الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّعْبِيرَاتِ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفْسِدُ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ كَالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يُفْسِدُهُ فِي بَعْضِهَا كَالْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ (الدُّرَرُ وَالزَّيْلَعِيّ) .
وَالْإِكْرَاهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ يُعْدِمُ الرِّضَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ يَعْنِي: أَنَّ فِي هَذَا الْإِكْرَاهِ إكْرَاهًا لِلْمُكْرَهِ وَعَدَمِ رِضَائِهِ مَعَ وُجُودِ اخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الِاخْتِيَارِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْإِكْرَاهِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ فَالْإِكْرَاهُ الَّذِي يَكُونُ بِقَتْلِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ مُعْدِمٌ لِلرِّضَا وَمُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ أَيْضًا (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) 4 - الْإِخَافَةُ: بِمَا أَنَّ الْإِخَافَةَ قَدْ ذُكِرَتْ مُطَلَّقَةً فَكَمَا أَنَّهَا تَشْمَلُ الْإِخَافَةَ الَّتِي تَحْدُثُ بِالْفِعْلِ تَشْمَلُ الْإِخَافَةَ الَّتِي بِالْقَوْلِ كَالْوَعِيدِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
5 -
الْإِجْبَارُ: كَمَا يَكُونُ الْإِجْبَارُ حَقِيقِيًّا يَكُونُ حُكْمِيًّا فَلَوْ أَمَرَ أَحَدٌ آخَرَ بِإِتْلَافِ مَالِ أَحَدٍ وَلَمْ يُهَدِّدْهُ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ عَلِمَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ فَلَهُ أَنْ يُتْلِفَ ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إكْرَاهٌ حُكْمِيٌّ
[
(مَادَّةُ 949) الْإِكْرَاهُ عَلَى قِسْمَيْنِ]
الْأَوَّلُ هُوَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ الَّذِي يَكُونُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ وَالثَّانِي هُوَ الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ الَّذِي يُوجِبُ الْغَمَّ وَالْأَلَمَ فَقَطْ كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ وَالْمَدِيدِ الْإِكْرَاهُ قِسْمَانِ: وَكِلَاهُمَا سَالِبُ رِضَا الْمُكْرَهِ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
وَوَجْهُ الِانْحِصَارِ هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا إفْسَادَ اخْتِيَارِ الْمُكْرَهِ وَمُلْجِئًا إيَّاهُ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ.
فَإِذَا أَوْجَبَ إفْسَادَ اخْتِيَارِهِ أَوْ أَلْجَأَهُ كَانَ إكْرَاهًا مُلْجِئًا وَإِذَا لَمْ يُفْسِدْ اخْتِيَارَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ كَانَ غَيْرَ مُلْجِئٍ فَفَوْتُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ فَفِي الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ يَفُوتُ الرِّضَا وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ بَاقٍ وَفِي الْقَتْلِ لَا رِضَا وَلَكِنْ لَهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ: اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ.
(الطَّحْطَاوِيُّ) .
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ إكْرَاهٌ مُلْجِئٌ: الْمُلْجِئُ بِكَسْرِ الْجِيمِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْجَأَ إلَى كَذَا اضْطَرَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ الْمُوجِبُ لِلِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الَّذِي يَكُونُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ الْمُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَاللِّسَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نَحْوَ الْأَصَابِعِ وَالْأَعْضَاءِ وَيُقَالُ لِهَذَا الْإِكْرَاهِ: الْإِكْرَاهُ التَّامُّ وَهَذَا الْإِكْرَاهُ مُعْدِمٌ لِلرِّضَا مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ (الْأَنْقِرْوِيُّ، الدُّرَرُ) ؛ إذْ الْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ يُضْطَرُّ إلَى ارْتِكَابِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مُحَافَظَةً عَلَيْهَا فَيَفْسُدُ اخْتِيَارُهُ (الْجَوْهَرَةُ) .
الْعُضْوُ، يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا أَنَّ الْعُضْوَ يَشْمَلُ الْأُنْمُلَةَ أَيْ: طَرَفَ الْأُصْبُعِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يَشْمَلُ بَعْضَ الْعُضْوِ كَالْمَحَلِّ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْأَظَافِرُ مِنْ الْأُصْبُعِ أَيْضًا.
وَعَلَيْهِ فَالْإِكْرَاهُ الَّذِي يَقَعُ بِالتَّهْدِيدِ بِقَطْعِ ذَلِكَ يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالنَّتِيجَةُ) وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ إذَا هُدِّدَ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَكَانَ الرَّجُلُ ذَا مُرُوءَةٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ يَمُوتُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ أَوْ يَذْهَبُ عُضْوٌ مِنْهُ فَهُوَ إكْرَاهٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ فِي مَكَان مُظْلِمٍ بِحَيْثُ يَخَافُ ذَهَابَ الْبَصَرِ لِطُولِ مُقَامِهِ فِيهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا (عَبْدُ الْحَلِيمِ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَإِنْ قَالَ لَأُجَوِّعَنَّكَ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ، لَمْ يَسْعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَجِيءَ
مِنْ الْجُوعِ مَا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي بِتَغْيِيرٍ) .
وَقَوْلُهُ النَّفْسُ أَعَمُّ مِنْ النَّفْسِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ فَالنَّفْسُ الْحَقِيقِيَّةُ مَعْلُومَةٌ أَمَّا النَّفْسُ الْحُكْمِيَّةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ كُلِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ فَالتَّهْدِيدُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْإِنْسَانِ كُلِّهِ يُعَدُّ إكْرَاهًا مُلْجِئًا أَيْضًا حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يَشْتَرِطُ التَّهْدِيدَ بِإِتْلَافِ جَمِيعِ الْمَالِ بَلْ يَعُدُّ أَخْذَ بَعْضِ الْمَالِ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا.
مَثَلًا: لَوْ قَالَ أَحَدُ الظَّلَمَةِ لِأَحَدٍ إذَا لَمْ تَبِعْنِي دَارَك فَسَأُعْطِيهَا إلَى عَدُوِّك وَبِنَاءً عَلَى هَذَا بَاعَهُمَا مِنْهُ فَيُعَدُّ ذَلِكَ الْبَيْعُ بَيْعًا بِإِكْرَاهٍ أَمَّا عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَالْإِكْرَاهُ بِأَخْذِ الْمَالِ إذَا وَقَعَ بِأَخْذِ كُلِّ الْمَالِ فَالْإِكْرَاهُ مُعْتَبَرٌ وَالْإِكْرَاهُ الْوَاقِعُ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَالِ إذَا كَانَ مَا تُرِكَ لَهُ مِنْ الْمَالِ كَافِيًا يُعَدُّ ذَلِكَ إكْرَاهًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالضَّرْبُ الَّذِي يُعَدُّ إكْرَاهًا مُلْجِئًا هُوَ الضَّرْبُ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ النَّفْسِ أَوْ تَلَفِ عُضْوٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ مِقْدَارِ هَذَا الضَّرْبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّهْدِيدُ بِمَا لَا يَقِلُّ عَنْ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً وَالْبَعْضُ يَقُولُ إنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ يَحْصُلُ بِهِ وُسْعُهُ وَإِلَّا فَلَا (الطُّورِيُّ) وَجَاءَ فِي الدُّرُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالضَّرْبِ جَلْدَةً أَوْ جَلْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا مُلْجِئًا إلَّا أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالضَّرْبِ، عَلَى مَذَاكِيرِ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى عَيْنِهِ يُعَدُّ إكْرَاهًا مُلْجِئًا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ مِثْلِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ مُؤَدِّيًا إلَى التَّلَفِ (الطُّورِيُّ) .
وَالتَّهْدِيدُ بِالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا مُلْجِئًا لِكَوْنِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ الْمُهَدَّدِ مَا لَمْ يَمْنَعْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَنْهُ (الْبَزَّازِيَّةُ، الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُهَدَّدُ (بِفَتْحِ الدَّالِ) بِالْحَبْسِ وَالتَّصْفِيدِ مِنْ أَرْبَابِ التَّنْعِيمِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْجَاهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ فِيمَا إذَا سُجِنَ فِي مَكَان مُظْلِمٍ أَوْ أَنَّهُ سَيَفْقِدُ أَحَدَ أَعْضَائِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ إكْرَاهًا مُلْجِئًا.
كَذَلِكَ إذَا هُدِّدَ أَحَدٌ بِالْحَبْسِ فِي مَكَان مُظْلِمٍ وَخِيفَ مِنْ فَقْدِ الْبَصَرِ مِنْ جَرَّاءِ طُولِ السِّجْنِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْغَمَّ وَالْأَلَمَ فَقَطْ كَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ وَالْحَبْسِ وَالتَّصْفِيدِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ وَالْمَدِيدِ وَيُقَالُ لَهُ الْإِكْرَاهُ النَّاقِصُ وَهَذَا الْإِكْرَاهُ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا لِلرِّضَا لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ (الدُّرَرُ) .
الْغَمُّ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ السِّتْرُ وَالْغِطَاءُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحُزْنِ غَمٌّ؛ لِأَنَّهُ يُغَطِّي السُّرُورَ وَالْحِلْمَ أَلَمٌ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ بِمَعْنَى الْوَجَعِ وَيُجْمَعُ عَلَى آلَامٍ وَعَلَيْهِ فَالْأَلَمُ هُوَ شَيْءٌ كَرِيهٌ قَبِيحٌ سَوَاءٌ أَحَصَلَ بِعَارِضِ وَجَعٍ أَوْ فُتُورٍ أَوْ هَمٍّ فَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِلْغَمِّ.
وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِكْرَاهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ فِي دَائِرَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ سِوَى أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْهُ الِاغْتِمَامُ (أَبُو السُّعُودِ) .
الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِيءُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ وَبِالضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ الْأَلَمُ الشَّدِيدُ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ