الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ (الْهِدَايَةُ، الْعَيْنِيُّ، الزَّيْلَعِيّ، مُنْلَا مِسْكِينٍ، أَبُو السُّعُودِ) . 3 - مِقْدَارُ النُّقْصَانِ، يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى بِنَائِهِ كَالْأَوَّلِ. وَقَدْ وُضِّحَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (918) وَبُيِّنَ سَبَبُهُ. كَذَلِكَ لَوْ احْتَرَقَتْ الدَّارُ مِنْ النَّارِ الَّتِي أَوْقَدَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا مَبْنِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَغْصُوبَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ قَدْ أُتْلِفَ مِنْ طَرَفِ الْغَاصِبِ وَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِإِتْلَافِهِ (الْهِدَايَةُ) اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الْمَادَّةِ (903) . وَسَوَاءً أُوقِدَتْ النَّارُ كَالْمُعْتَادِ أَمْ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فَالْحَالَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى مُطْلَقًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. أَيْ أَنَّهُ إذَا احْتَرَقَتْ الدَّارُ لِظُهُورِ الْحَرِيقِ عَلَى إحْدَى الْحَالَيْنِ لَزِمَ الْغَاصِبَ الضَّمَانُ. مَعَ أَنَّهُ لَوْ احْتَرَقَتْ الدَّارُ الْمَأْجُورَةُ بِإِيقَادِ النَّارِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
وَالْفَرْقُ: أَنَّ إقَامَةَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَأْجُورِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى عَقْدٍ وَمَشْرُوعَةٌ أَمَّا إقَامَةُ الْغَاصِبِ فِي الْعَقَارِ الْمَغْصُوبِ فَغَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَظُلْمٌ. لَكِنْ لَوْ احْتَرَقَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ بِظُهُورِ حَرِيقٍ فِي الْحَيِّ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّالِثِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ كَذَلِكَ لَوْ اجْتَاحَ السَّيْلُ الْبُسْتَانَ الَّذِي اغْتَصَبَهُ وَاجْتَرَفَ أَبْنِيَتَهُ وَأَشْجَارَهُ أَوْ اجْتَاحَتْ الْمِيَاهُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ فَطَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ أَوْ بَقِيَتْ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ تَحْتَ الْمِيَاهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (الْهِنْدِيَّةُ) . وَحِكْمَةُ قَوْلِهِ النَّارَ الَّتِي أَشْعَلَهَا الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْعَقَارِ الَّذِي غَصَبَهُ أَحَدٌ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ فِي الْفِقْرَةِ هَذِهِ أَوْ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى بِفِعْلِ آخَرَ غَيْرِ الْغَاصِبِ يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ الضَّمَانُ - عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالشَّخْصِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ هَدَمَ أَحَدٌ الْعَقَارَ الَّذِي غَصَبَهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَيْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ قَطَعَ أَشْجَارَهُ كَانَ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ. وَلَيْسَ لِلْمُتْلِفِ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِمَا ضَمِنَ (الْجَوْهَرَةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ فِي أَوَائِلِ الْغَصْبِ، الْهِنْدِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْغَصْبِ) .
[
(الْمَادَّةُ 906) الْمَغْصُوبُ أَرْضًا وَالْغَاصِبُ أَنْشَأَ عَلَيْهَا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا]
(الْمَادَّةُ 906) - (إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ أَرْضًا وَكَانَ الْغَاصِبُ أَنْشَأَ عَلَيْهَا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِهَا وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَتَهُ مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ وَيَضْبِطَ الْأَرْضَ وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَشْجَارِ أَوْ الْبِنَاءِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَكَانَ قَدْ أَنْشَأَ أَوْ غَرَسَ بِزَعْمِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَانَ حِينَئِذٍ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ أَوْ الْأَشْجَارِ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ الْأَرْضِ وَيَتَمَلَّكَهَا. مَثَلًا لَوْ أَنْشَأَ أَحَدٌ عَلَى
الْعَرْصَةِ الْمَوْرُوثَةِ لَهُ مِنْ وَالِدِهِ بِنَاءً بِمَصْرِفٍ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ فَالْبَانِي يُعْطِي قِيمَةَ الْعَرْصَةِ وَيَضْبِطُهَا) . إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ أَرْضًا فَأَنْشَأَ الْغَاصِبُ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ أَبْنِيَةً أَوْ غَرَسَ فِيهَا كُرُومًا وَمَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَكَانَ قَلْبُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ لَدَى الطَّلَبِ بِقَلْعِهَا فِي الْحَالِ لِيَرُدَّ الْأَرْضَ فَارِغَةً مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَلْعِ بِدَاعِي أَنَّ الْقَلْعَ مُضِرٌّ بِبِنَائِهِ وَأَشْجَارِهِ وَأَنَّ قِيمَةَ بِنَائِهِ وَأَشْجَارِهِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُمَانِعَ فِي قَلْعِ الشَّجَرِ بِدَاعِي أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ وَأَنْ يَطْلُبَ تَمَلُّكَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ حَالَةَ كَوْنِ قَلْعِهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ (الْبَهْجَةُ) . إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ حَقُّ تَمَلُّكِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . كَذَلِكَ لَوْ غَرَسَ أَحَدٌ تَغَلُّبًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَرَاكَمُ فِيهَا الطِّينُ مِنْ الْحَافَّةِ الظَّاهِرَةِ لِلنَّهْرِ الَّذِي يَجْرِي مَاؤُهُ عَلَى طَاحُونَةِ آخَرَ فَلِصَاحِبِ الطَّاحُونَةِ حَقُّ طَلَبِ رَفْعِ وَقَلْعِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ (الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ بِنَاءً فِي عَرْصَةٍ لِزَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِدُونِ إذْنٍ مِنْهَا وَتُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَسَّمَ الْوَرَثَةُ الْعَرْصَةَ بَيْنَهُمَا فَخَرَجَ الْبِنَاءُ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ الْآخَرِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ قَلْعَ بِنَائِهِ وَكَانَ قَلْعُ الْبِنَاءِ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ، فَلَيْسَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَطْلُبُوا إدْخَالَ الْبِنَاءِ فِي الْمِيرَاثِ (الْفَيْضِيَّةُ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
الْأَرْضُ، هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا مِنْ جِهَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَارُ أَحَدٍ فِي يَدِ آخَرَ مَثَلًا. أَذِنَ صَاحِبُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرِ السَّاكِنَ فِيهَا بِتَعْمِيرِ حَائِطِهَا وَسَقْفِهَا عَلَى أَنْ يَحْسِبَ مَصْرُوفَ ذَلِكَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ فَعَمَّرَهَا.
فَلِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ الْقَلْعُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالدَّارِ أَنْ يَقْلَعَ وَيَرْفَعَ مَا بَنَاهُ وَعَمَّرَهُ وَأَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ (التَّنْقِيحُ) . وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى احْتِرَازِيٌّ: فَلَوْ غَصَبَ أَحَدٌ جِذْعًا وَأَدْخَلَهُ فِي الْبِنَاءِ الَّذِي أَنْشَأَهُ أَيْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ زَالَ مِلْكُ الْمَالِكِ وَلَزِمَتْ الْقِيمَةُ الْغَاصِبَ (الْجَوْهَرَةُ) . أَمَّا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وَرَدَّ الْجِذْعَ عَلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ فَيُنْظَرُ. فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَدَلِهِ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ حَكَمَ بِبَدَلِهِ بَعْدُ جَازَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ وَكَانَ حَلَالًا. إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَا حَلَالًا لِأَنَّ فِي هَذَا تَضْيِيعًا لِلْمَالِ بِلَا فَائِدَةٍ (الطَّحْطَاوِيُّ مَعَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ) .
رَجُلٌ غَصَبَ سَاجَةً وَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ السَّاجَةَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ وَالْبِنَاءِ سَوَاءً فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ وَإِنْ تَنَازَعَا يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا (الْخَانِيَّةُ) . كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ خَيْطًا لِآخَرَ وَخَاطَ بِهِ ثِيَابَهُ ضَمِنَ بَدَلَ الْخَيْطِ. وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الثِّيَابِ وَاسْتِرْدَادُ الْخَيْطِ (الْجَوْهَرَةُ) .
فِي الْحَالِ، يَلْزَمُ الْقَلْعُ فِي الْحَالِ وَلَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي الِاسْتِمْهَالِ. فَعَلَيْهِ لَوْ أَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي مَوْسِمِ الصَّيْفِ قَلْعَ الْغِرَاسِ الَّتِي زَرَعَهَا الْغَاصِبُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَاسْتَمْهَلَهُ الْغَاصِبُ إلَى الرَّبِيعِ لِيَزْرَعَهَا فِي مَكَانٍ آخَرَ فَلَا يُمْهَلُ مَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْأَرْضِ تِلْكَ الْغِرَاسَ بِرِضَاهُ جَازَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) . 3 - يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَبَى الْغَاصِبُ قَلْعَهَا وَرَفْعَهَا وَغَابَ رَاجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْحَاكِمَ وَحَصَلَ مِنْهُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقَلْعِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَئُونَةَ الْقَلْعِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَقْلَعُهَا بِالْقَدْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَئُونَةِ وَتُسَلَّمُ الْأَنْقَاضُ وَالْأَشْجَارُ الْمَقْلُوعَةُ لِلْغَاصِبِ وَمَئُونَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْغَاصِبِ (الْبَهْجَةُ) وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَلْعُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكْسِرَ أَشْجَارَ الْغَاصِبِ وَلَبِنِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (الْهِنْدِيَّةُ) . 4 - بِالْقَلْعِ، لُزُومُ الْقَلْعِ وَالرَّدِّ نَاشِئٌ عَمَّا يَأْتِي: فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعِرْقِ الظَّالِمِ حَقٌّ وَثُبُوتُ وَصْفِ الْعِرْقِ بِالظُّلْمِ مَجَازٌ مِنْ قَبِيلِ صَامَ نَهَارَهُ وَقَامَ لَيْلَهُ (الزَّيْلَعِيّ) بِتَنْوِينِ عِرْقٍ ظَالِمٍ وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ الِاغْتِصَابِ وَقَدْ رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ أَيْ لَيْسَ لِعِرْقٍ غَاصِبٍ ثُبُوتٌ بَلْ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ فَحَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فِيهَا وَحَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ لِتَمَلُّكِ الْأَرْضِ سَبَبٌ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا السَّبَبُ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ فِي هَذَا كَمَا يُؤْمَرُ الشَّخْصُ الَّذِي يَضَعُ شَيْئًا فِي إنَاءِ آخَرَ وَيَشْغَلُهُ بِتَفْرِيغِ الْإِنَاءِ (الْهِدَايَةُ) . تَفْرِيعُ الْمَسَائِلِ: يَتَفَرَّعُ عَنْ فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ بَنَى أَحَدٌ بِنَاءً فِي مَحِلٍّ مَخْصُوصٍ لِكَيْ يَضَعَ فِيهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَرْكَبَاتِ النَّقْلِ فَلِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مُرَاجَعَةُ الْقَاضِي وَطَلَبُ قَلْعِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ (الْبَهْجَةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ بِنَاءً فِي الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلِذَلِكَ الْآخَرِ تَقْسِيمُ الْعَرْصَةِ وَقَلْعُ مَا يَبْقَى فِي حِصَّتِهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ مَنْعُهُ ذَلِكَ وَالْمُدَاخَلَةُ فِي الْبِنَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ قَلْعُ وَرَفْعُ الْبِنَاءِ مُضِرًّا بِالْعَرْصَةِ (الْبَهْجَةُ وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) . رَجُلٌ قَلَعَ تَالَّةً مِنْ أَرْضِ رَجُلٍ وَغَرَسَهَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ فَكَبُرَتْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ لِلْغَارِسِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ التَّالَّةِ يَوْمَ قَطْعِهَا وَيُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَطْعِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الشَّجَرَةِ الْمَقْطُوعَةِ (الْخَانِيَّةُ) . اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ: قَدْ بَيَّنَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لُزُومَ قَلْعِ الْأَشْجَارِ وَالْأَبْنِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَمْ أَقَلَّ وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فَعَلَيْهِ إذَا رُوعِيَتْ مَنْفَعَةُ الْجَانِي الَّذِي ارْتَكَبَ أَمْرًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي الْخُصُوصِ الَّذِي جَنَى فِيهِ فَأَعْطَى لِلْغَاصِبِ حَقَّ تَمَلُّكِ الْعَرْصَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنَائِهِ تَزِيدُ عَنْ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ حِرْصًا عَلَى عَدَمِ ضَيَاعِ حَقِّ
الْغَاصِبِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلْعَدْلِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ قَلْعُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَدًّا لِبَابِ - الظُّلْمِ، وَيُفْهَمُ مِنْ فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ الْآنِفَةِ الذِّكْرِ أَنَّهَا اخْتَارَتْ هَذَا الْقَوْلَ أَيْ قَوْلَ لُزُومِ الْقَلْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ (الْعَيْنِيُّ) .
إنَّ إيقَاعَ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْحَالِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ (902) فَهِيَ اضْطِرَارِيَّةٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (902)(التَّنْقِيحُ) . وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ تَفْصِيلَاتِهَا اللَّازِمَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ التَّنْقِيحِ. وَقَدْ أَتْبَعَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَقَلَّ الْأَكْثَرَ. إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَقَلَّ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ فَكَمَا أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَدْفَعَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَيَتَمَلَّكَهُ فَلِصَاحِبِ الْبِنَاءِ أَيْضًا أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الْأَرْضِ وَيَتَمَلَّكَهَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَقَلَّ إلَّا أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ قَدْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْإِفْتَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. مُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَارَّ الذِّكْرَ يَكُونُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ مِلْكَهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْفًا فَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَالرَّدِّ مُطْلَقًا (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَإِذَا كَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ إذَا كَانَ يَحْدُثُ بِسَبَبِ الْقَلْعِ أَيُّ نُقْصَانٍ فَاحِشٍ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ يُفْسِدُهَا فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ضَبْطُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ وَإِعْطَاءُ قِيمَتِهَا مُسْتَحَقَّةَ الْقَلْعِ. وَلَيْسَ رِضَاءُ الْغَاصِبِ فِي هَذَا شَرْطًا. لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفَعَةً لِلِاثْنَيْنِ كَمَا أَنَّهُ فِيهَا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ عَنْهُمَا (الْهِدَايَةُ) . لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَمَّا كَانَا مَالَيْنِ لِلْغَاصِبِ فَعَدَمُ إعْطَائِهِمَا لِلْغَاصِبِ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا أَنَّ فِي قَلْعِهِمَا وَتَسْلِيمِهِمَا ضَرَرًا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْمَالِ أَيْ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَحَيْثُ إنَّ الضَّرَرَ مَمْنُوعٌ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (19) فَهُوَ لِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ (الْعَيْنِيُّ) . إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
إذَا كَانَ مُضِرًّا، هَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ فُسِّرَتْ أَثْنَاء الشَّرْحِ بِالضَّرَرِ الْفَاحِشِ. لِأَنَّهُ إذَا فُهِمَ أَنَّهُ يَلْحَقُ الْأَرْضَ ضَرَرٌ قَلِيلٌ بِسَبَبِ الْقَلْعِ تُقْلَعُ الْأَشْجَارُ وَالْأَبْنِيَةُ وَيَلْزَمُ رَدُّ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لِصَاحِبِهَا.
وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . 3 - مُسْتَحَقًّا لِلْقَلْعِ، وَلُزُومُ هَذِهِ الْقِيمَةِ نَاشِئٌ عَمَّا يَأْتِي: لَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَقُّ الْقَرَارِ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إبْقَاءِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ. فَعَلَيْهِ لَا تَلْزَمُ قِيمَتُهُمَا قَائِمَيْنِ (أَبُو السُّعُودِ حَاشِيَةُ الْكَنْزِ) إذَا أَحْدَثَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْعَقَارِ الْمَأْجُورِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا فَالْحُكْمُ هَكَذَا كَمَا أُوضِحَ فِي الْمَادَّةِ (531) وَشَرْحِهَا. 4 - يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا لِلْأَرْضِ بِأَنْ يَرْضَى الضَّرَرَ لِنَفْسِهِ فَيَقْلَعَ الْأَبْنِيَةَ وَالْأَشْجَارَ وَلَا يَتَمَلَّكُهَا مُسْتَحَقَّةَ الْقَلْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . لِأَنَّ إعْطَاءَ حَقِّ التَّمَلُّكِ مِنْهُ كَانَ وِقَايَةً لَهُ مِنْ الضَّرَرِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ:
الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ الْفِقْرَةِ الْأُولَى: إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَكَانَ الَّذِي أَنْشَأَ الْأَبْنِيَةَ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَ أَنْشَأَهَا بِزَعْمِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مَوْجُودٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ لَهُ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعْطِي صَاحِبُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ قِيمَةَ الْأَرْضِ وَيَتَمَلَّكُهَا حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ التَّمَلُّكِ، وَيُوجَدُ بِهَذَا التَّمَلُّكِ شَرْطَانِ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ قِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ زَائِدَةً عَنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ. وَعَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ زَائِدَةً انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ الْعَرْصَةِ وَانْقَلَبَ إلَى الْقِيمَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ صَاحِبُ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ حَقَّ تَمَلُّكِهِ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهُ وَرَضِيَ بِقَلْعِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ وَرَدَّ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا يُنْظَرُ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى الْغَاصِبِ بِإِعْطَاءِ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ تِلْكَ الْأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ فَلَهُ الرَّدُّ قَبْلَ لُحُوقِ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (الْهِنْدِيَّةُ والشرنبلالي) .
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إنْشَاءُ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَغَرْسُ تِلْكَ الْأَشْجَارِ مُسْتَنِدًا إلَى زَعْمٍ شَرْعِيٍّ بِكَوْنِ تِلْكَ الْأَرْضِ مِلْكًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ يَلْزَمُ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الثَّانِي يَرْجِعُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ. قِيلَ إذَا كَانَتْ زَائِدَةً. لِأَنَّهُ إذَا تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ مَعَ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ كَأَنْ يُعْطِيَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ مَالِ الْآخَرِ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَاهُمَا مَعًا وَيَقْتَسِمَا الثَّمَنَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَبِهَا وَإِلَّا فَتُبَاعُ الْعَرْصَةُ مَعَ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا (الشُّرُنْبُلَالِيُّ، الطَّحْطَاوِيُّ) . مَثَلًا لَوْ بَنَى أَحَدٌ أَبْنِيَةً عَلَى عَرْصَةٍ وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ وَصَرَفَ عَلَى إنْشَائِهَا نُقُودًا تَزِيدُ عَنْ قِيمَةِ تِلْكَ الْعَرْصَةِ فَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْعَرْصَةِ مُسْتَحِقٌّ فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ الْعَرْصَةِ وَيَضْبِطَهَا وَلَوْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْعَرْصَةِ.
وَتَحْتَاجُ عِبَارَةُ (وَصَرَفَ عَلَى إنْشَائِهَا نُقُودًا إلَخْ.) فِي هَذَا الْمِثَالِ إلَى الْإِيضَاحِ. وَهُوَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ هِيَ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ مَا صَرَفَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَى تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْصَةِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا وَقِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا إلَّا أَنَّ الْأَبْنِيَةَ كَلَّفَتْ صَاحِبَهَا سِتِّينَ دِينَارًا فَلَا يُعَدُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْأَبْنِيَةِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِبَارَةِ (صَرَفَ عَلَى إنْشَائِهَا نُقُودًا) هُوَ النُّقُودُ الَّتِي تُصْرَفُ عَلَى الْبِنَاءِ وَتَكُونُ مُعَادِلَةً لَقِيمَةِ الْبِنَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ فِيمَا إذَا زَعَمَ أَنَّ الْغَصْبَ الْوَاقِعَ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ لَهُ كَمَا أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَا يَكُونُ سَبَبًا شَرْعِيًّا يَصِحُّ فِيهِ الزَّعْمُ كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ الْمَادَّةِ (531) لَكِنْ هَلْ يَكُونُ الِابْتِيَاعُ وَالِاتِّهَابُ وَقَبُولُ الصَّدَقَةِ سَبَبًا شَرْعِيًّا؟ مَثَلًا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ عَرْصَةً مِنْ آخَرَ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَبَعْدَ أَنْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً ظَهَرَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ وَادَّعَاهَا وَأَثْبَتَهَا وَضَبَطَهَا فَهَلْ يَجْرِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ؟ الزَّعْمُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ أَضْدَادِ الْقَوْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ كَذِبًا.
مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ كَالْإِرْثِ الَّذِي ذُكِرَ مِثَالًا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (1248) إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ تُخَالِفُ ذَلِكَ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ وَلْنُبَادِرْ إلَى ذِكْرِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ بَاعَتْ هِنْدٌ الْأَرْضَ بِحُدُودِهَا مِنْ زَيْدٍ فَأَنْشَأَ زَيْدٌ بِنَاءً مُرْتَفِعًا وَادَّعَتْ زَيْنَبُ جَارَتُهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ أَنَّ الْأَرْضَ هِيَ لَهَا وَكَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَلِزَيْنَبِ أَنْ تَجْعَلَ زَيْدًا يَهْدِمُ الْبِنَاءَ إذَا ثَبَتَتْ دَعْوَاهَا (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ فِي الْغَصْبِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ دَارًا وَبَعْدَ أَنْ أَنْشَأَ فِيهَا بِنَاءً ضَبَطَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِحْقَاقِ فَالْمُشْتَرِي مُجْبَرٌ عَلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ، الْأَغْلَبُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَقَلَّ (الشَّارِحُ) وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَخَذَ أَنْقَاضَ بِنَائِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ إذْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي الْأَنْقَاضَ بِرِضَاهُ يَكُونُ قَدْ أَبْرَأَ بَائِعَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْأَنْقَاضَ لِلْبَائِعِ وَضَمِنَ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (658) . وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِنَقْضِ بِنَائِهِ كَمَا مَرَّ (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ دَارًا مِنْ الْغَاصِبِ وَهَدَمَهَا وَأَدْخَلَهَا فِي دَارِهِ وَحَضَرَ مَالِكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ. فَإِذَا كَانَ الْبِنَاءُ قَلِيلًا وَكَانَ رَفْعُهُ مُتَيَسِّرًا يُرْفَعُ وَتُرَدُّ إلَى مَالِكِهَا وَإِذَا كَانَ كَثِيرًا وَرَفْعُهُ مُتَعَذَّرًا وَيَمْتَدُّ الزَّمَانُ فِي رَفْعِهِ فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ طَلَبَ رَفْعَهُ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ وَتَرَكَهُ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْأَرْضِ مَعَ الْبِنَاءِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) . أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: إذَا أَنْشَأَ الْغَاصِبُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ أَبْنِيَةً أَوْ غَرَسَ أَشْجَارًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، رَدِّ الْأَرْضِ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ أَوْ قَلْعِ الْأَشْجَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَلَعَلَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَبِي السُّعُودِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ تُهْدَمَ وَتُقْلَعَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْهَدْمُ وَالْقَلْعُ مُضِرَّيْنِ بِالْأَرْضِ فَإِنْ كَانَا مُضِرَّيْنِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَيَتْبَعُ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنْشَاءُ وَالْغَرْسُ بِزَعْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِلَا زَعْمٍ. الْقَوْلِ الثَّالِثِ، أَنْ يُقْلَعَ الشَّجَرُ وَيُهْدَمَ الْبِنَاءُ إذَا كَانَ قَلْعُهُمَا وَهَدْمُهُمَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْأَرْضِ فَإِذَا كَانَ قَلْعُهُمَا وَهَدْمُهُمَا مُضِرَّيْنِ بِالْأَرْضِ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ تَمَلُّكِهِمَا وَأَنْ يَتْبَعَ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ فِيمَا إذَا حَصَلَ الْإِنْشَاءُ أَوْ الْغَرْسُ بِزَعْمِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَتْهُ الْمَجَلَّةُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . لِنُبَادِرْ إلَى بَيَانِ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ: إنَّ الْأَرْضَ لَخَمْسَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْأَرْضُ الْمَمْلُوكَةُ. كَالْعَرْصَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِشَخْصٍ، وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ، وَالْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ. وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْأَرَاضِي الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ وَبَيْنَ آخَرَ. وَحُكْمُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1173) فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَلَّا يَكُونَ لِلْبَانِي وَالْغَارِسِ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ حِصَّةٌ مَا، وَأَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَفِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ الْوَاقِعَيْنِ فِي هَذَا أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا لِنَفْسِهِ بِأَمْرِ مَالِك الْأَرْضِ وَإِذْنِهِ وَالْإِذْنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ إجَارَةً وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ فِي الْمَادَّةِ (531) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إعَارَةً وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ أَيْضًا فِي الْمَادَّةِ (83) .
الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ أَحَدٌ بِأَمْرِ وَإِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَبْنِيَةً أَوْ أَشْجَارًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَقَدْ بُيِّنَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1508) وَهُوَ أَنَّ الْأَبْنِيَةَ وَالْأَشْجَارَ تَكُونُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِلْكًا لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَالْمَأْمُورُ يَرْجِعُ عَلَى آمِرِهِ أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا صَرَفَهُ.
فَلَوْ عَمَّرَ أَحَدٌ دَارَ زَوْجَتِهِ بِأَمْرِهَا وَإِذْنِهَا مِنْ مَالِهِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لِلزَّوْجَةِ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَةَ تَأْدِيَةُ الزَّوْجِ مَصْرُوفَاتِهِ عَلَى عِمَارَةِ الدَّارِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا وَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَّرَتْهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهَا وَهُوَ غَيْرُ مَقْطُوعٍ فِي الِاتِّفَاقِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ (وَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ بِنَاءً أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا بِدُونِ إذْنِهِ، وَحُكْمُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ لِلْمَالِكِ وَذَلِكَ الشَّخْصُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا صَرَفَهُ عَلَى مَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1508) (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) . مَثَلًا لَوْ عَمَّرَ أَحَدٌ دَارَ زَوْجَتِهِ بِدُونِ إذْنِهَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْوَاقِعَةُ مَالًا لِلزَّوْجَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا صَرَفَهُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَدْ مَلَّكَتْهُ هِيَ بِرِضَاهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا (وَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَغْرِسَ أَحَدٌ شَجَرًا أَوْ يَبْنِيَ أَبْنِيَةً لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِ الْأَرْضِ وَحُكْمُ ذَلِكَ وَإِنْ فُصِّلَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَشَرْحِهَا فَقَدْ رُئِيَ إيرَادُ مِثَالٍ وَاحِدٍ اطِّرَادًا لِلْبَابِ. كَمَا لَوْ عَمَّرَ أَحَدٌ دَارَ زَوْجَتِهِ بِدُونِ إذْنِهَا لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْوَاقِعَةُ لَهُ لِأَنَّ اللَّوَازِمَ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْبِنَاءِ هِيَ مِلْكٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَاهُ فَتَكُونُ مَلَكِيَّتُهُ بَاقِيَةً فِي اللَّوَازِمِ الْمَذْكُورَةِ وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يُرْفَعُ الْبِنَاءُ بِطَلَبِ الزَّوْجَةِ وَادِّعَائِهَا (وَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةُ. وَهِيَ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: هِيَ الْأَرْضُ الْأَمِيرِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ وَبَيْنَ آخَرَ، وَحُكْمُ هَذِهِ يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (1173) . مَثَلًا لَوْ أَحْدَثَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا أَبْنِيَةً. وَأَشْجَارًا فُضُولًا لِنَفْسِهِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ رَفْعَهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَابِلَةَ الْقِسْمَةِ أَوْ كَانَتْ قَابِلَةَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ التَّقْسِيمَ تُرْفَعُ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ أَمَّا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ التَّقْسِيمَ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَرَاضِي قَابِلَةَ التَّقْسِيمِ فَتُقَسَّمُ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةُ. لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ الْأَشْجَارَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَطَلَ حَقُّ الْبَانِي وَالْغَارِسِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِذَا قَسَّمَ فَيَكُونُ قَدْ حَافَظَ عَلَى حَقِّهِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ. وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُصِيبُ حِصَّةَ الْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا يَشَاءُ. أَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُصِيبُ حِصَّةَ ذِي الْحِصَّةِ الْآخَرِ فَيُقْلَعُ وَيُرْفَعُ بِطَلَبِهِ. كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي قِسْمٍ مِنْ الْأَرَاضِي الْمُشْتَرَكَةِ أَبْنِيَةً فَتُقَسَّمُ تِلْكَ الْأَرَاضِي بِالطَّلَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ. فَإِذَا أَصَابَتْ الْأَبْنِيَةُ حِصَّةَ الْبَانِي فِيهَا وَإِلَّا فَتُقْلَعُ. يَعْنِي لَوْ بَنَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ آنِفًا بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي فِي تَصَرُّفِهَا بِسَنَدِ طابو وَقُسِّمَتْ الْأَرَاضِي بِطَلَبِ الشَّرِيكِ الْآخِرِ وَخَرَجَ الْبِنَاءُ فِي حِصَّةِ الْبَانِي كَانَ الْبِنَاءُ لَهُ أَيْ لِلْبَانِي.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فِي تَصَرُّفِ شَخْصٍ مُسْتَقِلًّا وَلَيْسَ بِالِاشْتِرَاكِ فَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ تَجْرِي فِيهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الْمُبَيَّنَةُ هِيَ وَأَحْكَامَهَا آنِفًا. وَلْنُبَيِّنْ الْآنَ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ بِإِذْنِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِنَاءً أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا أَشْجَارًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الْإِذْنُ إمَّا إجَارَةً. وَيُسْتَفَادُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ الْمَادَّةِ (531) . وَإِمَّا إعَارَةً وَحُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (831) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ أَنْشَأَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ لِلْمُتَصَرِّفِ فِي الْأَرْضِ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ أَشْجَارًا وَقَدْ وَرَدَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1508) وَعَلَيْهِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِإِذْنِهِ هُمَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ أَيْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا أَنْفَقَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ لِلْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِنَاءً أَوْ غَرْسًا بِدُونِ إذْنِهِ. وَحُكْمُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ لِلْمُتَصَرِّفِ فِي الْأَرْضِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُتَبَرِّعًا فِي مَصْرُوفَاتِهِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُنْشِئَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ بِدُونِ إذْنِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا، وَحُكْمُ ذَلِكَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ، الْقَلْعُ وَالرَّفْعُ بِطَلَبِ الْمُتَصَرِّفِ إنْ كَانَ الْقَلْعُ وَالرَّفْعُ غَيْرَ مُضِرَّيْنِ بِالْأَرْضِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَنْقَصَ أَوْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً، إلَّا إذَا أُحْدِثَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ بِزَعْمِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَيَتْبَعُ فِي هَذِهِ الْحَالِ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ. تَكُونُ الْأَبْنِيَةُ أَوْ الْأَشْجَارُ الَّتِي يَصِيرُ إحْدَاثُهَا فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْنِيَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِمَالِ الْوَقْفِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَتَكُونُ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْوَقْفِ سَوَاءٌ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي حِينَ الْإِنْشَاءِ بِأَنَّهَا لِلْوَقْفِ أَمْ لَمْ يُصَرِّحْ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لَمْ يُشْهِدْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنْ يُنْشِئَ الْمُتَوَلِّي أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِمَالِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي هُوَ مُتَوَلٍّ عَلَيْهَا، تَكُونُ الْأَشْجَارُ وَالْأَبْنِيَةُ لِلْوَقْفِ إذَا أَطْلَقَ حِينَ الْغَرْسِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا صَرَّحَ بِكَوْنِهَا لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْغَرْسِ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ هَذَا الْمُتَوَلِّي قَدْ غَصَبَ أَرْضَ الْوَقْفِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) .
وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي الَّذِي بَنَى بِمَالِهِ هُوَ الْوَاقِفُ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ مَالًا لَهُ أَيْضًا وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى كَوْنِهِ قَدْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ قَدْ اغْتَصَبَ عَرْصَةَ الْوَقْفِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُنْشِئَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا بِأَمْرِ الْمُتَوَلِّي. وَإِذْنِهِ فِي أَرْضِ وَقْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَقْفِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ لِلْوَقْفِ وَلِذَلِكَ الشَّخْصِ الرُّجُوعُ بِمَصْرُوفَاتِهِ عَلَى الْمُتَوَلِّي. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُنْشِئَ أَحَدٌ أَبْنِيَةً لِلْوَقْفِ بِدُونِ أَمْرِ الْمُتَوَلِّي أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا لَهُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَبَرِّعًا بِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ لِلْوَقْفِ فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَقْفِ بِمَا صَرَفَهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ، قَدْ وُضِّحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (530) أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ أَحَدٌ الْوَقْفَ عَنْ حَالِهِ الْأَصْلِيِّ أُبْقِيَ هَذَا التَّغْيِيرُ إذَا كَانَ نَافِعًا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ نَافِعًا لَهُ فَيَرْجِعُ إلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ وَيُعَزَّرُ الْمُغَيِّرُ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي أَبْنِيَةً أَوْ يَغْرِسَ أَشْجَارًا فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ مُصَرِّحًا بِأَنَّهَا لِنَفْسِهِ أَوْ مُطْلِقًا ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْوَقْفِ، فَتَكُونُ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّخْصُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُتَوَلِّي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ قَدْ أَنْشَأَهُ لِلْوَقْفِ. وَإِذَا احْتَرَقَ الْوَقْفُ الْمُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْإِجَارَتَيْنِ وَبَنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ مُحَدَّدًا كَانَ هَذَا الْبِنَاءُ مَالًا لِلْمُتَصَرِّفِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهِ لِلْوَقْفِ. لَوْ كَانَ قَدْ كُتِبَ فِي سَنَدِ التَّصَرُّفِ أَنَّ كُلَّ مَا يُبْنَى تَبَرُّعٌ لِلْوَقْفِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّعًا. لِأَنَّ التَّبَرُّعَ حَقٌّ لِلطَّرَفِ الْمُتَبَرِّعِ. وَلَيْسَ حَقًّا لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ. وَإِذَا تُوُفِّيَ صَاحِبُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الْبِنَاءُ مَوْرُوثًا لِلْوَرَثَةِ الشَّرْعِيِّينَ وَذَوِي الْأَرْحَامِ أَيْضًا. وَلَا يَعُودُ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مَحْلُولًا. وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ عِنْدَ نِظَارَةِ الْأَوْقَافِ يُعَدُّ مَحْلُولًا وَيُضْبَطُ. وَمَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إذْ لَا يَرْضَى بِهِ الْوَاقِفُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ اغْتِصَابًا لِحُقُوقِ الْأَيْتَامِ، وَالْعِبَادِ.
وَإِذَا فُوِّضَ هَذَا الْبِنَاءُ لِآخَرَ بِدَاعِي أَنَّهُ مَحْلُولٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَاصِبًا وَآثِمًا. عَلَى أَنَّ وُقُوعَ أَحْوَالٍ كَهَذِهِ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِيهَا الْمَسَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ جِدَّ الْأَسَفِ.
يَكُونُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي الَّذِي يُنْشِئُ أَوْ يَغْرِسُ فِي عَرْصَةٍ لَوَقْفٍ غَاصِبًا لِتِلْكَ الْعَرْصَةِ سَوَاءٌ أَبُيِّنَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْخَامِسِ أَوْ فِي النَّوْعِ الثَّانِي أَشْهَدَ أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَلِنَفْسِهِ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْوَقْفِ تُقْلَعُ. مَثَلًا لَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ تَغَلُّبًا فِي الْعَرْصَةِ الْمُعَدَّةِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَاَلَّتِي هِيَ حَرِيمٌ لِمَدْرَسَةٍ بِنَاءً فَلِمُتَوَلِّي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ قَلْعُ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ الْقَلْعُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا. كَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ شَخْصٌ تَغَلُّبًا بِنَاءً عُلْوِيًّا عَلَى سَطْحِ دُكَّانٍ جَارِيَةٍ فِي تَصَرُّفِ شَخْصٍ آخَرَ بِالْإِجَارَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِنَاءٌ عُلْوِيٌّ مِنْ الْقَدِيمِ بِدُونِ إذْنِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَالْمُتَصَرِّفِ فِيهِ يُهْدَمُ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ إذَا كَانَ هَدْمُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْوَقْفِ، وَلِلْمُتَصَرِّفِ مَعَ الْمُتَوَلِّي طَلَبُ هَدْمِ الْبِنَاءِ (الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ) . أَمَّا إذَا كَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْوَقْفِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُسْتَحَقَّةِ الْقَلْعِ وَقِيمَتُهَا قَائِمَةٌ لَلَبَّانِي وَالْغَارِسِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ غَلَّةٌ لِلْوَقْفِ تُؤَجَّرُ الْأَبْنِيَةُ وَتُؤَدَّى الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ بَدَلِ الْإِيجَارِ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لَزِمَ صَاحِبَهَا التَّرَبُّصُ إلَى أَنْ تَتَخَلَّصَ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّنِي أَقْلَعُ الْأَبْنِيَةَ وَالْأَشْجَارَ وَآخُذُهَا. كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ بِدُونِ إذْنِ الْمُتَوَلِّي أَبْنِيَةً عَلَى الْعَرْصَةِ لِوَقْفٍ وَكَانَ قَلْعُهَا مُضِرًّا بِالْوَقْفِ فَطَلَبَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَخْذَ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً وَلَمْ يَقْبَلْ الْبَانِي إعْطَاءَهَا فَلِلْبَانِي أَنْ يَتَرَبَّصَ لِحِينِ خَلَاصِ بِنَائِهِ مِنْ الْعَرْصَةِ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ قَلْعِهِ (الْبَهْجَةُ) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْأَرَاضِي الْمَتْرُوكَةُ، كَالطَّرِيقِ الْعَامِ، وَالْمُصَلَّى، وَالْمَرْعَى الْعَامِ، وَالْمُحْتَطَبِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الْأَرَاضِي لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مَخْصُوصٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَإِعْطَاءُ وَاحِدٍ مِنْ الْعَامَّةِ أَوْ إعْطَاءُ مَجْمُوعِهِمْ إذْنًا بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى صُورَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا لَا يُجِيزُ ذَلِكَ. يَلْزَمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ رَفْعُ الْمُحْدَثَاتِ الَّتِي عَلَيْهَا وَقَلْعُهَا وَإِعَادَتُهَا إلَى حَالِهَا السَّابِقَةِ. مَثَلًا لَوْ بَنَى أَحَدٌ لِأَهَالِي قَرْيَةٍ مَحِلًّا لِوَضْعِ عَرَبَاتِ النَّقْلِ فَلِأَهَالِيِهَا أَنْ يُرَاجِعُوا الْحَاكِمَ وَيَقْلَعُوا الْبِنَاءَ (الْبَهْجَةُ) وَلَا تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةُ إتْبَاعِ الْأَقَلِّ الْأَكْثَرَ كَمَا تَجْرِي فِي صُورَةِ الْإِنْشَاءِ بِزَعْمِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، كَذَلِكَ لَا تَجْرِي قَاعِدَةُ إعْطَاءِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ قِيمَةَ الْأَبْنِيَةِ مُسْتَحَقَّةِ الْقَلْعِ إذَا كَانَ الْقَلْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: الْأَرَاضِي الْمَوَاتُ، وَلَمَّا كَانَ لَيْسَ لِلْأَرَاضِيِ الْمَذْكُورَةِ مَالِكٌ مَخْصُوصٌ، بِذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَلَا حُكْمَ لِإِذْنِ أَحَدِ الْأَفْرَادِ أَوْ مَجْمُوعِهِمْ وَيَلْزَمُ إذْنٌ سُلْطَانِيٌّ لِإِنْشَاءِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ فِيهَا. وَعَلَيْهِ إذَا غَرَسَ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ غَرْسًا أَوْ شَجَرًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً كَانَ ذَلِكَ إحْيَاءً لِتِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1275) 0 وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ عَمِلَ أَحَدٌ ذَلِكَ بِإِذْنٍ سُلْطَانِيٍّ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1271) كَانَ ذَلِكَ