الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِغَصْبِ الْعَقَارِ]
بِمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مُخْتَلِفُونَ فِي جَرَيَانِ الْغَصْبِ فِي الْعَقَارِ فَنَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بَيَانُ هَذِهِ الْخِلَافَاتِ لِفَهْمِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ كَمَا يَنْبَغِي. لِغَصْبِ الْعَقَارِ حُكْمَانِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ - ضَمَانُ الرَّدِّ: أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّ وَإِعَادَةُ الْعَقَارِ الْمَغْصُوبِ لِصَاحِبِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عَيْنًا. إنَّ لُزُومَ الرَّدِّ وَالْإِعَادَةِ لَا يُوجَدُ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي بَلْ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْخِلَافُ هُوَ الْمُبَيَّنُ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَالْإِعَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
الْحُكْمُ الثَّانِي - ضَمَانُ الْبَدَلِ وَلَا يَجْرِي فِي هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ غَصْبٌ. فَعَلَيْهِ لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ دَارَ الْآخَرِ الْخَالِيَةَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَقَامَ فِيهَا بِلَا إذْنٍ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ الشَّخْصُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ مُغْتَصِبًا لِتِلْكَ الدَّارِ (الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّالِثِ) .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ: إذَا تَلِفَ الْعَقَارُ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ كَمَا لَوْ غَمَرَ السَّيْلُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ أَوْ أَصْبَحَتْ أَرْضًا رَمْلِيَّةً لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَوْ سَقَطَ عَلَيْهَا جَبَلٌ وَبَقِيَتْ تَحْتَهُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَمَّا كَانَ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ غَيْرَ مُمْكِنَيْنِ فَلَا تُمْكِنُ إزَالَةُ الْيَدِ عَنْهُ بِفِعْلٍ وَاقِعٍ فِي الْعَيْنِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 881) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ بِدُونِ إيقَاعِ فِعْلٍ فِي الْمَحِلِّ. وَفِي الْعَقَارِ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ فِعْلٍ كَهَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ فِي الْعَقَارِ يَكُونُ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ مِنْهُ. وَالْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ فِي الْعَقَارِ (الْهِدَايَةُ) .
فَعَلَيْهِ وَإِنْ حَصَلَتْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ فِي الْعَقَارِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ مِنْهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْإِزَالَةَ لَمْ تَحْصُلْ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ بَلْ حَصَلَتْ بِفِعْلٍ فِي السَّاكِنِ (نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ) .
وَلِهَذَا لَوْ مَنَعَ أَحَدٌ آخَرَ مِنْ دُخُولِ دَارِهٍ أَوْ مِنْ أَخْذِ مَالَهُ أَوْ بَاعَدَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَمَالِهِ وَضَاعَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ (الْبَزَّازِيَّةُ) بِيَبَسٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ فِي غَصْبِ الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُنْقَلَا عَنْ مَحِلِّهِمَا أَوْ فِي حُكْمِ الْعَقَارِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) . إلَّا أَنَّ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى الْعَقَارِ يَقُومُ مَقَامَ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ ضَمَانُ - الْبَدَلِ أَيْضًا. لِأَنَّهُ إذَا سَكَنَ أَحَدٌ فِي دَارِ آخَرَ أَوْ وَضَعَ أَمْتِعَتَهُ فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْيَدُ الْمُبْطِلَةُ عَلَى الدَّارِ وَلَمَّا كَانَ مِنْ الْمُحَالِ اجْتِمَاعُ أَيْدٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ لَهُ بِخِلَافِ اجْتِمَاعِ الْأَيْدِي الْمُتَوَافِقَةِ فَجَائِزٌ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ الْعَيْنِيُّ. وَتَحْصُلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ كَمَا أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ (الْهِدَايَةُ، وَالْعَيْنِيُّ، وَالْكِفَايَةُ) وَالصَّحِيحُ هُوَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْوَقْفِ (الْقُهُسْتَانِيُّ مُلَخَّصًا) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا لَمْ يَقُلْ بِكِفَايَةِ إثْبَاتِ يَدِ الْعُدْوَانِ فِي تَحَقُّقِ الْغَصْبِ كَمَا قَالَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ قَالَ بِذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَقُولَ بِضَمَانِ زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ وَإِنَّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ نَفْسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ أَيْ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . أَمَّا الْإِمَامُ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَيْ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ قَالُوا كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِضَمَانِ الْعَقَارِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ (الْهِدَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِمْ اخْتِلَافٌ فِي السَّبَبِ فَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فَقَطْ وَلَمْ يَرَ لُزُومًا لِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ فِيهِ، أَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَيَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْغَصْبِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، إلَّا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْعَقَارِ يَقُومُ مَقَامَ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ.
ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ: تَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا أَقَرَّ أَحَدٌ بِغَصْبِهِ دَارًا وَبَيْعِهِ إيَّاهَا وَتَسْلِيمِهَا لَهُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي غَصْبَ بَائِعِهِ الدَّارَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْمُقِرَّ لَهُ إثْبَاتُ كَوْنِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. يَعْنِي لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ إعْطَاءُ قِيمَةِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُحَوِّلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يُغَيِّرْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ هُنَا بِبَيْعِ الدَّارِ وَتَسْلِيمِهَا بَلْ حَصَلَ بِسَبَبِ عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ. أَلَا تَرَى لَوْ أَثْبَتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ مِلْكُهُ حُكِمَ لَهُ وَاسْتَرَدَّ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْهِدَايَةُ، الْعَيْنِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ) . وَقَدْ رَجَّحَتْ الْمُتُونُ الْفِقْهِيَّةُ مَذْهَبَ الشَّيْخَيْنِ وَأُفْتِيَ فِي النَّتِيجَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَضْمُونَةٌ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (881) . وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُسْتَثْنَيَاتٍ ضَابِطٌ (وَلَا يَكُونُ الْعَقَارُ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ) . 1 - إذَا كَانَ الْعَقَارُ الْمَغْصُوبُ وَقْفًا فَالْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِلُزُومِ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ. وَعَقَارُ الْيَتِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْوَقْفِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
فَعَلَيْهِ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ الْعَقَارَ الْمَوْقُوفَ وَتَلَفَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَزِمَ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي هُوَ مَالٌ لِيَتِيمٍ أَوْ مُعَدٌّ لِلِاسْتِغْلَالِ يَكُونُ مَضْمُونًا أَيْضًا بِالْغَصْبِ وَالتَّلَفِ (الْحَمَوِيُّ) . يَكُونُ الْعَقَارُ مَضْمُونًا فِي سِتِّ مَسَائِلَ:
1 -
إذَا كَانَ الْعَقَارُ الْمَغْصُوبُ مَالَ وَقْفٍ يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَوْ تَلَفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ. وَإِذَا حُكِمَ عَلَى الْغَاصِبِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَشْتَرِي بِهَذِهِ الْقِيمَةِ عَقَارًا غَيْرَهُ لِلْوَقْفِ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى وَجْهِ الْعَقَارِ الْأَوَّلِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .