الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لَاحِقَةٌ وَهِيَ تَحْتَوِي عَلَى ثَلَاثَةِ مَبَاحِثَ] [
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ عَدَمِ فَسَادِ الرَّهْنِ]
مَسْأَلَةٌ (1) : الْمَرْهُونُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (709) مَالٌ وَمَضْمُونٌ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ (710) فِي الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهُ فَقَطْ إذَا لَمْ تُوجَدْ بَعْضُ شُرُوطِ الْجَوَازِ يَكُونُ الرَّهْنُ فَاسِدًا كَرَهْنِ الْمَشَاعِ وَرَهْنِ الْمَشْغُولِ. فَإِذًا رَهْنُ الْمَشَاعِ وَرَهْنُ الْمَشْغُولِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ مَوْجُودٌ وَشَرْطَ الصِّحَّةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الْمَرْهُونُ فِيهِ مَالًا وَلَا مُقَابِلَهُ مَضْمُونًا فَالرَّهْنُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَمَا سَيُفْهَمُ وَاضِحًا مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ.
مَسْأَلَةٌ (2) : يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ أَلَّا يَكُونَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَلَا مُؤَجَّلًا بِوَقْتٍ.
بِنَاءً عَلَيْهِ تَأْجِيلُ الرَّهْنِ يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ دَوَامُ الْحَبْسِ لِحِينِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّأْجِيلُ مُنَافٍ لِذَلِكَ وَلَكِنَّ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ صَحِيحٌ.
(رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَسْأَلَةٌ (3) : يَلْزَمُ أَلَّا يَكُونَ الرَّهْنُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الرَّاهِنِ فَبِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا رَهَنْت الشَّجَرَةُ بِدُونِ الثَّمَرِ أَوْ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهَا أَوْ الْأَرْضُ بِدُونِ الزَّرْعِ يَعْنِي إذَا صُرِّحَ عَدَمُ دُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الرَّهْنِ وَرُهِنَتْ الْأَرْضُ وَالشَّجَرَةُ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ صَحِيحًا. وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَتَى كَانَ الْمَرْهُونُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إذْ ذَاكَ قَبَضُ الْمَرْهُونِ مُسْتَقِلًّا وَلَكِنْ إذَا رُهِنَتْ الْأَرْضُ وَسَكَتَ عَنْ الزَّرْعِ الَّذِي عَلَيْهَا فَيَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (711) ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مُتَّصِلٌ بِالْمَرْهُونِ (شرنبلالي) .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ دَارِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ أَوْ مَتَاعُهُ مَوْجُودٌ فِيهَا وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا مَشْغُولَةً عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ تَسْلِيمٌ جَدِيدٌ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ دَارِهِ عِنْدَ آخَرَ وَهُوَ وَالْمُرْتَهِنُ جَالِسَانِ فِيهَا وَقَالَ الرَّاهِن لِلْمُرْتَهِنِ: إنِّي سَلَّمْتُك إيَّاهَا وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ قَائِلًا: إنِّي تَسَلَّمْتهَا لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ بِذَلِكَ.
وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَرْهَنَ جَوَالِقَ وَأَمْوَالُهُ وَأَمْتِعَتُهُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا مُقَابِلَ دَيْنِهِ فَإِذَا رَهَنَهَا وَسَلَّمَهَا مَشْغُولَةً بِهَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ وَلَكِنْ إذَا الرَّاهِنُ أَوْدَعَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْجُودَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي رُهِنَتْ ثُمَّ سَلَّمَهَا مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فَالرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ صَحِيحَانِ.
الْخَانِيَّةُ) إنَّمَا انْشِغَالُ الرَّهْنِ بِحَقِّ غَيْرِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ. بِنَاءً عَلَيْهِ يَصِحُّ رَهْنُ دَارٍ مَشْغُولَةٍ بِمَتَاعِ شَخْصٍ غَيْرِ الرِّهَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَسْأَلَةٌ (4) : يَلْزَمُ لِعَدَمِ فَسَادِ الرَّهْنِ أَنْ لَا يَكُونَ مَشَاعًا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ حَبْسُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْمَشَاعِ ثَانِيَةٌ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ يَعْنِي فِي الْقِسْمِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمَشَاعِ فَلَوْ جَازَ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَمْسِكَ الْمُرْتَهِنُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْمَرْهُونَ يَوْمًا وَيُعِيدُهُ إلَى الرَّاهِنِ يَوْمًا (شِبْلِيٌّ وَأَبُو السُّعُودِ) .
سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَرْهُونُ قَابِلًا لِلتَّقْسِيمِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَرُهِنَ عِنْدَ الشَّرِيكِ أَمْ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الشُّيُوعُ طَارِئًا أَمْ مُقَارَنًا.
الشُّيُوعُ الطَّارِئُ هُوَ بَعْدَ أَنْ يَرْهَنَ مَالًا بِكَامِلِهِ فَسَخَ الرَّهْنَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) . فَعَلَيْهِ رَهْنُ نِصْفِ الدَّارِ أَوْ الْحَيَوَانِ الشَّائِعِ فَاسِدٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَقْتَ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَشَاعًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَزَالَتْ مشاعيته عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ بِالتَّقْسِيمِ وَالْإِفْرَازِ صَحَّ الرَّهْنُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24) .
وَرَهْنُ الْكَرْمِ وَالْبُسْتَانِ الْمَوْجُودِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بِحُكْمِ رَهْنِ الْمَشَاعِ (فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ) .
وَرَهْنُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَغَيْرُ جَائِزٍ. وَلِهَذَا إذَا بَاعَ الْعَدْلُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى وَكَالَتِهِ الْمُطْلَقَةِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى طُرُوءِ الشُّيُوعِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا رَهَنَ مَالًا بِكَامِلِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ فَسَخَ الطَّرَفَانِ الرَّهْنَ فِي نِصْفِهِ الشَّائِعِ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا (شِبْلِيٌّ) .
فَسَادُ الرَّهْنِ بِسَبَبِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ مَذْهَبُ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَشَاعَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ. وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مَحَلًّا فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ سِيَّانِ وَلَكِنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَا يُفْسِدُ عَقْدَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 56)(الْأَنْقِرْوِيُّ، الْخَانِيَّةُ، وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا إذَا رَهَنَ مَالًا بِأَجْمَعِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ ضَبَطَ نِصْفَهُ الشَّائِعَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي بَاقِيَةٍ (الْبَزَّازِيَّةُ) . وَلَكِنْ إذَا رَهَنَ مَالًا بِكَامِلِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ ضَبَطَ بِالِاسْتِحْقَاقِ نِصْفَ مُعَيَّنٍ مُفْرَزٍ مِنْهُ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ كُلِّهِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي مُقَدَّمَةِ الرَّهْنِ الْأَنْقِرْوِيُّ وَالزَّيْلَعِيّ) .
وَإِذَا تَلِفَ الْبَاقِي الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ تَلِفَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي كَافِيَةً لِمَجْمُوعِ الدَّيْنِ. مَثَلًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ الدَّائِنِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ حِصَانَيْنِ تُسَاوِي قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ قِرْشٍ. وَسَلَّمَهُ إيَّاهُمَا ثُمَّ ضَبَطَ أَحَدَهُمَا بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَبْقَى الْآخَرُ رَهْنًا مُقَابِلَ حِصَّتِهِ لِأَلْفِ قِرْشٍ يَجِبُ إيفَاءُ كُلِّ الدَّيْنِ لِأَجْلِ فَكِّ الْحِصَانِ.
وَلَكِنْ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ فَقَطْ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْمَحَلِّ الْمَزْبُورِ وَشِبْلِيٌّ) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (721) إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى رَجُلَيْنِ بِأَنَّهُ ارْتَهَنَ وَقَبَضَ مِنْهُمَا مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِمَا الْمُشْتَرَكَةِ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِهِمَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَأَثْبَتَ الْقَبْضَ وَالرَّهْنَ وَنَكَلَ الثَّانِي عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي كُلِّفَ بِحَلِفِهَا فَيُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ عَلَى كِلَا الِاثْنَيْنِ. وَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِلرَّهْنِ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مُخْتَلِفٌ وَأَخَذَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْآخَرُ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ. وَلَكِنْ إذَا حَلَفَ الْآخَرُ الْيَمِينَ فَكَمَا أَنَّ الرَّهْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِحَقِّهِ لَا يُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ بِحَقِّ الْأَوَّلِ الَّذِي ثَبَتَ رَهْنُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ رَدُّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ مَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالرَّهْنِيَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ حُكْمٌ بِرَهْنِيَّةِ الْمَشَاعِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ وَالْخَانِيَّةُ) .
وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ الرَّاهِنُ مَالًا لِمُرْتَهِنَيْنِ عَلَى دَيْنٍ مُصَادِقٍ عَلَيْهِ مِنْ الرَّاهِنِ وَمِنْ الْمُرْتَهِنَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ: إنَّهُ لَيْسَ لَنَا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ دَيْنٌ، وَالْآخَرُ قَالَ: بَلْ لَنَا عِنْدَهُ دَيْنٌ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ فِي حِصَّةِ الْمُنْكِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (721) إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَنَّهُمَا ارْتَهَنَا وَقَبَضَا مَعًا هَذَا الْمَالَ مُقَابِلَ مِائَةِ قِرْشٍ وَبِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الرَّاهِنِ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَ مُدَّعَاهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي الِارْتِهَانَ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحْكَمُ بِالرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى وَهَذَا الْإِثْبَاتِ وَيُرَدُّ الْمَرْهُونُ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِحَقِّ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَلَا تُسْمَعُ بِحَقِّ رَفِيقِهِ وَحَيْثُ إنَّ الشُّيُوعَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ صَحِيحًا (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَكُونُ الْمَرْهُونُ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُدَّعِي مُقَابِلَ مَا يُصِيبُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ. وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا بِإِنْكَارِ الْآخَرِينَ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ (الْخَانِيَّةُ) وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يُحْكَمُ بِالرَّهْنِيَّةِ لِلْمُدَّعِي الْمُرْتَهِنِ وَيَدْفَعُ الرَّهْنَ لِيَدِهِ وَيَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِيَ أَثْبَتَ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهَذَا الثُّبُوتُ مُعْتَبَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى رَفِيقِهِ.
وَأَمَّا إنْكَارُ رَفِيقِهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي شَأْنِ رَفِيقِهِ وَحَيْثُ إنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي ثَبَتَ عَلَى كُلِّ الرَّهْنِ فَلَا يَحْصُلُ الشُّيُوعُ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) . وَمَتَى أَوْفَى الرَّاهِنُ حِصَّتَهُ الْمُرْتَهِنَ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ يَسْتَرِدُّ الرَّهْنَ. وَقَبْلَ التَّأْدِيَةِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ الْمُدَّعَى مِنْ الدَّيْنِ.
تَتِمَّةٌ: إنَّ بُطْلَانَ أَوْ فَسَادَ الرَّهْنِ بِالشُّيُوعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ، وَالْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ وَفَرِيقٌ آخَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِفَسَادِهِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ (شِبْلِيٌّ) .
اسْتِثْنَاءٌ: لَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ بِالشُّيُوعِ الثَّابِتِ لِضَرُورَةٍ. مَثَلًا إذَا أَعْطَى الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ دِينَارَيْنِ قَائِلًا: خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ بِضَاعَةً فَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الِاثْنَيْنِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الدِّينَارَيْنِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا فَأَصْبَحَتْ الرَّهْنِيَّةُ شَائِعَةً بِدَاعِي الضَّرُورَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ
فِيمَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ) .
حِيلَةٌ فِي رَهْنِ الْمَشَاعِ - الْحِيلَةُ رَهْنُ الْمَشَاعِ هِيَ هَذِهِ: مَتَى رَغِبَ شَخْصٌ فِي رَهْنِ نِصْفِ دَارِهِ مَشَاعًا فَبَعْدَ أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْمَذْكُورَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُخَيِّرًا لِلشَّخْصِ الَّذِي يُرِيدُ ارْتِهَانَهُ شَائِعًا وَيُسَلِّمُهُ إيَّاهُ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ.
يَفْسَخُ الْمُشْتَرِي عَقْدَ الْبَيْعِ بِحُكْمِ خِيَارِهِ وَتَبْقَى الدَّارُ بِمَثَابَةِ الرَّهْنِ (أَبُو السُّعُودِ) .
وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ لَيْسَ بِرَهْنٍ صَحِيحٍ وَلَا بِرَهْنٍ فَاسِدٍ بَلْ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الدَّارَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا عَيْبٌ وَهِيَ فِي يَدِهِ يَسْقُطُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ. وَإِذَا هَلَكَتْ الدَّارُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ بِتَمَامِهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَهَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَصْبَحَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إنَّمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ.
هَذَا الْبَيْعُ يَفْتَرِقُ عَنْ الرَّهْنِ: إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّارِ الْهَالِكَةِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ وَالْحَالَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ الْهَالِكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَا لَمْ يَكُنْ هَلَكَ بِتَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ لَاحِقِهِ شَرْحَ الْمَادَّةِ (741) .
مَسْأَلَةٌ (5) : يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مُفْرَزًا وَمُجْتَمِعًا وَبِتَعْبِيرٍ وَاضِحٍ أَنْ لَا يَكُونَ شَاغِلًا مُتَّصِلًا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ عَلَى حِدَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْقَبْضُ الْكَامِلُ - مُمْتَنِعٌ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) .
بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الزَّرْعِ النَّابِتِ عَلَى الْأَرْضِ بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ رَهْنُ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ النَّابِتِ عَلَيْهَا أَوْ الثَّمَرُ الْمَوْجُودُ عَلَى الشَّجَرَةِ بِدُونِهَا، أَوْ الشَّجَرَةُ.
أَوْ الْبِنَاءُ بِدُونِ الْعَرْصَةِ أَوْ الشَّجَرَةُ بِدُونِ الثَّمَرِ الَّذِي عَلَيْهَا، وَهَذَا الرَّهْنُ فَاسِدٌ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 52) .
الْخُلَاصَةُ - الْأَصْلُ هُوَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَرْهُونُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ.
فَرَهْنُ الصُّوفِ الْمَوْجُودِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يَعْنِي: فَاسِدٌ. وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا إلَّا بَعْدَ جَزِّهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ (الْخَانِيَّةُ) .
الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُتَّصِلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّابِعُ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا رَهَنَ السَّرْجَ الْمَوْجُودَ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ أَوْ اللِّجَامَ الَّذِي فِي رَأْسِهِ وَسُلِّمَ مَعَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَيْسَ مَرْهُونًا لَا يَنْقَلِبُ الرَّهْنُ إلَى الصِّحَّةِ وَلَكِنْ إذَا نَزَعَ السَّرْجَ أَوْ اللِّجَامَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَسَلَّمَ عَلَى حِدَةٍ يَنْقَلِبُ الرَّهْنُ إلَى الصِّحَّةِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24) . (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَانِيَّةُ) .
وَقِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (شَاغِلًا مُتَّصِلًا) ؛ لِأَنَّ رَهْنَ الشَّاغِلِ الْمُنْفَصِلِ جَائِزٌ.
مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ الثَّوْبَ الْمَوْجُودَ فِي بَيْتِهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ مَعَ الدَّارِ فَالرَّهْنُ لَازِمٌ. كَمَا أَنَّهُ إذَا رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ الْحِمْلَ الْمَوْجُودَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَسَلَّمَ الْحِمْلَ مَعَ الدَّابَّةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ) .