الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْهِبَةِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ] [
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ]
الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْهِبَةِ:
وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ يَعْنِي سَيُبَيَّنُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْمَسَائِلُ الَّتِي يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا عَنْ الْهِبَةِ وَاَلَّتِي لَا يَجُوزُ.
وَلَفْظُ الْهِبَةِ الَّذِي فِي هَذَا الْعُنْوَانِ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْأَعْيَانِ وَلَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْأَلْفَاظِ (أَبُو السُّعُودِ) وَقَدْ تَبَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (833) أَنَّ الْهِبَةَ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ. وَبِمَا أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَدْخُلُ فِي الْهِبَةِ أَيْضًا فَلِلْمُهْدِي الرُّجُوعُ عَنْ الْهَدِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا عَنْ الْهِبَةِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
وَبِمَا أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الصَّدَقَةِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعْبِيرُ الْهِبَةِ هُنَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدَقَةِ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ الْمَقْصُودَةَ هُنَا هِيَ الْهِبَةُ لِلْغَنِيِّ أَمَّا الْهِبَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلْفَقِيرِ فِيمَا أَنَّهَا صَدَقَةٌ فَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ عَنْهَا أَيْضًا.
وَالرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا سَيُذْكَرُ فِيمَا سَيَأْتِي فَفَضْلًا عَنْ أَنَّهُ دَنَاءَةٌ فَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً (التَّنْوِيرُ، الْقُهُسْتَانِيُّ) . وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً وَالْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ أَخَفُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
(الْمَادَّةُ 861) - (يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْقَبْضِ الْمَوْهُوبَ) .
يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ نَائِبِهِ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ (الْهِدَايَةُ) فَإِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَاحِدًا مَلَكَهُ مُسْتَقِلًّا وَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَيَمْلِكُونَهُ بِالِاشْتِرَاكِ وَهَذَا الْمِلْكُ لَيْسَ مُسْتَحِقَّ السَّلَامَةِ. مَثَلًا: لَوْ قَالَ أَحَدٌ خِطَابًا لِاثْنَيْنِ: قَدْ وَهَبْتُكُمَا هَذَا الْمَالَ وَسَلَّمَهُمَا إيَّاهُ وَاتَّهَبَهُ الْآخَرَانِ وَتَسَلَّمَاهُ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُمَا مَالِكَيْنِ لَهُ مُنَاصَفَةً. لَكِنْ يَلْزَمُ وُجُودُ الشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ.
1 -
كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مُحْرَزًا يَعْنِي كَوْنَهُ مُفْرَزًا عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَحُقُوقِهِ 2 - كَوْنُ الْمَوْهُوبِ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ 3 - أَلَّا تَكُونَ الْهِبَةُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ 4 - كَوْنُ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ قَبْضًا كَامِلًا يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ الْقَابِلُ الْقِسْمَةِ مُشَاعًا وَقْتَ الْقَبْضِ كَمَا ذُكِرَتْ التَّفْصِيلَاتُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (858) وَقَرِيبًا تُوَضَّحُ الْمُوَاضَعَةُ أَيْضًا.
وَالْحَاصِلُ، يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمُوهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. وَسَيُبَيَّنُ بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي: -
1 -
الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلُ لِلْوَاهِبِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الزَّوَائِدَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (236) وَيَفْتَرِقُ الْبَيْعُ عَنْ الْهِبَةِ فِي هَذَا الْخُصُوصِ (الْقَاعِدِيَّةُ) .
2 -
لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (862) .
3 -
لِلْوَاهِبِ أَنْ يَنْهَى الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَلَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْقَبْضُ بَعْدَ النَّهْيِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) .
4 -
إذَا تُوُفِّيَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (862) .
5 -
تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ فِي الْمَوْهُوبِ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ وَتَصَرُّفُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) .
حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ غَائِبٍ وَأَرْسَلَهَا مَعَ رَسُولٍ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلرَّسُولِ تَصَدَّقْت بِهَذَا عَلَيْك فَكَمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فَلَوْ قَالَ لِلرَّسُولِ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ طَرَفِي وَتَصَدَّقَ بِهَا فَلِلْوَاهِبِ تَضْمِينُ الرَّسُولِ (الْخَانِيَّةُ فِي أَوَائِلِ الْهِبَةِ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
قَبَضَهُ بِالذَّاتِ أَوْ قَبَضَ نَائِبُهُ. فَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ظَاهِرٌ أَمَّا قَبْضُ النَّائِبِ فَيُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. فَلَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالًا لَهُ لِآخَرَ فَوَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ لِآخَرَ أَوْ آجَرَهُ مِنْهُ وَقَبَضَهُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ فَهَذَا الْقَبْضُ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ وَتَجُوزُ الْهِبَةُ. وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ الثَّانِيَةُ وَالْإِيجَارُ (الْقَاعِدِيَّةُ) .
2 -
يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ بِالْهِبَةِ وَلَا يَمْلِكُهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْمَدْيُونُ مَالًا لِدَائِنِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ مَلَكَ الدَّائِنُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِالْهِبَةِ وَلَا يَكُونُ قَدْ مَلَكَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ (الْهِنْدِيَّةُ) وَفِي هَذَا الْحَالِ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَيْنَهُ عَلَى حِدَةٍ.
3 -
غَيْرُ لَازِمٍ: يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ فَهَذَا الْمِلْكُ بِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيمَا عَدَا الصُّوَرِ السَّبْعِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
4 -
بِالِاشْتِرَاكِ لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا لِابْنِهِ وَلِابْنَتِهِ دُونَ تَعْيِينِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ يَمْلِكَانِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُنَاصَفَةً وَلَيْسَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَمَا فِي الْإِرْثِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
لَيْسَ يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ: بِمَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ وَعَقْدَ الصَّدَقَةِ عَقْدَا تَبَرُّعٍ فَلَيْسَا بِمُسْتَحِقَّيْ السَّلَامَةِ (الدُّرَرُ) فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمَوْهُوبُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ الْمَذْكُورُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَاهِبَ وَفِي هَذَا الْحَالِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاهِبِ (الْهِدَايَةُ وَالْكَنْزُ الْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (658) وَشَرْحَهَا.
إلَّا أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْوَاهِبُ سَلَامَةَ الْمَوْهُوبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَضَمِنَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِسَبَبِ تَلَفِهِ فِي يَدِهِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاهِبِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ، الْعِنَايَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ) .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَكُونَ الْهِبَةُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فَيَبْقَى الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِلْكًا لِلْوَاهِبِ فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ دَارِهِ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ لِزَوْجَتِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا إيَّاهَا تُوُفِّيَ فَتُصْبِحُ تِلْكَ الدَّارُ مُوَرَّثَةً لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِهَا هَذَا فِيمَا إذَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ وَأَخْذُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ (الْبَهْجَةُ) .
6 -
وَلَوْ أَسْقَطَ حَقُّ رُجُوعِهِ - حَقَّ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ مُطْلَقًا. يَعْنِي إذَا لَمْ يُسْقِطْ الْوَاهِبُ أَثْنَاءَ الْهِبَةِ حَقَّ رُجُوعِهِ فَكَمَا أَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فَلَوْ أَسْقَطَهُ وَأَبْرَأهُ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْإِسْقَاطِ وَلَا تَأْثِيرَ وَيَبْقَى حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْحَقُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْإِسْقَاطِ وَالْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ فُرُوعِ الْمَادَّةِ (1562)(اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 51) أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمَا إذَا تَصَالَحَا عَنْ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى مَالٍ كَانَ صَحِيحًا وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ عِوَضًا لِلْهِبَةِ وَسَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ (الْأَنْقِرْوِيُّ، جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى، الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) وَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ وَأَنْكَرَ الْهِبَةَ لَدَى مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ يَطْلُبُ الْوَاهِبُ بِإِثْبَاتِ الْهِبَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْيَمِينِ الْمُكَلَّفِ بِهَا اسْتِرْدَادَ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْفِقْرَتَيْنِ كَمَا أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْهِبَةِ صَحِيحٌ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ صَحِيحًا أَيْضًا بِحُكْمِ الْقَاضِي فَجَازَ الرُّجُوعُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلطَّرَفَيْنِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسَيْهِمَا وَجَازَ الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً أَيْ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَنْ كَانَ فِي حُكْمِ قَضَائِهِ مِنْ النَّاسِ.
أَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ رِضَا الطَّرَفَيْنِ وَبِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ فِي حُصُولِ الشَّيْءِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْهِبَةِ وَعَدَمِ حُصُولِهِ خَفَاءً إذْ يَجُوزُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْوَاهِبِ مِنْ الْهِبَةِ الثَّوَابَ وَالتَّحَبُّبَ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ إذْ تَكُونُ الْهِبَةُ قَدْ أَفَادَتْ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ وَحَصَلَتْ غَايَتُهُ مِنْهَا كَمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَقْدِ مَقْصِدُ الْوَاهِبِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الرِّضَا وَالْقَضَاءُ لِتَعْيِينِ وَتَخْصِيصِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالدُّرَرُ) .
وَلِلْحَاكِمِ فَسْخُ (1) الْهِبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَانِعٌ (2) مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ الَّتِي سَتُذْكَرُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ
حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ. يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِفَسْخِهَا فَلَا يَخْرُجُ ذَلِكَ الْمَالُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَمَّا إذَا وَجَدَ أَحَدٌ مَوَانِعَ الرُّجُوعِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ فَسْخُ الْهِبَةِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: -
1 -
مَوَانِعُ الرُّجُوعِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدٌ مَوَانِعَ الرُّجُوعِ السَّبْعَةَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ يَعْنِي يَحْكُمُ بِعَدَمِ حَقِّ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ. إلَّا إذَا وُجِدَ مَانِعُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ وَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ لَمَّا كَانَتْ مَضْمُونَةً بَعْدَ الْهَلَاكِ فَمِنْ الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْهَلَاكِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (858) . وَقَدْ جُمِعَتْ مَوَانِعُ الرُّجُوعِ فِي (دمع خزقه) وَسَتُفَصَّلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (866) .
لَكِنْ إذَا زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ هَذَا الْحُكْمِ عَادَ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24) . وَلَا يَزُولُ مَانِعُ الرُّجُوعِ فِي صُوَرِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالْقَرَابَةِ، وَهَلَاكِ الْعَيْنِ، وَمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ (الطَّحْطَاوِيُّ) أَمَّا فِي صُوَرِ الْعِوَضِ عَنْ الْهِبَةِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَيَزُولُ.
الزَّوَالُ فِي الْعِوَضِ، إذَا ضُبِطَ الْعِوَضُ الْمُعْطَى عَلَى مَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (868) بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ أَيْضًا.
الزَّوَال فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، يُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: -
مَثَلًا إذَا حَصَلَ فِي الْعَرْصَةِ الْمَوْهُوبَةِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِنْشَاءِ بِنَاءٍ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (869) وَبَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَقٍّ لِلرُّجُوعِ فَهَدَمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبِنَاءَ حَتَّى رَجَعَتْ الْعَرْصَةُ إلَى هَيْئَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ عَادَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِقَاعِدَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الرُّجُوعِ هُنَا وَلَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ لِوُجُودِ مَانِعٍ يَمْنَعُ حَقَّ الرُّجُوعِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَسَقَطَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ ثُمَّ إذَا بَانَتْ عَادَ حَقُّهَا فِيهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَالتَّفْصِيلَاتُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِفِقْرَةِ (بِعَكْسِ الزَّوْجِيَّةِ) الْمَذْكُورَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (868) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ مَانِعُ الرُّجُوعِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْهِبَةِ وَيَعُودُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ الطَّارِئِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَانِعُ الرُّجُوعِ فِي الْفِقْرَةِ الْمَذْكُورَةِ مَانِعًا مُقَارَنًا فَلَا يَعُودُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِزَوَالِهِ (الدُّرَرُ) .
وَصُورَةُ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ هِيَ كَمَا يَأْتِي إذَا وَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ لِشَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا رَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ الْهِبَةِ وَاسْتَرَدَّ الْمَوْهُوبَ فَلِلْوَاهِبِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ.
وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الرُّجُوعِ يُقَدَّرُ بِمِقْدَارِ الْمَانِعِ. فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فَرَسًا لَهُ لِأَخِيهِ وَلِرَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ حِصَّةِ أَخِيهِ. أَمَّا حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا. كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ مَالًا لَهُ
لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو عَلَى أَنْ يَكُونَ هِبَةً لِزَيْدٍ وَصَدَقَةً لِعَمْرٍو فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الصَّدَقَةِ (الْوَاقِعَاتُ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (874) . وَكَذَا إذَا أَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ عِوَضًا فِي مُقَابِلِ نِصْفِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ وَقَبِلَهُ الْوَاهِبُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (668) وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
2 -
لَهُ الْفَسْخُ يَدُلُّ هَذَا التَّعْبِيرُ عَلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ يَبْقَى فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ فَسْخِ الْهِبَةِ وَلُحُوقِ، الْحُكْمِ. وَعَلَيْهِ لَوْ طَلَبَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ مُبَيِّنًا أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ الْهِبَةِ وَامْتَنَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ إعَادَتِهِ وَتَلِفَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِأَنْ وَهَبَهُ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَ جَائِزًا وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا زَالَ بَاقِيًا (الْعِنَايَةُ) .
حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَثْنَاءِ الْمُحَاكَمَةِ وَالْمُرَافَعَةِ (الْبَزَّازِيَّةُ وَإِصْلَاحُ الْإِيضَاحِ) . كَذَلِكَ لَوْ اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا رِضَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ كَانَ غَاصِبًا.
أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِفَسْخِهِ فَيَخْرُجُ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَبْقَى أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَبْضُ ابْتِدَاءً غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا يَنْقَلِبُ بِاسْتِمْرَارِهِ مَضْمُونًا (الزَّيْلَعِيّ) .
أَمَّا إذَا طَلَبَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالرُّجُوعِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ بَعْدَ أَنْ امْتَنَعَ عَنْ إعَادَتِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (894)(الْهِدَايَةُ الدُّرَرُ) اُنْظُرْ مَا لَوْ مَنَعَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ بِالرِّضَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي هَذَا تَعْبِيرُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي فَسْخَ الْحَاكِمِ عَقْدَ الْهِبَةِ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فَسْخٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ يَعْنِي لَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْفَسْخِ الْمَذْكُورِ قَدْ وَهَبَ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ لِلْوَاهِبِ. فَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْوَاهِبِ، وَالْمَوْهُوبُ، يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا الرُّجُوعُ بِالرِّضَا فَهُوَ عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَسْخٌ وَعَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ عَقْدٌ جَدِيدٌ مُبْتَدَأٌ (الدُّرَرُ) . وَالْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الرُّجُوعِ بِالرِّضَا فَسْخًا أَيْضًا.
أَوَّلًا - لَوْ وَهَبَ مَالًا قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِصْفِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ كَانَ الرُّجُوعُ صَحِيحًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هِبَةً جَدِيدَةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَمَا صَحَّ.
ثَانِيًا - لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لَا فِي
عَوْلِ مِلْكٍ قَدِيمٍ. فَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ مُبْتَدَأَةً لَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبْضِ.
ثَالِثًا - إذَا رَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ أَنْ وَهَبَ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ عَنْ الْهِبَةِ وَاسْتَرَدَّهُ فَلِلْوَاهِبِ أَيْضًا الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ أَيْضًا. وَلَوْ كَانَ رُجُوعُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ هِبَةً جَدِيدَةً لَمَا كَانَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (98)(الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ) .
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ فَسْخٌ يَبْتَدِئُ اعْتِبَارًا مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِفَسْخِ الْهِبَةِ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَنِ وَلَيْسَ فَسْخًا لِلْهِبَةِ مِنْ وَقْتِ الْهِبَةِ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَنِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ يَبْقَى فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ زَمَنِ هِبَةِ الْوَاهِبِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ وَيَخْرُجَ الْمَوْهُوبُ مِنْ مِلْكِهِ اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ.
وَالْحَاصِلُ - أَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لَيْسَ فَسْخًا لِمَا سَبَقَ بَلْ هُوَ فَسْخٌ لِلْآتِي.
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فَسْخًا لِمَا سَبَقَ:
1 -
وَإِنْ عَادَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِمِلْكِ الْوَاهِبِ بِالْفَسْخِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْقَدِيمِ فَعَلَيْهِ تَبْقَى الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْمَوْهُوبِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ كَأَصْلِ الْمَوْهُوبِ مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ فَرَسًا لِآخَرَ وَبَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْ هِبَتِهِ فَالْمُهْرُ يَبْقَى لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 869) .
2 -
لَوْ بِيعَ عَقَارٌ مُجَاوِرٌ لِدَارٍ وُهِبَتْ وَسُلِّمَتْ وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْ هِبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ الْعَقَارِ بِالشُّفْعَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ مِلْكُهُ فِيمَا مَضَى وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ) .
وَالرُّجُوعُ الْمَذْكُورُ فَسْخٌ لِلْآتِي وَيَتَفَرَّعُ عَنْ كَوْنِهَا لَيْسَتْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
1 -
لَا يَلْزَمُ قَبْضُ الْوَاهِبِ لِتَمَامِ هَذَا الْفَسْخِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ 2 - لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا لَهُ قَابِلًا الْقِسْمَةَ كَامِلًا وَسَلَّمَهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ عَنْ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ فَهَذَا الرُّجُوعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ كَانَ هِبَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْ الْمَالِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةِ غَيْرَ جَائِزٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
3 -
لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ إلَى بَائِعِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَنْ هِبَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِالرِّضَاءِ أَمْ الْقَضَاءِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
هَذَا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ غَيْرَ مُطَّلِعٍ عَلَى عَيْبِهِ قَبْلَ الْهِبَةِ وَالْحَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَكَانَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ حَسَبُ، حُكْمِ الْمَادَّةِ (98) أَنَّ تَبَدُّلَ سَبَبِ الْمِلْكِ يَقُومُ مَقَامَ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ (الدُّرَرُ) .