الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّفَهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ حَتَّى إذَا عُرِضَتْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ عَلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ مُجْبَرٌ عَلَى إبْطَالِهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا تَبَدَّلَ سَفَهُهُ بِالصَّلَاحِ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ يَزُولُ بِنَفْسِهِ وَتُصْبِحُ تَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةً وَإِذَا عُرِضَتْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ عَلَى الْحَاكِمِ فَعَلَيْهِ تَصْدِيقُهَا وَتَثْبِيتُهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْخَانِيَّةُ) .
مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ: وَلَمْ يُجَوِّزْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْعَاقِلِ هُوَ اسْتِلَابٌ لِآدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ وَهَذَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ وَأَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ الْحَجْرِ الْأَعْلَى بَدَلًا مِنْ التَّبْذِيرِ الْأَدْنَى وَيَصِيرُ إثْبَاتُ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَفْتَرِقُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِاللِّسَانِ وَالْبَيَانِ وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ وَاعْتِبَارُ الْبَيَانِ نِعْمَةً أَصْلِيَّةً وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ فَتَكُونُ نِعْمَةُ إطْلَاقِ اللِّسَانِ النِّعْمَةَ الْعُلْيَا وَنِعْمَةُ الْمَالِ النِّعْمَةَ الدُّنْيَا (الْهِدَايَةُ، الْكِفَايَةُ) .
وَيُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ مَذْهَبٌ مُتَوَسِّطٌ وَقَدْ أُسِّسَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ (الْهِدَايَةُ)
. لَوْ حَجَرَ حَاكِمٌ عَلَى سَفِيهٍ وَفَكَّ الْحَجْرَ عَنْهُ حَاكِمٌ آخَرُ وَأَجَازَ تَصَرُّفَاتِهِ كَبَيْعِ الْمَحْجُورِ قَبْلَ الْفَكِّ وَشِرَائِهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَتَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الْفَكِّ صَحِيحَةً أَيْضًا (التَّنْوِيرُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ كَإِفْتَاءٍ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ حُكْمًا وَقَضَاءً مِنْ وَجْهٍ وَلَا يُقَالُ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ: إنَّ حُكْمَ حَاكِمٍ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ لَا يَنْقُضُهُ حَاكِمٌ آخَرُ.
كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (962) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مَقْضِيًّا لَهُ وَمَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَا بِمَوْجُودَيْنِ (الْهِدَايَةُ، الْحَمَوِيُّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَوْ عَرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكُّ الْحَجْرِ لِلْقَاضِي الثَّانِي عَلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَوْ يُبْطِلَهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْقَاضِي قَرَارًا لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الرَّأْيَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ يَكُونُ نَافِذًا بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرَ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
[
(مَادَّةُ 959) يُحْجَرُ الْمَدِينُ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ]
(مَادَّةُ 959) يُحْجَرُ الْمَدِينُ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ كَمَا يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ يُحْجَرُ عَلَى الْمَدِينِ أَيْضًا مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بَعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِإِفْلَاسِهِ بِطَلَبِ الدَّائِنِينَ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَمَاءِ الدَّائِنُونَ لِئَلَّا يَضُرَّهُمْ بِتَصَرُّفِهِ فِي أَمْوَالِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَدِينُ أَمْوَالَهُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ بِمَحْضَرِ شُهُودٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَا وَيَجِدُ الْغُرَمَاءُ مَا يَسْتَوْفُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ فَالْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ كَمَا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا وَفَائِدَةً لَهُ فَالْحَجْرُ عَلَى الْمَدِينِ فِيهِ نَظَرٌ وَفَائِدَةٌ لِلْغُرَمَاءِ أَيْضًا (الْهِدَايَةُ، الْكِفَايَةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (26) فَعَدَمُ سَدَادِ الدَّيْنِ (بِالْفَتْحِ) أَثْقَلُ الْأَحْمَالِ وَأَضَرُّ فِي الدِّينِ مِنْ خَبَائِثِ الْأَعْمَالِ (الْخَيْرِيَّةُ) .
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ إنَّمَا يُحْجَرُ بِحَجْرِ الْحَاكِمِ.
وَلَمْ يَحْصُلْ فِي هَذَا الِاخْتِلَافُ الْحَاصِلُ فِي السَّفِيهِ إلَّا أَنَّ حَجْرَ الْمَدِينِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَوَّلًا الْحُكْمُ بِإِفْلَاسِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِ ذَلِكَ الْمَدِينِ وَمِنْ ثَمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ بِنَاءً عَلَى إفْلَاسِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَجَرَ ابْتِدَاءً أَيْ: قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِفْلَاسِهِ فَهَذَا الْحَجْرُ
غَيْرُ صَحِيحٍ بِالِاتِّفَاقِ.
أَمَّا الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً بِالْإِفْلَاسِ (الْكِفَايَةُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمَدِينِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُفْلِسًا أَيْ: كَانَ دَيْنُهُ زَائِدًا عَلَى مَالٍ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَمْ غَيْرَ مُفْلِسٍ.
وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَمْ يُجَوِّزْ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ (تَنْوِيرُ الْأَبْصَارِ) وَقَدْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَجْرَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلْبِ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجَبِ الِاخْتِيَارِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ (998) مَعَ الْمَوَادِّ التَّالِيَةِ لَهَا الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِحَجْرِ الْمَدِينِ.
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي يُؤْثَرُ فِيهَا الْحَجْرُ لِلسَّفَهِ وَالدَّيْنِ: إنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ وَحَجْرَ الْمَدِينِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُمَا مُنْحَصِرَانِ فِيمَا يُحْتَمَلُ فَسْخُهُ وَيَبْطُلُ بِالْهَزْلِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
أَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (994) .
مَثَلًا: لَوْ تَزَوَّجَ الْمَدِينُ أَوْ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ بِزَوْجَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَسَمَّى صَدَاقًا مُعَيَّنًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى زِيَادَةً عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الزَّائِدُ (الزَّيْلَعِيّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْفُرُوقَاتُ بَيْنَ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ وَبَيْنَ الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ: يُوجَدُ فُرُوقٌ بَيْنَ حَجْرِ السَّفِيهِ وَبَيْنَ حَجْرِ الْمَدِينِ عَلَى الْأَوْجُهِ الْآتِيَةِ:
أَوَّلًا: الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ يَكُونُ بِالْحَجْرِ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ أَيْ: أَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَاَلَّتِي اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ وَيُؤَثِّرُ عَلَيْهَا.
وَالْحَالُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمَدِينِ يَنْحَصِرُ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1001) وَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ نَافِذًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالدُّرُّ الْمُنْتَقَيْ) .
ثَانِيًا: إنَّ سَبَبَ حَجْرِ السَّفِيهِ سُوءُ اخْتِيَارِهِ مَعَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمَدِينِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثَالِثًا: إنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالسَّفَهِ حَالَ حَجْرِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (944) كَمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمَالِ الْمَوْجُودِ أَوْ الْمَالِ الْحَادِثِ مَعَ أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالدَّيْنِ إذَا أَقَرَّ فِي حَالِ حَجْرِهِ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ الْمَوْجُودَةِ حِينَ الْحَجْرِ وَالْأَمْوَالِ الْمُكْتَسَبَةِ بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ الْحَادِثَةِ حَالَ حَجْرِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
رَابِعًا: قَدْ مَرَّ مَعَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَجْرِ الْمَدِينِ الْحُكْمُ بِإِفْلَاسِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ بِلَا إفْلَاسٍ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُكْمُ بِإِفْلَاسِهِ
(مَادَّةُ 960) الْمَحْجُورُونَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْمَوَادِّ السَّابِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصَرُّفُهُمْ الْقَوْلِيُّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ حَالًا الْخَسَارَةَ وَالضَّرَرَ اللَّذَيْنِ نَشَآ مِنْ فِعْلِهِمْ.
مَثَلًا: لَوْ أَتْلَفَ الصَّغِيرُ مَالَ آخَرَ لَزِمَ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ.
يُؤَاخَذُ الْمَحْجُورُونَ بِأَفْعَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَجْرِي فِي الْأَفْعَالِ.
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (941) .