الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَابِعِهِ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعْتَبَرًا. وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ فِي غِيَابِ الْمُجْبِرِ أَوْ تَابِعِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ طَوْعًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ. مَثَلًا لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ وَذَهَبَ الْمُكْرَهُ وَبَاعَ مَالَهُ فِي غِيَابِ الْمُجْبِرِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَمُعْتَبَرًا)
يُشْتَرَطُ أَنْ يَخَافَ الْمُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّابِعِ خَوْفَهُ مِنْ الْمُجْبِرِ الْمَتْبُوعِ، (الطُّورِيُّ) . لَكِنْ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ هَذَا الْخَوْفَ فَيَكُونُ قَدْ زَالَ الْإِكْرَاهُ حَقِيقَةً فَإِذَا حَصَلَ خَوْفٌ مِنْ عَوْدَةِ الْإِكْرَاهِ، فَهَذَا الْحَالُ لَا يَثْبُتُ إكْرَاهًا، (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ فِي غِيَابِ الْمُجْبِرِ أَوْ تَابِعِهِ أَوْ فِي حُضُورِ التَّابِعِ وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ طَوْعًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَخَوْفًا مِنْ عَوْدَةِ الْإِكْرَاهِ وَإِنْ غَابَ الْمُكْرَهُ عَنْ نَظَرِ مَنْ أَكْرَهَهُ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ، (صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .
وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ لِآخَرَ رَسُولًا لِيُحْضِرَ فُلَانًا إنْ لَمْ يَفْعَلْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَكَانَ الرَّسُولُ الْمَذْكُورُ مُقْتَدِرًا عَلَى إحْضَارِهِ، وَخَافَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ الشَّيْءَ الْمَذْكُورَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الشَّيْءَ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِ الرَّسُولِ، كَانَ إكْرَاهًا وَإِلَّا فَلَا. وَيَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَعْوَانَ الظُّلْمَةِ لَا يَعْذِرُونَ فِي أَحَدِهِمْ ظُلْمًا فِي غِيَابِ الظَّالِمِ أَوْ رَسُولِهِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ وَذَهَبَ الْمُكْرَهُ وَبَاعَ مَالَهُ فِي غِيَابِ الْمُجْبِرِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَمُعْتَبَرًا، (النَّتِيجَةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ أَحَدٌ بِالْوَكَالَةِ عَنْ رَجُلٍ غَائِبٍ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى مَهْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَنَّ زَوْجِي أَجْبَرَنِي قَبْلَ الْغَيْبَةِ عَلَى الْقَبُولِ الْمَذْكُورِ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ طَلَاقِي عَلَى مَهْرِي، فَإِنَّنِي أُرِيدُ مَهْرِي، (عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُلَخَّصًا) .
[
(مَادَّةُ 1006) لَا يُعْتَبَرُ الْبَيْعُ الَّذِي وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ]
(مَادَّةُ 1006) -، (لَا يُعْتَبَرُ الْبَيْعُ الَّذِي وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ وَلَا الشِّرَاءُ وَلَا الْإِيجَارُ وَلَا الْهِبَةُ وَلَا الْفَرَاغُ وَلَا الصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ مَالٍ وَلَا تَأْجِيلُ الدِّينِ وَلَا إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ، مُلْجِئًا كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ غَيْرُ الْمُلْجِئِ، وَلَكِنْ لَوْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ مَا ذَكَرَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ يُعْتَبَرُ) يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَيَبْطُلُ بِالْهَزْلِ كَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَتْنِ، أَمَّا مَا لَا يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ مِنْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ، وَتَكُونُ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةً، (عَبْدُ الْحَلِيمِ)
وَسَتُوَضَّحُ قَرِيبًا وَيَصِيرُ تَعْدَادُهَا.
فَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ الْبَيْعُ الَّذِي وَقَعَ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ وَلَا الشِّرَاءُ وَلَا الْإِيجَارُ وَلَا الِاسْتِئْجَارُ وَلَا الْهِبَةُ وَلَا الصَّدَقَةُ وَلَا الْفَرَاغُ، يَعْنِي فَرَاغَ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ وَالْأَرَاضِيِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْإِجَارَتَيْنِ مِنْ
الْمُسْتَغَلَّاتِ، وَلَا الصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَالِ وَالْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ وَالْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ مَالٍ، أَيْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْحُقُوقِ، وَلَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَلَا إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ، وَلَا قَبُولُ الْكَفَالَةِ وَالْوَقْفِ وَالرَّهْنِ، وَلَا يَكُونُ لَازِمًا، أَيْ يَكُونُ مُنْعَقِدًا وَنَافِذًا وَقَابِلًا الْفَسْخَ، وَفِي الْبَيْعِ مَثَلًا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، (الدُّرَرُ، الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، الطَّحْطَاوِيُّ، الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) .
حَتَّى إنَّهُ لِلْمُكْرَهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَفْسَخَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا شَاءَ، لَكِنْ لَوْ أَوْقَعَ فِي هَذَا الْمَبِيعِ فِعْلًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَفَعَلَ الْغَاصِبُ ذَلِكَ الْفِعْلَ فِي الْمَغْصُوبِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَلَا يَبْقَى لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً وَصَارَتْ دَقِيقًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُفِيدُ بَيْعُ الْمُكْرَهِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، (الطُّورِيُّ) مُلْجِئًا كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ. وَلَا تُسْقِطُ وَفَاةُ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْبِرِ وَالْمُكْرَهِ حَقَّ الْفَسْخِ، فَعَلَيْهِ إذَا تُوُفِّيَ الْمُجْبِرُ تُؤْخَذُ التَّضْمِينَاتُ اللَّازِمَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُكْرَهُ يَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَالثَّمَرِ وَالْوَلَدِ أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالسَّمْنِ لَيْسَتْ مَانِعَةً لِلْفَسْخِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ فَمَانِعَةٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ. مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا. وَفِي الْبَحْرِ مَتَى فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ يَعْنِي فِعْلًا فَاسِدًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مَضْمُونَةً بِالتَّعَدِّي.
وَالْمُكْرَهُ إذَا أَجَازَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا حِينَئِذٍ أَيْ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالْإِقْرَارَ يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ وَلَوْ كَانَا بِإِكْرَاهٍ. الْإِكْرَاهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ فَهُوَ مُعْدِمٌ لِلرِّضَا وَبِمَا أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْإِقْرَارِ، فَتَفْسُدُ الْعُقُودُ بِفَوَاتِ الرِّضَا وَيَكُونُ حَقُّ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَائِدًا إلَى الْمُكْرَهِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَعَلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى الْمَبِيعَ مِنْ بَائِعِهِ مُكْرَهًا بِقَبْضِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (371) . لَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَلَا تَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ لَازِمَةً، وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلنَّقْضِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
كَذَلِكَ يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِالْإِكْرَاهِ إذَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إذَا وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَقْتَضِي الْمِلْكَ، لَكِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ، فَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ فِيهَا قَابِلًا لِلنَّقْصِ يَنْقُضُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ. كَمَا سَيُفَصَّلُ فِيمَا سَيَأْتِي،
الْعُقُودُ الَّتِي تَنْفُذُ وَاَلَّتِي لَا تَنْفُذُ بِالْإِكْرَاهِ الْمَذْكُورِ سَتُوَضَّحُ كَمَا سَيَأْتِي، فَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ قِسْمَانِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا كَانَ قَابِلًا وَمُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي تَعْدَادُهَا، (عَبْدُ الْحَلِيمِ) :
الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالنَّذْرُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ، فِي الْإِيلَاءِ، الظِّهَارُ، الْيَمِينُ، التَّدْبِيرُ، الِاسْتِيلَاءُ، الرَّضَاعُ، الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ، وَالتَّوْكِيلُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَإِيجَابُ الْحَجِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِيجَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ وَالْأَنْقِرْوِيُّ، وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَإِنَّنَا نَكْتَفِي بِإِيضَاحِ بَعْضِهَا:
إيضَاحُ الطَّلَاقِ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأُكْرِهَ عَلَى تَطْلِيقِهَا، (طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ) وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، (وَالدُّخُولُ حُكْمًا هُوَ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ) ، وَطَلَّقَهَا بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ. وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ عَلَى الْمُجْبِرِ، (الْبَهْجَةُ، الْقُهُسْتَانِيُّ) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ، (الطُّورِيُّ) .
لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُنَا تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ، وَالدُّخُولُ لَيْسَ بِصُنْعٍ مِنْ الْمُجْبِرِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ بِتَغْيِيرٍ وَفِي الْجَوْهَرَةِ تَفْصِيلُ ذَلِكَ) .
وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ أَرَدْتُ بِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَاكِمِ كَمَا طَلَبَ مِنِّي أَوْ قَالَ أَرَدْتُ الْإِتْيَانَ بِمَطْلُوبِهِ أَمَّا إذَا قَالَ أَرَدْتُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَيَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا أُكْرِهَ فَكَانَ طَائِعًا فِي ذَلِكَ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ، (الطُّورِيُّ) .
إيضَاحُ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ: لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ زَوْجَتَهُ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ عَلَى مَهْرِهَا، وَقَبِلَتْ هِيَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ، (عَلِيٌّ أَفَنْدِي، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) . وَلَكِنْ لَوْ أَجَازَتْ الزَّوْجَةُ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ إجَازَتُهَا صَحِيحَةً وَسَقَطَ الْمَهْرُ وَصَارَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
كَمَا لَوْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِي مُقَابِلِ أَلْفِ قِرْشٍ أَوْ أُكْرِهَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ مَالٍ. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْقُوَّةِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِيهِ) .
إيضَاحُ النِّكَاحِ، لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُكْرَهًا جَازَ النِّكَاحُ، وَلَكِنْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّزْوِيجِ بِهَا بِأَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَزَوَّجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الزَّائِدُ عَنْ الْمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ جَوَازِ النِّكَاحِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الطَّحْطَاوِيُّ فَتَجُوزُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَيْضًا وَيَأْخُذُهَا الْمُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمُجْبِرِ، (الْبَزَّازِيَّةُ، وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ عَلَى التَّزَوُّجِ مِنْ أَحَدٍ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَزَوَّجَتْهُ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ضَمَانٌ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) . لَكِنْ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ أَحَدٌ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مُكْرَهًا فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. مَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَهْرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
إيضَاحُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ: لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ آخَرَ قَتْلًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ فَعَفَا وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْبَارِّ عَنْ الْقَاتِلِ مِنْ الْقِصَاصِ مُكْرَهِينَ كَانَ صَحِيحًا وَكَمَا أَنَّ الْمُجْبِرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالدِّيَةِ، (النَّتِيجَةُ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
كَذَلِكَ لَوْ أُجْبِرَ الْقَاتِلُ عَلَى الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ وَقَبِلَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ، أَيْ بَدَلَ الصُّلْحِ، لَكِنْ يَبْطُلُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ مَعَ الْإِكْرَاهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، (الْأَنْقِرْوِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
فَلَوْ تَصَالَحَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ مُكْرَهًا، وَالْقَاتِلُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ جَازَ، وَلَزِمَ الْقَاتِلَ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ضَمَانُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ، (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
إيضَاحُ الْإِرْضَاعِ: لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ امْرَأَةً عَلَى أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ، وَأَرْضَعَتْهُ مُكْرَهَةً، أَوْ لَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ مِنْ لَبَنِهَا وَفَعَلَتْ، ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
إيضَاحُ الْيَمِينِ: لَوْ حَلَفَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ مُكْرَهًا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْحَالِفُ تِلْكَ الدَّارَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، (مِنْ الْمَحَلِّ الْمَزْبُورِ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَشْيَاءُ الْقَابِلَةُ لِلْفَسْخِ، (أَبُو السُّعُودِ) وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي: قَدْ جُمِعَ فِي الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِكْرَاهِ. وَقَدْ ذَكَرَ آنِفًا بَعْضَ الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ مُجْمَلَةً وَإِلَيْكَ تَفْصِيلُهَا فِيمَا سَيَأْتِي:
1 -
فِي الْبَيْعِ: الْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بِالْإِكْرَاهِ أَيْ مُعْتَبَرًا يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ نَافِذٌ، أَيْ مُنْعَقِدٌ، لَكِنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فِي الْمَبِيعِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْإِكْرَاهِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، سَوَاءٌ أَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكْرَهًا أَمْ الْبَائِعُ فَقَطْ أَمْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ. وَأَيُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَانَ مُكْرَهًا فَلَهُ حَقٌّ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ لَوْ لَمْ يَرْضَ الْآخَرُ بِذَلِكَ. أَمَّا الطَّرَفُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخُ الْعَقْدِ بِدُونِ الرِّضَا، (الطُّورِيُّ) . وَسَتَأْتِي تَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
بَيْعُ الْمُكْرَهِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَابِلٌ لِلْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ، وَيُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَبَيْعُ الْمُكْرَهِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ جَائِزٌ وَمُعْتَبَرٌ أَيْ لَازِمٌ. وَالْإِجَازَةُ فِيهِ تُزِيلُ الْحُرْمَةَ. أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ، أَيْ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ، (الطَّحْطَاوِيُّ مُلَخَّصًا) .
كَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الْمُكْرَهُ الْبَيْعَ انْفَسَخَ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ مُكْرَهًا ثُمَّ بَاعَهُ هَذَا مِنْ غَيْرِ بَيْعِ رِضًا وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَإِذَا لَمْ يُجِزْهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ، (النَّتِيجَةُ، وَالْبَهْجَةُ) ، وَإِذَا وَقَعَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ، فَأَيُّ عَقْدٍ أَجَازَهُ الْمُكْرَهُ كَانَ الْكُلُّ جَائِزًا. فَلَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ مُكْرَهًا وَهَذَا بَاعَهُ رِضَاءً مِنْ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ هَذَا مِنْ آخَرَ وَبَاعَهُ هَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ هَذَا مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ نَفَذَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ، أَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ الثَّالِثَ نَفَذَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا أَجَازَ بَعْضَ الْعُقُودِ فَقَدْ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَأَصْبَحَ طَائِعًا رَاضِيًا وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ جَائِزًا فَقَدْ أَصْبَحَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا جَائِزَةً وَيَأْخُذُ الْمُكْرَهُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، (الطُّورِيُّ) .
وَتَعْيِينُ الْمُشْتَرِي فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَلَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُشْتَرِي فَبَاعَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَالَهُ مِنْ أَحَدٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْإِكْرَاهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بَيْعَ مُكْرَهٍ، (الْبَزَّازِيَّةُ) .
مُخَالَفَةُ الْمُكْرَهِ الْمُجْبِرَ فِي الثَّمَنِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِمِائَةِ قِرْشٍ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ كَأَنْ يَكُونَ بَاعَهُ بِتِسْعِينَ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ بَيْعَ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّ الْمُجْبِرَ عَرَّضَ الْمُكْرَهَ لِلضَّرَرِ، وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ بِالْأَقَلِّ بَاعِثٌ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالْأَكْثَرِ إكْرَاهٌ عَلَى الْبَيْعِ بِالْأَقَلِّ. أَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَبَاعَهُ بِأَزْيَدَ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَكُونُ قَدْ اكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ النَّفْعَ، (الطُّورِيُّ) .
مُخَالَفَةُ الْمُكْرَهِ فِي نَوْعِ الْعَقْدِ: لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِهِ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ، (الْبَزَّازِيَّةُ) .
زَوَائِدُ الْمَالِ الَّذِي بِيعَ بِالْإِكْرَاهِ: أَمَّا فِي زَوَائِدِ الْمَالِ الَّذِي بِيعَ بِالْإِكْرَاهِ فَإِذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً وَتَلِفَتْ بِالتَّعَدِّي لَزِمَ الضَّمَانُ. أَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَبَقِيَتْ الزَّوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ. وَإِذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهَا فِي حَالِ وُجُودِهَا فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ إذَا تَلِفَتْ الزَّوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ بِلَا تَعَدٍّ. لَكِنْ لَوْ اُسْتُهْلِكَتْ لَزِمَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ الضَّمَانُ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا.
وَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَمَعَهُ زَوَائِدُ مُنْفَصِلَةٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي، (التَّنْقِيحُ) .
أَنْوَاعُ الْإِجَازَةِ: الْإِجَازَةُ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْإِجَازَةُ قَوْلًا وَصَرَاحَةً، كَقَوْلِ الْمُكْرَهِ أَجَزْتُ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ أَوْ أَعْطَيْتُ إجَازَةً بِهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْإِجَازَةُ الْفِعْلِيَّةُ، فَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمُكْرَهُ طَائِعًا ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي طَائِعًا نَفَذَ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (68) ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِكْرَاهَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْبَيْعِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ، (أَبُو السُّعُودِ) .
(فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَمَّا فِي الْفَاسِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ) ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى التَّسْلِيمِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِكْرَاهِ) .
لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مُسْتَلْزِمًا الْإِكْرَاهَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ، كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ، (86) ، فَإِذَا وَهَبَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ الْمَوْهُوبُ فِي حُضُورِ الْمُجْبِرِ فَلَا تَنْفُذُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُجْبِرِ هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْهُوبِ لَا لَفْظُ الْهِبَةِ. وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي الْهِبَةِ بِالتَّسْلِيمِ، بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ، (837) .
فَكَانَ التَّسْلِيمُ فِي الْهِبَةِ دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ، (أَبُو السُّعُودِ، وَالْهِدَايَةُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ، (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُكْرَهُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ طَائِعًا بَلْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا أَوْ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ طَائِعًا بَلْ سَلَّمَهُ مُكْرَهًا، فَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِسَبَبِ عَدَمِ الرِّضَا، فَلَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَرُدَّ هَذَا الثَّمَنَ وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَإِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، وَالْقَبْضُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا قَبَضَهُ لِلتَّمَلُّكِ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً، (الدُّرَرُ) .
يُوجَدُ بَيْنَ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فُرُوقٌ عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ، (أَبُو السُّعُودِ) .
1 -
يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بِالْإِجَازَةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ يَنْقَلِبُ بِالْإِجَازَةِ إلَى الصِّحَّةِ، مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَةٍ كَهَذِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ نَاشِئٌ عَنْ حَقِّ الشَّرْعِ، أَمَّا فَسَادُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَنَاشِئٌ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ.
2 -
تُنْقَضُ التَّصَرُّفَاتُ الْقَابِلَةُ لِلنَّقْضِ، كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى مِنْ الْمُكْرَهِ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ وَقَعَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ، (372) أَنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي بِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ بَيْعًا صَحِيحًا فَلَا يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِهِ وَتَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْمُكْرَهِ لَمَّا كَانَ مُسَاوِيًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي فَلَا يَسْتَدْعِي وُجُودُ الْحَقِّ الثَّانِي بُطْلَانَ الْحَقِّ الْأَوَّلِ، أَمَّا الِاسْتِرْدَادُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَبِمَا أَنَّهُ عَنْ حَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ. فَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ عَنْ حَقِّ الشَّرْعِ لِغِنَى الرَّبِّ تَعَالَى، (الزَّيْلَعِيّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
3 -
إذَا تَصَرَّفَ مُشْتَرِي الْمَالِ الْمَبِيعِ فِيهِ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ وَفَسْخُهُ، فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُجْبِرُ، يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يَأْخُذُ مِثْلَهُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَقْتَ تَسْلِيمِهِ، (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ إيَّاهُ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ وَقْتَ إحْدَاثِهِ الْحَالَ الْغَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ، (الْبَزَّازِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى الْمَالِ بِهَذَا الْإِحْدَاثِ حَقَّ اسْتِرْدَادِهِ. وَفِي كَوْنِ الْمُكْرَهِ مُخَيَّرًا فِي التَّضْمِينِ نَظَرٌ لَهُ حَيْثُ يَحْتَارُ لِأَكْثَرَ عِنْدَ التَّفَاوُتِ، (عَبْدُ الْحَلِيمِ) . أَمَّا الْمُشْتَرِي الَّذِي يَشْتَرِي مَالًا شِرَاءً فَاسِدًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ، (371) ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
4 -
الثَّمَنُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْبَيْعِ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكْرَهِ عَلَى الشِّرَاءِ أَمَانَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ أَخَذَ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَمَتَى كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّمَلُّكِ، بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ، بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ، (768) وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ الْمُشْتَرِيَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ، (371) ، أَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا مَالًا مِنْ أَحَدٍ وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ، وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الدُّرَرُ)
صُوَرٌ ثَلَاثٌ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ:
تُوجَدُ ثَلَاثُ صُوَرٍ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ الْمُكْرَهِ
1 -
كَوْنُ الْبَائِعِ مُكْرَهًا فَقَطْ.
2 -
كَوْنُ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا فَقَطْ.
3 -
كَوْنُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُكْرَهَيْنِ مَعًا.
وَبِمَا أَنَّ أَحْكَامَ هَذِهِ الصُّوَرِ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِلَيْكَ الْإِيضَاحُ فِيمَا يَلِي:
تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُكْرَهًا فَقَطْ:
أُوَلًا، لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفِ قِرْشٍ فِضَّةً وَبَاعَهُ بِمَا قِيمَتُهُ أَلْفُ قِرْشٍ مِنْ النُّقُودِ الذَّهَبِيَّةِ يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مَعْدُودَةٌ فِي التِّجَارَةِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ بَاعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفِ قِرْشٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَبَاعَ بِمَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الْحَيَوَانَاتِ نَفَذَ الْبَيْعُ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ الطُّورِيُّ) .
ثَانِيًا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا جَائِزًا وَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ إكْرَاهٍ. أَمَّا بِالْعَكْسِ، أَيْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَيْكَ الْفَرْقُ: إذَا بَاعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَيْعًا صَحِيحًا يَكُونُ قَدْ أَجْرَى عَقْدًا لَمْ يُكْرَهْ عَلَى إجْرَائِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ يُفِيدُ أَحْكَامًا لَا يُفِيدُهَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ. أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا يَكُونُ قَدْ أَجْرَى الْعَقْدَ، الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ، عَلَى صُورَةٍ أَنْقَصَ، (الطُّورِيُّ)
ثَالِثًا، لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ نِصْفِ دَارِهِ مَقْسُومًا، فَبَاعَ الْكُلَّ، لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
رَابِعًا، إذَا عَقَدَ الْبَائِعُ عَقْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُكْرَهٌ دُونَ الْمُشْتَرِي، كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِرْدَادُهُ، لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُجْبِرُ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ، (أَبُو السُّعُودِ) ، فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، (الطُّورِيُّ) . لِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا. فَالْمُجْبِرُ كَالْغَاصِبِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، (الدُّرَرُ بِتَغْيِيرٍ) وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُجْبِرِ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، غَيْرَ أَنَّهُ تُوقَفُ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ مِنْ الْفَسْخِ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبُيُوعَاتِ الْفَاسِدَةِ، (الطُّورِيُّ) . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَنْفُذُ كُلُّ شِرَاءٍ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ الْأَدَاءَ بِالضَّمَانِ فَيَكُونُ بَيْعُهُ لِمَالِهِ ظَاهِرًا أَمَّا الشِّرَاءُ الْوَاقِعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَيَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ عَقْدًا مِنْهَا، (وَلَوْ كَانَ الْمَجَازُ هُوَ الْأَخِيرُ) حَيْثُ يَنْفُذُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ فَيَعُودُ الْكُلُّ جَائِزًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَفَذَتْ جَمِيعُ الْبُيُوعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّهُ إذْ ضَمِنَ فَأَخَذَ الْقِيمَةَ، صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ بِخِلَافِ أَخْذِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ بَلْ إجَازَةٌ فَافْتَرَقَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَاحِدًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ، حَيْثُ يَجُوزُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمْ مِلْكٌ بَاتٌّ وَأَبْطَلَ الْمَوْقُوفَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ كُلُّ وَاحِدٍ بَاعَ مِلْكَهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيهِ وَالْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْكُلِّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، فَإِنْ أَسْقَطَ الْمَالِكُ نَفَذَ الْكُلُّ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ إجَازَةِ الْمُكْرَهِ وَإِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ نَفَذَ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً: أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ الْمُصَادَفَةِ مِلْكَهُ، فَتَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَقَدْ مَلَكَهُ، فَالْبَيْعُ مِنْ كُلِّ مُشْتَرٍ صَادَفَهُ مِلْكُهُ فَلِهَذَا نَفَذَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا بِإِجَازَةِ عَقْدٍ مِنْهَا، (الْعِنَايَةُ، وَالتَّبْيِينُ، وَأَبُو السُّعُودِ، وَالدُّرَرُ، والشُّرُنْبُلاليُّ) .
مَثَلًا لَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ مُكْرَهًا، بَاعَهُ هَذَا مِنْ شَخْصٍ غَيْرَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ، وَبَاعَهُ هَذَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ، فَلَوْ ضَمِنَ صَاحِبُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ أَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَشِرَاءُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَشِرَاءُ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَبْلَ التَّضْمِينِ حَتَّى يَمْلِكَهُ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الضَّامِنُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَايِعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ إحْدَى الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمِيعُ " وَنَظِيرُهُ إجَازَةُ الشَّفِيعِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِينَ بَعْدَ تَدَاوُلِ الْأَيْدِي فِي الْمَبِيعِ، عَبْدُ الْحَلِيمِ "، وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ، وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِإِجَازَةٍ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَبِخِلَافِ مَا إذَا جَازَ الْمَالِكُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَاحِدًا مِنْ الْعُقُودِ. حَيْثُ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ سَابِقُهُ وَلَا لَاحِقُهُ، (عَبْدُ الْحَلِيمِ رَدُّ الْمُحْتَارِ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
خَامِسًا، إذَا صُودِرَ أَحَدٌ يَعْنِي إذَا أُرِيدَ أَخْذُ نَقْدِهِ ظُلْمًا، فَبَاعَ مَالًا مِنْ آخَرَ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ بَيْعَ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ مَا طَلَبَ مِنْهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي فَإِذَا قَالَ بِعْ كَذَا فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَأَبُو السُّعُودِ)
سَادِسًا، لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ، (أَيْ مَالِ الْمُكْرَهِ) وَبَاعَهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا جَازَ الْبَيْعُ لَكِنَّ عُهْدَةَ الْبَيْعِ تَعُودُ إلَى الْمُجْبِرِ. وَإِذَا طَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَتْ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
فَائِدَةٌ فِي الْبَيْعِ بِالْإِكْرَاهِ فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّهُ بَاعَ هَذَا الْعَقَارَ وَسَلَّمَهُ مُكْرَهًا بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ، وَطَلَبَ. رَدَّهُ إلَيْهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَائِلًا: إنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْتَ وَلَكِنَّكَ مُعِدٌّ ذَلِكَ قَدْ بِعْتُهُ عَنْ طَوْعٍ وَرِضًا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَنْدَفِعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ، (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ مُكْرَهًا تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ:
أَوَّلًا: لَوْ اشْتَرَى الشَّخْصُ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ مَالٍ يُسَاوِي أَلْفَ قِرْشٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ صَحَّ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
ثَانِيًا: لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا وَقَبَضَهُ وَهُوَ مُكْرَهٌ دُونَ الْبَائِعِ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً. وَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَلِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فَقَطْ. جَاءَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا صَحَّ الْفَسْخُ لِلْكُلِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْمُشْتَرِي، وَالْحُكْمُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا. فَلَوْ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَخَذَ الْمَالَ بِنِيَّةِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ إذَا تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُجْبِرَ. كَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَالَ عَمْرٍو وَيُعْطِيَهُ لِزَيْدٍ، وَأَخَذَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِنِيَّةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مُؤَخَّرًا لِصَاحِبِهِ وَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِزَيْدٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ الْمُكْرَهُ بِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ، فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ لِكَوْنِهِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُجْبِرَ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (2) وَشَرْحَهَا. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْمُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي النِّيَّةِ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي الضَّمَانَ
عَنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ وَهِيَ إكْرَاهُهُ، (الطَّحْطَاوِيُّ) وَصُورَةُ الْيَمِينِ: أَنَّهُ مَا أَخَذَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ طَائِعًا وَمَا أَخَذَهُ إلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى دَفْعِهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ. مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ قُبَيْلَ الْحَجْرِ) ، وَمِثْلُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْهِبَةِ وَقَالَ قَبَضْتُهَا لِأَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثَالِثًا، لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ آخَرَ لِلْمُجْبِرِ، وَشِرَاءُ الْمُكْرَهِ لِلْمُجْبِرِ بِرِضَا الْبَائِعِ جَازَ الشِّرَاءُ وَكَانَ الْمَتَاعُ لِلْمُجْبِرِ، لَكِنْ لَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ عُهْدَةَ الشِّرَاءِ لَيْسَتْ عَلَيْهِ. إلَّا أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ رَجَعَتْ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُكْرَهًا تَجْرِي الْأَحْكَامَ الْآتِيَةَ:
أَوَّلًا: إذَا أُكْرِهَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّقَابُضِ وَفَعَلَا ذَلِكَ مُكْرَهَيْنِ وَأَجَازَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ بَعْدَئِذٍ جَازَ مِنْ طَرَفِهِ، وَبَقِيَ الثَّانِي مُخَيَّرًا. وَإِذَا أَجَازَ الِاثْنَانِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ جَازَ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
ثَانِيًا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ آخَرَ، وَأُكْرِهَ هَذَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأُكْرِهَا عَلَى التَّقَابُضِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوَى التَّضْمِينَاتِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ وَالتَّقَابُضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَيُسْأَلُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ: لِأَيِّ شَيْءٍ قَبَضَ مَا قَبَضَ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ.
الصُّورَةُ الْأُولَى، إذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا إنَّنِي قَبَضْتُ الثَّمَنَ أَوْ الْمَبِيعَ لِنَفْسِي، بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ الَّذِي وَقَعَ بِالْجَبْرِ عَنِّي، جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ شَيْءٌ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا إنَّنِي قَبَضْتُ مُكْرَهًا عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ لِصَاحِبِهِ وَأَسْتَرِدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ مِنِّي، وَيُصَدِّقُهُ الْآخَرُ أَوْ لَا يُصَدِّقُهُ، فَلِكُلٍّ عَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا حَلَفَ كُلٌّ لِكُلٍّ فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: نُكُولُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْيَمِينِ، بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِهِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ النَّاكِلُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ أَرَادَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُجْبِرِ وَالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخْلًا فِي هَلَاكِ مَالِهِ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالذَّاتِ وَوَاحِدٌ آخَرُ بِالْوَاسِطَةِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَعَلَيْهِ فَإِذَا ضَمِنَ الْمُجْبِرُ فَلِلْمُجْبِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِبَدَلِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ. قَامَ مَقَامَ الْمُجْبِرِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتٍ وَحَدَّدَ السَّبَبَ بِالِاسْتِنَادِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ بِتَغْيِيرٍ) . أَمَّا إذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُجْبِرِ بِبَدَلِ الضَّمَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ. وَإِذَا كَانَ النَّاكِلُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْمُجْبِرَ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ وَهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِذَا ضَمِنَ الْبَائِعُ، الرُّجُوعُ عَلَى الْمُجْبِرِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
[2]
- الشِّرَاءُ: لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى شِرَاءِ ثَوْبِ هَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا قِرْشًا، وَشَرَاهُ مُكْرَهًا، فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَسْتَرِدَّ مِنْهُ نَقُودَهُ، (النَّتِيجَةُ) . وَقَدْ بَيَّنَ آنِفًا بَعْضَ أَحْكَامِ الشِّرَاءِ الَّذِي يَقَعُ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا فَقَطْ أَوْ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ مُكْرَهَانِ.
الْإِيجَارُ: لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ مُتَوَلِّيًا عَلَى وَقْفِ إيجَارِ حَمَّامٍ لِذَلِكَ الْوَقْفِ مِنْ آخَرَ، بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَآجَرَ الْمُتَوَلِّي مُكْرَهًا لَا يَصِحُّ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (448) النَّتِيجَةُ
. [4]- الِاسْتِئْجَارُ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدٌ مَالَ الْغَيْرِ بِإِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِ مُلْجِئٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُخَيَّرًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (48 4)
. [5]- الْهِبَةُ: تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ فِي الْهِبَةِ بِإِكْرَاهٍ.
أَوَّلًا: يَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ رِضَا الْوَاهِبِ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ، (860) ، فَلَيْسَتْ الْهِبَةُ الَّتِي تَقَعُ بِالْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ صَحِيحَةٌ وَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ يَسْتَلْزِمُ الْإِكْرَاهَ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَلَوْ وَهَبَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ طَائِعًا، فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُكْرَهُ الْعِوَضَ طَائِعًا وَيَقْبَلُهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْهِبَةَ الْوَاقِعَةَ بِإِكْرَاهٍ، (الْأَنْقِرْوِيُّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) . مَثَلًا لَوْ أَكْرَهَ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ عَلَى أَنْ تَهَبَهُ مَهْرَهَا بِتَهْدِيدِهِ إيَّاهَا بِالضَّرْبِ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ، فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْهِبَةَ وَكُلِّفَتْ الزَّوْجَةُ بِالْيَمِينِ، بِنَاءً عَلَى إنْكَارِهَا إيَّاهَا فَتَطْلُبُ الزَّوْجَةُ إلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ يَدَّعِي الْهِبَةَ. بِاخْتِيَارٍ أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ، (أَدَّعِي الْهِبَةَ بِإِكْرَاهٍ) تُرَدُّ دَعْوَاهُ، وَإِنْ قَالَ، (أَدَّعِي الْهِبَةَ بِاخْتِيَارٍ) فَتَخْلُصُ الزَّوْجَةُ بِحَلِفِهَا الْيَمِينَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَهَبْ بِدُونِ إكْرَاهٍ، (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ) يَعْنِي تَطْلُبُ الْبَيِّنَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنَّهَا وَهَبَتْهُ إيَّاهُ طَوْعًا، فَإِذَا عَجَزَ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَهَبْهُ طَوْعًا، فَإِنْ فَعَلَتْ حُكِمَ لَهَا بِالْمَهْرِ، (مِنْ الْمَحَلِّ الْمَزْبُورِ) .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَهَبَ لِرَجُلٍ هَذَا الْمَالَ، فَوَهَبَ وَسَلَّمَ وَغَابَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُجْبِرِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ، (صُرَّةُ الْفَتَاوَى بِتَغْيِيرٍ) .
ثَانِيًا: لَوْ مَنَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْمَرِيضَةَ مِنْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا إلَّا أَنْ تَهَبَهُ مَهْرَهَا فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ. كَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِابْنَتِهِ، بَعْدَ أَنْ زَوَّجَهَا مِنْ أَحَدٍ، إنَّنِي أَمْتَنِعُ مِنْ زِفَافِكِ إلَى زَوْجِكِ مَا لَمْ تُقِرِّي بِأَنَّكِ أَخَذْتِ كُلَّ مِيرَاثِكِ عَنْ وَالِدَتِكِ، وَمَنَعَهَا بِالْفِعْلِ فَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ فَإِقْرَارُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ فِي هَذَا فِي حُكْمِ الْمُكْرَهَةِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ كَالْإِقْرَارِ وَالْهِبَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَكُلِّ وَلِيٍّ مُقْتَدِرٍ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَالْأَبِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي دِيَارِنَا مِنْ أَخْذِ مُهُورِهِنَّ كَرْهًا عَنْهُنَّ حَتَّى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ بَعُدَ وَإِنْ مَنَعَتْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ مِثْلِهَا، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثَالِثًا، لَوْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى هِبَةِ مَالِهِ هَذَا لِهَذَا الرَّجُلِ وَبَعْدَ أَنْ قِبَلَ الرَّجُلُ الْمَالَ وَقَبَضَهُ مُكْرَهًا أَيْضًا، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ الْمَالِ لِيَكُونَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ، أَمَّا لَوْ قَالَ إنَّنِي أَخَذْتُهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ حَتَّى يَبْقَى لِي، فَلِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ الْمُجْبِرِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُكْرَهِ، يَعْنِي الْمَوْهُوبَ لَهُ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُجْبِرُ فَيَرْجِعُ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
رَابِعًا، لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى هِبَةِ مَالِهِ لِآخَرَ وَوَهَبَهُ هَذَا إلَى غَيْرِهِ فَالْهِبَةُ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ هِبَةُ مُكْرَهٍ وَفِي حَقِّ الثَّانِي هِبَةٌ صَحِيحَةٌ، (الْبَزَّازِيَّةُ) .
خَامِسًا، إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ فِي الْهِبَةِ الَّتِي تَقَعُ بِالْإِكْرَاهِ صَارَ مَالِكًا لَهُ. لَكِنْ تُنْقَضُ
تَصَرُّفَاتُهُ الْقَابِلَةُ لِلنَّقْضِ وَيُرَدُّ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ أَمَّا مَا لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلنَّقْضِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يَنْقُضُهَا الْمُكْرَهُ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُجْبِرَ قِيمَةَ الْمَالِ يَوْمِ تَسْلِيمِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ. وَمَتَى اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُضَمِّنُهُ إنْ شَاءَ قِيمَتَهُ وَقْتَ قَبْضِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَقْتَ إحْدَاثِهِ الْحَالَ الَّذِي أَصْبَحَ فِيهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ، (الْبَزَّازِيَّةُ) .
سَادِسًا، لَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ غَيْرَ مَقْسُومٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَقْسُومًا وَلَا غَيْرَهُ، وَأُكْرِهَ عَلَى التَّسْلِيمِ فَوَهَبَ وَسَلَّمَ الدَّارَ كُلَّهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ نِصْفِ دَارِهِ مَقْسُومًا أَوْ عَلَى هِبَةِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ فَوَهَبَ الْكُلَّ لَمْ يَجُزْ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
وَيَلْزَمُ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
سَابِعًا، لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ فَتَصَدَّقَ، أَوْ عَلَى الصَّدَقَةِ فَوَهَبَ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ الصَّدَقَةِ.
ثَامِنًا، لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ، فَوَهَبَ فِي مُقَابِلِ عِوَضٍ، وَحَصَلَ التَّقَابُضَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَازَ.
تَاسِعًا، إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ عِوَضًا بِلَا إكْرَاهٍ بَعْدَ أَنْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْمَوْهُوبِ جَازَتْ الْهِبَةُ
. [6]- فَرَاغُ الْأَرَاضِي وَالْأَوْقَافِ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا عَلَى فَرَاغِ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ وَالْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي فِي عُهْدَتِهِ لِأَحَدٍ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَنْفُذُ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَفَرَّغَ أَحَدٌ لِآخَرَ عَنْ الْأَرَاضِيِ الْمَذْكُورَةِ فَلَهُ الصَّلَاحِيَّةُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ، فَلَوْ تُوُفِّيَ الْمُكْرَهُ فَلِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقُّ الِانْتِقَالِ الصَّلَاحِيَّةُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ. كَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فَرَاغُ عَرْصَةِ الْوَقْفِ بِالْإِكْرَاهِ الْمُعْتَبَرِ، (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ) . لَكِنَّ الَّذِي يَتَفَرَّغُ مُكْرَهًا إذَا تَفَرَّغَ بِالْعَقَارِ الْمَفْرُوضِ لَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَحَّ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ أَجَازَ الْفَرَاغَ الَّذِي وَقَعَ وَهُوَ مُكْرَهٌ.
[7]
- الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ: إذَا كَانَ لِأَحَدٍ دَعْوَى عَلَى آخَرَ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا فَأَكْرَهَهُ الْمُدَّعِي عَلَى الصُّلْحِ وَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ مُكْرَهًا. فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ. لَكِنْ لَوْ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الصُّلْحَ مُخْتَارًا وَسَلَّمَهُ بَدَلَ الصُّلْحِ طَوْعًا نَفَذَ، (الْبَهْجَةُ)
[8]
- لَا يُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقَعُ بِإِكْرَاهٍ فَلَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِزَيْدٍ بِكَذَا قِرْشًا أَوْ أَنْ يُقِرَّ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُكْرَهُ مُخَيَّرًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ أَيْ يَقُولُ إنَّنِي كُنْتُ صَادِقًا فِي إقْرَارِي، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، يَعْنِي أَنْ يَقُولَ إنَّنِي كُنْتُ كَاذِبًا فِي إقْرَارِي، (مُنْلَا مِسْكِينٍ، عَبْدُ الْحَلِيمِ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. أَمَّا الْإِكْرَاهُ فَيُرَجَّحُ جِهَةَ الْكَذِبِ (الْبَزَّازِيَّةُ) ، وَعَلَيْهِ فَالْإِقْرَارُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ حُجَّةٌ وَبِهَذَا السَّبَبِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ، أَمَّا حَالُ الْإِكْرَاهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِهَذَا يُرَجَّحُ جَانِبُ الْكَذِبِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، (أَبُو السُّعُودِ) .
لَا يُعْتَبَرُ الطَّلَاقُ الَّذِي يُقَرُّ بِهِ بِالْإِكْرَاهِ فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قِرْطَاسٍ، (امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَوْ أَمْرُهَا بِيَدِهَا) لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، (صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .
كَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ الرَّضَاعُ الَّذِي تُقِرُّ بِهِ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً، أَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي يَقَعُ بِالْإِكْرَاهِ وَالرَّضَاعُ الَّذِي تُكْرَهُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَمُغَيَّرَانِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُمَا، (عَبْدُ الْحَلِيمِ بِإِيضَاحٍ) وَقَدْ مَرَّ إيضَاحُهُ آنِفًا.
وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ كَذَا قِرْشًا وَأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ وَأَعْطَاهُ سَنَدًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا فَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ قَدْ كُنْتُ مُكْرَهًا عَلَى إعْطَاءِ ذَلِكَ السَّنَدِ وَأَثْبَتَ دَفْعَهُ هَذَا، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ فَأَقَرَّ وَأَخَذَ الرَّجُلُ الْمَالَ وَغَابَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا، كَانَ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُكْرِهِ، (صُرَّةُ الْفَتَاوَى، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
الْإِقْرَارُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِيرَاثِ: لَوْ مَنَعَ وَلِيٌّ كَالْأَبِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَنْ تُزَفَّ إلَى زَوْجِهَا، وَقَالَ لَهَا إذَا لَمْ تُقِرِّي بِاسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ لَكِ مِنْ مِيرَاثِكِ عَنْ وَالِدَتِكِ فَلَا أَسْمَحُ بِزِفَافِكِ، وَأَقَرَّتْ بِاسْتِيفَائِهَا ذَلِكَ. فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْإِقْرَارُ بِالْبُلُوغِ، لَوْ أُكْرِهَتْ الصَّغِيرَةُ، الْبَالِغَةُ مِنْ الْعُمُرِ عَشْرَ سَنَوَاتٍ، عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِأَنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ بَالِغَةً، وَأَقَرَّتْ وَهِيَ مُكْرَهَةً، كَانَ إقْرَارُهَا بَاطِلًا، (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
الْإِقْرَارُ بِالْكَفَالَةِ، لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِالْكَفَالَةِ وَهُوَ مُكْرَهٌ عَلَى ذَلِكَ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَإِقْرَارُ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ (التَّنْقِيح) .
الْإِقْرَارُ بِالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَلْفِ قِرْشٍ، وَأَقَرَّ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَلَيْسَ الْإِقْرَارُ مُعْتَبَرًا؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى إبْعَاضِهَا، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، وَالْأَلْفَ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا ابْتَدَأَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ، (الْجَوْهَرَةُ، الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْإِقْرَارُ لِلْمُجْبِرِ وَلِغَيْرِهِ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ لِلْمُجْبِرِ فَأَقَرَّ لِلْمُجْبِرِ وَلِلْغَائِبِ، فَالْإِقْرَارُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْغَائِبُ بِالتَّرِكَةِ أَمْ لَمْ يَعْتَرِفْ. لَكِنَّ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ إذَا اعْتَرَفَ الْغَائِبُ بِالشَّرِكَةِ أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الشَّرِكَةَ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ بِالنَّظَرِ إلَى حِصَّةِ الْغَائِبِ فَقَطْ، (الْبَزَّازِيَّةُ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ)
الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَرَاهِمَ فَأَقَرَّ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا وَلَوْ وَجَدَ عِنْدَهُ دَرَاهِمَ بِقِيمَةِ الْمُقَرِّ بِهِ، (الْبَزَّازِيَّةُ، الْجَوْهَرَةُ، وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِكْرَاهِ) وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفٍ غَيْرِ مَا أَكْرَهُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ طَائِعٌ فَبِمَا أَقَرَّ بِهِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ: لَوْ سُرِقَتْ دَارُ أَحَدٍ فَاتُّهِمَ بَعْضُ مَنْ لَيْسُوا مَظِنَّةً لِلتُّهَمِ وَأَقَرُّوا بِالسَّرِقَةِ بِالتَّعْذِيبِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَلَا تَثْبُتُ السَّرِقَةُ، (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ) وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا، (هَامِشُ الْأَنْقِرْوِيِّ) .
الْهِبَةُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَلْفِ قِرْشٍ لِآخَرَ، فَوَهَبَهُ إيَّاهُ جَازَتْ الْهِبَةُ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ حَقٍّ لَمْ يَقَعْ، كَانَ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ بَاطِلًا، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا
الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ الْوَدِيعَةِ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ غَصَبَ مَالَ أَحَدٍ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ وَدِيعَةً فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِعَدَمِ التَّزْوِيجِ، لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ لَمْ يَتَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، وَلَيْسَ لَهُ شُهُودٌ عَلَى الزَّوَاجِ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ بَيِّنَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النِّكَاحِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
[9]
الْإِبْرَاءُ: لَا يُعْتَبَرُ الْإِبْرَاءُ وَالْمُبْرِئُ مُكْرَهًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِقْرَارَاتِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، (الْقُهُسْتَانِيُّ) ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ أَمْ إبْرَاءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصْبِحُ الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ مُخَيَّرًا فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الْإِبْرَاءَ وَنَفَّذَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، (الطَّحْطَاوِيُّ، وَالْقُهُسْتَانِيُّ) ، مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى إبْرَاءِ مَدِينٍ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنْ كَفَالَتِهِ، فَلَا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ؛ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ فَيُؤْثَرُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ، (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ)
. [10] تَأْجِيلُ الدَّيْنِ: لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ دَيْنٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، فَأُكْرِهَ عَلَى تَأْجِيلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ سَنَةً فَأَجَّلَهُ السَّنَةَ فَلَا حُكْمَ لِلتَّأْجِيلِ
. [11] قَبُولُ الْوَدِيعَةِ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى قَبُولِ وَدِيعَةٍ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا، فَقَبِلَهَا هُوَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ظَهَرَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودِعَ الْمُجْبِرَ، (الْأَنْقِرْوِيُّ، الْحَمَوِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي)
. [12] قَبُولُ الْحَوَالَةِ وَالْإِحَالَةِ: لَوْ قَبِلَ أَحَدٌ مُكْرَهًا إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا أَنْ يُحِيلَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَنْ يُحَالَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُحَالُ لَهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنْ الْمُحِيلِ، اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ، (685)
. [13] إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ: لَا يُعْتَبَرُ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ الَّذِي يَقَعُ مَعَ الْإِكْرَاهِ. يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ طَلَبَهَا طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ فَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الطَّلَبِ وَعَدَمِ التَّكَلُّمِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الطَّلَبَ مُدَّةَ يَوْمٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ)
. [14] قَبُولُ الْكَفَالَةِ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى كَفَالَةِ الدَّيْنِ، وَكَفَلَ بِهِ مُكْرَهًا فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ، (التَّنْقِيحُ)
. [15] الْوَقْفُ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَقِفَ الْجِهَةَ الْفُلَانِيَّةَ مِنْ مِلْكِهِ بِكَذَا قِرْشًا وَوَقَفَ الْمُكْرَهُ ذَلِكَ كَانَ الْوَقْفُ غَيْرَ صَحِيحٍ
. [16] الْوَكَالَةُ: لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى تَوْكِيلِ آخَرَ بِبَيْعِ بَعْضِ أَمْتِعَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ مِنْ شَخْصٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا، فَادَّعَى الْمُكْرَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي التَّوْكِيلِ الْمَذْكُورِ مُكْرَهًا إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ، فَلَهُ اسْتِرْدَادُ أَمْتِعَتِهِ إذَا لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ، (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) وَإِذَا تَلِفَتْ تِلْكَ الْأَمْتِعَةُ فِي يَدِ
ذَلِكَ الشَّخْصِ فَلِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ أَرَادَ مِنْ الْمُجْبِرِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي، إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي، وَالْوَكِيلُ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ فَإِذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الرُّجُوعِ عَلَى أَحَدٍ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ أَيْضًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ وَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، فَيَتَقَابَضَانِ وَيَسْتَرِدَّانِ الْفَضْلَ وَإِذَا ضَمِنَ الْمُجْبِرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) . كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى تَوْكِيلِ آخَرَ بِفَرَاغِ أَرَاضِيِهِ الْأَمِيرِيَّةِ لِأَحَدٍ وَتَفَرَّغَ بِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ، (التَّنْقِيحُ) .
مُسْتَثْنَى: يُسْتَثْنَى التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ. مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى تَوْكِيلِ وَكِيلٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ، وَوَكَّلَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، طَلَّقَ الْوَكِيلُ زَوْجَتَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا، (أَبُو السُّعُودِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَكَذَا التَّوْكِيلُ، (التَّنْقِيحُ) .
وَعَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى الْمُجْبِرِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
[17]
- الرَّهْنُ، لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ زَوْجَتَهُ عَلَى رَهْنِ مَالٍ لَهَا عِنْدَ أَحَدٍ فِي مُقَابِلِ مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ مِنْهُ، فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْعَقْدُ، وَلِلزَّوْجَةِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَرْهُونِ، (التَّنْقِيحُ) .
وَقَدْ بَيَّنَ بَعْضَ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَا تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَشَرْحِهَا، وَبِمَا أَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي هَذَا الْعَدَدِ، فَلْنُبَيِّنْ الْقَاعِدَةَ الْآتِيَةَ لِلْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَا تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَإِلَيْكَهَا: كُلُّ عَقْدٍ وَتَصَرُّفٍ لَا يَصِحُّ وَيَكُونُ بَاطِلًا مَعَ الْهَزْلِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ أَوْ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، (التَّنْقِيحُ) . كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ.
(مَادَّةُ 1007) -، (كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ كَذَلِكَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ. وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فَيُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ. فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ اتْلَفْ مَالَ فُلَانٍ وَإِلَّا أَقْتُلْك أَوْ اقْطَعْ أَحَدَ أَعْضَائِك فَأَتْلَفَ ذَلِكَ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعْتَبَرًا وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُجْبِرِ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اتْلَفْ مَالَ فُلَانٍ وَإِلَّا أَضْرِبْكَ أَوْ أَحْبِسُك وَأَتْلَفَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعْتَبَرًا وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ فَقَطْ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَمَلُ عَادَةً) .
فَالتَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَالتَّصَرُّفَاتُ الْفِعْلِيَّةِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ. تَحْتَوِي هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَشَرْحِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ أَمْثِلَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الْحُكْمُ أَصْلٌ تَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْمَادَّةُ الْآنِفَةُ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَتَتَفَرَّعُ مِنْهُ فِقْرَةٌ، (بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ أَتْلِفْ مَالَ إلَخْ) .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ مُعْتَبَرٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، وَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَشَرْحِهَا جَمِيعُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، وَهَذَا الْحُكْمُ الثَّالِثُ أَصْلٌ أَيْضًا وَالْمَادَّةُ الْآنِفَةُ وَفَرْعٌ لَهَا.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: لَا يُعْتَبَرُ الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ. وَتَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الرَّابِعِ فِقْرَةٌ، (وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ إلَخْ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ نِصْفَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَصْلٌ لِلْمَادَّةِ الْآنِفَةِ كَمَا أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَصْلٌ لِلْفُرُوعِ الْآتِيَةِ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ اتْلَفْ مَالَ فُلَانٍ بِالْأَكْلِ أَوْ بِصُورَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا أَقْتُلْك أَوْ اقْطَعْ أَحَدَ أَعْضَائِك وَاتَلَف ذَلِكَ فَفِي هَذَا الْإِتْلَافِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ أَيْضًا ضَرُورَةٌ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرًا وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُجْبِرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَكُونُ آلَةً لِلْمُجْبِرِ، وَالْحَامِلُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهَا آلَةً، وَالْإِتْلَافُ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ أَيْضًا كَمَا لَوْ دَفَعَ الْمُجْبِرُ الْمُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ وَأَتْلَفَهُ، (الدُّرَرُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَإِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ هُوَ إتْلَافُ مَالِ وَاحِدٍ، فَالْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا. وَإِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ هُوَ إتْلَافُ مَالِ وَاحِدٍ مِنْ عِدَّةِ أَشْخَاصٍ، فَلَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يَخْتَارَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْمُجْبِرُ أَتْلِفْ مَالَ زَيْدٍ هَذَا أَوْ أَتْلِفْ مَالَ عَمْرٍو ذَاكَ وَأَكْرَهَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا، فَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُتْلِفَ مَالَ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَكِنْ الْأَحَبُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَ أَغْنَاهُمَا، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْغِنَى فَيَجِبُ أَنْ يُتْلِفَ أَقَلَّهُمَا مِقْدَارًا أَوْ قِيمَةً. وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَتْلَفَ الْأَكْثَرَ يَضْمَنُ الْمُجْبِرُ الْمِقْدَارَ الْأَقَلَّ وَالْمُكْرَهُ الزَّائِدَ عَنْهُ وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي الْغِنَى وَتَسَاوَى الْمَالَانِ قِيمَةً. فَيُتْلِفُ مَالَ أَحْسَنِهِمَا خُلُقًا وَأَظْهَرِهِمَا جُودًا، (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِ فُلَانٍ، فَلَهُ إتْلَافُ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَإِنْ فَعَلَ قوص؛ لِأَنَّ فِي الْمَالِ رُخْصَةً عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَمَّا قَتْلُ النَّفْسِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ، (28، 29) الْقَائِلَتَيْنِ، (إذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا لِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا، وَ " يَخْتَارُ أَهْوَنَ الشَّرَّيْنِ) .
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ، (مَالُ فُلَانٍ) وَذَلِكَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَالٍ لِمُكْرَهٍ، حَتَّى إنَّ الْمُجْبِرَ لَوْ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا وَأَتْلَفَهُ، لَزِمَ الْمُجْبِرَ الضَّمَانُ، مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى أَكْلِ طَعَامِهِ، (أَيْ طَعَامِ الْمُكْرَهِ) فَأَكَلَهُ وَهُوَ شَبْعَانُ، كَانَ الْمُجْبِرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ لِلْآكِلِ مَنْفَعَةٌ مِنْ أَكْلِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْآكِلُ جَائِعًا، وَأَكَلَ طَعَامَهُ بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا، فَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ لِلْآكِلِ. وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أُكْرِهَ الْفَاعِلُ عَلَى لُبْسِ ثَوْبِ نَفْسِهِ حَتَّى تَخَرَّقَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ، كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحْطَاوِيِّ، أَوْ عَلَى الْحَامِلِ، كَمَا فِي النَّتِيجَةِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .
لَا يَجُوزُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ، بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَجَلَّةِ، وَيُثَابُ الْمُكْرَهُ إذَا لَمْ يُتْلِفْ مَالَ الْغَيْرِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِهِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ، (1002) ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَحُرْمَةَ الظُّلْمِ لَا تَنْكَشِفُ وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْأَفْعَالُ الَّتِي تَجُوزُ مَعَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، هِيَ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَجَلَّةِ، مَالًا فَلَا يُبَاحُ قَتْلُ الْآدَمِيِّ وَإِتْلَافِهِ، يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ
أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ، فَلَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ اُقْتُلْ فُلَانًا، إنْ لَمْ تَقْتُلْهُ فَإِنِّي قَاتِلُكَ أَوْ قَاطِعٌ يَدَكَ، وَخَافَ ذَلِكَ الْمُكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْمُكْرَهَ، فَلَيْسَ لَهُ قَتْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلْمُكْرَهِ اُقْتُلْنِي فَدَمِي مُبَاحٌ لَكَ، (الْجَوْهَرَةُ) . وَإِنْ فَعَلَ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ، وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُكْرِهِ عَلَى الْقَتْلِ لَوْ قَتَلَهُ الْآخَرُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، (صُرَّةُ الْفَتَاوَى فِي الْإِكْرَاهِ) أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَزَاءِ فَالْقَتْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ عَمْدًا يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمُجْبِرَ هُوَ الْحَامِلُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَأْمُورُ، أَيْ الْمُكْرَهُ، عَاقِلًا أَمْ مَعْتُوهًا وَبَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، وَعَلَى الْحَالَيْنِ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ الْقِصَاصُ. وَالْمَأْمُورُ كَالْآلَةِ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ غَيْرُ مُعْتَبَرَيْنِ فِي حَقِّ الْآلَةِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ يُحَقِّقُ الْإِلْجَاءَ، بِخِلَافِ الْآمِرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْتَلِطَ الْعَقْلِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ هَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَى عَائِلَتِهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ كَمَا فِي الْمَنْعِ، (عَبْدُ الْحَلِيمِ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . لَكِنَّ عَدَمَ لُزُومِ قِصَاصِ الْمُكْرَهِ وَلُزُومَهُ أُجْبِرَ هُوَ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ غَيْرَ مُلْجِئٍ. لَزِمَ الْمُكْرَهَ الْقِصَاصُ دُونَ الْمُجْبِرِ " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي ".
أَمَّا لَوْ قَالَ اتْلَفْ مَالَ فُلَانٍ وَإِلَّا أَضْرِبْكَ أَوْ أَحْبِسُك، وَأَتْلَفَ ذَلِكَ الْمَالَ خَائِفًا مِنْ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ فَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعْتَبَرًا. وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرَ الْمُلْجِئِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ.