الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ هُوَ مَا يَأْتِي: إنَّ الْمَادَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَقِّ التَّعَاطِي الْوَاقِعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْإِرْسَالُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّعَاطِي فِي الْهِبَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا كَانَ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي مَا كَانَ الْإِرْسَالُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ الرَّسُولِ فِي هَذَا الْإِرْسَالِ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (وَالْقَبْضُ) عَدَمُ تَمَامِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (837) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ لِآخَرَ هَدِيَّةً وَتُوُفِّيَ الْمُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا فَتَبْقَى الْهَدِيَّةُ فِي مِلْكِ الْمُهْدِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى هُوَ الْمُهْدِي فَلَا تُسَلَّمُ الْهَدِيَّةُ إلَيْهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 849 " مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى.
[
(الْمَادَّةُ 841) الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ]
(الْمَادَّةُ 841) :
الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَتِمُّ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِهِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ.
قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَقَبُولِ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتِمُّ إذَا وَقَعَ الْإِيجَابُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبُولُ ذَلِكَ الْإِيجَابِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَيْضًا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ لَفْظًا وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ، كَقَوْلِهِ: اتَّهَبْت؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ. (الدُّرَرُ) فَعَلَيْهِ لَمْ تَقُلْ الْمَجَلَّةُ بِأَنَّ الْقَبْضَ بِالْهِبَةِ قَبُولٌ بَلْ قَالَتْ: إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مُشَبِّهَةً الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ قَصَدْت بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُهِمَّةِ وَهِيَ انْعِقَادُ الْهِبَةِ. تَمَامُهَا مَعًا بِالْقَبْضِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي ذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ إذْ لَا حَاجَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ مُمَاثِلًا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ لِذَلِكَ جَازَ الْقَبْضُ بَعْدَ إيجَابِ الْهِبَةِ.
لَوْ حَصَلَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ لَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ بَلْ يَشْمَلُ الْهِبَةَ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا رَغْمًا عَنْ أَنَّ الْمَجَلَّةَ فِي مِثَالِهَا الْآتِي قَدْ صَوَّرَتْ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي صُورَةِ الْمِثَالِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فَعَلَيْهِ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (869) قِرْشًا وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَ السَّائِلُ ذَلِكَ الْقِسْطَ يَكُونُ هَذَا الْقَبْضُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ شَخْصٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ (840) إلَى جَارِهِ طَبَقًا مِنْ ثَمَرِ كَرْمِهِ مَعَ خَادِمِهِ وَقَبَضَهُ الْجَارُ فَهَذَا الْقَبْضُ أَيْضًا كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَتَتِمُّ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَادَّةَ الْمَوْهُوبَةَ وَقَبِلَ ذَلِكَ الْقَبْضَ فِعْلًا بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ أَوْ أَهْدَيْتُك إيَّاهُ. وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَالِكًا الْمَوْهُوبَ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ (الزَّيْلَعِيّ) وَالْقَبُولُ كَمَا يَكُونُ صَرَاحَةً يَكُونُ دَلَالَةً أَيْضًا. وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبُولٌ دَلَالَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
قَبُولُ الْهِبَةِ نَوْعَانِ: - يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (839) كَمَا يَكُونُ بِالْقَبُولِ أَحْيَانًا يَكُونُ أُخْرَى بِالْفِعْلِ. وَالْقَبُولُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ تَنْعَقِدُ بِالْقَبُولِ الْقَوْلِيِّ إلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ تَامَّةً أَمَّا فِي الْقَبُولِ الْفِعْلِيِّ فَتَنْعَقِدُ بِهِ وَتَكُونُ تَامَّةً مَعًا.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِجَمَاعَةٍ: قَدْ وَهَبْت هَذَا الْمَالَ لِأَحَدِكُمْ فَمَنْ أَرَادَهُ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْهُ، فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمْ كَانَ مَالِكًا لَهُ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذَا قَبُولٌ فِعْلِيٌّ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
هَلْ قَوْلُ الْمَجَلَّةِ فِي مِثَالِهَا هَذَا (إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ) تَعْبِيرٌ احْتِرَازِيٌّ أَمْ لَا؟ وَلْنُبَادِرْ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ الشَّأْنِ. لِلْهِبَةِ بَعْدَ إيجَابِ الْوَهَّابِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ:
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: إعْطَاءُ إذْنِ الْوَاهِبِ صَرَاحَةً بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ صُورَتَانِ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَنْ يَقْبَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إيجَابَ الْوَاهِبِ قَوْلًا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (844) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إيجَابَ الْوَاهِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَيَسْكُتَ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَثَلًا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ: وَهَبْتُك مَالِي هَذَا فَخُذْهُ، وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت قَوْلًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا شُبْهَةَ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ. إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْهِبَةَ فَهَلْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ أَذِنَ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (844) وَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِذَلِكَ وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ قَاضِي خَانْ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْبَابِ التَّرْجِيحِ (الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةُ وَالنِّهَايَةُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) فَسَبَبُ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ هُوَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ صَرَاحَةً فَأَصْبَحَ حَسَبَ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (844) قَبْضُ الْهِبَةِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ شَرْطًا وَمَعَ أَنَّهُ اُشْتُرِطَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ (اُنْظُرْ الْفَصْلَ الثَّانِيَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ) فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ) .
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ جَوَابًا عَلَى هَذَا. إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ الْوَاهِبِ فَقَطْ أَمَّا الْقَبُولُ فَلَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الرُّكْنِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْهُ قِيَاسًا انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. لَكِنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْهِبَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (837) فَكَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ مَقْبُولٍ عَلَى رَأْيِ الْمَجَلَّةِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِمَا أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ قَائِمٌ مَقَامَ قَبُولِ الْهِبَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (182) يَعْنِي بِمَا أَنَّ الْقَبُولَ مُقَيَّدٌ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَهَذَا الْقَوْلُ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا وَالْإِيجَابُ فَقَطْ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ