الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْضُرَ الْمَالِكُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَإِذَا صَرَفَ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُودِعِ. غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَيَوَانًا لَا يَجِبُ أَنْ يَتَجَاوَزَ هَذَا الْمُصْرَفُ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ تَجَاوَزَهَا فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَطْلُبَ قِيمَتَهَا فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَذَكَرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْمُودِعُ الْمُسْتَوْدَعَ قَبْلَ الْغَيْبَةِ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَلَمْ يُنْفِقْ وَهَلَكَ الْحَيَوَانُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ اخْتَارَ الْحُرْمَةَ لِسَبَبِ حُرْمَةِ ذِي الرُّوحِ (الْبَاجُورِيُّ) وَلِرُبَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرَ مُخَالِفَةٍ لِلْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ.
أَمَّا إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ الْمَذْكُورَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَذَلِكَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْمُصْرَفَ مِنْ الْمُودِعِ. رَاجِعْ الْقَاعِدَةَ الْمُحَرَّرَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (725 وَ 1508) . طَلَبُ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُودِعِ الَّذِي طَلَبَ الْإِذْنَ بِالْإِنْفَاقِ: إذَا رَاجَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَاكِمَ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ لِأَجْلِ بَيْعِ الْوَدِيعَةِ كَمَا ذُكِرَ شَرْحًا يَطْلُبُ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ وَدِيعَةٌ بِيَدِهِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً بِيَدِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَغْصُوبًا أَوْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا. وَحَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ هِيَ لِأَجْلِ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَحْضُرُ الْخَصْمُ فِيهَا. وَالْحُكْمُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللُّقَطَةِ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (770) .
[
(الْمَادَّةُ 787) هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالِ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ]
(الْمَادَّةُ 787) إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. مَثَلًا إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ عِنْدَهُ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ وَاسْتَهْلَكَهَا أَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ وَجَعَلَهُ يَسْتَهْلِكُهَا يَضْمَنُ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا صَرَفَ النُّقُودَ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ثُمَّ وَضَعَ مَحِلَّهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَضَاعَتْ بِدُونِ تَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ.
وَكَذَلِكَ إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ وَهَلَكَ الْحَيَوَانُ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبِ سُرْعَةِ السُّوقِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَمْ سُرِقَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ. كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَرِيقِ مُقْتَدِرًا عَلَى نَقْلِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا وَاحْتَرَقَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ.
يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِالْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فَكَمَا أَنَّ وَفَاءَ بَدَلِهَا لَازِمٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ إذَا طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا لَزِمَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (803) .
وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:
الْأَوَّلُ: هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ.
الثَّانِي: هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ فِي حَالَةِ تَقْصِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ.
الثَّالِثُ: طُرُوءُ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ.
الرَّابِعُ: طُرُوءُ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَقْصِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ.
فَكُلُّ هَذِهِ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ وَكَمَا أَنَّ الْمِثَالَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَجَلَّةِ وَارِدَانِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْمِثَالَ الثَّالِثَ وَارِدٌ أَيْضًا
عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّعَدِّي وَالتَّقْصِيرِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 779 وَبَعْضُهَا مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ تَعَدِّيهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ التَّعَدِّيَ وَرَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا تَعَدٍّ هَلْ يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُحْتَاجَةٌ لِلْإِيضَاحِ فَوَجَبَ إعْطَاءُ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ كَمَا يَلِي: الْأَمَانَاتُ قِسْمَانِ فَفِي الْبَعْضِ مِنْهَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي وَفِي الْبَعْضِ لَا يَزُولُ. كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْآتِيَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ 864 الَّتِي هِيَ فِي مَقَامِ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي الْعَارِيَّةُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَهَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (بِحَالَةِ تَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ) يَعْنِي بِالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ مَشْرُوطٌ بِهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِطُرُوءِ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالَةِ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ. وَلِذَلِكَ بَادَرْنَا بِإِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَلِي: الْأَمَانَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الْأَمَانَاتُ الَّتِي نَفْعُ وَضْعِ يَدِ الشَّخْصِ الَّذِي اُتُّخِذَ أَمِينًا عَلَى تِلْكَ الْأَمَانَاتِ يَعْنِي فَائِدَةُ عَمَلِ حِفْظِهِ يَكُونُ عَائِدًا إلَى صَاحِبِ الْمَالِ فَقَطْ وَتَقُومُ يَدُ الْأَمِينِ مَقَامَ يَدِ مَالِكِهَا كَالْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ وَضْعِ يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فِي الْوَدِيعَةِ وَفَائِدَتَهُ عَائِدَانِ إلَى الْمُودِعِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ فِي وَضْعِ الْيَدِ هَذَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ مَا.
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْأَمَانَاتِ إذَا رَجَعَ الْأَمِينُ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ يَدَ هَذَا الْأَمِينِ يَدُ صَاحِبِ الْمَالِ تَقْدِيرًا فَمَنْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي فَالْأَمَانَةُ الَّتِي اكْتَسَبَتْ حُكْمَ الْمَغْصُوبِ بِالتَّعَدِّي فَبِالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ تَكُونُ كَأَنَّهَا أُعِيدَتْ لِيَدِ صَاحِبِ الْمَالِ.
فَكَمَا أَنَّ الْغَاصِبَ يَصِيرُ بَرِيئًا مَتَى أَعَادَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (892) يَبْرَأُ الْأَمِينُ أَيْضًا مِنْ حُكْمِ التَّعَدِّي مَتَى عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَمَانَاتِ هُوَ هَذَا: (1) الْوَدِيعَةُ: (2) الْمَالُ الْمُسْتَعَارُ لِأَجْلِ الرَّهْنِ وَاَلَّذِي لَمْ يُرْهَنْ بَعْدُ: (3) مَالُ الشَّرِكَةِ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الشَّرِيكِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَوْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: (4) مَالُ الْمُضَارَبَةِ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الْمُضَارِبِ: (5) الْبِضَاعَةُ بِيَدِ الْمُسْتَبْضِعِ: (6) الْمَالُ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَسَتَنْفَصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (814) .
إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَلَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ مَا مِنْ هَذَا التَّعَدِّي وَتَرَكَ التَّعَدِّي عَلَى نِيَّةِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَعْنِي إذَا وَقَعَ الْهَلَاكُ بَعْدَ أَنْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (2) جَاءَ (وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ مَا) لِأَنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ نُقْصَانٌ بِسَبَبِ التَّعَدِّي وَالِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ ذَلِكَ النُّقْصَانَ. حَيْثُ يَكُونُ حَبْسُ هَذَا النُّقْصَانِ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَجْهِ التَّعَدِّي أَيْ
أَصْبَحَ غَيْرَ مُقْتَدِرٍ عَلَى إعَادَةِ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الضَّمَانُ يَزُولُ فِي الْوَدِيعَةِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةُ وَالْمَأْجُورِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى مَا سَيُوضَحُ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ تَحْصُلُ بِإِعَادَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ إلَى يَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَحَيْثُ إنَّ أَيْدِيَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ هِيَ نَفْسُهُمَا وَعَمَلُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَكَمَا أَنَّهَا لَنْ تَصِلَ حَقِيقَةً إلَى يَدِ صَاحِبِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ لَنْ تَصِلَ إلَى يَدِهِ حُكْمًا أَيْضًا. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ وَحِفْظَهُ هُوَ لِأَجْلِ الْمُودِعِ وَيَدُهُ فِي حُكْمِ يَدِ الْمُودِعِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فَلْتُوضَحْ الْمَسْأَلَةُ الْآنِفَةُ فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ التَّعَدِّي بِمِثَالٍ.
مَثَلًا إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعُ بِلَا إذْنٍ وَاسْتَعْمَلَهُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَعَدَّى وَيَصِيرُ الرَّاكِبُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ. إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَدُونَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ مَا يَعْنِي دُونَ أَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَطْرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهِ إذَا تَرَكَ الرُّكُوبَ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَدَّى يَعْنِي أَنْ لَا يَرْكَبَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَحَفِظَهُ كَمَا فِي السَّابِقِ يَصِيرُ بَرِيئًا وَتَنْقَلِبُ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ كَمَا كَانَتْ. حَتَّى إذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ أَوْ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
أَمَّا إذَا رَكِبَهُ يَوْمًا وَبَعْدَ ذَلِكَ رَبَطَهُ فِي الْإِصْطَبْلِ مَسَاءً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهُ صَبَاحًا أَيْ بِنِيَّةِ رُكُوبِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَسُرِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ هَلَكَ حَتْفَ أَنْفِهِ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَوْدَعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (2)(الْبَحْرُ) .
وَإِذَا نَزَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الثِّيَابَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا أَوْ رَفَعَ السَّجَّادَ بَعْدَ أَنْ فَرَشَهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلٍّ لَا تُحْفَظُ فِيهِ أَمْثَالُهَا رَفَعَهَا مِنْهُ وَخَبَّأَهَا فِي مَحِلِّ حِصْنٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَهَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ.
اخْتِلَافٌ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي: إذَا اُخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ يُنْظَرُ. إذَا أَقَرَّ الْمُودِعُ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي فِيهَا. أَوْ أَنْكَرَ فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَازِمَةٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ نَظَرًا لِأَنَّ الِادِّعَاءَ بِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ إيَّاهُ هُوَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ ادِّعَاءٌ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصِّفَةِ الْعَارِضَةِ هُوَ الْعَدَمُ لَا يَصْدُقُ ادِّعَاؤُهُ هَذَا بِلَا بَيِّنَةٍ.
(الْبَدَائِعُ بِزِيَادَةٍ) .
فَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي حَقِّ الْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ مَجْبُورًا عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَإِتْلَافِهِ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ (الْبَدَائِعُ) .
مَثَلًا إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: أَعَدْتهَا لِيَدِي، وَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَقَابَلَهُ الْمُودِعُ بِالْقَوْلِ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُعِيدَهَا فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورٌ عَلَى إثْبَاتِ دَفْعِهِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1632) .
كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ أَرْسَلَ الْوَدِيعَةَ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ إلَى الْمُودَعِ وَأَنَّهَا وَصَلَتْ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ وُصُولَهَا
فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ وَحَلَفَ الْمُودِعُ الْيَمِينَ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ. وَإِذَا صَادَقَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى إيصَالِ الرَّسُولِ الْمَرْقُومِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الرَّسُولِ وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ. وَإِنَّمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً بِيَدِ الرَّسُولِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا.
اسْتِثْنَاءٌ: الْمَسَائِلُ الْآتِي ذِكْرُهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ التَّعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ صَاحِبِ الْمَالِ رَدَّهَا وَأَعَادَهَا بِقَوْلِهِ: لَمْ تُودِعْنِي إيَّاهَا، وَنَقَلَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْقُولَةَ بِالْجُحُودِ تِجَاهَ الْمُودِعِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَقْتَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُحْضِرْهَا مَا لَمْ يَعُدْ وَيُسَلِّمْ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَى صَاحِبِهَا.
يَعْنِي مَعَ أَنَّ الْجُحُودَ الْمَذْكُورَ تَعَدٍّ وَلَا يُعَدُّ تَرْكُ التَّعَدِّي بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِ بَعْدَ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِيدَاعِ فُسِخَ فِي حَالَةِ طَلَبِ الْمُودِعِ وَدِيعَتَهُ وَالْمُسْتَوْدَعُ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْإِعَادَةِ أَصْبَحَ غَاصِبًا وَحَيْثُ إنَّ يَدَهُ لَا تَكُون كَيَدِ الْمَالِكِ فَبِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الرَّدُّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إيضَاحُ قُيُودِ الْمَسْأَلَةِ:
1 -
قِيلَ (بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِ رَدَّ وَإِعَادَةَ الْوَدِيعَةِ) لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى سُؤَالِ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ يَعْنِي عَلَى قَوْلِهِ: وَدِيعَتِي بَاقِيَةٌ حَالَةَ إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ لَيْسَ إنْكَارًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنَّهُ حِفْظٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَلْفِتُ نَظَرَ طَائِفَةِ اللُّصُوصِ إلَى الْوَدِيعَةِ وَيُوجِبُ انْتِبَاهَهُمْ إلَيْهَا وَالْجُحُودُ مِنْ بَابِ حِفْظِهَا.
2 -
جَاءَ (إذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ بِقَوْلِهِ: لَمْ تُودِعْنِي إيَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ قَائِلًا: إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَهَبَنِي إيَّاهَا أَوْ بَاعَهَا، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ ثُمَّ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدَهُ بِيَدِ مَنْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. حَيْثُ إنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْيَدِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِهَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ. كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (779) .
3 -
وَرَدَ (إذَا نَقَلَهَا مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَقْتَ الْإِنْكَارِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَهَلَكَتْ هُنَاكَ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَيْضًا هَذَا الْوَجْهَ مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: وَلَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَيُحَوِّلُهَا الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَإِذَا هَلَكَتْ هُنَالِكَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ يَضْمَنُ. وَإِنْ كَانَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَمْ يَعْتَمِدُوا هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِعَدَمِ ظُهُورِ صِحَّتِهِ لَهُمْ وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْمَادَّةِ (901) مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخْتَارَ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
4 -
قِيلَ (الْمَنْقُولَةُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَقَارًا وَانْكَسَرَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ثُمَّ هَلَكَتْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الضَّمَانُ غَيْرُ لَازِمٍ يَعْنِي أَنَّ الْعَقَارَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْجُحُودِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ. فَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَقَارًا يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْإِنْكَارِ
ضَامِنًا وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (905) . (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
5 -
جَاءَ (الْجُحُودُ تِجَاهَ الْمُودِعِ أَوْ وَكِيلِهِ) . لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْمُودِعِ أَوْ وَكِيلِهِ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ هُوَ لِأَجْلِ مَنْعِ مَقْصِدٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ لِلسَّائِلِ كَأَنْ يُفَكِّرَ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ جَبْرًا فَهُوَ حِفْظٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِيدَاعِ عَلَى السِّتْرِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِنْكَارُ تِجَاهَ الْمَالِكِ عُرْفًا وَعَادَةً مِنْ قَبِيلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ.
6 -
(إذَا لَمْ يُحْضِرْ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْجُحُودِ) لِأَنَّهُ إذَا أَحْضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْجُحُودِ يَعْنِي هَيَّأَهَا لِيُعْطِيَهَا الْمُودِعَ فَقَالَ لَهُ الْمُودِعُ: دَعْهَا تَبْقَى وَدِيعَةً يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ الْإِحْضَارُ الْمَذْكُورُ بِدَرَجَةِ أَنْ يُعَدَّ الْمُودِعُ قَابِضًا لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ؛ لَانَ هَذَا إيدَاعٌ جَدِيدٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ إحْضَارُ الْمَذْكُورِ بِدَرَجَةِ أَنْ يَصِيرَ الْمُودِعُ مَعَهُ قَابِضًا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالْإِعَادَةَ لَمْ يَتِمَّا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَمَانَاتُ الَّتِي نَفْعُ وَضْعِ يَدِ الشَّخْصِ الَّذِي اتَّخَذَ أَمِينًا عَلَيْهَا وَفَائِدَةُ عَمَلِهِ يَعُودَانِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ غَيْرَ أَنْ لَا تَقُومَ يَدُ الْأَمِينِ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ بَلْ لِلْأَمِينِ نَفْعٌ فِيهَا وَمَأْمُورِيَّةُ الْأَمِينِ لِلْحِفْظِ لَيْسَتْ بِالْمَعْقُودِ الْأَصْلِيِّ بَلْ إنَّهَا تَبَعٌ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذِهِ الْأَمَانَاتِ لَا يَبْرَأُ الْأَمِينُ مِنْ الضَّمَانِ بِعَوْدَتِهِ إلَى الْوَفَاءِ بَعْدَ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ بِسَبَبِ التَّعَدِّي تَحْصُلُ بِرَدِّ الْأَمَانَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدِ صَاحِبِهَا فَكَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْكِ التَّعَدِّي لَيْسَ إعَادَةً حَقِيقِيَّةً نَظَرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَعَمَلَهُمَا إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِمَا لَا تَحْصُلُ الْإِعَادَةُ حُكْمًا أَيْضًا. مَثَلًا الْمُسْتَأْجِرُ يَحْفَظُ الْمَأْجُورَ وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ فَحِفْظُهُ كَانَ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَيْ لِأَجْلِ فَائِدَةِ ذَاتِهِ (الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ فِي الْإِجَارَة) .
وَكَمَا أَنَّ صُورَةَ تَفَرُّعِ الْمَأْجُورِ عَلَى هَذِهِ الضَّابِطَةِ أُوضِحَتْ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (545) فَإِيضَاحُ كَيْفِيَّةِ تَفَرُّعِ الْمُسْتَعَارِ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (814) .
مَثَلًا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ عِنْدَهُ بِصَرْفِهِ إيَّاهَا فِي أُمُورِ ذَاتِهِ أَوْ فِي أُمُورِ الْمُودَعِ بِلَا أَمْرِ الْمُودِعِ أَوْ أَعْطَاهَا رَجُلًا آخَرَ فَاسْتَهْلَكَهَا هَذَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَعَدٍّ.
اسْتِهْلَاكُ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ: إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ صَرَفَ مِقْدَارًا مِنْ النُّقُودِ الْمَذْكُورَةِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ فِي تَعَيُّنِ الْمِقْدَارِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَثِيرًا لِلْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (8) .
وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ نِصْفَ الْوَدِيعَةِ مَثَلًا ثُمَّ هَلَكَ النِّصْفُ الْآخَرُ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَضْمَنُ النِّصْفَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَ الْمُسْتَوْدَعِ وَقَعَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ وَالضَّمَانَ عَلَى مِقْدَارِ الْجِنَايَةِ.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ يَعْنِي ضَمَانَ النِّصْفِ فَقَطْ عِنْدَ اسْتِهْلَاكِ نِصْفِ الْوَدِيعَةِ فِي تَقْدِيرِ عَدَمِ لُحُوقِ ضَرَرٍ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ التَّبْعِيضِ.
مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
وَذَلِكَ كَاسْتِهْلَاكِ الْمُسْتَوْدَعِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذَهَبًا مِنْ الْخَمْسِينَ ذَهَبًا الْمُودَعَةِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّبْعِيضُ مُضِرًّا لِلْوَدِيعَةِ وَاسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْضَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ هَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْوَدِيعَةِ وَالْمِقْدَارَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ مَعَ نُقْصَانِ مَا تَبَقَّى؟ هَذَا مَا يَجِبُ تَدْقِيقُهُ.
وَيُمْكِنُ إعْطَاءُ الْجَوَابِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ بِالْوَجْهِ الْآتِي تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (900) : فَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ الْبَاقِي دُونَ رُبْعِ قِيمَتِهِ يَضْمَنُ تَمَامَ مَا اسْتَهْلَكَهُ مَعَ نُقْصَانِ الْبَاقِي أَيْضًا وَأَمَّا إنْ كَانَ بَالِغًا رُبْعَ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْمُودِعُ بِالْخِيَارِ كَمَا سَيُفَصَّلُ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَرْحِهَا.
(الْأَحْكَامُ فِي حَقِّ ادِّعَاءِ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَنَّ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ بِتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ كَانَ بِأَمْرِ الْمُودِعِ) .
إذَا ادَّعَى الْمُسْتَهْلِكُ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ النُّقُودِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ الْأُخْرَى بِصَرْفِهِ إيَّاهَا فِي أُمُورِهِ بِالذَّاتِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِهَذَا الْإِذْنِ فِيهَا وَاذَا أَنْكَرَ تُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فَإِنْ أَثْبَتَ فِيهَا أَيْضًا. وَإِلَّا يَحْلِفُ الْمُودِعُ الْيَمِينَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (76) . فَإِنْ حَلَفَ الْمُودِعُ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1632) . تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ. وَقَدْ مَرَّ هَذَا الْبَحْثُ آنِفًا.
إيضَاحُ قُيُودِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ (فِي أُمُورِهِ) هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْفَى الْمُسْتَوْدَعُ بِنُقُودِ الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ الْمُمَاثِلَ لِلْوَدِيعَةِ بِلَا أَمْرٍ يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُودِعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (793) . وَعَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تِلْكَ النُّقُودَ مِنْ الدَّائِنِ. إنَّمَا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِمَنْ لَهُ النَّفَقَةُ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ (799) .
(إذَا اسْتَهْلَكَهَا بِصَرْفِهِ إيَّاهَا) . لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ كَيْ يَصْرِفَهَا فِي أُمُورِهِ وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَهَا فِي مَحِلِّهَا أَيْ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا وَضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُجَرَّدٌ قُصِدَ لِإِجْرَاءِ التَّعَدِّي فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الثَّانِيَةِ.
مَثَلًا لَوْ نَوَى شَخْصٌ غَصْبَ مَالَ شَخْصٍ آخَرَ وَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِ صَاحِبِهِ دُونَ أَنْ يَحْصُلَ الْغَصْبُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَوَى لِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الضَّمَانُ لَازِمٌ فِي صُورَةِ أَخْذِ الْوَدِيعَةِ لِأَجْلِ صَرْفِهَا وَإِعَادَتِهَا قَبْلَ وُقُوعِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِصُورَةِ التَّعَدِّي (الْبَدَائِعُ) .
كَمَا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ مِقْدَارًا مِنْ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ بِقَصْدِ أَنْ يَصْرِفَهَا وَأَعَادَهَا إلَى مَحِلِّهَا يَعْنِي أَنَّهُ خَلَطَهَا مَعَ نُقُودِ وَدِيعَةٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (حَاشِيَةُ الْأَشْبَاهِ يَبْرِي زَادَهْ عَنْ النِّهَايَةِ) .
(أَوْ إذَا اسْتَهْلَكَهَا بِغَيْرِهِ) . عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُودِعُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى أَوْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْمُسْتَهْلِكَ.
مَثَلًا إذَا أَصَابَ الْحَيَوَانُ الْمُودَعَ مَرَضٌ وَعَالَجَهُ الْمُسْتَوْدَعُ بِوَاسِطَةِ بَيْطَارٍ فَهَلَكَ الْحَيَوَانُ بِسَبَبِ الْمُعَالَجَةِ يَكُونُ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ تَعَدَّى بِإِتْيَانِهِ عَمَلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ
أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَيْطَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (610) وَشَرْحَهَا. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْبَيْطَارَ. فَإِنْ كَانَ الْبَيْطَارُ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ هُوَ مَالُ غَيْرِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَإِلَّا فَلَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (658) وَشَرْحَهَا. غَيْرَ أَنَّهُ نَظَرًا لِبَيَانِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَرْجِعُ الْبَيْطَارُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ مَالُ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ. وَإِنَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرَ بِمُعَالَجَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَيْسَ مَالَهُ فَعَالَجَهُ الْبَيْطَارُ وَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَا يَخْلُصُ الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ الضَّمَانِ بِوَضْعِهِ، مِثْلُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا مَحِلَّهَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ ضَاعَتْ النُّقُودُ الَّتِي وَضَعَهَا مَحِلَّهَا بِدُونِ تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاقِيَةٌ فِي مِلْكِ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا تُحْسَبُ لِلْوَدِيعَةِ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُودِعُ (الْبَحْرُ) . وَلَيْسَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا وَقَابِضًا يَعْنِي مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا فِي آنٍ وَاحِدٍ.
أَلَمْ يُرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلٌ مَدِينًا لِرَجُلٍ آخَرَ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ قَرْضًا فَأَفْرَزَهَا وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ وَهُوَ يَحْفَظُهَا لِكَيْ يُعْطِيَهَا لَكِنَّهُ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ خَسَارَتُهَا تَعُودُ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ كَمَا لَوْ أَلْقَى الْمَدِينُ فِي الْمَاءِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَحْضَرَهَا كَيْ يُعْطِيَهَا دَائِنَهُ بِأَمْرِ الدَّائِنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لَا يَصِيرُ الْمَدِينُ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (95) .
وَكَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ نِصْفَ نُقُودِ الْأَمَانَةِ مَثَلًا وَجَلَبَ بَدَلًا مِنْهَا نُقُودًا مِنْ مَالِهِ وَمِنْ جِنْسِ الْبَاقِي وَضَمَّهَا إلَى النُّقُودِ الْبَاقِيَةِ يَعْنِي خَلَطَهَا بِصُورَةٍ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا تَمْيِيزُهَا عَنْهَا ثُمَّ ضَاعَتْ كُلُّهَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ. يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ وَيَضْمَنُ الْبَاقِيَ لِسَبَبِ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ خَلْطَ مَالِ غَيْرِهِ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ يُعَدُّ اسْتِهْلَاكًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (788) .
خُلَاصَةُ الْكَلَامِ: أَنَّهُ يَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَضَعُ مَحِلَّ الْمِقْدَارِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَمِنْ مَالِهِ وَيَخْلِطُهُ بِالْبَاقِي. وَلَكِنْ إذَا وَضَعَ عَلَامَةً عَلَى النُّقُودِ الَّتِي وَضَعَهَا مِنْ مَالِهِ وَكَانَ تَمْيِيزُهَا بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ مُمْكِنًا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِقْدَارِ مَا اسْتَهْلَكَهُ فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنٍ فَهَلَكَ وَهُوَ ذَاهِبٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبِ سُرْعَةِ السَّيْرِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَمْ بِلَا سَبَبٍ أَمْ سُرِقَ فِي الطَّرِيقِ سَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا ذَلِكَ الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْمُسْتَوْدَعِ الْحَيَوَانَ بِلَا إذْنٍ يُعَدُّ تَعَدِّيًا فَضَمَانُهُ وَاجِبٌ فِي حَالَةِ هَلَاكِهِ بِأَيِّ صُورَةٍ كَانَتْ أَثْنَاءَ وُقُوعِ ذَلِكَ التَّعَدِّي.
إيضَاحُ قُيُودِ الْمِثَالِ الثَّانِي:
1 -
(الْحَيَوَانُ) هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَإِذَا ارْتَدَى الْمُسْتَوْدَعُ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ وَضَاعَ أَثْنَاءَ اسْتِعْمَالِهِ يَضْمَنُهُ. كَمَا لَوْ وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الصَّحْنَ الْمُودَعَ عَلَى كُوبِهِ فَوَقَعَ وَانْكَسَرَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَضْعُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ لَزِمَ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِذَا كَانَ فِي الْكُوبِ
شَيْءٌ يَحْتَاجُ لِلْوِقَايَةِ وَالسِّتْرِ فَوَضْعُ الصَّحْنِ فَوْقَ الْكُوبِ يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا. فَإِذَا انْكَسَرَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوبِ شَيْءٌ فَلَا يُعَدُّ وَضْعُ الصَّحْنِ فَوْقَهُ اسْتِعْمَالًا وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا انْكَسَرَ.
2 -
(وَهُوَ ذَاهِبٌ فِي الطَّرِيقِ) فَائِدَةُ هَذِهِ الْقُيُودِ تُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْمَسْرُودَةِ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ.
3 -
(بِلَا إذْنٍ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرْكَبَ الْحَيَوَانَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (792) .
4 -
(إذَا رَكِبَ) فِي هَذَا الْقَيْدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِصْطَبْلِ بِقَصْدِ أَنْ يَرْكَبَهُ وَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا أُوضِحَ فِي شَرْحِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمُسْتَوْدَعُ وَيُسَلِّمُ الْوَدِيعَةَ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَثْنَاءَ وُقُوعِ حَرِيقٍ أَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ اقْتِدَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَرَقَتْ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ وَيُعْلَمُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ. فَلْنَذْكُرْ بَعْضَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَثَلًا إذَا دُفِعَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَمَانَةٌ عَلَى أَنْ تُسَلَّمَ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فِي حَيْفَاءَ وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ ذَاهِبًا بِالسَّفِينَةِ إلَى حَيْفَاءَ جَنَحَتْ السَّفِينَةُ وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى الْمُسْتَوْدَعُ بِنَفْسِهِ مَعَ بَاقِي الرُّكَّابِ إلَى زَوْرَقٍ فَنَجَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ نَقْلِ تِلْكَ الْأَمَانَةِ إلَى الزَّوْرَقِ أَوْ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى فَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَلَكِنَّهُ إذَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى نَقْلِ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَمُحَافَظَتِهَا مِنْ الْغَرَقِ وَلَمْ يَفْعَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا. كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ هُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا عَلَى مَا حُرِّرَ فِي الْمَادَّةِ (609) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَمَانَةَ فِي السَّفِينَةِ وَرَمَى بِنَفْسِهِ إلَى الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ الْأَسْرِ أَوْ مِنْ الْقَتْلِ وَنَجَا سِبَاحَةً لَا يَضْمَنُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا خَرَجَتْ اللُّصُوصُ عَلَى الْمُكَارِي وَهُوَ سَائِرٌ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَ الْحَمْلَ وَفَرَّ مَعَ حَيَوَانِهِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لَهُ أَنْ يَفِرَّ بِالْحَيَوَانِ وَبِحَمْلِهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللُّصُوصَ تَتْبَعُهُ وَتُدْرِكُهُ إذْ ذَاكَ فَتَأْخُذُ الْحَيَوَانَ مَعَ حَمْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكَارِي.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا رَأَى الْمُسْتَوْدَعُ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا مُبَاشِرًا بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِظَنِّهِ الْوَدِيعَةَ مَالَ الْآخِذِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (72) ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
مَثَلًا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَدِيعَتَانِ لِشَخْصَيْنِ وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا وَدِيعَةَ الْآخَرِ سَهْوًا بِإِذْنِ الْمُسْتَوْدَعِ لَزِمَ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مَنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَسْأَلَةَ التَّاسِعَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (779) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ وَمَوْجُودَةً فِي تِلْكَ الدَّارِ فَأَخَذَتْ الْوَدِيعَةَ وَأَضَاعَتْهَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ (