الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَثَلًا إذَا كَانَ لِعَقَارٍ شَفِيعَانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ، فَرَدَّ الْحَاضِرُ الْعَقَارَ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ كُلَّهُ بِالشُّفْعَةِ بِحُكْمٍ إلَى الْمُشْتَرِي، فَحَضَرَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ نِصْفِ الْعَقَارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَبِمَا أَنَّ هَذَا الرَّدَّ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فَلِلشَّفِيعِ الْغَائِبِ أَخْذُ الْعَقَارِ كُلِّهِ بِسَبَبِ هَذَا الرَّدِّ. كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِعَقَارٍ ثَلَاثَةُ شُفَعَاءَ، أَحَدُهُمْ حَاضِرٌ وَاثْنَانِ غَائِبَانِ، وَحُكِمَ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا لِلْحَاضِرِ وَحَضَرَ الشَّفِيعَانِ الْغَائِبَانِ، بَعْدَ الرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ، فَلَهُمَا أَخْذُ ثُلُثَيْ ذَلِكَ الْعَقَارِ بِالشُّفْعَةِ وَيَبْقَى الثُّلُثُ لِلْمُشْتَرِي، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) .
جَوَابٌ آخَرُ: لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْإِسْقَاطُ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِرَدِّ الْمَشْفُوعِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ. فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا، وَبِمَا أَنَّ الْعَقَارَ الْمَشْفُوعَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُسْقِطِ بِالْإِسْقَاطِ الْوَاقِعِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى بِمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَرْكُ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ أَخْذُ حَقِّهِ أَيْ لَا يَتَسَنَّى لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ الشَّفِيعِ الْمُسْقِطِ بِالشُّفْعَةِ، حَيْثُ لَا تَخْرُجُ الْحِصَّةُ مِنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ بَعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ عَدَمَ أَخْذِ الْبَاقِينَ نَصِيبَ التَّارِكِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّرْكِ لَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِالْقَضَاءِ لَا لِانْقِطَاعِ حَقِّهِمْ بِهِ مَعَ صِحَّةِ التَّرْكِ مِنْهُ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ " بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ " احْتِرَازٌ عَنْ شِرَاءِ الشَّفِيعِ، فَلَوْ كَانَ لِعَقَارٍ شَفِيعَانِ، أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، وَاشْتَرَى الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ ذَلِكَ الْعَقَارَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَجَاءَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ، فَلَهُ أَخْذُ الْعَقَارِ كُلِّهِ إنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي: اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (1024) مَعَ الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) .
[
(مَادَّةُ 1044) لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبِنَاءِ الْمَشْفُوعِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ]
(مَادَّةُ 1044) -، (لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبِنَاءِ الْمَشْفُوعِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَصَبْغِهِ فَشَفِيعُهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ بِإِعْطَاءِ ثَمَنِ الْبِنَاءِ وَقِيمَةِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَحْدَثَ عَلَى الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ فِيهِ أَشْجَارًا، فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَ الْمَشْفُوعَ بِإِعْطَاءِ ثَمَنِهِ وَقِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَلْعِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ) لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبِنَاءِ الْمَشْفُوعِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَصَبْغِهِ أَوْ تَطْيِينِهِ كَانَ شَفِيعُهُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّ شُفْعَتِهِ تَمَامًا؛ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ تَرْكَ ذَلِكَ الْحَقِّ وَلَوْ بَعْدَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ بِإِعْطَاءِ ثَمَنِ الزِّيَادَةِ مَعَ ثَمَنِ الْبِنَاءِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِ الصِّبْغَةِ وَالطِّينِ وَنَقْضِهِمَا؛ لِأَنَّ نَقْضَهُمَا مُتَعَذِّرٌ. وَلَا قِيمَةَ لِأَنْقَاضِهِمَا، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ مِثَالٌ لِلزِّيَادَةِ غَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلِانْفِصَالِ، كَمَا أَنَّ الْفِقْرَةَ الْآتِيَةَ مِثَالٌ لِلزِّيَادَةِ الْقَابِلَةِ
لِلتَّفْرِيقِ أَيْضًا وَيُوَضِّحُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ إيرَادُ الْأَمْثِلَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى ذَلِكَ. إنَّ هَذِهِ الْفِقْرَةَ مِنْ الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا الْفِقْرَةُ الْآتِيَةُ فَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. وَلِذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَحْدَثَ عَلَى الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ فِيهِ أَشْجَارًا فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّ شُفْعَتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَ الْمَشْفُوعَ بِإِعْطَاءِ ثَمَنِهِ، وَقِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ قَائِمَةٌ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ الْمَوَادِّ، (882 و 884 و 885) أَنَّ لِلْقِيمَةِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى فِي هَذَا بِلُزُومِ قِيمَتِهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مُحِقًّا فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى قَلْعِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إعْطَائِهِ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحِقًّا لِلْقَلْعِ وَكَذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَنَى فِيهِ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهُوَ مُحِقٌّ فِي بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ، مَعَ أَنَّ إجْبَارَهُ عَلَى الْقَلْعِ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي بِدُونِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (960) هَذَا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى رَأْي الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا كَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا تُقْلَعُ وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ أَخْذُهَا بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَلْعُهَا مُضِرًّا تُقْلَعُ، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
هَذِهِ الْمَادَّةُ مُتَفَرِّعَةٌ مِنْ قَاعِدَةِ " يُزَالُ الضَّرَرُ الْأَشَدُّ بِالضَّرَرِ الْأَخَفِّ " الْمُبَيَّنَةِ فِي الْمَادَّةِ، (27) ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ بِهَذَا ضَرَرَانِ، أَوَّلُهُمَا ضَرَرُ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِ الْأَشْجَارِ وَالْأَبْنِيَةِ وَلَيْسَ لِهَذَا الضَّرَرِ عِوَضٌ يُقَابِلُهُ، فَيَزُولُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِلَا عِوَضٍ وَيَكُونُ هَبَاءً، مَثَلًا لَوْ أَنْشَأَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَرْصَةِ الَّتِي تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ بِنَاءً يُسَاوِي خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَأُجْبِرَ عَلَى قَلْعِهِ فَأَنْقَاضُهُ تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ فَقَطْ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُمِائَة قَدْ ذَهَبَتْ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ، الثَّانِي ضَرَرُ إعْطَاءِ نُقُودٍ زِيَادَةً عَنْ ثَمَنِ الْمَشْفُوعِ بِإِجْبَارِهِ عَلَى إعْطَاءِ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ زِيَادَةً عَنْ ثَمَنِ الْمَشْفُوعِ إذَا أَرَادَ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَفِي مُقَابِلِ هَذَا الضَّرَرِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ الْأَبْنِيَةُ أَوْ الْأَشْجَارُ، وَهِيَ تَكُونُ بَدَلًا لِلضَّرَرِ. وَعَلَيْهِ فَالضَّرَرُ الَّذِي لَهُ بَدَلٌ، أَخَفُّ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ، بِنَاءً عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ ارْتِكَابُ أَهْوَنِ الضَّرَرَيْنِ، (الْهِنْدِيَّةُ، فَتْحُ الْمُعِينِ بِإِيضَاحٍ) ، وَقَوْلُهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ، (الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ) احْتِرَازٌ عَنْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَاةِ شَفِيعٌ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُشْتَرِي زَرْعًا فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى إدْرَاكِ الزَّرْعِ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْطَاءُ أُجْرَةِ مُدَّةٍ مَضَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ لِوُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ، أَمَّا بَعْدَ لُحُوقِ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ، فَيُعْطِي الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أُجْرَتَهُ فِي الْحَصَادِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالْأَبْنِيَةِ أَوْ الْأَشْجَارِ هُوَ هَذَا: بِمَا أَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْخُذُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ، (فَتْحُ الْمُعِينِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَتْرُكُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ: لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ عَقَارٍ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي، وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ بِنَاءً
وَكَذَّبَهُ الشَّفِيعُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. فَإِذَا أَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي شَجَرِ الْأَرْضِ هَكَذَا أَيْضًا، وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُحْتَمَلًا، حَتَّى إذَا قَالَ أَحْدَثْتُ فِيهَا هَذِهِ الْأَشْجَارَ أَمْسِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِيمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَحْدَثْتُ فِيهَا هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، (الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ) .
أَحْكَامُ النُّقْصَانِ فِي الْمَشْفُوعِ: بِمَا أَنَّ لِلنُّقْصَانِ فِي الْمَشْفُوعِ أَحْكَامًا فَقَدْ رُئِيَ بِأَنَّهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا انْهَدَمَتْ أَوْ احْتَرَقَتْ أَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ جَفَّتْ الْأَشْجَارُ الَّتِي فِي الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَنْقَاضِهَا شَيْءٌ أَيْ إذَا لَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي وَضَاعَتْ فَإِذَا شَاءَ الشَّفِيعُ أَخَذَ الْعَرْصَةَ بِكُلِّ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ شُفْعَتَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ تَنْزِيلُ مِقْدَارٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابِلِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ وَالْأَبْنِيَةَ بِمَا أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ، حَتَّى إنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ، (232) ، فَلَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِالِانْهِدَامِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ أَحَدٍ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَهْدُومًا. أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ وَانْقَلَعَتْ وَكَانَتْ الْأَنْقَاضُ مَوْجُودَةً فَيَلْزَمُ تَنْزِيلُ حِصَّةِ مَا يُصِيبُ الْمَوْجُودَةَ مِنْ الثَّمَنِ. بِنَاءً عَلَيْهِ يُقْسَمُ ثَمَنُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعَ قِيمَةِ الْأَنْقَاضِ يَوْمَ الْإِنْقَاضِ، الْأَخْذُ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَيَتْرُكُ الْأَنْقَاضَ لِلْمُشْتَرِي، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ فِي الْمَشْفُوعِ فِي الْأَوْصَافِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ آنِفًا، وَكَانَ جُزْئِيًّا، سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ ظَهَرَ الشَّفِيعُ لِلْعَرْصَةِ بَعْدَ أَنْ غَمَرَ الْبَحْرُ أَوْ الْمَاءُ مِقْدَارًا مِنْهَا فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعَرْصَةِ سَالِمًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ الْأَصْلِ، أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَالْغَائِبُ وَصْفٌ، (فَتْحُ الْمُعِينِ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
كَذَلِكَ لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْعَرْصَةَ الْمُشْتَرَاةَ، فَحَصَلَ فِيهَا نُقْصَانٌ بِسَبَبِ الزِّرَاعَةِ، فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ، فَيَقْسِمُ الثَّمَنَ بَيْنَ قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الِاشْتِرَاءِ وَقِيمَتِهَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ، فَالشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ عَرْصَةَ الدَّارِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الْأَوْصَافِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَقْصُودَةً بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ، وَحَيْثُ إنَّهُ إذَا قَصَدَ الشَّيْءَ الَّذِي يَكُونُ تَبَعًا بِالْإِتْلَافِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَتَرْكُ الْأَنْقَاضِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ سَيَأْخُذُ الْبِنَاءَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، فَلَمْ تَبْقَ التَّبَعِيَّةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَدْمُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْبِنَاءِ كَهَدْمِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ، بِنَاءً عَلَيْهِ فَيَجْرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْآنِفَةِ، (فَتْحُ الْمُعِينِ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
لِأَنَّ الْعِوَضَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ، (الْجَوْهَرَةُ) .
لِأَنَّ بِالْهَدْمِ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْهَادِمِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، (الْهِنْدِيَّةُ، فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَاسْتَهْلَكَهُ فَلِلشَّفِيعِ الْمَذْكُورِ تَنْزِيلُ مَا يُصِيبُ الثَّمَرَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمَّا دَخَلَ " الْبَيْعَ قَصْدًا وَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَلْزَمُ عِنْدَ فَوَاتِهِ تَنْزِيلُ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ. كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ الْأَرْضَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى أَنَّهَا مَبْذُورَةٌ وَنَبَتَ فِيهَا الزَّرْعُ وَبَعْدَ أَنْ حَصَدَهَا الْمُشْتَرِي ظَهَرَ شَفِيعُهَا فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً، فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
أَمَّا لَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَ الْحَادِثَ فِي الْعَرْصَةِ وَهِيَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَاسْتَهْلَكَهُ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَنْزِيلُ بَدَلٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ فَبِمَا أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُرَدَّ عَلَى الثَّمَرِ، فَلَا يُوجِبُ فَوَاتُهُ سُقُوطَ الثَّمَنِ، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
كَذَا إذَا كَانَ شَفِيعُ الْكَرْمِ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَحَدًا غَائِبًا وَأَعْطَى الْكَرْمَ فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ عِنَبًا وَحَضَرَ الشَّفِيعُ الْغَائِبُ وَأَخَذَ الْكَرْمَ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِ الْمُشْتَرِي الْعِنَبَ يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ شَجَرُ الْكَرْمِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فِي حَالَةِ الْأَزْهَارِ وَلَمْ تُعْقَدْ قُطُوفُهُ، فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، يَعْنِي عَلَى الشَّفِيعِ إعْطَاءُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى كَامِلًا وَإِذَا كَانَتْ الْقُطُوفُ عَاقِدَةً عِنْدَمَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فَتَنْزِلُ قِيمَةُ تِلْكَ الْأَثْمَارِ يَوْمَ قَبْضِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْكَرْمَ بِالْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
أَمَّا إذَا لَمْ تُسْتَهْلَكْ الثِّمَارُ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً عَلَى أَشْجَارِهَا فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلٌ خِلْقَةً بِالشَّيْءِ الْمُتَّصِلِ بِالْعَقَارِ كَانَ تَابِعًا لِلْعَقَارِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ، (1017) .
الْخَاتِمَةُ فِي بَيَانِ حِيَلِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ الْخَاتِمَةُ فِي بَيَانِ حِيَلِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ
إنَّ اتِّخَاذَ الْحِيلَةِ فِي أَمْرِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَيْسَ مَكْرُوهًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ أَخْذِ الشَّفِيعِ مَا لَهُ. وَعَلَيْهِ فَالِاحْتِيَالُ الَّذِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُبَاحٌ وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لِضَرَرِ الْغَيْرِ. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ، وَقُيِّدَ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، الطَّحْطَاوِيُّ بِتَصَرُّفٍ) .
أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَمَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الِاحْتِيَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) اُنْظُرْ الْحِيلَةَ السَّادِسَةَ.
مَسْأَلَةٌ: لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِدَّةُ حِيَلٍ:
الْحِيلَةُ الْأُولَى: إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي عَقَارًا بِنُقُودٍ مُعَيَّنَةٍ مُشَارٌ إلَيْهَا فُلُوسٌ مَجْهُولَةُ الْمِقْدَارِ وَأَضَاعَ الْبَائِعُ الْفُلُوسَ بَعْدَ الْقَبْضِ. فَلَا تَجْرِي الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ كَانَ مَعْلُومًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. لَكِنَّ الثَّمَنَ فِي حَالِ الشُّفْعَةِ لَمَّا كَانَ مَجْهُولًا فَجَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الشُّفْعَةِ مَانِعَةٌ لَهَا، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ، (1025) ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِجْرَاؤُهَا فِي أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الثَّلَاثَةِ مُمْكِنٌ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى بِإِيضَاحٍ) رَجُلٌ اشْتَرَى عَقَارًا بِدَرَاهِمَ جُزَافًا وَاتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ مِقْدَارَ الدَّرَاهِمِ وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَالشَّفِيعُ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ يَأْخُذُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يُعْطِي الثَّمَنَ عَلَى زَعْمِهِ لَا إذَا أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعَ عَشَرَ) .
وَاَلَّذِي فِي الْمُتُونِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ إذْ لَوْ قُبِلَ قَوْلُهُ لَمَا كَانَ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ فَائِدَةٌ إلَّا إذَا سَكَتَ، (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَقَارَ بِثَمَنٍ غَالٍ ثُمَّ يَأْخُذَ بَعْدَ الشِّرَاءِ مَالًا خَسِيسًا نَظِيرَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ بِرِضَاهُ. إذَا أَرَادَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ بِمَا أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ اشْتَرَى ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِعَقْدٍ آخَرَ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ يُمْكِنُ إجْرَاؤُهَا فِي الشَّرِيكِ وَالْجَارِ أَيْضًا لَكِنْ فِيهَا ضَرَرٌ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ لَوْ ضُبِطَ الْعَقَارُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ الْغَالِي، وَلَيْسَ بِقِيمَةِ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ بَدَلًا عَنْهُ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدِّرْهَمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعَ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَيُوجَدُ ضَرَرٌ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَهُوَ: لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ بِثَمَنٍ غَالٍ وَاشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي بِهَذَا الثَّمَنِ إمَّا أَنْ يَقْبَلَ الْبَائِعُ الْمَالَ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ فِي مُقَابِلِهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ ذَلِكَ الْبَدَلَ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ.
الْحِيلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفْرِزَ الْبَائِعُ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ بَيْعَهُ مِنْ جِهَةِ الْجِدَارِ الْمُتَّصِلِ بِعَقَارِ الشَّفِيعِ وَبَعْدَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَوْ بَعْدَ هِبَةِ هَذَا الْمِقْدَارِ لِلْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ لَوْ بَاعَ الْبَاقِيَ فَلَا يَبْقَى لِلْجَارِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَالِاتِّصَالِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَبْقَى اتِّصَالٌ وَالْتِصَاقٌ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
هَذِهِ الْحِيلَةُ لِشُفْعَةِ الْجَارِ.
الْحِيلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ جُزْءًا صَغِيرًا كَالْعُشْرِ بِثَمَنٍ غَالٍ بِعَقْدٍ يَشْتَرِي الْمِقْدَارَ الْبَاقِيَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ، فَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَكُونُ شَفِيعًا فِي السَّهْمِ الَّذِي بِيعَ أَوَّلًا، وَلَا يَكُونُ شَفِيعًا لِلْمَبِيعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي: وَصُورَتُهَا رَجُلٌ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْعُشْرَ مِنْهَا بِتِسْعِمِائَةٍ ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِمِائَةٍ فَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ فِي عُشْرِهَا خَاصَّةً بِثَمَنِهِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي التِّسْعَةِ الْأَعْشَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا صَارَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ، (الْجَوْهَرَةُ) .
فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إبْطَالَ شُفْعَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ تَلْجِئَةً فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ وَهُوَ خَصْمٌ، (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ) وَلَوْ بَلَغَهُ الْبَيْعَانِ مَعًا، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
لِأَنَّ الشَّفِيعَ فِي هَذَا الْمَبِيعِ جَارٌ وَالْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ. أَمَّا الشَّفِيعُ فَلَا يَرْغَبُ فِي الْمَبِيعِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ وَقِلَّةِ السَّهْمِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ مَعَ الْمُلْتَقَى) .
فَأَيُّهُمَا خَافَ مِنْ صَاحِبِهِ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ خَافَا شَرَطَا مَعًا وَيُجِيزَانِ مَعًا، وَلَوْ خَافَ كُلٌّ إنْ أَجَازَ لَمْ يُجِزْ الْآخَرُ، وُكِّلَ وَكِيلٌ وَشُرِطَ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ، (فَتْحُ الْمُعِينِ) .
الْحِيلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِكَذَا جُزْءٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي سَيَبِيعُهُ لِلْمُشْتَرِي وَيَبِيعُ الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا شُفْعَةَ عِنْدَ الْخَصَّافِ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّرِيكِ وَالْجَارِ. وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِإِقْرَارٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، (الْحَمَوِيُّ، الْقُنْيَةِ، فَتْحُ الْمُعِينِ) .
لَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا هِيَ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ شُفْعَتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ بِالْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ شَيْءٌ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي حَالِ إنْكَارِهِ، (الْخَانِيَّةُ) .
الْحِيلَةُ السَّادِسَةُ: أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِ مِنِّي الْمَشْفُوعَ وَلَا تُخَاصِمْنِي، وَيَقُولَ الْآخَرُ قَدْ
فَعَلْتُ، تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ آجَرْتُك هَذَا لِمُدَّةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِكَذَا قِرْشًا أَوْ أَعَرْتُك إيَّاهُ، وَطَلَبَهُ الْآخَرُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ أَيْضًا. وَهَذِهِ كُلُّهَا حِيَلٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ، (الْجَوْهَرَةُ) .
مَسْأَلَةٌ: لَا حِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الْحِيلَةِ وَقَدْ بَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ كَثِيرًا فَلَمْ نَعْثُرْ عَلَيْهِ، (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةُ) . انْتَهَى