الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ وَشَرْطِ الْإِيدَاعِ]
بِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ أَدْخَلَتْ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ فِي عِنْوَانِ الْعَقْدِ وَجَعَلَتْ تَعْبِيرَ الْعَقْدِ شَامِلًا لِلرُّكْنِ وَالشَّرْطِ فَقَدْ تَغَيَّرَ أُسْلُوبُهَا هُنَا.
أَرْكَانُ الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ: (1) الْوَدِيعَةُ يَعْنِي الْعَيْنَ الْمُودَعَةَ.
(2)
الصِّيغَةُ (3) الْمُودِعُ (4) الْوَدِيعُ.
يُبْحَثُ عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَادَّةِ (775) وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي الْمَادَّةِ (776) وَعَنْ الرَّابِعِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ: (الْمَادَّةُ 773) يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً أَوْ صَرَاحَةً. مَثَلًا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ أَمَّنْتُكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمُسْتَوْدِعُ أَيْضًا: قَبِلْتُ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ صَرَاحَةً. وَإِذَا دَخَلَ شَخْصٌ إلَى الْخَانِ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُ حَيَوَانِي؟ فَأَرَاهُ مَحِلًّا وَرَبَطَ حَيَوَانَهُ فِيهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ دَلَالَةً وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ وَذَهَبَ وَرَآهُ هُوَ أَيْضًا وَسَكَتَ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ وَإِذَا تَرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ قَائِلًا لَهُ: هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَك، وَذَهَبَ وَرَآهُ هُوَ أَيْضًا وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: لَا أَقْبَلُ، وَرَدَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالَهُ بِجَانِبِ جُمْلَةِ أَشْخَاصٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ وَذَهَبَ وَرَأَوْهُ هُمْ أَيْضًا وَسَكَتُوا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَلَكِنْ إذَا انْصَرَفُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ الَّذِي بَقِيَ أَخِيرًا لِلْحِفْظِ وَيَكُونُ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ.
رُكْنَا الْإِيدَاعِ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ.
بِنَاءً عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالصَّرَاحَةِ أَوْ دَلَالَةً.
وَبِتَعْبِيرِ (دَلَالَةً) يَعْنِي: بِالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ، وَبِالدَّلَالَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَبِالْكِنَايَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 149.
الْمَسَائِلُ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْقَبُولُ أَوْ لَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْإِيجَابِ: وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ. كَمَا يُفْهَمُ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ (وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ صَاحِبُ الدُّكَّانِ) . لِأَنَّهُ حَيْثُ سَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ نَتِيجَةَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَكُونُ الْتِزَامٌ بِلَا لُزُومٍ غَيْرَ أَنَّ لُزُومَ
الْقَبُولِ فِي الْإِيدَاعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ هُوَ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَلَكِنْ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ وَالْقَبُولُ لَيْسَ لَازِمًا فِيهِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِ الَّذِي سَيَكُونُ مُسْتَوْدَعًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ: أَوْدَعْتُكَ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْغَاصِبُ لَا يُجَابُ، وَلَوْ رَدَّهُ أَيْضًا يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ يَكْتَسِبُ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ الْأَرْبَعَةُ مِنْهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ لَفْظِ صَرَاحَةً وَدَلَالَةً الْوَارِدَيْنِ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِنَاءً مِنْ احْتِمَالِ ارْتِبَاطِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كِلَيْهِمَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالنَّظَرِ لِلْمِجَلَّةِ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً. وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الدَّلَالَةُ الْقَوْلِيَّةُ كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الدَّلَالَةُ الْفِعْلِيَّةُ. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَالْقَبُولِ دَلَالَةً.
كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الرَّابِعِ مِنْ الْمَجَلَّةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مِثَالٌ عَلَى هَذَا فِي الْمَجَلَّةِ فَنَذْكُرُ لَهُمْ مِثَالًا كَمَا يَأْتِي: مَثَلًا لَوْ تَرَكَ رَجُلٌ مَالًا بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: إنِّي قَبِلْتُ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةً فَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَفُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ السَّابِقَةِ سَبَبُ تَعَدُّدِ الْأَمْثِلَةِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَجَلَّةِ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ كِنَايَةً.
كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْهِبَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ تَكُونُ الْوَدِيعَةُ مُتَيَقَّنَةً وَالْهِبَةُ مَشْكُوكَةً وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ كِنَايَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ) .
مَثَلًا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ أَمَّنْتُكَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْمُسْتَوْدَعُ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَبِالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْإِيجَابَ بِأَنْ رَفَضَ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ.
وَلَكِنَّ الْمُودِعَ مَعَ ذَلِكَ تَرَكَهَا وَذَهَبَ فَهَلَكَتْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى بَيْتِهِ كَيْ يَكُونَ مَالًا لَهُ يَكُونُ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (769) . وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِهِ فَاللَّائِقُ وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا أَنْ يُعَدَّ غَاصِبًا نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ
فِي يَدِهِ فَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا أَنْ يَضْمَنَ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْفُصُولَيْنِ اعْتَرَضَ عَلَى الذَّخِيرَةِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ قَائِلًا: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَكُونَ ضَامِنًا. لِنُبَيِّنَ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي مَعَ ذِكْرِ أَجْوِبَتِهَا اللَّازِمَةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: حَيْثُ إنَّ الْغَصْبَ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ يَدُ مَالِكٍ وَأَزَالَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَكُونُ غَصْبًا. فَنَقُولُ جَوَابًا عَلَى هَذَا: إنَّ الْحَالَ وَالْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تُسَاوِي الْغَصْبَ فِي إزَالَةِ التَّصَرُّفِ تُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ الْغَصْبِ حُكْمًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (901) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَخْذُ الْمُسْتَوْدَعِ ذَلِكَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ بِقَصْدِ الضَّرَرِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِقَصْدِ النَّفْعِ، جَوَابُهُ: لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْغَصْبِ بِالنِّيَّةِ. وَلِهَذَا إذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِنْ جَيْبِ السَّكْرَانِ كِيسَ دَرَاهِمِهِ حَتَّى لَا يَضِيعَ وَيَرُدُّهُ إلَيْهِ حِينَمَا يَزُولُ سُكْرُهُ وَيُفِيقُ يَكُونُ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (2) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَرْكُ الْمَالِكِ الْمَالَ بَعْدَ رَدِّ الْمُسْتَوْدَعِ إيدَاعٌ ثَانٍ وَأَخْذُ الْمُسْتَوْدَعِ وَرَفْعُهُ أَيْضًا قَبُولٌ ضِمْنِيٌّ فَبِنَاءً عَلَيْهِ الظَّاهِرُ عَدَمُ تَرَتُّبِ الضَّمَانِ.
الْجَوَابُ: حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ رَدَّ صَرَاحَةً وَلِكَوْنِ الصَّرَاحَةِ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ وَالضِّمْنِيَّاتِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الدَّلَالَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الصَّرَاحَةُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (13) .
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي وَجَّهَهَا صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ إلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ غَيْرُ وَارِدَةٍ فَبَقِيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ (اللَّائِقُ لُزُومُ الضَّمَانِ) سَالِمًا مِنْ الِاعْتِرَاضِ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَتَاعًا فِي بَيْتِ شَخْصٍ آخَرَ بِلَا أَمْرٍ وَفُقِدَ لِعَدَمِ مُحَافَظَةِ الشَّخْصِ الْآخَرِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُحَافَظَةَ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الْتِزَامٍ.
وَإِنَّمَا إذَا رَمَاهُ الشَّخْصُ الْآخَرُ الْمَذْكُورُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَفُقِدَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ اسْتِهْلَاكٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (912) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفِقْرَةِ (كَمَا سَقَطَ مَالٌ شَخْصٍ بِهُبُوبِ الرِّيحِ. ..) الْمُنْدَرِجَةِ فِي الْمَادَّةِ (762) وَبَيْنَ هَذِهِ ظَاهِرٌ.
فَفِي الْفِقْرَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُوجَدُ إحَالَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَمَّا هُنَا وَإِنْ كَانَتْ إحَالَةُ صَاحِبِ الْمَالِ قَصْدًا مَوْجُودَةً فَقَبُولُ الْآخَرِ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَبِلَا قَبُولٍ لَا يَحْصُلُ إجْبَارٌ عَلَى الْمُحَافَظَةِ.
وَلَكِنْ إذَا أَدْخَلَ رَجُلٌ دَابَّتَهُ إلَى دَارِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ مِنْ دَارِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مُضِرَّةٌ لِلدَّارِ. وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ دَابَّةُ الْغَيْرِ فِي إصْطَبْلِهِ وَأَخْرَجَهَا صَاحِبُهَا وَفُقِدَتْ فَيَكُونُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 -
وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ شَخْصٌ خَانًا وَسَأَلَ صَاحِبَهُ أَيْنَ يَرْبِطُ حَيَوَانَهُ؟ فَأَرَاهُ مَحِلًّا فَرَبَطَهُ فِيهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً قَوْلِيَّةً وَيَكُونُ صَاحِبُ الْخَانِ مُسْتَوْدَعًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . حَتَّى أَنَّهُ إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَجِدْ الْحَيَوَانَ فِي مَحِلِّهِ وَسَأَلَ صَاحِبَ الْخَانِ فَأَجَابَهُ أَنَّ رَفِيقَك أَخَذَهُ لِيَسْقِيَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَفِيقٌ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْخَانِ قَصَّرَ فِي الْمُحَافَظَةِ. يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الرَّجُلَ حِينَمَا رَآهُ آخِذًا الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَصِيرُ ضَامِنًا
ذَلِكَ الشَّخْصَ مُسْتَوْدَعًا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَيْنِ تَعَارَضَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَفِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهُ رَدُّ الْحِفْظِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ حِينَمَا دَفَعَ إلَى دَارِهِ الْمَالَ وَرَأَى صَاحِبَهُ وَسَكَتَ صَارَ قَابِلًا دَلَالَةً (الشَّارِحُ) .
3 -
وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا كَهَذَا الْمَالِ وَدِيعَةٌ عِنْدَك مَثَلًا، وَذَهَبَ وَرَآهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ وَسَكَتَ فَحَيْثُ إنَّ الْإِيدَاعَ يَنْعَقِدُ فِعْلًا أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً فَعَلَيْهِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ الْوَدِيعَةَ هُنَاكَ وَذَهَبَ يَصِيرُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَرَدَ فِي هَذَا الْمِثَالِ (وَرَآهُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُ لَا تَكُونُ الْوَدِيعَةُ قُبِلَتْ بِالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ أَوْ الْفِعْلِيَّةِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ لِعَدَمِ مُحَافَظَةِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
وَلَكِنْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدُّكَّانِ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ إلَى الْخَارِجِ. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. عَلَى مَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
4 -
وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ شَخْصٌ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ آخَرَ حَيَوَانَهُ إلَى الرَّاعِي لِأَجْلِ رَعْيِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الرَّاعِي وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ أَعِدْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبَيْنَمَا كَانَ يُعِيدُهُ هَلَكَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الْآخَرِ وَلَا عَلَى الرَّاعِي؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ بِعَدَمِ قَبُولِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْأَمَانَةُ. وَحَيْثُ إنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْآخَرَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَسْلِيمِ الْحَيَوَانِ إلَى الرَّاعِي فَلَمْ تَنْتَهِ رِسَالَتُهُ وَيَدُ أَمَانَتِهِ بَاقِيَةٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
5 -
وَكَذَلِكَ إذَا نَزَعَ رَجُلٌ ثَوْبَهُ فِي الْحَمَّامِ وَتَرَكَهُ عِنْدَ حَارِسِ الثِّيَابِ وَرَآهُ هَذَا وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمُغْتَسَلِ، وَقَالَ الْحَارِسُ: إنَّ شَخْصًا لَبِسَ الثَّوْبَ وَذَهَبَ فَظَنَنْته لَهُ، فَلِكَوْنِهِ تَرَكَ السُّؤَالَ وَالْبَحْثَ وَقَصَّرَ فِي الْحِفْظِ يَكُونُ ضَامِنًا. وَلَكِنْ إذَا قَالَ الْحَارِسُ: رَأَيْت الشَّخْصَ وَهُوَ يَرْفَعُ ثَوْبَك وَلَكِنْ ظَنَنْته إيَّاكَ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سُرِدَ وَجْهَانِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ فِيمَنْ رَفَعَ الثَّوْبَ أَنَّهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْت شَرْحًا وَهِيَ (حَتَّى إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَرَ الْحَيَوَانَ فِي مَحِلِّهِ وَعِنْدَ سُؤَالِهِ مِنْ صَاحِبِ الْخَانِ إلَخْ) نَظِيرَةً لِهَذِهِ.
6 -
وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالًا بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ قَائِلًا: هَذَا الْمَالُ وَدِيعَةٌ عِنْدَك وَذَهَبَ بَعْدَ أَنْ رَآهُ الْمُودِعُ وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِذَا رَدَّ صَاحِبُ الدُّكَّانِ قَائِلًا: لَا أَقْبَلُ، لَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ عُرْفًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الرَّدِّ صَرَاحَةً (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَا تُعَارِضُ الدَّلَالَةُ الصَّرِيحَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13) وَشَرْحَهَا وَعَلَيْهِ إذَا فُقِدَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الدُّكَّانِ. وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ مُرْتَبِطَةٌ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ وَمُقَابِلَةٌ فِقْرَةَ (وَإِذَا رَآهُ وَسَكَتَ) .