الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ الثَّامِنُ الْغَصْبُ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَيَّنَ الشَّرَائِعَ بِنَبِيِّهِ الْمُخْتَارِ وَزَيَّنَ الدِّينَ بِإِنْزَالِ مُحْكَمِ كِتَابِهِ عَلَيْهِ وَأَنَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - الْأَخْيَارِ وَأَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاغْفِرْ لِعَبْدِك وَلِعِبَادِك الْمُؤْمِنِينَ يَا غَفَّارُ الْكِتَابُ الثَّامِنُ
يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَ الثَّامِنَ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةَ عَشَرَ الَّتِي تَنْقَسِمُ الْمَجَلَّةُ إلَيْهَا هُوَ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَبَابَيْنِ وَسَيَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ تَحْتَ عُنْوَانِ كِتَابِ الْغَصْبِ مَعَ بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي تَأْتِي تَحْتَ عُنْوَانِي (فَصْلٌ فِيمَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ) و (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا) فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَمَعَ كَوْنِهِ ذَكَرَ فِي الْعِنْوَانِ الْأَخِيرِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْبَهِيمَةِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَذْكُرْ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ وَتَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ سَنَذْكُرُ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْغَصْبِ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ (بَعْضَ) أَنَّ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمَقْصُودَةَ هِيَ الِاصْطِلَاحَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كِتَابِ الْمَجَلَّةِ هَذَا وَلَيْسَ كُلُّ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْغَصْبِ.
(الْمَادَّةُ 881) - (الْغَصْبُ هُوَ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ وَضَبْطُهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَيُقَالُ لِلْآخِذِ غَاصِبٌ وَلِلْمَالِ الْمَضْبُوطِ مَغْصُوبٌ وَلِصَاحِبِهِ مَغْصُوبٌ مِنْهُ) . الْغَصْبُ: لُغَةً هُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِطَرِيقِ التَّغَلُّبِ لِأَجْلِ الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُتَقَوِّمًا أَمْ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فَعَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ لُغَةً أَنْ يُقَالَ غَصَبْتُ فَرَسَ فُلَانٍ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ غَصَبْتُ زِوَجَةَ فُلَانٍ. وَلَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ الْآتِي أَخَصَّ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فَاسْتِعْمَالُ الْغَصْبِ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ الْآتِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ نَقْلِ اسْمِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ. وَمَعْنَى الْغَصْبِ: شَرْعًا أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ وَضَبْطُهُ الْمُتَقَوِّمُ وَالْمُحْتَرَمُ عَلَى سَبِيلِ الْجَهْرِ بِفِعْلٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ الْمُحَقَّةَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ يَقْصُرُهَا وَيُثْبِتُ يَدَهُ الْمُبْطَلَةَ بِدُونِ إذْنِهِ أَوْ إذْنِ الشَّرْعِ أَيْ بِطَرِيقِ التَّغَلُّبِ وَيُقَالُ لِلْآخِذِ غَاصِبٌ وَلِلْمَالِ الْمَضْبُوطِ مَغْصُوبٌ أَوْ غَصْبٌ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ مَغْصُوبٌ مِنْهُ وَجَمْعُ غَاصِبٍ غُصَّابٌ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْوِقَايَةُ وَنَتَائِجُ الْأَفْكَارِ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ.
1 -
إنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ عَامٌّ وَيُسْتَفَادُ مِنْ عُمُومِيَّتِهِ أَنَّهُ كَمَا يُعَدُّ أَخْذُ الْأَجْنَبِيِّ غَصْبًا يُعَدُّ أَخْذُ الْقَرِيبِ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَوَالشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ غَصْبًا أَيْضًا.
مَثَلًا لَوْ أَخَذَ وَضَبَطَ أَحَدٌ مَالَ أَبِيهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِدُونِ إذْنِهِمَا يَكُونُ غَاصِبًا.
فَلَوْ كَانَ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاسْتَعْمَلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْمَالَ فِي الْخُصُوصَاتِ الَّتِي لَا يُؤْذَنُ لَهُ بِهَا شَرْعًا كَانَ غَاصِبًا أَيْضًا كَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ الْمُشْتَرَكَ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ كَانَ الرُّكُوبُ الْمَذْكُورُ غَصْبًا وَالرَّاكِبُ غَاصِبًا (الْقُهُسْتَانِيُّ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1080) كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ فِي الدَّابَّةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ أَحَدٍ وَسَلَّمَهَا لَهُ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ كَانَ ضَامِنًا حِصَّةَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
2 -
الشَّرْعُ، إذَا لَمْ يَكُنْ إذْنٌ صَرِيحٌ لِصَاحِبِهِ فَالْأَخْذُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَيْسَ بِغَصْبٍ. وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ
هُنَا الْقَيْدُ فِي الْمَجَلَّةِ إلَّا أَنَّ إذْنَ الشَّرْعِ فِي حُكْمِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ.
وَإِذَا عُمِّمَ الْإِذْنُ الْوَاقِعُ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى الْإِذْنِ حَقِيقَةً وَالْإِذْنِ حُكْمًا فَيُسْتَفَادُ مَعْنَى هَذَا الْقَيْدِ مِنْ التَّعْرِيفِ أَيْضًا.
فَلِذَلِكَ الْأَخْذُ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الذِّكْرِ لَيْسَ بِغَصْبٍ لِحُصُولِهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ.
أَوَّلًا، إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَخْذُ مَالِ وَلَدِهِ الَّذِي مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ الْأَبُ غَاصِبًا بِهَذَا الْأَخْذِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَأَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (الْفَيْضِيَّةُ، وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (9 79) .
ثَانِيًا، إذَا ظَفِرَ الدَّائِنُ بِمَالِ الْمَدْيُونِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ بِقَصْدِ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ وَلَا يُعَدُّ الدَّائِنُ بِأَخْذِهِ هَذَا غَاصِبًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَدْيُونُ مُقِرًّا أَمْ مُنْكِرًا وَسَوَاءٌ أَكَانَ لِلْآخِذِ بَيِّنَةٌ فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ أَمْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى إنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ اسْتَرَدَّ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الدَّائِنِ جَبْرًا كَانَ غَاصِبًا.
لَكِنْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَخْذُ مَالِ الْمَدْيُونِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ بِلَا إذْنِهِ بِقَصْدِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا كَانَ لِلدَّائِنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ دَيْنًا فَأَخَذَ فَرَسًا لِلْمَدْيُونِ تُسَاوِي قِيمَةَ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِلَا إذْنِهِ كَانَ غَاصِبًا إلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ قَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِلَا إذْنِ الْمَدْيُونِ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ عَشْرَةَ الدَّنَانِيرَ دَرَاهِمَ أَيْ فِضِّيَّةً بِقِيمَتِهَا اسْتِحْسَانًا كَمَا أَنَّ لَهُ أَخْذَ الدَّنَانِيرِ فِي مُقَابِلِ الدَّرَاهِمِ وَاجْتِهَادُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا (الْبَحْرُ فِي الدَّعْوَى وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) .
ثَالِثًا، إذَا كَانَ لِأَحَدٍ عَلَى آخَرَ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ فَأَخَذَ شَخْصٌ مِنْ الْمَدْيُونِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهَا إلَى الدَّائِنِ بِقَصْدِ الْمُسَاعَدَةِ لَهُ فَلِكَوْنِ الْآخِذِ مُعِينًا عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَلَا يَكُونُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ غَاصِبًا وَضَامِنًا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ (الْبَحْرُ فِي الدَّعْوَى وَالْخَانِيَّةُ) .
رَابِعًا، مَنْ تُوُفِّيَ مَدْيُونًا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ لِأَحَدٍ فَلَوْ أَخَذَ دَائِنُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ شَخْصٍ مَدْيُونٍ فَلِلْمُتَوَفَّى بِمِثْلِهَا يَقْصِدُ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ أَخْذَ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ.
وَمَا أَخَذَهُ مَضْمُونٌ فَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِالدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) .
3 -
بِدُونِ إذْنِهِ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِذْنِ الْمَنْفِيِّ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً يَعْنِي يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ أَذِنَ لِصَاحِبِ الْمَالِ بِأَخْذِ الْمَالِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ.
لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَكُونُ مُبْطَلَةً مَا لَمْ يَكُنْ الْآخِذُ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ يَخْرُجُ بِهَذَا التَّعْبِيرِ أَوَّلًا، الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ اللَّتَانِ تُؤْخَذَانِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي هَاتَيْنِ إزَالَةُ يَدٍ مُحَقَّةٍ عَنْ الْمَالِ الْمَنْقُولِ الْمُتَقَوِّمِ الْمُحْتَرَمِ فَهُوَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَ فِيهَا إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطَلَةٍ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَكَذَا أَخْذُ الرَّهْنِ، وَالْهِبَةِ، وَالْمَبِيعِ، وَالْمَأْجُورِ، وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَمَالِ الشَّرِكَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُسْتَنِدٌ إلَى عَقْدٍ مَشْرُوعٍ.
ثَانِيًا - وَمَا يُؤْخَذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ دَلَالَةً فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ يَخْرُجُ أَيْضًا مِنْ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ
دَلَالَةً كَالْإِذْنِ صَرَاحَةً كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (2 77) . وَمَا لَمْ يَقَعْ تَصْرِيحٌ يُخَالِفُ الْإِذْنَ الثَّابِتَ دَلَالَةً فَذَلِكَ الْإِذْنُ دَلَالَةً وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا غَابَ أَحَدُ أَصْحَابِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1080) وَاسْتَعْمَلَهُ صَاحِبُ الْحِصَّةِ الْحَاضِرُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَتَحْمِيلِهِ حِمْلًا وَحِرَاثَةِ الْأَرَاضِي بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِحِصَّةِ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَنَّ لِلْغَائِبِ فِي هَذَا رِضًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ دَارًا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَشَرِبَ مِنْ كَأْسٍ مَوْجُودٍ هُنَاكَ فَوَقَعَ وَهُوَ يَشْرَبُ بِهِ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَ فَبِمَا أَنَّهُ يُوجَدُ إذْنُ دَلَالَةٍ بِالشُّرْبِ بِالْكَأْسِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْخَانِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ آخَرَ لِلْمَرْعَى لِإِحْضَارِ دَوَابِّهِ مِنْهُ فَأَخَذَ الرَّسُولُ فَرَسَ الْمُرْسِلِ وَرَكِبَهُ وَذَهَبَ إلَى الْمَرْعَى وَتَلِفَ الْفَرَسُ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْمُرْسِلِ كُلْفَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِلَّا كَانَ ضَامِنًا (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْغَصْبِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشْرَ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ نَسِيَ الضَّيْفُ عِنْدَ سَفَرِهِ شَيْئًا فِي بَيْتِ مُضِيفِهِ فَلَحِقَهُ الْمُضِيفُ بِالْأَشْيَاءِ الْمَتْرُوكَةِ فَاغْتَصَبَهَا مِنْهُ غَاصِبٌ فَإِذَا كَانَ الْغَصْبُ فِي دَاخِلِ الْمَدِينَةِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُضِيفُ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. أَمَّا إذَا اُغْتُصِبَ مِنْهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَيَضْمَنُ الْمُضِيفُ بَدَلَهَا لِضَيْفِهِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْغَصْبِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشْرَ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - لَوْ خَبَزَتْ الْمَرْأَةُ الدَّقِيقَ الَّذِي أَحْضَرَهُ زَوْجُهَا خُبْزًا بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ مِنْهُ أَوْ طَبَخَتْ اللَّحْمَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِلَا أَمْرٍ صَرِيحٍ أَيْضًا كَانَ الْخُبْزُ وَالطَّعَامُ لِلزَّوْجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أُجْرَةٌ فِي مُقَابِلِ عَمَلِهَا (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) وَلَا يُقَالُ إنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ ذَلِكَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (899) بِتَغَيُّرِ اسْمِ الدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ كَانَتْ مَأْذُونَةً دَلَالَةً بِصُنْعِ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - لِلْأَبِ إذَا مَرِضَ ابْنُهُ وَالِابْنِ إذَا مَرِضَ أَبُوهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مَالِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِهِ الْأَشْيَاءَ اللَّازِمَةَ لِلْمَرِيضِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ بِاعْتِبَارِ الْعَامَّةِ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالدَّوَاءِ فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ كَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ أَحَدُ رُفَقَاءِ السَّفَرِ فِي الطَّرِيقِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقُونَ لِلْمَرِيضِ مَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الرَّفِيقَ بِالسَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - لَوْ أَنْفَقَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي صَحْرَاءَ عَلَى الْأَشْخَاصِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَادَّةِ (799) وَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِمْكَانِ أَخْذُ رَأْيِ الْقَاضِي جَازَ وَلَا يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ غَاصِبًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ - إذَا تُوُفِّيَ فِي السَّفَرِ بَعْضُ الرُّفَقَاءِ فَيَبِيعُ مَنْ بَقِيَ فِي الْحَيَاةِ مِنْهُمْ أَمْتِعَةَ الْمُتَوَفَّى وَيُجَهِّزُونَهُ وَيُكَفِّنُونَهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَيَرُدُّونَ الْبَاقِيَ إلَى وَرَثَتِهِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (96) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَسْجِدِ حَيٍّ مِنْ الْأَحْيَاءِ مُتَوَلٍّ فَاشْتَرَى أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الْحَيِّ شَيْئًا لَازِمًا لِلْمَسْجِدِ كَالْحَصِيرِ مِنْ غَلَّةِ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَضْمَنُ دِيَانَةً أَمَّا حُكْمًا فَيَضْمَنُ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ - لَوْ أَنْفَقَ الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ عَلَى الْوَرَثَةِ الصِّغَارِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ لِلصِّغَارِ أَوْصِيَاءُ فَلَا يَضْمَنُونَ دِيَانَةً - أَمَّا قَضَاءً فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ وَيَكُونُونَ مُتَبَرِّعِينَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ - إذَا كَانَ الْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِأَنَّ الْمُتَوَفَّى مَدْيُونٌ لِزَيْدٍ فَلَهُ إيفَاءُ الدَّيْنِ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ وَالْقَاضِي عَالِمِينَ بِذَلِكَ لَكِنْ يَلْزَمُ الضَّمَانُ قَضَاءً (الطَّحْطَاوِيُّ قُبَيْلَ فَصْلِ الْعَيْبِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ - اللُّقَطَةُ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (769) .
ثَالِثًا، وَيُسْتَبَانُ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ غَصْبٌ مِنْ تَعْبِيرِ بِدُونِ الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ نَقُودَ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ بِطَرِيقِ الْمِزَاحِ كَانَ ذَلِكَ غَصْبًا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (2) الْبَهْجَةُ وَهَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (890) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ الثَّوْبَ الَّذِي عَلَى السَّكْرَانِ النَّائِمِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَوْ الَّذِي تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ الْخَاتَمَ الَّذِي فِي أُصْبُعِهِ أَوَالدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي مَحْفَظَتِهِ لِأَجْلَ الْحِفْظِ مِنْ الضَّيَاعِ كَانَ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ كَانَتْ مَحْفُوظَةً لِصَاحِبِهَا أَمَّا لَوْ أَخَذَ الثَّوْبَ السَّاقِطَ فِي الطَّرِيقِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا وَضَامِنًا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (766)(الْبَزَّازِيَّةُ، وَالْخَانِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ ثِيَابَهُ فِي صُرَّةِ الْأَمْتِعَةِ الْمُودَعَةِ وَلَمَّا أَخَذَهَا الْمُودِعُ وَلَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ أَخْذِهِ هَذِهِ الصُّرَّةَ أَنَّ فِيهَا ثِيَابًا لِلْمُسْتَوْدِعِ وَتَلِفَتْ كَانَ الْمُودِعُ ضَامِنًا ثَانِيًا لِلْمُسْتَوْدِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْضَرَ مَالَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخَذَهُ جَهْلًا فَالْجَهْلُ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْأَعْذَارِ (الْبَزَّازِيَّةُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشْرَ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ بَعَثَ أَحَدٌ رَسُولًا لِيُحْضِرَ لَهُ الثِّيَابَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا لِلْقَصَّارِ فَأَعْطَاهُ الْقَصَّارُ سَهْوًا ثِيَابَ آخَرَ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَصَاحِبُ الثِّيَابِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّسُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ، أَمَّا لَوْ أَعْطَى الْقَصَّارُ ثَوْبَهُ لِلرَّسُولِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ دُكَّانَ قَزَّازٍ وَأَخَذَ كَأْسًا لِيَرَاهَا بِلَا إذْنٍ فَوَقَعَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ كَانَ ضَامِنًا (الْخَانِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: لَوْ قَادَ أَحَدٌ دَابَّةَ آخَرَ أَوْ رَأَى حَيَوَانَ آخَرَ وَهُوَ يَأْكُلُ زَرْعَهُ فَأَمْسَكَهُ وَحَبَسَهُ فَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا سَوَاءٌ أَكَانَ تَلَفُهُ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ. أَمَّا لَوْ ضَاعَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ زَرْعِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ إذَا اكْتَفَى بِإِخْرَاجِهِ مِنْ زَرْعِهِ فَقَطْ. أَمَّا لَوْ سَاقَهُ بَعِيدًا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ زَرْعِهِ كَانَ ضَامِنًا وَيَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي إخْرَاجِ الْحَيَوَانِ مِنْ زَرْعِ الْغَيْرِ أَيْضًا (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) .
الِاخْتِلَافُ فِي الْإِذْنِ: لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ تَصَرَّفَ فِي مَالٍ آخَرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ هُوَ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ذَلِكَ الِادِّعَاءَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ مَوْجُودٌ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْإِذْنُ مَثَلًا: لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَبَحَ فَرَسَ آخَرَ أَنَّهُ ذَبَحَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ الِادِّعَاءَ
كَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْأَمْرِ.
لَكِنْ إذَا تُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ أَنْ تَصَرَّفَ الزَّوْجُ فِي مَالِهَا وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ الضَّمَانَ لَازِمٌ لِتَصَرُّفِهِ بِلَا إذْنٍ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَصَرَّفَ بِالْأَمْرِ وَالْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ حَيْثُ إنَّ تَصَرُّفَاتِ الزَّوْجِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَالِ زَوْجَتِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِذْنِهَا وَيَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ لِلدَّفْعِ.
مَثَلًا: لَوْ تُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ أَنْ أَقْرَضَ نَقُودَهَا لِآخَرَ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ قَائِلِينَ إنَّك تَصَرَّفْت وَأَقْرَضْت بِلَا إذْنٍ فَأَنْتَ ضَامِنٌ وَادَّعَى الزَّوْجُ قَائِلًا إنِّي تَصَرَّفْت بِإِذْنِ زَوْجَتِي فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ وَظَاهِرُ الْحَالِ يَكْفِي لِلدَّفْعِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
4 -
الْمُتَقَوِّمُ: وَهُوَ الْمَالُ الْمُحْرَزُ الَّذِي يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا فَيَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي كَالْعُشْبِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ وَالْأَشْجَارُ الَّتِي فِي الْجِبَالِ الْمُبَاحَةِ وَمَا لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْمُسْلِمِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَعَلَيْهِ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ الْعُشْبَ النَّابِتَ بِنَفْسِهِ فِي أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا وَضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْعُشْبَ الْمَذْكُورَ مُبَاحٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (257 1) .
فَلِذَلِكَ لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ خَمْرَ مُسْلِمٍ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَيْنًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَلَا يَضْمَنُ بَدَلَهُ.
حَتَّى لَوْ كَسَرَ الْإِنَاءَ لِإِرَاقَةِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَكَانَ لَا تُمْكِنُ إرَاقَتُهُ بِدُونِ كَسْرِ الْإِنَاءِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْإِنَاءِ لَكِنْ إذَا كَانَتْ إرَاقَتُهُ مُمْكِنَةً بِلَا كَسْرِ الظَّرْفِ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الضَّمَانُ.
وَأَمَّا إتْلَافُ خَمْرِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ فَمُوجِبٌ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ يُتَقَوَّمُ فِي الشَّرِيعَةِ الْعِيسَوِيَّةِ. وَكَمَا أَنَّ الْخَمْرَ كَانَ مُتَقَوِّمًا فِي الشَّرَائِعِ الْأُولَى فَقَدْ كَانَ فِي أَوَائِلِ ظُهُورِ شَرِيعَتِنَا مُتَقَوِّمًا أَيْضًا ثُمَّ أَفْسَدَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ تَقَوُّمَهَا (الطَّحْطَاوِيُّ) أَيْ أَنَّهُ حُرِّمَ مُؤَخَّرًا بِآيَةِ {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] وَعَلَيْهِ لَوْ أَتْلَفَ غَيْرُ مُسْلِمٍ خَمْرَ غَيْرِ مُسْلِمٍ لَزِمَهُ إعْطَاءُ مِثْلِهِ لَكِنْ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُسْلِمُ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَشْتَرِي الْخَمْرَ وَلَا يَتَمَلَّكُهَا حَتَّى يُمْكِنَهُ إعْطَاؤُهَا (الْكِفَايَةُ بِتَصَرُّفِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1 1 2) .
وَالْحُكْمُ فِي الْخِنْزِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
5 -
مُحْتَرَمٌ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُحَرَّمُ وَيُمْنَعُ أَخْذُهُ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ. وَبِهَذَا يَخْرُجُ مَالُ الْحَرْبِيِّ أَيْ إذَا حَارَبَتْ جُنُودُ الْمُسْلِمِينَ جُنُودَ الْعَدُوِّ فَتَمَّتْ لَهَا الْغَلَبَةُ عَلَيْهِ وَافْتَتَحَتْ بِلَادَهُ فَبِمَا أَنَّ أَخْذَ مَا يَقَعُ فِي الْيَدِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ فِي الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ جَائِزٌ فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ الْمَذْكُورُ غَصْبًا؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً (الْعِنَايَةُ وَالْقُهُسْتَانِيُّ) .
6 -
الْمَالُ: يَخْرُجُ بِذَلِكَ أَخْذُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. وَلَا يَكُونُ أَخْذُ ذَلِكَ غَصْبًا.
مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ هَذَا:
أَوَّلًا: وَلَا يُعَدُّ غَصْبًا أَخْذُ الرَّجُلِ الْحُرَّ، وَالْجِيفَةَ، يَعْنِي الدَّابَّةَ الَّتِي تَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهَا وَحَبَّةً، مِنْ الْحِنْطَةِ وَقَطْرَةً، مِنْ مَاءٍ وَمِلْءَ، كَفٍّ مِنْ تُرَابٍ. وَأَخْذُ هَؤُلَاءِ قَدْ بَقِيَ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ.
ثَانِيًا: لَوْ كَسَرَ أَحَدٌ جَوْزًا لِآخَرَ أَوْ بَيْضًا لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ دَاخِلَهَا فَاسِدٌ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ لَيْسَ مَالًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) كَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أَحَدٌ وَهُوَ يَذْبَحُ لِآخَرَ شَاةً التَّسْمِيَةَ عَمْدًا وَأَتْلَفَهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَضْمَنُ (الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْغَصْبِ) .
ثَالِثًا: لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ آخَرَ حُرًّا فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِسَبَبٍ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ ضَمَانُ الدِّيَةِ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَغْصُوبُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَلَيْسَ بِصَالِحٍ لِلتَّمْلِيكِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشْرَ مِنْ الْغَصْبِ) كَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ صِفَةٌ غَيْرُ، مُتَقَوِّمَةٍ وَمُحَرَّمَةٌ فِي الْمَالِ الْمُتْلَفِ وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْمَالِ مَضْمُونًا فَتَكُونُ تِلْكَ الصِّفَةُ الْمُحَرَّمَةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ كَبْشَ آخَرَ النَّطُوحَ أَوْ دِيَكَةَ الْمُقَاتِلِ وَأَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُ نَفْسَ الْكَبْشِ وَالدِّيكِ وَلَا يَضْمَنُهُ بِصِفَتِهِ. نَطُوحًا أَوْ مُقَاتِلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً بَلْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً وَغَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ.
كَذَلِكَ لَوْ هَدَمَ أَحَدٌ حَائِطًا لِآخَرَ مَصْبُوغًا وَمَرْسُومًا عَلَيْهِ صُوَرُ التَّمَاثِيلِ ذَوِي الْأَرْوَاحِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْحَائِطِ مَصْبُوغًا غَيْرَ مُصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ تَمَاثِيلَ كَهَذِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ مِثْلِهَا فِي الدَّارِ. لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّمَاثِيلِ رُءُوسٌ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مُصَوَّرَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْغَصْبِ) .
رَابِعًا: وَيَخْرُجُ بِتَعْبِيرِ الْمَالِ الْمَنْفَعَةُ (الطَّحْطَاوِيُّ) إذْ قَدْ بُيِّنَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ الْمَبَاحِثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِغَصْبِ الْمَنْفَعَةِ.
لَكِنْ لَوْ غَصَبَ الْمُسْلِمُ مَوْقُوذَةَ الْمَجُوسِيِّ وَأَتْلَفَهَا كَانَ ضَامِنًا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشْرَ مِنْ الْغَصْبِ) .
خَامِسًا: لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ حَبَّةً وَاحِدَةً مِنْ الْحِنْطَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوْ كَسَرَ أَحَدٌ بَيْضًا لِآخَرَ أَوْ جَوْزًا لَهُ فَظَهَرَ أَنَّ دَاخِلَهُ فَاسِدٌ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ (الْهِنْدِيَّةُ) .
سَادِسًا: لَوْ غَصَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَحَدٍ حَبَّةَ حِنْطَةٍ وَبَلَغَ الْمَغْصُوبُ كَيْلَةَ حِنْطَةٍ فَإِذَا ادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مَعًا فَيُضَمِّنُهُمْ. أَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِمُفْرَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَعَلَى ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (630 1)(الْخَانِيَّةُ) .
سَابِعًا: إذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِنْ أَرْضِ آخَرَ تُرَابًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا كَانَ لَيْسَ لِذَلِكَ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَمْ تَنْقُصْ بِأَخْذِهِ قِيمَةُ الْأَرْضِ (الْخَانِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) .
7 -
عَلَى سَبِيلِ الْجَهْرِ: وَتَخْرُجُ السَّرِقَةُ بِهَذَا الْقَيْدِ مِنْ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَصْبِ الْجِهَارُ وَفِي السَّرِقَةِ الِاسْتِسْرَارُ فَلِذَلِكَ لَزِمَ عِلَاوَةُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ لِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مِنْ أَغْيَارِ الْغَصْبِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ بَعْدَ الْهَلَاكِ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ مِقْدَارٌ مِنْ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ بَعْدَ الْهَلَاكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَهُوَ مَضْمُونٌ وَلَا
يَجُوزُ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ دُخُولُ السَّرِقَةِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ قَيْدُ: عَلَى سَبِيلِ الْجَهْرِ ضَرُورِيًّا لَا بُدَّ مِنْهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْقُهُسْتَانِيُّ) .
8 -
الْأَخْذُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةً مَصْدَرٌ بِمَعْنَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ وَضَمِّهِ لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ إمَّا بِالتَّنَاوُلِ وَإِمَّا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. الْأَخْذُ: شَرْعًا هُوَ أَنْ يَتْبَعَ الْمَأْخُوذُ لِيَدِ الْآخِذِ أَيْ يَكُونُ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مُبْطَلَةٍ فَلِذَلِكَ يَنْصَرِفُ الْأَخْذُ لِلْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتْبَعُ يَدَ الْآخِذِ هُوَ الْمَنْقُولُ (الْعَيْنِيُّ) .
أَمَّا الْغَصْبُ فِي الْعَقَارِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ فَعَلَيْهِ يَدُلُّ هَذَا التَّعْرِيفُ أَنَّ الْغَصْبَ يَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ بِدُونِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ فِي الْعَقَارِ بِسَبَبِ عَدَمِ إمْكَانِ نَقْلِهِ مِنْ مَحِلٍّ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
فَلِذَلِكَ إذَا رَكِبَ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ حَيَوَانَ الْآخَرِ الْوَاقِفَ فِي مَكَان وَنَزَلَ عَنْهُ بِدُونِ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ مِنْ مَكَانِهِ أَوْ يُحَوِّلَهُ أَوْ يُحَرِّكَهُ وَتَرَكَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَهُوَ رَاكِبٌ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ حَسَبَ الْمَادَّةِ (912) .
كَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَنْقُولِ فَيَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ بِالتَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَانِيَّةُ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) كَذَلِكَ لَوْ جَلَسَ أَحَدٌ عَلَى بِسَاطِ الْآخَرِ الْمَفْرُوشِ بِدُونِ إذْنٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ فَهُوَ لَيْسَ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَقَدْ قَيَّدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْعَقَارِ تَعْبِيرَ الْمَالِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ بِالْمَالِ الْقَابِلِ النَّقْلِ، وَتَرْكُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَجَلَّةِ كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ آنِفًا نَاشِئٌ عَنْ كَوْنِهِ مَفْهُومًا مِنْ لَفْظِ الْآخِذِ (التَّنْوِيرُ) .
تَقْسِيمُ الْأَخْذِ: الْأَخْذُ قِسْمَانِ:
الْأَوَّلُ: الْأَخْذُ الْحَقِيقِيُّ وَهَذَا يَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ يَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَخْذُ الْحُكْمِيُّ كَإِنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ يَأْخُذُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَقْتَ الْأَخْذِ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ وَدِيعَةً إلَى زَمَنِ الْإِنْكَارِ وَبَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ مَغْصُوبَةً وَمَأْخُوذَةً بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ حُكْمًا.
هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا الْمُسْتَوْدَعُ وَقْتَ الْإِنْكَارِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا أَمَّا إذَا نَقَلَهَا وَحَوَّلَهَا بَعْدَ الْإِنْكَارِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَخْذُ حَقِيقِيًّا وَاسْتِعْمَالُ الدَّابَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِيَدِ مَالِكٍ أَوْ ضَرْبُ يَدِ آخَرَ وَإِطَارَةُ الطَّيْرِ مِنْ يَدِهِ أَوْ إسْقَاطُ اللُّؤْلُؤِ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ فَحُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ قَبِيلِ أَخْذِ الْحُكْمِ وَبِتَعْمِيمِ الْأَخْذِ عَلَى الْوَجْهِ الْآنِفِ الذِّكْرِ إلَى الْأَخْذِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ تَدْخُلُ الْمَادَّةُ (1 0 9) فِي هَذَا التَّعْرِيفِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
9 -
إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ الْمُحَقَّةِ أَوْ قَصْرُهَا: تَكُونُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ فِيمَا إذَا أُخِذَ الْمَغْصُوبُ مِنْ يَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَقَصْرُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ تَكُونُ فِيمَا إذَا أُخِذَ الْمَالُ الْمَغْصُوبُ مِنْ مُسْتَأْجَرِ صَاحِبِهِ أَوْ مُرْتَهَنِهِ أَوْ مُسْتَوْدَعِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَغْصِبُ الْوَدِيعَةَ مَثَلًا لَا يُزِيلُ يَدَ مَالِكِهِ مِنْهَا إذْ إنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَالِكِهَا
فَتْحُ الْقَدِيرِ) . لَكِنْ قَدْ قَصُرَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ قَادِرًا عَلَى أَخْذِهِ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ مَثَلًا وَمُتَمَكِّنًا فَزَالَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ وَالِاقْتِدَارُ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِغَصْبِ الْغَاصِبِ.
وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ تَكُونُ أَحْيَانَا حَقِيقَةً كَأَخْذِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ وَتَكُونُ أُخْرَى حُكْمًا كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ أَوَالْمُسْتَعِيرُ الْوَدِيعَةَ أَوَالْعَارِيَّةَ الَّتِي فِي يَدِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَزَالَ الْيَدَ الْمُحَقَّةَ حُكْمًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) وَعَدَمُ ذِكْرِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فِي الْمَجَلَّةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُسْتَفَادًا مِنْ عِبَارَةِ (بِدُونِ إذْنٍ) .
رُكْنُ الْغَصْبِ، قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي رُكْنِ الْغَصْبِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ. فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ فَقَطْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فَقَطْ وَلْنُوَضِّحْ الْآنَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَيُلَاحَظُ فِي الْغَصْبِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ.
الثَّانِي: إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ.
الثَّالِثُ: إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ بِدُونِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ.
فَالْأَخْذُ إنَّمَا يَكُونُ غَصْبًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَعْنِي أَنَّ رُكْنَ الْغَصْبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ. فَعَلَيْهِ يَلْزَمُ فِي الْغَصْبِ أَمْرَانِ:
أَوَّلُهُمَا: إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ بِفِعْلٍ وَاقِعٍ فِي عَيْنِ الْمَقْصُودِ أَيْ إزَالَةُ يَدِ وَاضِعِ الْيَدِ بِحَقٍّ يَعْنِي صَاحِبَ الْمَالِ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ.
ثَانِيهمَا: إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ أَيْ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَخْذٍ يَكُونُ فِيهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ مَعًا هُوَ غَصْبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.
مَثَلًا: لَوْ رَكِبَ أَحَدٌ دَابَّةَ آخَرَ بِلَا إذْنِهِ وَقَصَدَ إلَى جِهَةٍ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا حِمْلًا فَيَكُونُ قَدْ غَصَبَ الدَّابَّةَ الْمَذْكُورَةَ كَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ أَحَدٌ دَابَّتَهُ الْمُشْتَرَكَةَ مَعَ آخَرَ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ كَانَ غَاصِبًا وَضَامِنًا فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إزَالَةَ يَدٍ مُحَقَّةٍ وَإِثْبَاتَ يَدٍ مُبْطَلَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ، تَكُونُ بِإِزَالَةِ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مِنْ مِلْكِهِ بِفِعْلٍ وَاقِعٍ فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ آنِفًا، وَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ سَبْعُ مَسَائِلَ آتِيَةٌ مِنْ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ.
أَوَّلًا، الْمَالُ الَّذِي يُرَافِقُ الْمَغْصُوبَ بِدُونِ صُنْعِ الْغَاصِبِ لَا يُعَدُّ مَغْصُوبًا.
مَثَلًا، لَوْ غَصَبَ الْغَاصِبُ فَرَسًا فَتَبِعَ الْفَرَسَ مُهْرُهَا أَوْ دَابَّةٌ أُخْرَى وَافْتَرَسَتْهُ الذِّئَابُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ التَّابِعِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمِعْرَاجِ (الْبَزَّازِيَّةُ) . هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَاصِبُ قَدْ سَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ وَفِعْلٌ مِنْ الْغَاصِبِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُهْرَ يُسَاقُ لِسَوْقِ الْفَرَسِ فَقَطْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْهِنْدِيَّةُ) .
ثَانِيًا: لَوْ أَبْعَدَ أَحَدٌ آخَرَ عَنْ مَوَاشِيهِ فَضَاعَتْ الْمَوَاشِي الْمَذْكُورَةُ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا وَضَامِنًا الْمَوَاشِي.
لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ فِي هَذَا فِعْلٌ وَصُنْعٌ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ يَدًا مُبْطَلَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
ثَالِثًا: وَيَبْقَى الْعَقَارُ عَلَى مَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (5 0 9) خَارِجًا عَنْ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ غَصْبٌ بِدُونِ إيقَاعِ الْفِعْلِ فِي الْمَحِلِّ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إيقَاعُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ مِنْ الْعَقَارِ تَكُونُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهُ.
وَلَيْسَ بِفِعْلٍ يَحْصُلُ فِي الْعَيْنِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْصُلُ فِي الْعَقَارِ إزَالَةُ الْيَدِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْإِزَالَةَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ وَاقِعٍ فِي الْعَيْنِ بَلْ تَحْصُلُ بِفِعْلٍ وَاقِعٍ عَلَى الْمَالِ (الْهِدَايَةُ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ) .
رَابِعًا، لَوْ مَنَعَ أَحَدٌ آخَرَ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَسُرِقَ بَعْضُ مَا فِيهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْ حُبِسَ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَتَلِفَتْ بَعْضُ أَمْوَالِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأَشْيَاءِ وَالْأَمْوَالِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
خَامِسًا: لَوْ رَكِبَ أَحَدٌ ظَهْرَ دَابَّةِ آخَرَ وَقَبْلَ أَنْ يُحَوِّلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا أَوْ يُحَرِّكَهَا أَوْ أَنْ يَحْصُلَ ضَرَرٌ مِنْ رُكُوبِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَعَقَرَ وَذَبَحَ تِلْكَ الدَّابَّةَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْعَاقِرِ وَلَيْسَ عَلَى الرَّاكِبِ.
سَادِسًا: لَوْ نَامَ أَحَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي فَرَشَهُ آخَرُ أَوْ جَلَسَ عَلَى الْبِسَاطِ الَّذِي بَسَطَهُ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ يَكُونُ بِنَقْلِهِ وَتَحْوِيلِهِ.
سَابِعًا: إذَا تَلِفَ بَيْدَرُ الزَّرْعِ الْحَاصِلِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَأْجُورَةِ فِي مَكَانِهِ بِمَنْعِ الْمُؤَجِّرِ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ رَفْعِهِ مِنْهَا لِعَدَمِ أَخْذِهِ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى فَلَا يَلْزَمُ الْآجِرَ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ الْبَيْدَرَ مِنْ مَكَانِهِ
ثَانِيهَا: إذَا وُجِدَتْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ بِذَلِكَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَتَكْفِي إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ أَيْ يَكْفِي فِي الْغَصْبِ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِزَالَةُ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ وَفِي الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ إزَالَةِ الْيَدِ وَقَدْ اُخْتِيرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى هَذَا الْقَوْلُ وَبُيِّنَ أَنَّ الضَّمَانَ يَدُورُ وُجُودًا وَعَدَمًا عَلَى إزَالَةِ وَقَصْرِ الْيَدِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ ثُبُوتُ يَدِ الْعُدْوَانِ وَقَدْ رُجِّحَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ لَوْ ضَرَبَ أَحَدٌ يَدَ آخَرَ وَكَانَ فِيهَا سَاعَةٌ فَسَقَطَتْ فِي الْبَحْرِ وَضَاعَتْ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ. مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَمْ يُثْبِتْ يَدًا مُبْطَلَةً عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْمَجَلَّةُ وَإِنْ لَمْ تُشِرْ إلَى اخْتِيَارِهَا أَحَدَ هَذَيْنِ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ صَرَاحَةً أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْغَصْبِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَالْأَنْسَبُ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَبُولُ بَيَانِ الْمُنْتَقَى.
الْفَرْقُ فِي النِّسَبِ الْأَرْبَعِ يُوجَدُ بَيْنَ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي الْعَيْنِ وَيُوجَدُ فِيهِمَا مَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ وَمَادَّتَا الِافْتِرَاقِ فَمَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ، فِي أَخْذِ شَيْءٍ جَهْرًا مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِلَا إذْنٍ إزَالَةُ يَدٍ مُحَقَّةٍ وَإِثْبَاتُ يَدٍ مُبْطَلَةٍ. وَالِافْتِرَاقُ فِي إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ: وَيُوجَدُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطَلَةٍ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (3 0 9) وَلَا تُوجَدُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ فِيهَا مَثَلًا لَا يُوجَدُ فِي الْمُهْرِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ وَهِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ لِكَوْنِهِ
لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمُهْرِ مُتَوَلِّدًا مِنْ فَرَسِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهُوَ مِلْكُهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1084) فَيَدُ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ تَكُونُ إثْبَاتَ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ وَيَكُونُ فِي تَبْعِيدِ الْمَالِكِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فَعَلَيْهِ لَوْ أَخَذَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ وَأَبْعَدَهُ عَنْ دَابَّتِهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ أَزَالَ يَدَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ الْمُحَقَّةِ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ يَدَهُ الْمُبْطَلَةَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ مَسَاسِهِ إيَّاهَا (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
تَوْفِيقُ الِاخْتِلَافِ:
وَقَدْ وَفَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَالزَّاهِدِيِّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ: إنَّ الْغَصْبَ قِسْمَانِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ وَإِعَادَةِ الْبَدَلِ.
وَإِزَالَةُ الْيَدِ فِي هَذَا شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ الْقِسْمُ الثَّانِي الْغَصْبُ الْمُسْتَلْزِمُ الرَّدَّ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ فِي هَذَا شَرْطٌ كَغَصْبِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ الرَّدَّ فَقَطْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالطَّحْطَاوِيُّ) .
بِمَا أَنَّهُ قَدْ صَارَ إيضَاحُ اثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ الَّتِي تُلَاحَظُ فِي الْغَصْبِ فَقَدْ جَاءَ الْآنَ الدَّوْرُ لِشَرْحِ الثَّالِثِ.
لَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فَقَطْ يَعْنِي بِدُونِ إزَالَةِ يَدٍ مُحَقَّةٍ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
أَمَّا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَقَدْ اعْتَبَرُوا إثْبَاتَ الْيَدِ الْمُبْطَلَةِ فَقَطْ وَقَالُوا بِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ بِذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ بَلْ يَكْفِي إثْبَاتُ يَدِ الْعُدْوَانِ.
ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ (الْكِفَايَةُ) فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَتْ زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (3 9) فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا إزَالَةُ يَدٍ مُحَقَّةٍ مَثَلًا، إنَّ وَلَدَ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ الْمَوْجُودِ وَهِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِثْمَارَ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ الَّتِي تَحْصُلُ وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِمَغْصُوبَةٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ يَدُهُ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَمْ يُزِلْ الْغَاصِبُ يَدَ الْمِلْكِ عَنْهَا. أَمَّا عِنْدَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً وَلَوْ تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ قَدْ أَثْبَت عَلَيْهَا يَدًا مُبْطَلَةً (نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَالزَّوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً وَتَلِفَتْ بَعْدَ الْمَنْعِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ تَسْلِيمِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ لَزِمَ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . كَذَلِكَ جُلُوسُ شَخْصٍ بِلَا إذْنٍ عَلَى فِرَاشٍ فَرَشَهُ الْمَالِكُ أَوْ النَّوْمُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِغَصْبٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجُودِ إزَالَةِ يَدٍ مُحَقَّةٍ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ ذَلِكَ الْفِرَاشُ بِدُونِ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْبَسْطَ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِ الْمَالِ وَتَبْقَى يَدُ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ مَا دَامَ أَثَرُ فِعْلِهِ مَوْجُودًا فِي الْمَالِ فَلَا يَكُونُ بِالنَّوْمِ عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ أَيْ لَا تَكُونُ أُزِيلَتْ عَنْهُ الْيَدُ الْمُحَقَّةُ أَمَّا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَقَدْ قَالُوا بِالْغَصْبِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ، الْهِنْدِيَّةُ) وَتَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْغَصْبِ الْأَسْئِلَةُ الْآتِيَةُ وَيُجَابُ عَلَيْهَا.
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ إزَالَةِ يَدٍ مُحَقَّةٍ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْغَصْبِ أَيْ كَوْنُ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحَقَّةِ عَلَيْهِ لِلضَّمَانِ مُزَيَّفًا (الْعَيْنِيُّ) وَنَذْكُرُ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا يَلِي: أَوَّلًا، غَاصِبُ الْغَاصِبِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُزِيلُ الْيَدَ الْمُحَقَّةَ أَيْ يَدَ الْمَالِكِ بَلْ يُزِيلُ الْيَدَ الَّتِي أَزَالَتْ يَدَ
الْمَالِكِ فَهُوَ ضَامِنٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ (0 1 9) .
ثَانِيًا، الْمُلْتَقِطُ: إذَا تَرَكَ الْمُلْتَقِطُ حِينَ الْأَخْذِ وَالرَّفْعِ الْإِشْهَادَ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ حَالَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يُزِلْ يَدَ أَحَدٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (769) .
ثَالِثًا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ الَّتِي أُتْلِفَتْ تَسَبُّبًا. كَمَا لَوْ حَفَرَ أَحَدٌ بِئْرًا فِي مَكَانٍ لَيْسَ لَهُ الْحَفْرُ فِيهِ فَسَقَطَ فِيهِ حَيَوَانُ أَحَدٍ وَتَلِفَ لَزِمَ الضَّمَانُ. مَعَ كَوْنِ الْغَاصِبِ لَمْ يَأْخُذْ الْحَيَوَانَ الْمَذْكُورَ حَتَّى يَكُونَ غَصْبًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (934) .
رَابِعًا، لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ الْعِجْلَ وَاسْتَهْلَكَهُ وَجَفَّ لَبَنُ الْأُمِّ لَزِمَ ضَمَانُ الْعِجْلِ مَعَ نُقْصَانِ الْأُمِّ.
وَالْحَالُ أَنَّ الْغَاصِبَ وَإِنْ لَمْ يُوقِعْ فِي الْأُمِّ فِعْلًا فَقَدْ أَوْجَبَ هَلَاكُ الْعِجْلِ النُّقْصَانَ فِي الْبَقَرَةِ (الْخَانِيَّةُ) .
خَامِسًا، لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ آخَرَ فِي الْمَفَازَةِ وَتَرَكَهُ فِيهَا مَعَ مَالِهِ وَتَلِفَ مَالُهُ لَزِمَ الْقَاتِلَ ضَمَانُ الْمَالِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَأَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشْرَ) .
الْجَوَابُ: إنَّ لُزُومَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يَكُنْ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنْ وُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمُ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يُغْصَبْ مُسَاوِيًا لِحُكْمِ الْغَصْبِ لَدَخَلَ فِي الْغَصْبِ كَجُحُودِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَخْذٌ أَوْ نَقْلٌ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1 0 9)(رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَصْبَ الْمُعَرَّفَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ يُوجِبُ الضَّمَانَ مُطَّرِدًا وَلَا مَحَالَةَ يَعْنِي لَا يَتَخَلَّفُ مُطْلَقًا. لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ فِعْلٍ أَوْجَبَ الضَّمَانَ يَكُونُ غَصْبًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حُكْمٌ نَوْعِيٌّ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِعِلَّةٍ لِكُلِّ شَخْصٍ فَكَمَا أَنَّ الضَّمَانَ يَثْبُتُ بِالْغَصْبِ يَثْبُتُ أَيْضًا بِالتَّعَدِّي وَالْجِنَايَةِ. لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ فَرَسَ الْآخَرِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الضَّمَانُ بِسَبَبِ الْغَصْبِ. وَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ فَرَسَ الْآخَرِ وَهُوَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِسَبَبِ إتْلَافِهِ كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ الْحَاصِلَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَزِمَ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ.
مَعَ كَوْنِهِ لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمَالِكِ ثَابِتَةً فِيهِ حَتَّى يُمْكِنَ الْغَاصِبُ أَنْ يُزِيلَهَا (نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ، وَالْعَيْنِيُّ) .
سُؤَالٌ ثَانٍ، يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْوَقْفِ إذَا غُصِبَ وَأُتْلِفَ مَعَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَالْحَالُ يُخْرِجُ الْوَقْفَ عَنْ الْغَصْبِ بِقَيْدِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي التَّعْرِيفِ وَيُصْبِحُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ.
الْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَالِ مِلْكَ الْمَالِكِ حَصْرًا بَلْ الْمَالِكُ لِعَيْنِ الْمَغْصُوبِ هُوَ مَنْفَعَتُهُ أَوَالْمُقْتَدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فَعَلَى ذَلِكَ يَدْخُلُ غَصْبُ مَالِ الْوَقْفِ فِي التَّعْرِيفِ وَيُرَدُّ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: الْوَقْفُ مِلْكٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْوَاقِفِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَقَدْ زَالَ عَنْهُ مِلْكُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ مَحْبُوسًا مِلْكًا لِلَّهِ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
سُؤَالٌ ثَالِثٌ: قَدْ بُيِّنَ فِي الْمَوَادِّ (728 و 1 74 و 777 و 779 و 787) وَشُرُوحِهَا أَنَّهُ تَجْرِي فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ فَعَلَى ذَلِكَ وَبِدُخُولِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ يُصْبِحُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ.
الْجَوَابُ: إنَّ الْوَدِيعَةَ وَالرَّهْنَ وَالْعَارِيَّةَ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا وَدِيعَةً وَرَهْنًا وَعَارِيَّةً وَتُصْبِحُ مَغْصُوبَةً فَلِذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ التَّعْرِيفُ بِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1 0 9) . كَذَلِكَ الشِّرَاءُ الْفُضُولِيُّ وَإِنْ ذُكِرَ فِي