الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْإِكْرَاهِ]
الْبَابُ الثَّانِي
فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْإِكْرَاهِ
لِلْإِكْرَاهِ تَعْرِيفٌ، وَرُكْنٌ، وَدَلِيلٌ، وَشَرْطٌ، وَحُكْمٌ وَقَدْ بَيَّنَ تَعْرِيفَهُ فِي الْمَادَّةِ، (948) وَرُكْنُهُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُفِيدُ الْإِكْرَاهَ وَدَلِيلُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {إِلا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] وَالْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ «، أَلَا لَا إقَالَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مُكْرَهًا فَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ، (الطُّورِيُّ) . شُرُوطُ الْإِكْرَاهِ: لِلْإِكْرَاهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، (الدُّرَرُ) .
1 -
كَوْنُ الْمُجْبَرِ مُقْتَدِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا تَهَدَّدَ بِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (1003)
2 -
خَوْفُ الْمُكْرَهِ مِنْ وُقُوعِ الْمُكْرَهِ بِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (1004) .
3 -
كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْعُضْوِ أَوْ مُوجِبًا لِلْغَمِّ وَمُعْدِمًا لِلرِّضَا، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (949) فَلَوْ خَوَّفَ زَوْجَتَهُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ هَدَّدَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، (أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْخَانِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَائِزٌ شَرْعًا، وَالْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُوصَفُ بِالْإِكْرَاهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ) وَكَذَا التَّهْدِيدُ بِالشَّتْمِ، (الْقُهُسْتَانِيُّ) أَيْ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.
4 -
كَوْنُ الْمُكْرَهِ مُمْتَنِعًا عَنْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا لِفَوَاتِ رُكْنِهِ وَهُوَ فَوْتُ الرِّضَا كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرَكٌ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، أَبُو السُّعُودِ، الطَّحْطَاوِيُّ) . وَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ بِسَبَبٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: فِي حَقِّ نَفْسِهِ، كَالْإِكْرَاهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ.
السَّبَبُ الثَّانِي: فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، كَالْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: فِي حَقِّ الشَّرْعِ، كَالْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا، (الْهِنْدِيَّةُ) وَيَكُونُ غَيْرُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مُبَاحًا: كَمَا لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ الشَّرْعِيُّ. مَثَلًا، لَوْ أَكْرَهَ أَحَدٌ آخَرَ بِقَوْلِهِ لَهُ: اشْرَبْ كَأْسَ الْمَاءِ هَذَا، أَوْ بِعْ ثَوْبَكَ مِنْ فُلَانٍ، فَشَرِبَ الْمَاءَ أَوْ بَاعَ الثَّوْبَ، جَازَ الْمَبِيعُ وَصَحَّ وَلَا يَكُونُ بَيْعَ مُكْرَهٍ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ لِغَيْرِهِ أَوْ كَانَ مُحَرَّمًا، كَأَنْ يَكُونَ خَمْرًا، فَيَكُونُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ بَيْعَ مُكْرَهٍ، (الطَّحْطَاوِيُّ، الْأَنْقِرْوِيُّ، مُنْلَا مِسْكِينٍ) . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا: مَثَلًا إذَا حَنِثَ أَحَدٌ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَجَاءَهُ شَخْصٌ فَأَكْرَهَهُ عَلَى إيفَاءِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِدُونِ تَعْيِينِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ وَأَوْفَى ذَلِكَ الشَّخْصُ أَحَدَ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ جَازَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبَرَ شَيْءٌ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
وَإِلَيْكَ فِيمَا يَلِي عِدَّةُ نُظُمٍ لِهَذَا:
1 -
لَوْ أَصْبَحَ أَحَدٌ بِلَا قُوَّةٍ مِنْ الْجُوعِ وَلَمْ يَأْكُلْ طَعَامَهُ فَأَجْبَرَهُ أَحَدٌ عَلَى أَكْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبَرَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الطَّعَامِ وَإِمْلَاءَ الْبَطْنِ فَائِدَةٌ لِلْمُكْرَهِ، فَلَا يَكُنْ مُوجِبًا لِتَلَفِ الْمَالِ لَكِنْ لَوْ كَانَ بَطْنُهُ مُمْتَلِئًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُجْبَرِ، قَالَ أَبُو السُّعُودِ: أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ، إنْ جَائِعَ لَا رُجُوعَ وَإِنْ شَبْعَانَ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ.
2 -
لَوْ أُكْرِهَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ وَأُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى شِرَائِهِ، وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ وُقُوعِ تَقَابُضِ الْيَدَيْنِ لِعَقْدِ الْبَيْعِ الَّتِي قَبَضَتْ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورِ الْوَاقِعِ بِالْإِكْرَاهِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرَ ضَمَانٌ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . 3 - لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا فَإِنْ كَانَ مِنْ مُعْتَادِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَزَلْ بَاقِيًا وَمُصِرًّا عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ شُرْبُ الْخَمْرِ لَهُ مُبَاحًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَابَ وَأَقْلَعَ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ، (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ)
حُكْمُ الْإِكْرَاهِ، لِلْإِكْرَاهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ.
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا يُنْقَلُ الْفِعْلُ إلَى الْحَامِلِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ فِيهَا آلَةً لِلْمُجْبَرِ الْحَامِلِ وَيُفْرَضُ الْمُجْبِرُ أَنَّهُ إنِّي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ وَالْمُكْرَهَ مَالُهُ فَقَطْ كَإِتْلَافِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يُنْقَلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يُنْقَلُ فِي حَقِّ حِلِّ الذَّبْحِ فِي الدِّينِ وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ، (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُفْهِمَ مَا مَرَّ أَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ وَالْمَالِ جَائِزَانِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ) . وَعَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ آخَرَ بِإِكْرَاهٍ مُلْجِئٍ أَوْ أَتْلَفَ مَالًا لَهُ يُضَافُ الْقَتْلُ وَالْإِتْلَافُ إلَى الْمُجْبِرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا آلَةً لِلْمُجْبِرِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ ذَلِكَ الْمُجْبَرُ أَحَدًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ أَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهَا آلَةٌ فَيَبْقَى الْفِعْلُ فِيهَا مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ، كَأَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَالْأَقْوَالِ وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَيَأْكُلَ بِفَمِهِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا تُضَافُ الْأَقْوَالُ لِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَالْأَكْلُ لِغَيْرِ الْآكِلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَالْأَكْلِ إتْلَافٌ، وَحِينَئِذٍ فَيُضَافُ الْقَوْلُ وَالْأَكْلُ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافِ إلَى الْمُجْبَرِ، وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُجْبَرِ بِبَدَلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَأَبُو السُّعُودِ، حَتَّى إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيُضَافُ إلَى الْمُجْبَرِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، (الطَّحْطَاوِيُّ بِتَغْيِيرٍ) . مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ أَحَدٌ زَوْجَتَهُ الَّتِي أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالطَّلَاقُ بِمَا أَنَّهُ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَقَدْ وَقَعَ مَحْصُورًا بِالْمُتَكَلِّمِ، أَيْ مُضَافًا إلَى الْمُكْرَهِ، كَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ بِلَا إكْرَاهٍ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَ يُوجَدُ فِيهِ إتْلَافٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، يَعْنِي وَكَانَ يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، فَيُرَاجِعُ الْمُكْرَهُ الْمُجْبِرَ بِذَلِكَ الْمَالِ، (الزَّيْلَعِيّ) وَالْحُكْمُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِجَارَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مِنْ الْأَقْوَالِ فَتُضَافُ إلَى التَّكَلُّمِ، أَيْ الْبَائِعِ، وَيَنْفُذُ
الْبَيْعُ، إلَّا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ كَالطَّلَاقِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَاء لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَسَتُوَضَّحُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِيمَا يَأْتِي. كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ، فِي مُقَابِلِ مَالٍ، وَقَبِلَهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْمَالِ أَمَّا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَالرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، (الزَّيْلَعِيّ) .
الْحُكْمُ الثَّانِي: كَوْنُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ غَيْرَ فَرْضٍ، (الدُّرَرُ) ، مَثَلًا لَوْ أُكْرِهَ مُسْلِمٌ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُعْتَادٍ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا، فَيَكُونُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ حَتَّى أَنَّ الْمُكْرَهَ يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْإِبَاحَةِ فِي أَحْوَالٍ اضْطِرَارِيَّةٍ كَهَذِهِ، وَأَتْلَفَهُ الْمُجْبَرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ فَقَدْ أُبْقِيَ عَلَى أَصْلِهِ حَلَالًا؛ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَعَلَيْهِ فَشُرْبُ الْخَمْرِ مَثَلًا قَدْ أُبِيحَ فِي هَذَا الْحَالِ بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ بِامْتِنَاعِهِ فِي حَقِّ إتْلَافِ النَّفْسِ مُعَيَّنًا لِلْغَيْرِ، (أَبُو السُّعُودِ) لَكِنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْفُقَهَاءُ، فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ قِيلَ: إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَالْجَوَابُ - أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِتْيَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَهَهُنَا قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ، فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، (أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعِنَايَةِ) ، أَقُولُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْفَرْضِ، (الطُّورِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ أَحَدًا مَخْمَصَةٌ فَامْتَنَعَ عَنْ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ يَأْثَمُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، (مُنْلَا مِسْكِينٍ) .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: حَظْرُ عَمَلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، يَعْنِي كَوْنَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ حَرَامًا، (الدُّرَرُ) فَلَوْ أُكْرِهَ مُسْلِمٌ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ إكْرَاهًا غَيْرَ مُلْجِئٍ، فَلَا يَصِيرُ شُرْبُهُ الْخَمْرَ حَلَالًا، بَلْ يَكُونُ حَرَامًا كَالْأَوَّلِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي إكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ، لِعَدَمِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ عُضْوِ الْغَيْرِ أَوْ عَلَى الزِّنَا إكْرَاهًا مُلْجِئًا، يَكُونُ ارْتِكَابُ فِعْلِ الْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ أَوْ الزِّنَا حَرَامًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا، (الدُّرَرُ) كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا أَوْ يَقْطَعَ عُضْوَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ أَوْ يَشْتُمَهُ أَوْ يُؤْذِيَهُ، (الطُّورِيُّ) لَوْ قِيلَ لَهُ لِيَأْكُلْ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ يَقْتُلْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلُ الرَّجُلَ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى قُتِلَ فَهُوَ آثِمٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَقَتَلَ الرَّجُلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، (الْهِنْدِيَّةُ بِتَغْيِيرٍ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ أَنْ يَصْبِرَ وَلَا يَقْتُلُ وَلَوْ قُتِلَ هُوَ يُثَابُ بِسَبَبِ امْتِنَاعِهِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، (الزَّيْلَعِيّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَتْلُ الْآدَمِيِّ مَثَلًا بِمِثْلِ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ، (وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ مُبَاحًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَتَخْلِيصِ النَّفْسِ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُرَخَّصُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا يَقْتُلُهُ بِإِخْرَاجِهِ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ يُلْقِهَا بِصِيَاحٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِإِتْيَانِهِ حَلِيلَتَهُ كَذَلِكَ، (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) ، وَمَعَ هَذَا فَلَوْ قَتَلَهُ كَانَ قَتْلَ عَمْدٍ. وَإِذَا كَانَ الْمُجْبَرُ مُكَلَّفًا لَزِمَ الْمُجْبَرَ الْقِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُكْرِه مُكَلَّفًا أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا، لَا