِنِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ كَلَامًا صَرِيحًا فِي إعْطَاءِ هَذَا الْمَعْنَى (لِمَا دُونَهَا) أَيْ فِي جَعْلِهِ شَامِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَرَى الْمَعْنَى الثَّانِيَ مُوَافِقًا لِلْعَدَالَةِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ مُنَاسِبَةٍ لِحَالِ الْمَدِينِ لِأَجْلِ الدَّيْنِ وَيَلْزَمُ تَرْكُهَا لِلْمَدِينِ. وَفِي هَذَا التَّرْكِ مُسَاعَدَةٌ خَاصَّةٌ لِلْمَدِينِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِي حَالِ وَفَاتِهِ - سَوَاءٌ أَكَانُوا صِغَارًا أَمْ كِبَارًا - أَنْ يَقُولُوا عَنْ دَارِ مُوَرِّثِهِمْ الْمَمْلُوكَةِ أَنَّ مَسْكَنَنَا الشَّرْعِيَّ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِرْثِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَسْكَنٍ لِلْوَارِثِ حَتَّى إذَا تُوُفِّيَ أَحَدٌ وَتَرِكَتُهُ مُسْتَغْرِقَةٌ لِلدُّيُونِ فَتَعُودُ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ وَعَقَارَاتِهِ الْمَمْلُوكَةِ إلَى دَائِنِيهِ، وَلَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فِيهَا حَقٌّ مَا مُطْلَقًا. وَإِذَا طَلَب دَائِنُو الْمُفْلِسِ حَبْسَ الْمَدِينِ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَالٍ لَهُ وَادَّعَى الْمَدِينُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَيُحْبَسُ لِكُلِّ دَيْنِ الْتَزَمَ بِهِ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالْكَفَالَةِ. وَيُحْبَسُ فِي الدَّرَاهِمِ وَفِي أَقَلَّ مِنْهَا وَيُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ. الْمَطْلُ (الْجَوْهَرَةُ) .