الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَات الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الْهِبَةِ]
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الْإِصْلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الْهِبَةِ (الْمَادَّةُ 833) - (الْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِآخَرَ بِلَا عِوَضٍ وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ: وَاهِبٌ، وَلِذَلِكَ الْمَالُ مَوْهُوبٌ وَلِمَنْ قَبِلَهُ مَوْهُوبٌ لَهُ وَالِاتِّهَابُ بِمَعْنَى قَبُولِ الْهِبَةِ أَيْضًا) . الْهِبَةُ: فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّفَضُّلُ وَالْإِحْسَانُ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْ الْمُعْطَى لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالًا كَهِبَةِ شَخْصٍ لِآخَرَ فَرَسًا أَمْ غَيْرَ مَالٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِآخَرَ: لِيَهَبَ اللَّهُ لَك وَلَدَك، مَعَ أَنَّ وَلَدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ حُرٌّ لَيْسَ بِمَالٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49](أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) . فَعَلَى ذَلِكَ فَنَقْلُ الْهِبَةِ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ إلَى مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيِّ هُوَ نَقْلُ الِاسْمِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمَالِ، وَجَمْعُ الْهِبَةِ: هِبَاتٌ وَمَوَاهِبُ (الْفَتْحُ) وَالْهِبَةُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِآخَرَ بِلَا عِوَضٍ وَيُسَمَّى الْمُمَلِّكُ وَاهِبًا وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ مَوْهُوبًا وَيُسَمَّى الشَّخْصُ الَّذِي يَقْبَلُ ذَلِكَ التَّمْلِيكَ مَوْهُوبًا لَهُ كَمَا أَنَّ الِاتِّهَابَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ هُوَ بِمَعْنَى قَبُولِ الْهِبَةِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِيهَابَ هُوَ بِمَعْنَى طَلَبِ الْهِبَةِ (الْكِفَايَةُ وَالْفَتْحُ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الْهِبَةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ إلَّا أَنَّهُ يُطْلِقُ أَحْيَانًا كَلِمَةَ هِبَةٍ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ وَأَنَّ الْهِبَةَ الْوَارِدَةَ فِي عِنْوَانِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي هِيَ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ وَيُطْلِقُ أَيْضًا عَلَى الْمَالِ الْمَوْهُوبِ لَفْظَةَ مُوهَبَةٍ (الْفَتْحُ) .
وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ الْمُتَقَدِّمِ الْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ وَإِنَّ تَعْرِيفَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ لَا يُوجَبُ خُرُوجُهُمَا مِنْ الْهِبَةِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: - (التَّمْلِيكُ) إنَّ تَقْيِيدَ التَّمْلِيكِ بِقَيْدٍ بِلَا عِوَضٍ هُوَ مَرْبُوطٌ بِالتَّمْلِيكِ وَمُؤَخَّرٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ الْمَالَ بِلَا عِوَضٍ وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ الْمَعْنَوِيَّ لِلتَّعْرِيفِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ مِنْ وَجْهٍ قَيْدًا مُدْخِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ التَّمْلِيكَاتُ الْأُخْرَى كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَيَكُونُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَيْدًا مُخْرِجًا وَيُخَرِّجُ ذَلِكَ اللَّفْظُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ مِنْ التَّعْرِيفِ وَهِيَ: 1 - فَرَاغُ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ وَالْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ مَجَّانًا فَتَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ عَلَى رَأْيِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفَرَاغَ هُوَ نُزُولٌ عَنْ الْحَقِّ الْعَادِي الْمُجَرَّدِ.
2 -
بِمَا أَنَّ كَلِمَةَ التَّمْلِيكِ تُفِيدُ التَّمْلِيكَ حَالًّا فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ.
3 -
يَخْرُجُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ هِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْوَارِدُ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (873) فَيَجِبُ خُرُوجُهَا
لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَوْنُهَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (873) بَعْدَ الْإِيجَابِ. بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ وَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
رَابِعًا - يَخْرُجُ أَيْضًا الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقَعُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَبِطَرِيقَةِ نَفْيِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْمَالَ هُوَ مَالٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ صُورَةَ نَفْيِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ هِبَةً وَحَتَّى لَا يَلْزَمُ الْقَبْضُ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِتَمَامِ عَقْدِ الْهِبَةِ. مَثَلًا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (أَيْنَ تراست) فَيَكُونُ بِقَوْلِهِ هَذَا قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ الْمَالِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا قَالَ (أَيْنَ ترا) فَيَكُونُ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكًا لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْهِبَةِ فَأَصْبَحَ هَذَا الْإِقْرَارُ هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
فَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُهُ هُوَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ حَالَةَ كَوْنِهِ لَوْ أَقَرَّ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُنْسَبُ لِي هِيَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا إقْرَارًا فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1591) وَشَرْحَ الْمَادَّةَ (848) .
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ لَفْظِ التَّمْلِيكِ: - يُوجِبُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ أَنْ يَكُونَ الْمُمَلِّكُ أَيْ الْوَاهِبُ مَالِكًا لِذَاكَ الْمَالِ وَأَهْلًا لِتَمْلِيكِهِ وَقَدْ أُشِيرَ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى الْمَادَّتَيْنِ (857 و 859) كَمَا أَنَّهُ أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ إنَّ الْحَطَبَ وَالْأَخْشَابَ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْجِبَالِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَتَمْلِيكُهَا مِنْ الْوَاهِبِ لِآخَرَ يَكُونُ مُحَالًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لِشَيْءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ (الْبَحْرُ) .
(2)
قِيلَ فِي النَّصِّ التُّرْكِيِّ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ تَمْلِيكُ مَالِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا التَّعْبِيرِ الِاحْتِرَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَالَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ مَالَيْنِ بَلْ جَاءَ ذَلِكَ لِلتَّنْكِيرِ وَالتَّعْمِيمِ لَيْسَ إلَّا فَهُوَ يَشْمَلُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ مَالًا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا كَانَ مَالَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(3)
قِيلَ: تَمْلِيكُ مَالٍ وَبِذَلِكَ تَخْرُجُ الْإِبَاحَةُ وَتَخْرُجُ أَيْضًا الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُهَايَأَةُ الزَّمَانِيَّةُ وَالْمَكَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا فَرَاغُ الْمُسْقَفَاتِ وَالْمُسْتَغِلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ (عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفَرَاغَ فِيهِمَا هُوَ إيجَارٌ) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ قَدْ أَخْرَجَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ ثَلَاثَةُ فُرُوقٍ: (1) فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ فَالْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ إعْطَاءُ الْإِذْنِ بِأَكْلِ مَالٍ حَسَبَ تَعْرِيفِهَا الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (836) فَعَلَيْهِ الْهِبَةُ تَخْتَلِفُ عَنْ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ.
(2)
فَرْقٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِي الْهِبَةِ تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْوَاهِبِ مِنْ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَحُصُولِ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِبَاحَةِ لَا تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْمُبِيحِ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ وَيَتَنَاوَلْهُ الْمُبَاحُ لَهُ.
يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِبَاحَةِ عِلْمُ الْمُبَاحِ لَهُ وَالْمُبَاحِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِبَاحَةِ مَعْلُومِيَّةُ الشَّيْءِ الَّذِي أُبِيحَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّةُ الْمُبَاحِ لَهُ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ: كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مَالِي فَمَالِي حَلَالٌ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إبَاحَةً كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ (875)(الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلِ بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدْيُونِ)(وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ الْغَصْبِ) .
أَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: مَهْمَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَك فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ هِبَةٌ وَقَدْ صَرَّحَتْ الْمَادَّةُ (858) بِعَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَانِيَّةِ (رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا أَكَلْت مِنْ مَالِي أَوْ أَخَذْت أَوْ أَعْطَيْت حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الطَّعَامِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ فَإِنَّ مَنْ قَدَّمَ مَائِدَةً بَيْنَ قَوْمٍ حَلَّ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْهَا وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ) .
(4)
وَبِقَيْدٍ بِلَا عِوَضٍ يَخْرُجُ الْبَيْعُ وَالْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1116) .
أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا. يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ اعْتِرَاضٌ بِصُوَرٍ أَرْبَعٍ تَحْتَاجُ لِلْإِجَابَةِ عَلَيْهَا: 1 - قَدْ وَرَدَ فِي التَّعْرِيفِ لَفْظُ الْمَالِ، وَالْمَالُ بِحَسَبِ تَعْرِيفِهِ الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (126) لَا يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَيَخْرُجُ بِهَذَا التَّعْرِيفِ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ الْوَارِدُ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (848) فَعَلَيْهِ يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ.
إنَّ الْمَالَ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ بِمَعْنَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (631) وَهُوَ الْمَالُ حَالًا وَمَآلًا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَالِ الْأَعَمِّ فَحِينَئِذٍ صِحَّةُ التَّمْلِيكِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (848) تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الْوَاجِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَحِينَمَا يَقْبِضُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَكُونُ الْقَابِضُ قَابِضًا أَوَّلًا عَنْ الْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَكُونُ قَابِضًا بِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَقْتَ الْقَبْضِ عَيْنًا فَإِذَا عُمِّمَ التَّعْرِيفُ بِحَيْثُ يَشْتَمِلُ الْمَوْجُودَةَ حَالًا وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ مَآلًا فَيَكُونُ صَحِيحًا أَيْ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ أَيْضًا (الدُّرَرُ وَشَرْحُهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتِمُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا.
2 -
يَخْرُجُ بِتَعْبِيرِ " الْمَالُ هِبَةُ الطَّاعَاتِ " مَعَ أَنَّ هِبَةَ الطَّاعَاتِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ وَرَدَ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الصَّدَقَةِ مَا نَصُّهُ (رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ دَعَا لَهُ فَإِنَّهُ يَصِلُ الثَّوَابُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا جَعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَازَ) .
ج - إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَرَّفَةِ هِيَ الْهِبَةُ بِالْمُعَامَلَاتِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ هِيَ الْهِبَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَيْ تَثْبُتُ بِهَا مِلْكِيَّةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَقُّ الْوَاهِبِ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَهِبَةُ الطَّاعَاتِ لَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَكَمَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ فَهِيَ خَارِجَةٌ أَيْضًا عَنْ الْمُعَرَّفِ.
3 -
قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ يُخْرِجُ بِذَلِكَ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (855) فَلِذَلِكَ
يَكُونُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ فَلِذَلِكَ يُنْتَفَضُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَكْسًا بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْفَتْحُ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَا عِوَضٍ هُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَتَكُونُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضَتَهُ.
ج: قَوْلُهُ أَيْضًا: بِلَا عِوَضٍ، مَعْنَاهُ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ وَفِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ وَلَيْسَ لَفْظَةُ " بِلَا عِوَضٍ " بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ وَأَنْ يَكُنْ الْمَعْنَى الثَّانِي (أَيْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ) مُنَافِيًا لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَيْ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ (الدُّرَرُ) وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:(1) الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَالْبَيْعُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ.
(2)
مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِعَدَمِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
(3)
الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْعَارِيَّةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَبِلَا عِوَضٍ الْوَارِدَةُ هُنَا هِيَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَلَيْسَتْ بِمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَلِذَلِكَ تَدْخُلُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ يَعْنِي أَنَّ مَاهِيَّةً بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ مَاهِيَّةً لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ لَمْ تَكُنْ مُبَايِنَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ مَاهِيَّةً بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ هِيَ أَعَمُّ مِنْ مَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ كَالْحَمَوِيِّ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ قَائِلًا بِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَجْتَمِعُ بِمَاهِيَّةِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَ: بِلَا عِوَضٍ، هُوَ نَصٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَلَا تَجْتَمِعُ نَقِيضَتُهَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ نَشَأَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ مِنْ عَدَمِ تَدْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَجِبُ إذْ أَنَّ تَعْبِيرَ بِلَا عِوَضٍ لَيْسَ نَصًّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ كَمَا قَالَ، بَلْ هُوَ عَامٌّ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَنَافٍ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالشَّيْءِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُوجَدُ تَبَايُنٌ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الصِّدْقِ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا أَنَّ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالنُّطْقِ وَالْحَيَوَانُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُوجَدُ تَنَافٍ بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ (الْفَتْحُ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
إلَّا أَنَّهُ يَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَيْدَ بِلَا عِوَضٍ الْوَاقِعَ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ إذَا اُعْتُبِرَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا شَرْطٍ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ عَلَى الْبَيْعِ فَيَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنْتَقَضًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الْمَحْذُورُ بَلْ يَشْتَدُّ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْتَقَضُ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ طِرَادًا (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ وَارِدًا عَلَى جَوَابِ صَاحِبِ الدُّرَرِ؛ لِأَنَّ خُلَاصَةَ ذَلِكَ الْجَوَابِ هُوَ أَنَّ وُجُودَ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فَإِذَا وُجِدَ الْعِوَضُ جَازَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعِوَضُ جَازَ أَيْضًا كَالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالْعِوَضُ أَمْرٌ لَازِمٌ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بِلَا عِوَضٍ أَيْ بِنَفْيِ الْعِوَضِ فَبَعْدَ أَنْ اعْتَرَضَ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَابَ عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ بِمَا يَأْتِي: