الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثَالٌ لِلدَّيْنِ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا جَاءَ غَدًا فَلْتَكُنْ لَك الْأَلْفُ قِرْشٍ الَّتِي لِي عَلَيْك دَيْنًا، أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا أَوْ إذَا أَعْطَيْت نِصْفَ الدَّيْنِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْ فَلْيَكُنْ لَكَ النِّصْفُ الْآخَرُ تَكُونُ بَاطِلَةً (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيَتْ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي، كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيتُ بِهَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ مِنِّي، كَانَ هَذَا الْقَوْلُ بَاطِلًا وَبَقِيَ الْمَهْرُ كَالْأَوَّلِ. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا أَنَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ فَأَنْتَ فِي حِلِّ الدَّيْنِ، صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى شَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ كَأَنْ يَقُولُ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا وَيَتِمُّ الْإِبْرَاءُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) .
وَتَعْبِيرُ الْهِبَةِ الْمُضَافَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْعُمْرَى؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ هِبَةً مُضَافَةً.
الْعُمْرَى: هِيَ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: " أَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَا دُمْت حَيًّا عَلَى أَنْ تُرَدَّ لِي بَعْدَ وَفَاتِكَ " أَوْ (أَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَا دُمْت حَيًّا عَلَى أَنْ تُرَدَّ لِوَرَثَتِي بَعْدَ وَفَاتِي) فَالتَّمْلِيكُ الْوَاقِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْآنِفِ الذِّكْرِ جَائِزٌ وَلَوْ تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يُرَدُّ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَيُصْبِحُ إرْثًا لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (الدُّرَرُ) ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى بِشَرْطِ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُعَمَّرِ لَهُ بِمَا أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ كَانَ التَّمْلِيكُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يُفْسِدُهُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (83)(الزَّيْلَعِيّ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ (الدُّرَرُ) .
وَكَمَا تَكُونُ الْعُمْرَى فِي الْعَقَارِ تَكُونُ أَيْضًا فِي الْمَنْقُولَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ أَيْضًا (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
[
(الْمَادَّةُ 855) الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَض]
(الْمَادَّةُ 855) - (تَصِحُّ الْهِبَةُ بِشَرْطِ عِوَضٍ وَيُعْتَبَرُ الشَّرْطُ. مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِآخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا عِوَضًا أَوْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ الْمَعْلُومَ الْمِقْدَارِ تَلْزَمُ الْهِبَةُ، كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ وَسَلَّمَ عَقَارًا مَمْلُوكًا لَهُ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى الْمَمَاتِ وَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَاضِيًا بِإِنْفَاقِهِ حَسَبَ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ إذَا نَدِمَ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ وَاسْتِرْدَادِ ذَلِكَ الْعَقَارِ) .
إنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ اللَّتَيْنِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ صَحِيحَتَانِ وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (83) . وَالصَّدَقَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ) .
" 1 " - عِوَضًا: يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ هُنَا مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ حَقِيقِيًّا كَمَا فِي مِثَالَيْ الْمَجَلَّةِ الْآتِيَيْ الذِّكْرِ أَوْ حُكْمِيًّا كَالسُّكْنَى مَعًا وَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ وَسَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
بِشَرْطٍ: وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الشَّرْطُ التَّقْيِيدِيُّ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (82) وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ هُوَ: إذَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا وَهَذَا يَكُونُ بِأَدَاءِ الشَّرْطِ (كَانَ أَوْ إذَا) وَهَذِهِ الْهِبَةُ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ وَالْمَوْهُوبُ سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا كَمَا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَةِ الْوَاهِبِ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَةِ الْوَاهِبِ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ وَيُلَاحِظَ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا عَقَارًا بِشَرْطِ أَنْ يُحْسِنَ مُعَاشَرَتَهَا إلَى وَفَاتِهَا تَكُونُ الْهِبَةُ بَاطِلَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ النَّتِيجَةُ) أَوْ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ دَيْنًا كَمَا لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيتُ بِهَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ، فَلَا تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً (النَّتِيجَةُ) ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكَاتِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (82) مَتَى لَوْ أَعْطَى لِلْوَاهِبِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ وَسَلَّمَ لَهُ فَلَا تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ إلَى الصِّحَّةِ الْفَيْضِيَّةُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 52) وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا وَيُذْكَرُ مَعَ كَلِمَةِ (عَلَى) أَوْ كَلِمَةِ (أَوْ) كَقَوْلِك: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي هَذَا الثَّوْبَ (الدُّرَرُ) وَهَذَا شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِالْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ تُوجَدُ التَّفْصِيلَاتُ الْآتِيَةُ.
الْهِبَةُ مَعَ الشَّرْطِ التَّقْيِيدِيِّ قِسْمَانِ:
- الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُلَائِمًا وَهَذِهِ الْهِبَةُ وَالشَّرْطُ صَحِيحَانِ وَالْمُبَيَّنُ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرْت أَمْثِلَتَهُ فِيهَا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: كَوْنُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُخَالِفًا يَعْنِي غَيْرَ مُلَائِمٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ بِمَعْنَى الرِّبَا وَالرِّبَا يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَجْرِي فِي الْهِبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ. وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ فِي رُجُوعِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَمَّرِ لَهُ وَجَعَلَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمُعَمَّرِ لَهُ (الْعِنَايَةُ) فَلِذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُوهِبَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ الْمَالَ لِآخَرَ وَيُسَلِّمَهُ أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (التَّنْقِيحُ، الْهِنْدِيَّةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ كُرُومَهُ الَّتِي فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِحَفِيدِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَحْصُولُهَا لَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَوْ وَهَبَهُ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَبْقَى سَاكِنًا فِيهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسَلَّمَهَا لَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلًا (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ هِبَةً بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فِيهَا فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ لِآخَرَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْجِعَ لَهُ مِقْدَارًا مِنْ الْمَوْهُوبِ الْمَذْكُورِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ صَحِيحَتَانِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا يُجْبَرُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ عَلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ إعْطَاءِ بَدَلِ عِوَضٍ لَهُ.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا عَلَى شَرْطِ إعْطَاءِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا لِلْوَاهِبِ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلًا (الْهِنْدِيَّةُ) .
أَمْثِلَةٌ عَلَى الْعِوَضِ الْحَقِيقِيِّ: 1: مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِآخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا عِوَضًا مَعْلُومًا أَوْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ الْمَعْلُومَ الْمِقْدَارِ
تَلْزَمُ الْهِبَةُ أَيْ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ حَسْبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (868) إذَا رَاعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ أَيْ إذَا أَعْطَى الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ أَوْ أَدَّى ذَلِكَ الدَّيْنَ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ مِنْ الْأَقَارِبِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَادَّةِ (866) . لَكِنْ لُزُومُ هَذِهِ الْهِبَةِ يَكُونُ بِتَقَابُضِ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَهُّدِ بِالْعِوَضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (868) . يَعْنِي يَهَبُ الْوَاهِبُ مَالًا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَيُسَلِّمُهُ وَبَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ أَيْضًا يُعْطِي الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ وَيُسَلِّمُهُ إيَّاهُ وَيَقْبِضُهُ الْآخَرُ وَيَسْتَلِمُهُ فَتَكُونُ الْهِبَةُ لَازِمَةً مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعِوَضِ. أَمَّا بِدُونِ التَّقَابُضِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ فَعَلَيْهِ لَوْ اتَّفَقَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى الْعِوَضِ لَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرًا وَمُهَيَّأً لِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ. وَلِلْوَاهِبِ عَدَمُ قَبُولِ الْعِوَضِ وَالرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعِوَضِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْوَاهِبُ رَاضِيًا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ. كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ بَعْضَ أَشْيَاءَ لِوَالِدَتِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عِوَضًا كَهَذَا وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا وَلَمْ تُعْطِهِ وَالِدَتُهُ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرَاعِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ فَبِمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ يُؤْمَرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ. فَإِذَا أَعْطَاهُ فَبِهَا. وَإِذَا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ ضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَدَلَ الْمَوْهُوبِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: إنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَاهِبِ حَقٌّ لِلرُّجُوعِ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلْمَوْهُوبِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي، الْهِنْدِيَّةُ) .
وَالْحَاصِلُ - أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مَعْلُومًا وَمَذْكُورًا بِكَلِمَةِ " عَلَى " فَهِيَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بِحَسَبِ اللَّفْظِ وَبَيْعٌ انْتِهَاءً بِحَسَبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ جِهَةِ الْهِبَةِ لَفْظًا وَجِهَةِ الْبَيْعِ مَعْنًى وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَ إعْمَالُهُمَا؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبِيهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا " الْعِنَايَةُ ".
كَالْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. فَهَذِهِ الْهِبَةُ بِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً هِبَةً وَيَلْزَمُ فِيهَا الْقَبْضُ وَالشُّيُوعُ يَكُونُ مَانِعًا لِتَمَامِهَا وَبِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ انْتِهَاءً وَصِيَّةً فَقَدْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 877.
أَمَّا إذَا ذُكِرَ الْعِوَضُ مَعَ حَرْفِ الْبَاءِ مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمَالِكِ هَذَا وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ هِبَةً فَهُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً " الدُّرَرُ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 3 ".
تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الْآتِيَةُ عَلَى كَوْنِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةً ابْتِدَاءً: أَوَّلًا - التَّقَابُضُ شَرْطٌ فِي الْعِوَضَيْنِ. يَعْنِي يَلْزَمُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ لِلطَّرْفَيْنِ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ " الطَّحَاوِيَّ، كَمَا قَدْ صَارَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 837 ".
ثَانِيًا - الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي الْمَالِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ صَحِيحَةً بِالشُّيُوعِ. وَعَلَيْهِ لَوْ وُهِبَ قِسْمٌ مِنْ مَالٍ شَائِعٍ قَابِلِ الْقِسْمَةِ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَتْ بَاطِلَةً " أَبُو السُّعُودِ. يَعْنِي إذَا وُهِبَ نِصْفُ مَالٍ قَابِلِ
الْقِسْمَةِ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَسَلَّمَهُ شَائِعًا فَكَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ فَلَوْ أَعْطَى نِصْفَ مَالٍ قَابِلِ الْقِسْمَةِ عِوَضًا لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ أَيْضًا " رَدُّ الْمُحْتَارِ عَبْدُ الْحَلِيمِ.
ثَالِثًا - لَوْ وَهَبَ أَبُو الصَّغِيرِ مَالَ وَلَدِهِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَأَبِي يُوسُفَ.
سَوَاءٌ أَشُرِطَ إعْطَاءُ هَذَا الْعِوَضِ مَالًا أَوْ شُرِطَ إعْطَاؤُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ. وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لِلْأَبِ التَّبَرُّعُ بِمَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ (الزَّيْلَعِيّ، الطَّحْطَاوِيُّ)(اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58) .
رَابِعًا - خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ لَا تُفْسَخُ الْهِبَةُ بِخِيَارِ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ وَقِلَّةِ الْعِوَضِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
خَامِسًا - إذَا اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ فَلَا يَجْرِي التَّحَالُفُ كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّاحِقَةِ الْآتِيَةِ.
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ عَنْ كَوْنِهَا بَيْعًا انْتِهَاءً: - أَوَّلًا - يَصِحُّ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ. بِنَاءً عَلَيْهِ يُمْكِنُ رَدُّ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
ثَانِيًا - إذَا كَانَ عَقَارًا فَيُؤْخَذُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ بِالشُّفْعَةِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1022) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مَعْلُومٍ أَيْ مَجْهُولًا فَيَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) لِأَنَّ شَرْطَ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (الدُّرَرُ، عَبْدُ الْحَلِيمِ، الْفَتْحُ) .
وَقَدْ قَالَ مُحَشِّي الدُّرَرُ عَزْمِي زَادَهْ إنَّ بَيَانَ الدُّرَرِ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي الْعِوَضَ الْمَجْهُولَ وَالْقَوْلُ فِي الْعِوَضِ لِلْمُعَوَّضِ أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ انْتَهَى.
وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فِي الْمِثَالِ الْآتِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ مَوْتِهِ فَلَا يُعْلَمُ أَيْضًا صُورَةُ إطْعَامِهِ وَمَا سَيُطْعَمُ وَيُكْسَى.
2 -
وَهُوَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ عَقَارَهُ الْمَمْلُوكَ أَوْ مَالَ الْمَنْقُولِ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ أَنْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ مُدَّةً بِحَسَبِ الشَّرْطِ وَكَانَ رَاضِيًا بِإِعَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ إذَا نَدِمَ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَاسْتِرْدَادُ عَقَارِهِ.
وَلَوْ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَعْدَ أَنْ عَالَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُدَّةً فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ مُدَاخَلَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ. كَذَلِكَ لَوْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَتُوُفِّيَ الْوَاهِبُ بِدُونِ وَارِثٍ فَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ (النَّتِيجَةُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِإِعَاشَتِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ مَا دَامَ الْوَاهِبُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا تَمْلِيكًا قَطْعِيًّا وَلَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدُ حَقُّ الْوَاهِبِ مِنْهُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْهِبَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ.
أَمَّا إذَا عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ مُدَّةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْوَاهِبُ حَيٌّ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ شَيْءٌ صَرِيحٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ لَكِنْ بِمَا أَنَّ الْمَوْهُوبَ
لَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيفَاءِ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ بِتَمَامِهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَعُلْ الْوَاهِبَ حَتَّى الْمَمَاتِ وَلَمْ يَبْقَ عَوْلُهُ فِي الْإِمْكَانِ فَعَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ الْهِبَةُ بَعْدُ وَلْنَذْكُرْ مَسْأَلَتَيْنِ نَظِيرَتَيْنِ لِذَلِكَ فِيمَا يَلِي: - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارِهِ الْمَمْلُوكَةَ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَقَطْ وَلَمْ يُعْطِ الْبَاقِيَ وَامْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ السِّتَّةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَيَسْتَرِدَّ دَارِهِ.
كَذَلِكَ إذَا ضَبَطَ بَعْضَ الْعِوَضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا هُوَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (898) فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْعِوَضِ لِلْوَاهِبِ وَيَسْتَرِدَّ الْمَوْهُوبَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَلَّا يُطَلِّقَهَا إلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيَّنْ وَقْتٌ لِلْإِمْسَاكِ وَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَطَلَّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ كَانَتْ الْهِبَةُ لَازِمَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ) . فَقِيلَ: إذَا لَمْ تُوَقِّتْ لِذَلِكَ وَقْتًا كَانَ قَصْدُهَا أَنْ يُمْسِكَهَا مَا عَاشَ قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) وَعَلَيْهِ يَخْطِرُ عَلَى الْبَالِ احْتِمَالَانِ فِيمَا إذَا تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَالَ الْوَاهِبَ مُدَّةً: - 1 - قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَرَّ ذِكْرُهُمَا يَضْمَنُ الْوَاهِبُ مِثْلَ نَفَقَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَالَ فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِوَرَثَتِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ مِنْهُمْ. وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْبِطَ وَرَثَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَيُتْرَكُ الْوَاهِبُ مَحْرُومًا مِنْهُ.
2 -
قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى لِلْوَاهِبِ: إنَّنَا نَضْبِطُ الْمَالَ بِالْإِرْثِ وَلَا نَرُدُّهُ لَك وَإِنَّمَا نَعُولُك كَمَا تَعَهَّدَ بِذَلِكَ مُوَرِّثُنَا لَكِنْ بِمَا أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْوَاهِبِ عَقْدٌ أَوْ مُقَاوَلَةٌ عَلَى الْعَوْلِ فَلَيْسَ مِنْ حَقِّ دَعْوَى وَخُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا.
كَمَا لَوْ وَهَبَ فَرَسًا بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَشَرَةَ رِيَالَاتٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ خَمْسَةَ رِيَالَاتٍ سَلَفًا وَاسْتَمْهَلَهُ فِي الْبَاقِي عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ حَقٌّ فِي إعْطَاءِ الْخَمْسِ الرِّيَالَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَضَبَطَهُ بِدُونِ رِضَى الْوَاهِبِ. بِنَاءً عَلَيْهِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي سَاقِطٌ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلْعَدَالَةِ وَالْفِقْهِ.
وَإِنْ يَكُنْ أَنَّهُ يَحِقُّ لِوَرَثَتِهِ الْمَفْرُوغُ لَهُ أَنْ يَعُولَ الْفَارِغَ الَّذِي أَفْرَغَ لِمُوَرِّثِهِمْ أَرَاضِيُهُ الْأَمِيرِيَّةَ أَوْ مُسَقَّفَاتِهِ وَمُسْتَغِلَّاتِهِ الْمَوْقُوفَةَ مَجَّانًا بِشَرْطِ عَوْلِهِ بَدَلًا عَنْ مُوَرِّثِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقَاسُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ إلَى الْمَمَاتِ. هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَلَوْ قَالَ: تَعُولُنِي إلَى السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ يَكُونُ صَحِيحًا أَيْضًا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا عَالَ لِتِلْكَ السَّنَةِ فَيَكُونُ الْعِوَضُ قَدْ أُدِّيَ تَامًّا وَلَزِمَتْ الْهِبَةُ. وَلَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْبَرًا عَلَى عَوْلِهِ (الشَّارِحُ) .
وَتَلْزَمُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا صَارَ إيضَاحُ ذَلِكَ آنِفًا بِالتَّقَابُضِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ فِي الْمِثَالِ
الْمَذْكُورِ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ عَقَارَهُ الْمَمْلُوكَ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعَاشَةِ الْوَاهِبِ وَلَوْ كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلِهِ فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي الشَّرْحِ عِلَاوَةً عَلَى الْمَتْنِ قَيْدُ (بَعْدَ أَنْ عَالَ مُدَّةً) .
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُدَّةً فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ عِوَضَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَالَهُ فِيهَا وَإِذَا كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي إنْ كَانَ رَاضِيًا بِإِعْطَاءِ مَا شَرَطَ إيفَاءَهُ تَدْرِيجِيًّا وَتَقْسِيطًا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ وَيُوجَدُ هَذَا الْقَيْدُ أَيْضًا فِي الْفَتْوَى الَّتِي أَفْتَاهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
جَاءَ فِي الْمِثَالِ (وَهُوَ رَاضٍ بِعَوْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَالَهُ مُدَّةً ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ عَيْنًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَتَضْمِينُهُ بَدَلَهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَى التَّبَرُّعِ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْحُكْمِيِّ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ كَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ وَالسُّكْنَى مَعًا.
فَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِلْحَجِّ أَوْ يُحْسِنَ إلَيْهَا أَوْ يَكْسُوَهَا مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَهَذِهِ أَيْ نَفَقَةُ الْحَجِّ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا وَقَطْعُ الثَّوْبِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ تَرْكِهِ ظُلْمَهَا أَوْ بِشَرْطِ سُكْنَاهُ مَعَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَحَكَمُوا بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ إذَا ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ امْتَنَعَ عَنْ مُسَاكَنَتِهَا وَإِنْ يَكُنْ تَرْكُ الظُّلْمِ وَالْمُسَاكَنَةِ لَيْسَا بِعِوَضٍ حَقِيقِيٍّ إلَّا أَنَّهُ مُشَابِهٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَنْتَفِعُ مِنْهُمَا (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا كَيْ لَا يَضْرِبَهَا وَلَا يَظْلِمَهَا ثُمَّ ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَرَبَهَا بِدُونِ حَقٍّ يَبْقَى مَهْرُهَا أَيْضًا عَلَى حَالِهِ. وَإِنْ ضَرَبَهَا لِتَأْدِيبٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا لَا يَعُودُ الْمَهْرُ. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا لِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ لَهَا فِي السَّنَةِ ثَوْبَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سَنَتَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ لَهَا الْأَثْوَابَ وَكَانَ قَدْ شُرِطَ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَقِيَ الْمَهْرُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَلَا تَلْزَمُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْعِوَضِ غَيْرُ مُضِرَّةٍ. كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَزْمِي زَادَهْ. وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَلَمْ يُحْسِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلٍ فِي هِبَةِ الْمَرْأَةِ مَهْرَهَا مِنْ الزَّوْجِ) .