الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ حُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ]
وَحُكْمُ غَاصِبِ الْغَاصِبِ هَكَذَا أَيْضًا. فَلَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مَالَ آخَرَ فَغَصَبَهُ مِنْهُ شَخْصٌ آخَرُ أَيْضًا وَغَصَبَهُ مِنْ هَذَا آخَرُ غَيْرُهُ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثَ، وَيَجْرِي سَائِرُ أَحْكَامِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْغَصْبِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ فَقَدْ اكْتَفَتْ الْمَجَلَّةُ بِذَكَرِ مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِغَاصِبِ الْغَاصِبِ. (مَادَّةُ 910) - (غَاصِبُ الْغَاصِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فَإِذَا غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلَفَ فِي يَدِهِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْغَاصِبَ الثَّانِي وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ مِقْدَارًا مِنْهُ الْأَوَّلُ وَالْمِقْدَارَ الْآخَرَ الثَّانِي. وَبِتَقْدِيرِ تَضْمِينِهِ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ فَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهُ الثَّانِي فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ) . إنَّ غَاصِبَ الْغَاصِبِ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَالضَّمَانِ هُوَ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ نَفْسِهِ. أَيْ كَمَا أَنَّ الْغَاصِبَ مَسْئُولٌ تُجَاهَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ الْغَصْبِ فَغَاصِبُ الْغَاصِبِ مَسْئُولٌ أَيْضًا تُجَاهَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ مَسْئُولٌ وَمُؤَاخَذٌ تُجَاهَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ. الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ: لَكِنْ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الضَّمَانَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَأَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ قِيمَتِهِ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ ضَمَّنَهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (891) قِيمَتَهُ فِي زَمَانِ الْغَصْبِ وَمَكَانِهِ.
أَمَّا إذَا أَرَادَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الثَّانِي ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَقْتَ غَصْبِهِ إيَّاهُ مِنْ الْغَاصِبِ وَقَبَضَهُ مِنْهُ. وَلَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَقْتَ غَصْبِ وَقَبْضِ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ. وَقَدْ صَارَ إيضَاحُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (903) . مَثَلًا لَوْ غَصَبَ الْغَاصِبُ مَالًا فِي مُحَرَّمٍ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةَ قِرْشٍ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ فِي صَفَرٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسِينَ قِرْشًا فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَاصِبًا لِلْغَاصِبِ وَيَكُونُ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا إذَا تَلَفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ يَعْنِي خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا وَالثَّمَنُ لِلْغَاصِبِ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي خَمْسِينَ قِرْشًا. وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ لِلْغَاصِبِ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ قِيمَتِهِ. وَقَدْ وُضِّحَتْ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ هَذِهِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (90)(الْهِنْدِيَّةُ) . كَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ أَحَدٌ فَرَسًا لِآخَرَ يُسَاوِي أَلْفَ قِرْشٍ فَصَعَدَ قِيمَتَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إلَى أَلْفَيْ قِرْشٍ فَأَتْلَفَهَا آخَرُ حِينَئِذٍ كَانَ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ أَلْفَ قِرْشٍ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَفِي هَذِهِ
الصُّورَةِ لِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتْلِفَ أَلْفَيْ قِرْشٍ. لَكِنَّ الْأَلْفَ الزَّائِدَةَ يَتَصَدَّقُ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ حَلَالٍ لِلطَّرَفَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُتْلِفَ أَلْفَيْ قِرْشٍ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْإِتْلَافِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْغَصْبِ) . بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ غَصَبَ شَخْصٌ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْغَاصِبِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلَفَ فِي يَدِهِ بِتَعَدِّيهِ أَوْ بِلَا تَعَدِّيهِ أَوْ ضَاعَ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ بَدَلَهُ يَوْمَ أَخَذَهُ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَفِي مَحِلِّهِ تَمَامًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِيَ بَدَلَهُ يَوْمَ أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَفِي مَحِلِّهِ تَمَامًا أَيْضًا. وَإِذَا أَرَادَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ تَأْدِيَةِ بَدَلِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ أَقِمْ دَعْوَاكَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ (الْبَهْجَةُ) .
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ مِقْدَارًا مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِثْلِهِ أَيْ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ قَلِيلًا مِنْ الْبَدَلِ يَوْمَ وَمَكَانَ الْغَصْبِ وَضَمَّنَ الْمِقْدَارَ الْبَاقِي أَيْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِي بَدَلَهُ يَوْمَ وَمَكَانَ غَصْبِ الْغَاصِبِ الثَّانِي إيَّاهُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِغَاصِبِ الْغَاصِبِ فِي ذِمَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَالٌ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِي. لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَاصِبَانِ، فَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لَا يَبْرَأُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ دَيْنِ الْغَاصِبِ الثَّانِي، أَمَّا إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الثَّانِي وَقَعَ التَّقَاصُّ الْجَبْرِيُّ بِدَيْنِهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ (الْخَانِيَّةُ) . إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
بِالْغَصْبِ، لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ الْغَاصِبِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ غَاصِبًا لِلْغَاصِبِ (التَّنْقِيحُ، الْبَزَّازِيَّةُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) . 2 - الْإِتْلَافُ، وَالتَّلَفُ، هَذَانِ الْقَيْدَانِ لَيْسَا احْتِرَازِيَّيْنِ. فَلَوْ أَحْدَثَ شَخْصٌ غَيْرُ الْغَاصِبِ شَيْئًا مِنْ النُّقْصَانِ فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْجَانِي أَيْ ضَمَّنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ وَلَيْسَ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَهُوَ يَرْجِعُ أَيْضًا عَلَى الْجَانِي. مِثَالٌ لِلْإِتْلَافِ: إذَا رَكِبَ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُحَرِّكْهَا وَلَمْ يُحَوِّلْهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ مَا عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَهَا عَلَى صَاحِبِهَا أَوْ امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهَا لَدَى طَلَبِهِ إيَّاهَا فَجَاءَ أَحَدٌ مَا وَعَقَرَهَا فَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الرَّاكِبِ وَالْعَاقِرِ (الْخَانِيَّةُ) .
كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ عَيْنًا فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ. وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْغَاصِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى. يَعْنِي لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ بِقَوْلِهِ إنَّ هَذَا الْمَالَ هُوَ مِلْكِي وَقَدْ غَصَبَهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَأَنْتَ غَصَبْته مِنْهُ (الْفَيْضِيَّةُ) . إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْغَاصِبِ بِبَدَلٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (1735) . تَضْمِينُ الْآخَرِ بَعْدَ اخْتِيَارِ تَضْمِينِ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ غَاصِبِ الْغَاصِبِ: 3 - إنْ شَاءَ، وَعَلَيْهِ إذَا أَخَذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَالْغَاصِبِ الثَّانِي كَانَ الْآخَرُ بَرِيئًا. وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْغَاصِبِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (651) .
وَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْصِلَ حُكْمًا عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَيَدَّعِيَ عَلَى الْآخَرِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . كَالْقَبْضِ بِالتَّرَاضِي الْقَضَاءُ لَقِيمَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَإِذَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمَا إمَّا الْمَالِكَ أَوْ غَاصِبَ الْغَاصِبِ أَوْ مُودِعُهُ بَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ) . أَمَّا الطَّرَفَانِ فَقَدْ ذَهَبَا إلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ دُونَ تَضْمِينِ الْآخَرِ مِنْهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الْآخَرِ أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى بَرِئَ هَذَا الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْأَوَّلِ وَيَلْحَقُ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَاكِمِ. مَثَلًا إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ كُلَّ الْمَغْصُوبِ وَوَافَقَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ بَرِئَ الْغَاصِبُ الثَّانِي بِالْكُلِّيَّةِ وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ نِصْفَ الْمَغْصُوبِ وَوَافَقَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ بَرِئَ الْغَاصِبُ الثَّانِي مِنْ هَذَا النِّصْفِ فَقَطْ. وَعَلَيْهِ لَوْ تُوُفِّيَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ مُفْلِسًا أَوْ صَارَ مُعْدَمًا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مُؤَاخَذَةُ الْغَاصِبِ الثَّانِي لِأَنَّ تَضْمِينَ الْكُلِّ تَمْلِيكُ الضَّامِنِ الْمَغْصُوبَ كُلَّهُ وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَئِذٍ تَمْلِيكُ غَيْرِهِ إيَّاهُ كَمَا أَنَّ تَضْمِينَ الْبَعْضِ تَمْلِيكُ ذَلِكَ الْبَعْضِ أَيْضًا وَلَيْسَ لَهُ تَمْلِيكُ آخَرَ إيَّاهُ أَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلَهُ تَمْلِيكُهُ، (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْبَزَّازِيَّةُ) .
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي فَلَا يَحْرُمُ هَذَا الِاخْتِيَارُ وَالْمُوَافَقَةُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِنْ حَقِّ تَضْمِينِ الْآخَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي عَشَرَ) . وَلَمْ يَرِدْ فِي الْمَجَلَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِهَا أَحَدَ الْمَذْهَبَيْنِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
اسْتِثْنَاءٌ: تُسْتَثْنَى ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الِاخْتِيَارِ الَّذِي جُعِلَ فِي الْمَجَلَّةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَالُ الْوَقْفِ، إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مَالَ وَقْفٍ يَجِبُ تَضْمِينُ مَنْ كَانَ تَضْمِينُهُ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَالْغَاصِبِ الثَّانِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ.
مَثَلًا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مَالَ الْوَقْفِ فِي مُحَرَّمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ قِرْشًا ثُمَّ غَصَبَهُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي صَفَرٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةُ قِرْشٍ فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ الثَّانِي مَلِيئًا وَغَنِيًّا فَكَمَا أَنَّ تَضْمِينَهُ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ بِتَضْمِينِهِ مِائَةَ قِرْشٍ فَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ لَهُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ تَضْمِينُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الْغَاصِبِ الثَّانِي كَانَ الْمُتَوَلِّي مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ قِرْشًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِي مِائَةَ قِرْشٍ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ وَتَضْمِينَ الْغَاصِبِ الثَّانِي أَنْفَعُ لِلْمَوْقُوفِ لَهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (58) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ صَبَّ أَحَدٌ مَاءً عَلَى بَيْدَرِ قَمْحٍ لِآخَرَ فَأَوْرَثَهُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي الْقِيمَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ صَبَّ شَخْصٌ آخَرُ الْمَاءَ عَلَى الْبَيْدَرِ الْمَذْكُورِ فَازْدَادَ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ كَانَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ. وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ الثَّانِي قِيمَتَهُ يَوْمَ صَبِّهِ الْمَاءَ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُمْكِنُهُ إرْجَاعُهُ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى أَيْ إرْجَاعُهُ إلَى حَالَتِهِ عِنْدَ صَبِّ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ الْمَاءَ عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ هَشَّمَ أَحَدٌ إبْرِيقًا لِآخَرَ مَصْنُوعًا مِنْ الْفِضَّةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَشَّمَهُ شَخْصٌ آخَرُ أَيْضًا بَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ الضَّمَانِ وَيَضْمَنُ الثَّانِي حَصْرًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
3 -
تَضْمِينٌ، قَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ الْأُولَى أَنَّ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَرْقًا.
4 -
مِقْدَارُهُ، بِمَا أَنَّ لَفْظَ الْمِقْدَارِ قَدْ ذُكِرَ مُطْلَقًا يَشْمَلُ الْمَقَادِيرَ كُلَّهَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ. وَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالِكًا بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ (عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 891) رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ اثْنَانِ ثَوْرًا وَاسْتَهْلَكَاهُ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ أَحَدَهُمَا إيَّاهُ.
وَعَلَى هَذَا الْحَالِ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِهِ (أَسِيرِيَّةٌ فِي الْغَصْبِ) . رَاجِعْ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (891) مَسْأَلَةَ إذَا قَالَ الْغَاصِبُ فِي إقْرَارِهِ. . . أَمَّا إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الثَّانِي فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ الْمَذْكُورِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَيْ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي (الْبَزَّازِيَّةُ) : كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِأَحَدٍ حِنْطَةٌ صَيْفِيَّةٌ فِي مَكَان وَحِنْطَةٌ شَتْوِيَّةٌ فِي آخَرَ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ لِأَخِيهِ: (أَعْطِ حَرَّاثِي حِنْطَةً شَتْوِيَّةً) فَأَعْطَى أَخُوهُ الْحَرَّاثَ خَطَأً حِنْطَةً صَيْفِيَّةً ثُمَّ أَرْسَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ ابْنَهُ مَعَ الْحَرَّاثِ لِنَقْلِ الْحِنْطَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْمَزْرَعَةِ وَنَقَلَ الْمَذْكُورَانِ الْحِنْطَةَ وَزَرَعَهَا الْحَرَّاثُ وَلَمْ تُنْبِتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا صَيْفِيَّةٌ فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ إنْ شَاءَ تَضْمِينُ أَخِيهِ الَّذِي هُوَ الْغَاصِبُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ ابْنَهُ أَوْ حَرَّاثَهُ الَّذِي هُوَ غَاصِبُ الْغَاصِب. تُسْتَخْرَجُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْعُقُودِ السِّتَّةِ: الْبَيْعِ، وَالْإِيجَارِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالْإِيدَاعِ، وَإِعَارَةِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ لِآخَرَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: - الْبَيْعُ: لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَيْنًا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ شَرَائِطُ الْإِجَازَةِ مَوْجُودَةً، وَلَا يَمْنَعُ تَلَفُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الْإِجَازَةَ. فَإِذَا أَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَعْدَ تَلَفِ الثَّمَنِ جَازَ أَيْضًا وَيَكُونُ ثَمَنُ الْمَغْصُوبِ قَدْ تَلَفَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اعْتِبَارًا لِلْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ) .
وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَيْنًا. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بَدَلَهُ لِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1635) . أَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمَبِيعُ لِلسَّابِقِ جَائِزًا، وَيَمْلِكُ الْغَاصِبُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (891) الْمَالَ الْمَغْصُوبَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الْعُقُودَ الَّتِي أَعْطَاهَا لِلْغَاصِبِ.
وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا لَوْ ضَمِنَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَبْلَغًا أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ (الْبَزَّازِيَّةُ وَالتَّنْقِيحُ) . أَمَّا بَيْعُ الْغَاصِبِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ) . إنَّ حَقَّ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَحَقَّ أَخْذِ الثَّمَنِ عَائِدَانِ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ هَذَيْنِ الْحَقَّيْنِ. فَعَلَيْهِ لَوْ بَاعَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ وَأَخَذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَأَجَازَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ الْبَيْعَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ. لِأَنَّ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَالِكٍ وَغَيْرُ نَائِبٍ لِلْمَالِكِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ) .
فَائِدَةٌ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي إجَازَةِ الْغَاصِبِ وُجُودُ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْمُخَاصَمَةِ؟ إنَّ الْمُخَاصَمَةَ وَالِادِّعَاءَ اللَّذَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ طَرَفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مُوجِبَانِ لِفَسْخِ الْعَقْدِ عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهُمَا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى غَيْرُ مُوجِبَيْنِ لِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ بِالنَّظَرِ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وُقُوعُ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْمُخَاصَمَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْغَصْبِ) .
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ (638) أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ قَدْ قَبِلَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ. 2 - إيجَارٌ: إذَا أَجَّرَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ وَكَانَ الْمَأْجُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَيْنًا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ أَجَازَ، إنْ كَانَتْ شَرَائِطُ الْإِجَازَةِ مَوْجُودَةً، وَأَخَذَ بَدَلَ الْإِيجَارِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (447) . وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ وَاسْتَرَدَّ الْمَأْجُورَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) . وَهَلْ يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (1635) قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ بَعْدَهُ مُسْتَهْلَكًا بِإِيجَارِهِ لِآخَرَ وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؟ وَإِذَا تَلَفَ الْمَأْجُورُ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. إلَّا إذَا كَانَ تَلَفَ الْمَأْجُورُ بِتَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ تَقْصِيرِهِ اُنْظُرْ الْمَوَادَّ (600 و 601 و 602) . وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُنْظَرُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ غَاصِبٌ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ عَلَى مُؤَجِّرِهِ. وَوُجُودُ حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمَجَلَّةِ (لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّ رُجُوعَ الْمُسْتَأْجِرِ بِسَبَبِ ضَمَانِ التَّغْرِيرِ وَلَيْسَ بِسَبَبِ ضَمَانِ الْغَصْبِ. وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ غَاصِبٌ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (658) وَشَرْحَهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ، وَأَبُو السُّعُودِ) .
3 -
الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ: لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ عَيْنًا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْهِبَةَ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ بَدَلَهُ لِلْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَسْلِيمَهُ لِآخَرَ اسْتِهْلَاكٌ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1635)(الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ الْهِبَةِ) . وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ. لِأَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ قَدْ كَانَ لِنَفْسِهِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658)(رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا. 4 - الرَّهْنُ: إذَا رَهَنَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ مُقَابِلَ دَيْنِهِ عِنْدَ آخَرَ كَانَ ذَلِكَ الْآخَرُ غَاصِبًا لِلْغَاصِبِ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَجَازَ الرَّهْنَ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الرَّهْنُ الْوَاقِعُ رَهْنًا مُسْتَعَارًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهَنِ. (وَهَلْ يَلْزَمُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَيْضًا بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1635) بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ الْمَغْصُوبَ بِرَهْنِهِ عِنْدَ آخَرَ وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ؟) وَإِذَا تَلَفَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهَنِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ. لِأَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَرْهُونَ هُوَ لِلْغَاصِبِ. مَثَلًا لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ خَاتَمًا لِآخَرَ تَغَلُّبًا وَرَهَنَهُ عِنْدَ دَائِنِهِ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ وَبَعْدَ أَنْ رَهَنَهُ عِنْدَ دَائِنِهِ ضَاعَ مِنْ يَدِ الدَّائِنِ أَوْ تَلَفَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ صَاحِبَ الْخَاتَمِ، فَلَهُ تَضْمِينُ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَقَطْ أَوْ تَضْمِينُ الدَّائِنِ فَقَطْ أَوْ تَضْمِينُهُمَا إيَّاهُ مُنَاصَفَةً. وَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الدَّائِنِ (الْبَهْجَةُ) . وَتَلَفُ الرَّهْنِ مُوجِبٌ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ. وَإِذَا ضَمِنَ الدَّائِنُ يَعْنِي الْمُرْتَهِنُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى غَاصِبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتْلَفَ الْمُرْتَهَنُ ذَلِكَ الْخَاتَمَ بِتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ. لَكِنَّ إمْكَانَ رُجُوعِ الْمُرْتَهَنِ عَلَى الْغَاصِبِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الرَّاهِنَ غَاصِبٌ وَالْمَرْهُونَ مَغْصُوبٌ.
أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَارْتَهَنَ فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . 5 - إيدَاعٌ: لَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ عِنْدَ آخَرَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَكَانَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الْإِيدَاعِ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ أَجَازَ الْإِيدَاعَ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَخْرُجُ الْغَاصِبُ مِنْ الْوَسَطِ. وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ. وَهَلْ يَكُونُ لَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَةَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ غَصْبِهِ بَعْدَهُ مُسْتَهْلِكًا الْمَغْصُوبَ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَ آخَرَ وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (635) . وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ. فَإِذَا ضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَإِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658)(رَدُّ الْمُحْتَارِ) إلَّا أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَوْدَعُ كَأَنْ أَتْلَفَ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلِلْغَاصِبِ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ (الْبَزَّازِيَّةُ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (787) . 6 - الْإِعَارَةُ: لَوْ أَعَارَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَكَانَ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ. فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ أَجَازَ الْإِعَارَةَ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَخْرُجُ الْغَاصِبُ مِنْ الْوَسَطِ. وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ. وَلَهُ تَضْمِينُ بَدَلِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ غَصْبِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (1635) بَعْدَهُ مُسْتَهْلِكًا بِإِعَارَتِهِ وَتَسْلِيمِهِ. إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ. لِأَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الشَّخْصِ هُوَ لِنَفْسِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) . غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ بِالتَّعَدِّي كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ يَعْنِي إذَا ضَمِنَ صَاحِبُ الْمَالِ الْغَاصِبَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا (البزارية) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (814) .