الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةُ وَضَمَانِهَا]
الْأَحْكَامُ: جَمْعُ حُكْمٍ، وَالْحُكْمُ مَعْنَاهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى هَذَا الْعُنْوَانِ الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْعَارِيَّةُ، وَالضَّمَانَاتُ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ.
(مَادَّةُ 813) :
الْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْعَارِيَّةِ بِدُونِ بَدَلٍ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ أُجْرَةً بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ.
الْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْعَارِيَّةُ مَجَّانًا. وَلِلْمُعِيرِ الثَّوَابُ عَلَى خُلُوصِ نِيَّتِهِ لِإِتْيَانِهِ الْخَيْرَ مَعَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ. وَقَدْ تَوَضَّحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (765) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِعَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَجَّانًا. وَعَلَيْهِ لَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْإِعَارَةِ بَدَلٌ انْقَلَبَتْ إلَى إجَارَةٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (434) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَارِيَّةِ تَكُونُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَجَّانًا.
لِذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ أُجْرَةً مِنْ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ أَيْ إذَا قَدِمَ الْمُعِيرُ عَلَى الْإِعَارَةِ بَعْدَ أَنْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أُجْرَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ طَلَبَ وَادَّعَى تُرَدُّ دَعْوَاهُ.
الِاخْتِلَافُ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ: هَذِهِ الْمَادَّةُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ الْإِعَارَةِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّهَا إجَارَةٌ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهَا إعَارَةٌ. يَعْنِي لَوْ رَكِبَ أَحَدٌ دَابَّةَ آخَرَ لِلذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ: أَجَّرْتُك إيَّاهَا فَأَعْطِنِي أُجْرَتَهَا، وَقَالَ الرَّاكِبُ: أَعَرْتنِي إيَّاهَا إعَارَةً وَلَيْسَ لَك أُجْرَةٌ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُنْكِرٌ لِلْأُجْرَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (8، 76) .
[
(الْمَادَّةُ 813) الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ]
(الْمَادَّةُ 813) الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا عَمْدٍ أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَتْ الْمِرْآةُ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُعَارِ شَيْءٌ فَتَلَوَّثَ بِهِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَمَانَ.
الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ فُقِدَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهَا حَسْبَ الْمُعْتَادِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ فِي غَيْرِ حَالِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
وَقَدْ أُثْبِتَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» .
الْوَجْهُ الثَّانِي: بِمَا أَنَّ الْمُسْتَعَارَ قَدْ أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ " وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ سَوْمِ الشِّرَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدِّي بِإِذْنِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (881) أَلَا تَرَى لَوْ أَذِنَ أَحَدٌ بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَأَتْلَفَهُ الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتْلِفَ ضَمَانٌ (مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ) وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي أَثْنَاءِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي أَذِنَ بِهِ لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ حَصَلَ التَّلَفُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ (الْبَاجُورِيُّ) .
وَتُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ سَوَاءٌ أَكَانَ تَلَفُ الْعَارِيَّةِ ظَاهِرًا أَمْ خَفِيًّا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ تَلَفَ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1774) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ رَدَّ الْعَارِيَّةِ لِلْمُعِيرِ وَكَذَّبَهُ الْمُعِيرُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَعِيرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَوْ شُرِطَ الضَّمَانُ مَثَلًا لَوْ عُقِدَتْ الْعَارِيَّةُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا إذَا تَلِفَ الْمَالُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ عَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ فِي حَالِ التَّلَفِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (82)(الْبَحْرُ) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ: لَقَدْ جَاءَ فِي (أَشْبَاهِ ابْنِ نُجَيْمٍ) عَنْ ذِكْرِهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَاعِدَةِ (الْعَادَةُ مُحْكِمَةٌ)(لَوْ اُشْتُرِطَ) ضَمَانُ الْعَارِيَّةُ إذَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ يَصِحُّ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ عَلَى رِوَايَةٍ نَقْلًا عَنْ (الزَّيْلَعِيّ، وَالْجَوْهَرَةِ) وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ وَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَمَوِيُّ نَقْلًا عَنْ (قَاضِي خَانْ) هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ ذَكَرَتْ عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَبِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (64) يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ بِأَنْ لَا حُكْمَ لِلشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْمَبْدَأِ قَدْ سِرْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِيضَاحِهَا.
الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى كَوْنِ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ: أَوَّلًا: مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَضَاءً أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَتْ الْمِرْآةُ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ بَغْلًا فَصَارَ أَعْرَجَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ.
ثَانِيًا: لَوْ رَبَطَ الْمُسْتَعِيرُ الْبَغْلَ الْمُسْتَعَارَ بِحَبْلٍ حَسَبَ الْعَادَةِ فَاخْتَنَقَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مُعْتَادَةٌ.
ثَالِثًا: لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ الْحَمَّامَ وَأَخَذَ فِي الِاغْتِسَالِ فَسَقَطَ الْإِنَاءُ مِنْ يَدِهِ وَتَشَوَّهَ لَا يَضْمَنُ أَحْكَامُ الْعَارِيَّةُ وَضَمَانُهَا
رَابِعًا: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ سِلَاحًا لِمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ فَانْكَسَرَ السِّلَاحُ كَأَنْ كَانَ سَيْفًا أَثْنَاءَ الْقِتَالِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
خَامِسًا: لَوْ زَلَّتْ قَدَمُ أَحَدٍ وَهُوَ لَابِسٌ ثِيَابًا مُسْتَعَارَةً فَتَمَزَّقَتْ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
سَادِسًا: لَوْ وَقَعَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُعَارِ فَتَلَوَّثَ بِهِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهٌ فَلَا ضَمَانَ.
سَابِعًا: لَوْ قَصَدَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ إلَى مَحِلٍّ مُعْتَادٍ مُسَمًّى وَرَجَعَ مِنْهُ فَضَعُفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ كَانَتْ حُبْلَى فَأَسْقَطَتْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ.
ثَامِنًا: لَوْ أَحْضَرَ الْمُسْتَعِيرُ لِلْمُعِيرِ فَقَالَ لَهُ الْمُعِيرُ: ضَعْهُ هُنَا، فَسَقَطَ مِنْهُ بَيْنَمَا كَانَ يَضَعُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
تَاسِعًا: لَوْ أَصْبَحَتْ الثِّيَابُ بِحَالَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ إيَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
عَاشِرًا: لَوْ سَقَطَ الْكَأْسُ أَوْ فِنْجَانُ الْقَهْوَةِ مِنْ يَدِ الشَّارِبِ بَعْدَ أَنْ تَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ السَّاقِي وَأَخَذَ يَشْرَبُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْكَأْسِ أَوْ الْفِنْجَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ. أَمَّا ثَمَنُ الْقَهْوَةِ وَالْمَاءِ فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَقَدْ تَلِفَ بَعْدَ الْقَبْضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (294) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا الِاسْتِعْمَالَ الْمُعْتَادَ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ أَمَّا لَوْ تَلِفَتْ بِاسْتِعْمَالِهَا اسْتِعْمَالًا غَيْرَ مُعْتَادٍ ضَمِنَ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ ارْتَدَى لِبَاسَ النَّهَارِ لَيْلًا وَنَامَ عَلَى السَّرِيرِ فَتَمَزَّقَ كَانَ ضَامِنًا.
وَقَدْ بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ الْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مِنْ قَيْدِ " بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ " الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي حَالِ التَّلَفِ بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ لَزِمَ الضَّمَانُ وَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ كَوْنِ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا لَمْ يَرُدَّ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعَارَ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَأَمْسَكَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ أَمْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ لَزِمَ الضَّمَانُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (826) وَقَدْ عَدَّ مُحَشِّي الدُّرَرِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُعَدَّ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ تَعَدِّيًا فَلَا تُعَدُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةً عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْعَارِيَّةُ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِلْكًا لِلْمُعِيرِ أَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَارِيَّةُ مِلْكٌ لِشَخْصٍ آخَرَ يَعْنِي لَوْ ظَهَرَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بِتَبَيُّنِ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ إذْ إنَّ الْعَارِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَالتَّمْلِيكُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (777) . يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصِ الْمُسْتَحِقِّ غَاصِبًا وَالْمُسْتَعِيرُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ، كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ (910)، تَضْمِينُ الْمُعِيرِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُسْتَعِيرِ. وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ فَلَيْسَ لِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ إذَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ هُوَ كَمَا يَأْتِي: بِمَا أَنَّ الْمُعِيرَ يَمْلِكُ الْمُسْتَعَارَ بِالضَّمَانِ وَقْتَ الْإِعَارَةِ فَيَكُونُ قَدْ أَعَارَ مَالَهُ وَالْعَارِيَّةَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً مَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ حَاصِلًا بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ وَإِذَا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ فَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُعِيرِ هُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةُ عَقْدٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَابِضِ.
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658)(الْبَحْرُ) فَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالٍ أَعَارَ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لِشَخْصٍ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَتَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ