الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي تَرِكَةِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الزَّائِدِ عَنْ حِصَّتِهِ الْإِرْثِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِزِيَادَةٍ عَنْ الثُّلُثِ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ الْمَذْكُورِ وَارِثٌ آخَرُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ لِلْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ أَنَّ وَضْعَ مَالِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِطَرِيقِ الْفَيْءِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ فِي الْفَرَائِضِ) .
مَثَلًا: لَوْ وَهَبَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ زَوْجَتِهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لَهَا وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ (خُذِي حِصَّتَك الْإِرْثِيَّةَ الرُّبْعَ وَإِنِّي آخِذٌ الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعَ لِبَيْتِ الْمَالِ) .
[
(الْمَادَّةُ 879) وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ]
(الْمَادَّةُ 879) إذَا وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْبَاقُونَ لَا تَصِحُّ تِلْكَ الْهِبَةُ أَمَّا لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مُسَاعِدًا لِتَمَامِ الْمَوْهُوبِ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاعِدًا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْهِبَةَ تَصِحُّ فِي الْمِقْدَارِ الْمُسَاعِدِ وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَجْبُورًا بِرَدِّ الْبَاقِي.
لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ الْمُتَعَدِّدِينَ أَيْ لِمَنْ سَيَكُونُ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ مَوْتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ كَانَتْ هِبَتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْمَذْكُورُونَ هَذِهِ الْهِبَةَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ كَانَتْ الْهِبَةُ نَافِذَةً اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24)(الْفَيْضِيَّةُ) .
وَإِذَا تَعَدَّدَتْ الْوَرَثَةُ فَأَجَازَهَا بَعْضُهُمْ وَفَسَخَهَا الْبَعْضُ الْآخَرُ فَتَنْفُذُ فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِينَ وَتَنْفَسِخُ عَنْ حِصَّةِ الْفَاسِخِينَ. لَكِنْ يَلْزَمُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ مُعْطِي الْإِجَازَةِ عَاقِلًا بَالِغًا وَصَحِيحًا أَيْ غَيْرَ مَرِيضٍ حَتَّى لَوْ أَجَازَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ هَذِهِ الْهِبَةَ وَكَانَ صَغِيرًا مُمَيِّزًا وَمَجْنُونًا فَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ وَيَأْخُذُ أَوْصِيَاؤُهُمْ حِصَصَهُمْ الْإِرْثِيَّةَ حَتَّى بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَيْضًا (الْبَهْجَةُ) .
لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِجَازَةُ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاهِبِ إذْ لَا حُكْمَ لِلْإِجَازَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ تَثْبُتُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ الْوَاهِبِ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ قَبْلَ الْوَفَاةِ حَتَّى يُمْكِنَ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْحَقِّ بِالْإِجَازَةِ (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) .
مَثَلًا، لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا وَبَعْدَ أَنْ أَجَازَتْ وَرَثَتُهَا هَذِهِ الْهِبَةَ تُوُفِّيَتْ فَلَا تَنْفُذُ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي الْمَهْرِ الَّذِي وَهَبَتْهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ وَفَاةِ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، وَتَتَحَقَّقُ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ بِصَيْرُورَةِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ مَوْرُوثًا لِلْوَرَثَةِ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ. وَعَدَمُ نَفَاذِ هَذِهِ الْهِبَةِ هُوَ لِأَجْلِ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوَاهِبِ.
وَكَذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي شَرْحِ عِنْوَانِ هَذَا الْفَصْلِ فَعَلَيْهِ إذَا وَهَبَ مَرِيضٌ مَالَهُ لِوَارِثِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمَرِيضُ أَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ غَيْرُ نَافِذَةٍ لِوُجُودِ وَرَثَةٍ آخَرِينَ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ هَذِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ بِمَهْرِهَا بِبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ قَدْ وَقَعَتْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مَعَ وُجُودِ الْوَرَثَةِ الْآخَرِينَ فَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَتُرَدُّ دَعْوَاهَا.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ بِذَلِكَ الْمَرَضِ فَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَطْلُبُوا حِصَصَهُمْ الْإِرْثِيَّةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ) كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا لِزَوْجِهَا مَهْرَهَا الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَيْسَ لَهَا الِادِّعَاءُ بِالْمَهْرِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ وَلِوَرَثَتِهَا الِادِّعَاءُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهَا (الْقُنْيَةِ) .
وَالْوَرَثَةُ الْمَقْصُودُونَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ الْوَارِثُونَ وَقْتَ الْمَوْتِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَمْرِ كَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ هُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ وَلَيْسَ وَقْتَ الْهِبَةِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ ابْنٌ مَالًا لِأَخِيهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَلَدُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَأَصْبَحَ الْأَخُ وَارِثًا لِلْوَاهِبِ وَكَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فَلَا تَكُونُ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ نَافِذَةً.
وَبِالْعَكْسِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ أَنْ وَهَبَ أَخَاهُ الْوَارِثَ لَهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ كَانَتْ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَا لَوْ وَهَبَ الْمُسْلِمُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَالًا لِوَلَدِهِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَسْلَمَ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ وَتُوُفِّيَ الْمَرِيضُ بَعْدَئِذٍ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ فِي الْوَصَايَا) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عِدَّةَ أَشْيَاءَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْهَا وَتُوُفِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ لَا يَقْبَلُوا الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَأَنْ يُدْخِلُوا الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ فِي التَّرِكَةِ (النَّتِيجَةُ) .
أَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَالْحُكْمُ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِقْرَارِ فِي كَوْنِ الْإِقْرَارِ وَاقِعًا لِلْوَارِثِ أَوْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْحَالِ الَّذِي فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (9 59 1)(وَمَجْمَعَ الْأَنْهُرِ فِي الْوَصِيَّةِ) .
وَإِذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا تَكُونُ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةً يَعْنِي تَكُونُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ.
وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» فَلِذَلِكَ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الْوَصِيَّةُ صُورَةً. لَوْ بَاعَهَا الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بَعْضَ أَمْوَالٍ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (393) حَتَّى لَوْ بَاعَ بِالْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذَا الْبَيْعِ قَدْ حَصَلَ إيثَارُ الْوَارِثِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: الْوَصِيَّةُ مَعْنًى كَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَمْوَالِهِ الْمُعَيَّنَةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مَعْنًى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ قَدْ خُصِّصَ لَلْمُقَرِّ لَهُ بِلَا عِوَضٍ سَالِمٍ وَشُبْهَةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ أَيْضًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْوَصِيَّةُ حَقِيقَةً، كَإِيصَاءِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِبَعْضِ أَمْوَالِهِ الْمُعَيَّنَةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ. وَمَا بُيِّنَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْوَصِيَّةُ شُبْهَةً كَبَيْعِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَالًا لَهُ جَيِّدًا لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ فِي مُقَابِلِ مَالٍ رَدِيءٍ لِذَلِكَ الْبَعْضِ. (كَشْفُ الْأَسْرَارِ شَرْحُ الْمَنَارِ فِي فَصْلِ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) .
وَقَدْ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ صَحِيحَةً إلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً فِي أَيِّ مِقْدَارٍ مِنْهَا.
وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا تَكُونُ صَحِيحَةً فِيمَا يَكُونُ الثُّلُثُ مُسَاعِدًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: هَذَا التَّعْبِيرُ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ فِي مَرَضٍ غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ كَهِبَةِ الصَّحِيحِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
2 -
وَبَعْدَ الْوَفَاةِ - وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتَوَفَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَنَافِذَةً وَلَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا مُدَاخَلَةَ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ فِي الْمَوْهُوبِ. مَثَلًا: لَوْ مَرِضَتْ امْرَأَةٌ فَوَهَبَتْ لِزَوْجِهَا مَهْرَهَا الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَبَعْدَ مُرُورِ مُدَّةٍ تُوُفِّيَتْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَازِمَةً كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
مَثَلًا لَوْ وَهَبَ مَنْ كَانَ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدِهِمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا كَانَتْ صَحِيحَةً (الْبَزَّازِيَّةُ) .
وَمَعَ ذَلِكَ فَتَرْجِيحُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْبَعْضِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَيُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ تَسَاوِيهِمْ فِي الدَّرَجَةِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ لَا بِالْكَسْبِ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ التَّفْضِيلُ لِزِيَادَةِ فَضْلٍ لَهُ فِي الدِّينِ.
فَعَلَيْهِ عَلَى الْوَاهِبِ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْهِبَةِ لِأَوْلَادِهِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ وَابْنَتِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْبِنْتَ كَمَا يُعْطِيَ الصَّبِيَّ وَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَقَدْ رَوَى أَحَدُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه «أَنَّ أَبَاهُ قَدْ وَهَبَهُ مَالًا وَأَرَادَ أَنْ يُشْهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ فَتَمَثَّلْت أَنَا مَعَ أَبِي فِي حُضُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ أَبِي لَهُ الْأَمْرَ فَسَأَلَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَلَك أَوْلَادٌ غَيْرَهُ؟ فَأَجَابَهُ أَبِي: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ، هَلْ وَهَبْتَهُمْ مِثْلَ مَا وَهَبْت هَذَا؟ فَقَالَ أَبِي: كَلًّا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هَذَا جَوْرٌ» : أَيْ ظُلْمٌ (الْعِنَايَةُ) .
إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ يَفْضُلُ غَيْرَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْكَمَالِ فَلَا بَأْسَ مِنْ تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ مُسَاغًا لِلتَّرْجِيحِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِهِ فَاسِقٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ، مُعِينًا لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ فَاسِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ وَيَحْرِمَهُ، عَنْ الْمِيرَاثِ هَذَا خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ بِاخْتِصَارٍ) .
الِاخْتِلَافُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ:
لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّ الْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ وَقَعَا فِي حَالٍ صِحَّةِ الْوَاهِبِ وَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا وَقَعَتْ حَالَ الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَ الْهِبَةِ فِي حَالِ الْمَرَضِ عَلَى قَوْلٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 11) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ لِمَنْ يَدَّعِي وُقُوعَهُ حَالَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ
نَافِذَةٌ وَإِنَّمَا تَنْتَقِضُ - بَعْدَ الْمَوْتِ وَاخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُ النَّقْضَ.
أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَعَلَى مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 7661)(التَّنْقِيحُ الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ الْهِبَةِ وَنُقُولُ عَلِيٍّ أَفَنْدِي فِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ) .
3 -
هِبَةٌ - يَدُلُّ هَذَا التَّعْبِيرُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَعْنِي عَدَمَ تَرْجِيحِ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ خَاصٌّ بِالْأَمْلَاكِ أَمَّا فِي فَرَاغِ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ وَالْمُسْتَنْقَعَات وَالْمُسْتَغِلَّات الْوَقْفِيَّةِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَالْفَرَاغُ بِالْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ وَالْمَوْهُوبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مُعْتَبَرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الِانْتِقَالِ يَعْنِي الْوَرَثَةَ أَمْ لِلْأَجْنَبِيِّ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَفَرِّغُ مَدْيُونًا مُسْتَغْرَقَةً - تَرِكَتُهُ بِالدُّيُونِ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ حِينَ الْفَرَاغِ فَلَا يُفْسَخُ الْفَرَاغُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ بِدَاعِي عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ إيَّاهُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الِانْتِقَالِ فَلَيْسَ لِمَأْمُورِ الْأَرَاضِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْفَرَاغِ بِقَوْلِهِ: إنَّك تُهَرِّبُ الْأَرَاضِي عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحْلُولَةً وَأَنْ يَتَدَاخَلَ فِي الْأَرَاضِي بَعْدَ الْفَرَاغِ وَالْوَفَاةِ.
كَذَلِكَ لِلْمُتَصَرِّفِ بِوَقْفٍ عَلَى طَرِيقِ الْإِجَارَتَيْنِ أَنْ يُفْرِغَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي مَا بِتَصَرُّفِهِ إلَى أَصْحَابِ الِانْتِقَالِ أَوْ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ كَانَ الْفَارِغُ مَدِينًا مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الْآخَرِينَ أَوْ لِمُدَايِنِيهِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْمَفْرُوغِ مِنْهُ بِدَاعِي وُقُوعِ الْفَرَاغِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. كَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي الِامْتِنَاعُ عَنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ بِالْفَرَاغِ أَصْلًا. إلَّا أَنَّهُ تَفَرَّغَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الِانْتِقَالِ فَلِمُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَفْرُوغَ بِهِ مِنْ الْمَفْرُوغِ لَهُ وَيَضْبِطَهُ لِلْوَقْفِ وَيَطْلُبَ الْمَفْرُوغُ لَهُ بَدَلَ الْفَرَاغِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى.
وَسَبَبُ ذَلِكَ النِّظَامُ الْخَاصُّ بِهِ. أَمَّا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ وَسَلَّمَهُ الْمَوْهُوبَ فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مُسَاعِدًا لِتَمَامِ الْمَوْهُوبِ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَنَافِذَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَتُعْتَبَرُ فِي ثُلُثِ الْأَمْوَالِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ أَجَازَ الْوَرَثَةُ أَمْ لَمْ يُجِيزُوا. وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ هِبَةُ عَقْدٍ وَلَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ وَاعْتِبَارُهَا مِنْ الثُّلُثِ مَا كَانَ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَرِيضِ وَقَدْ تَبَرَّعَ بِالْهِبَةِ فَيَلْزَمُ تَبَرُّعُهُ بِقَدْرِ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ لَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ فَشَرْطٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسَاعِدًا وَأَجَازَهَا الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يُسَاعِدُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الْمَالِ وَيُجْبَرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَدَّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الْبَيْعِ كَانَ مُخَيَّرًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (4 39) .
وَيَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلَوْ تَمَادَى مَرَضُ الْمَوْتِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعَةً. مَثَلًا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَالَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ يُسَاعِدُ عَلَى مِائَةِ قِرْشٍ فَقَطْ تُصْبِحُ الْهِبَةُ فِي مِائَةِ قِرْشٍ فَقَطْ وَتَلْزَمُ وَيُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ الْبَاقِي (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
كَذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ دَارًا وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ سِوَاهَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي الثُّلُثِ وَيُرَدُّ الثُّلُثَانِ إلَى الْوَرَثَةِ وَالْحُكْمُ هَكَذَا فِي الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ أَوْ غَيْرِ الْقَابِلِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ) كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فِي مَرَضِ