الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَيْهِ فَالْمَحْجُورُونَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْمَوَادِّ السَّابِقَةِ يَعْنِي الصَّغِيرَ، وَالْمَجْنُونَ، وَالْمَعْتُوهَ، وَالْأَبْلَهَ، وَالسَّفِيهَ، وَالْمَدِينَ وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ تَصَرُّفَاتُهُمْ الْقَوْلِيَّةُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ وَاَلَّتِي تَكُونُ ضَرَرًا مَحْضًا كَهِبَةِ مَالٍ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ بِمُقْتَفَى الْمَوَادِّ (966، 967، 978، 979، 990، 991) إلَّا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مِنْ مَالِهِمْ الضَّرَرَ وَالْخَسَارَةَ اللَّذَيْنِ نَشَآ مِنْ فِعْلِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الضَّرَرُ عَائِدًا عَلَى الْمَالِ كَإِتْلَافِ مَالٍ أَمْ مُتَعَلِّقًا بِالنَّفْسِ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ حَالًا أَيْ: بِدُونِ انْتِظَارِ حَالِ الْبُلُوغِ أَوْ حَالِ الصَّحْوِ وَالْإِفَاقَةِ أَوْ انْتِظَارِ وَقْتِ فَكِّ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (941) مُخْتَصٌّ بِالْأَقْوَالِ وَلَيْسَ فِي الْأَفْعَالِ حَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَإِعَادَتُهُ وَاعْتِبَارُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ مَثَلًا: إذَا أَتْلَفَ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ أَوْ مُمَيِّزٌ مَحْجُورٌ مَالًا وَاعْتُبِرَ هَذَا الْإِتْلَافُ مَعْدُومًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ نَعْتَبِرَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَلِفَ عَدَمَ التَّلَفِ وَهَذِهِ الْحَالُ إنْكَارٌ لِلْحَقَائِقِ وَدُخُولٌ فِي مَذْهَبِ السُّفُسْطَائِيَّة (الْهِدَايَةُ) .
فَلِذَلِكَ لَوْ قَتَلَ صَبِيٌّ أَحَدًا لَزِمَتْ الدِّيَةُ.
وَإِلَّا فَعَدُّ الْقَتْلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي الْعَارِيَّةِ: لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَالَ الَّذِي أُعِيرُ لَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (809) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَلَزِمَ ضَمَانُ الْعَقْدِ وَالْحَالُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ لَكِنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الضَّمَانَ هُنَا ضَمَانُ فِعْلٍ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِالْتِزَامِ الْفِعْلِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
فَرْقٌ: إذَا أَتْلَفَ الصَّبِيُّ مَالَ أَحَدٍ بِلَا سَبْقِ الْإِقْرَاضِ وَالْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَدْ بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ (776) شَرْحًا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ فِي الْهِبَةِ: وَإِنْ يَكُنْ، أَنَّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ هِبَةً فَاسِدَةً وَالْمُسْلَمَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (858) إلَّا أَنَّ الْمَوْهُوبَ وَالْمُسْلَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي الشَّرِكَةِ: لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ مَبْلَغًا لِصَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ لِلشَّرِكَةِ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ قِيلَ فِي الْقَاعِدَةِ (إذَا سَلَّمَ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَحَدٌ خَادِمَهُ لِصَبِيٍّ مَحْجُورٍ وَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ تَلْزَمُ الدِّيَةُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِ وَالنَّفْسِ هُوَ: أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُمَكِّنَ آخَرَ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ وَيُرَخِّصَ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَكُونُ لِحَقِّ صَاحِبِهِ أَمَّا عِصْمَةُ الْإِنْسَانِ فَلِحَقِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِحَقِّ مَوْلَاهُ وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ مَوْلَى الْحَظِّ لَيْسَ لَهُ اسْتِهْلَاكُهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ قَبِيلَ الْقَسَامَةِ) .
[
(مَادَّة 961) إذَا حُجِرَ السَّفِيهُ وَالْمَدِينُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ يُبَيَّنُ سَبَبُهُ لِلنَّاسِ]
(مَادَّةُ 961) :
إذَا حُجِرَ السَّفِيهُ وَالْمَدِينِ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ يُبَيَّنُ سَبَبُهُ لِلنَّاسِ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ وَيُعْلَن.
إذَا حُجِرَ السَّفِيهُ وَالْمَدِينُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ يَلْزَمُ.
بَيَانُ سَبَبِهِ أَيْ: سَبَبِ الْحَجْرِ إنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ السَّفَهِ أَوْ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ وَالْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ.
2 -
بِمَا أَنَّهُ يُوجَدُ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَحْكَامِ الْمَحْجُورِ بِالسَّفَهِ وَبَيْنَ أَحْكَامِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فَيَلْزَمُ بَيَانُ كَوْنِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ أَوْ بِالدَّيْنِ.
3 -
إذَا كَانَ الْحَجْرُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ يُبَيَّنُ وَيُعْلَنُ وُقُوعُ الْحَجْرِ لِأَجْلٍ أَيْ: دَائِنٍ وَإِيضَاحُ هَذِهِ الْمَادَّةِ كَمَا يَلِي: يَجْدُرُ بِالْحَاكِمِ الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَجْرِ حَتَّى لَا يُنْكَرَ حَجْرُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ كَوْنُهُ وَقَعَ بِدَيْنٍ أَوْ سَفَهٍ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْحَجْرِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ فَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ يُؤَثِّرُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1001) فِي حَقِّ الْمَالِ الْمَوْجُودِ.
أَمَّا فِي الْمَالِ الْحَادِثِ فَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ.
وَالْحَالُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أُعْلِنَ أَنَّ الدَّيْنَ سَبَبُ الْحَجْرِ فَيُفْهَمُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ فِي مَالِهِ الْحَادِثِ صَحِيحٌ وَيَجِبُ إذَا كَانَ الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ أَنْ يُبَيَّنَ وَيُعْلَنَ اسْمُ الدَّائِنِ الَّذِي وَقَعَ الْحَجْرُ بِطَلَبِهِ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْحَجْرُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّائِنِ حَقَّهُ أَوْ بِإِبْرَائِهِ الْمَحْجُورَ (الْعِنَايَةُ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
إنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَيْ: بِالْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ خَاصٌّ بِحَجْرِ السَّفِيهِ وَحَجْرِ الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورِينَ الْآخَرِينَ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ إلَى حَجْرِ الْحَاكِمِ وَهُمْ مَحْجُورُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي: النَّوْعِ الثَّانِي - التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَذَلِكَ كَهِبَةِ الصَّغِيرِ لِآخَرَ.
وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الصَّغِيرِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ بِهَا اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَادَّةِ (967) الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَادَّةِ (859) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ - التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ هِيَ الَّتِي بُيِّنَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ.
لَكِنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ تَصَرُّفِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ لِنَفْسِهِ؛ وَإِلَّا فَلَوْ تَصَرَّفَ بِالْوَكَالَةِ لِغَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (1458)(رَدُّ الْمُحْتَارِ) مَثَلًا: لَوْ اسْتَهْلَكَ مُفْلِسٌ أَوْ سَفِيهٌ مَحْجُورٌ مَالًا لِأَحَدٍ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ اسْتِهْلَاكُهُ بِالْبَيِّنَةِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ أَمْوَالِهِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْحَجْرِ كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ صَبِيٌّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونٌ مَالَ أَحَدٍ لَزِمَ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ مِنْ مَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالٌ فَيَلْزَمُ الِانْتِظَارُ إلَى حَالِ يُسْرِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، أَبُو السُّعُودِ) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ الطِّفْلُ الْمَوْلُودُ حَدِيثًا عَلَى قَارُورَةِ أَحَدٍ فَانْكَسَرَتْ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ كَذَلِكَ لَوْ أَلْقَى الصَّبِيُّ مَتَاعَ أَحَدٍ فِي النَّارِ وَاسْتَهْلَكَهُ لَزِمَ الضَّمَانُ (الْفَتَاوَى الْجَدِيدَةُ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مُسْتَثْنَيَاتٌ: يُسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَسَائِلِ مِنْ قَاعِدَةِ (يُؤَاخَذُ الْمَحْجُورُونَ بِأَفْعَالِهِمْ) وَإِلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الِاسْتِثْنَائِيَّة الْقَاعِدَةُ الْآتِيَةُ:
الْقَاعِدَةُ: إذَا سَلَّمَ أَحَدٌ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ مَالًا بِوَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِ التَّسْلِيمِ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ قَبِيلَ الْقَسَامَةِ، الْخَانِيَّةُ فِي الْإِذْنِ، وَالْأَنْقِرْوِيُّ) .
يَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْبَيْعِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (361) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَاقِلًا مُمَيِّزًا فَلَوْ بَاعَ أَحَدٌ مَالًا لَهُ مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ فَكَمَا لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إعْطَاءُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَالِ أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْإِجَارَةِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ عَاقِلًا مُمَيِّزًا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (444) فَلَوْ آجَرَ أَحَدٌ مَالًا لِصَبِيٍّ غَيْرِ مَأْذُونٍ أَوْ لِمَجْنُونٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ الْإِيجَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الرَّهْنِ: بِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (708) أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ عَاقِلًا فَلَوْ رَهَنَ أَحَدٌ مَالَهُ عِنْدَ صَبِيٍّ غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الرَّهْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْقَرْضِ: إذَا أَخَذَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مَالًا قَرْضًا وَاسْتَهْلَكَهُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَلَزِمَ الضَّمَانُ.
وَالصَّحِيحُ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ فِي اسْتِرْدَادِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الصَّبِيِّ عَيْنًا وَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ إذَا تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ قَبِيلَ الْقَسَامَةِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْوَدِيعَةِ: إذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ الْمَالَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
أَمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَذْكُورُ الْمَالَ الْمُودَعِ عِنْدَ أَبِيهِ فَيَضْمَنُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (778) بَعْضُ تَفْصِيلَاتٍ أَيْضًا.
وَيُحْجَرُ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ تَكُونُ مَضَرَّتُهُمْ لِلْعُمُومِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَدْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَالطَّبِيبِ) إلَى أَنَّ هُنَاكَ أَشْخَاصًا آخَرِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْحَجْرَ وَهُمْ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَلْنُوَضِّحْ الْآنَ الْبَحْثَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ الثَّلَاثَةِ.
الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ، هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْأَدْوِيَةَ الْمُهْلَكَةَ لِلنَّاسِ وَيَسْقِيهِمْ إيَّاهَا عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الضَّرَرِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَضَرَّةِ وَالتَّهْلُكَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمُفْتِي الْمَاجِنُ: هُوَ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ أَيْ: الْحِيَلَ الْمُؤَدِّيَةَ إلَى الضَّرَرِ وَاَلَّذِي يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ وَلَا يُبَالِي بِتَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاجِنٌ، وَالْمَاجِنُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجُونِ وَاسْمُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ مُجَّانٌ مَعْنَاهُ الصُّلْبُ وَالْغَلِيظُ وَاَلَّذِي لَا يَخْشَى كَلَامَ النَّاسِ وَلَا يُبَالِي بِمَا صَنَعَ، يَعْنِي: هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَحْيِي وَلَا يَخْجَلُ وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ إذَا قَلَّ حَيَاؤُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ الْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، هُوَ مَنْ لَيْسَ لَدَيْهِ دَابَّةٌ وَلَيْسَ لَدَيْهِ وَسَائِطُ أُخْرَى لِلنَّقْلِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْهِ نُقُودٌ لِشِرَاءِ ذَلِكَ وَيُكْرِي النَّاسَ دَوَابَّ وَمَتَى جَاءَ وَقْتُ تَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ يَخْتَفِي وَبِمَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى كَلَامِ ذَلِكَ الْمُكَارِي فَيُعْطُونَهُ قِسْمًا مِنْ الْأَجْرِ سَلَفًا فَيَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَرَافِقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَمَتَى
حَلَّ وَقْتُ الذَّهَابِ إلَى الْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ اخْتَفَى فَتَتْلَفُ بِذَلِكَ أَمْوَالُ النَّاسِ إذْ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ الْمَكَانَ الْمَقْصُودَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْتَارُونَهُ وَبِذَلِكَ يُفَوِّتُ مَقْصُودَهُمْ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجْرِ) .
إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ أَيْ: اللَّذَيْنِ يُفْسِدُونَ الْأَبْدَانَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَدْيَانَ يُمْنَعُونَ إذْ يُخْتَارُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَالْمَنْعُ الْمَذْكُورُ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ الْحَجْرِ الْمَنْعُ مِنْ إجْرَاءِ الْعَمَلِ لَا مَنْعُ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْعَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاعَ الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ بَعْدَ الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ دَوَاءً فَكَمَا أَنَّ بَيْعَهُ يَكُون نَافِذًا فَالْمُفْتِي الْمَاجِنُ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَكَانَ مُصِيبًا فِي فَتْوَاهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا.
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْعِهِمْ هُوَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ (التَّنْوِيرُ، أَبُو السُّعُودِ، الطَّحْطَاوِيُّ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَعَلَيْهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ (يُحْجَرُ) وَلَوْ قِيلَ (يُمْنَعُ) لَكَانَ أَوْلَى وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ أَرْدَعُ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُحْتَكِرِينَ وَمَنْ يَبِيعُ الْحَوَائِجَ الضَّرُورِيَّةَ بِأَغْلَى مِنْ قِيمَتِهَا بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاسِعٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُقْصَرَ مِثْلُ هَذَا الْحَجْرِ وَالْمَنْعِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَاطَى أَوْ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً أَوْ حِرْفَةً مِنْ أَهْلِهَا؛ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ أَوْ الْحِرْفَةِ أَيْ: لَيْسَ لِنُقَبَائِهَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ بِدَاعِي أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَعَاطَى تِلْكَ الصَّنْعَةَ أَوْ أَنْ يُعَلِّمُوهُ إيَّاهَا وَذَلِكَ كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ)
(مَادَّةُ 65) إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ بِصَنْعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ فِي سُوقٍ؛ فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ أَنْ يَحْجُرُوهُ أَوْ يَمْنَعُوهُ عَنْ اشْتِغَالِهِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى رِبْحِهِمْ وَكَسْبِهِمْ نَقْصٌ وَخَلَلٌ.
إذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ بِصِنَاعَةٍ كَالصِّبَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ تِجَارَةٍ فِي سُوقٍ فَلَيْسَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ أَنْ يَحْجُرُوهُ أَوْ يَمْنَعُوهُ عَنْ اشْتِغَالِهِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ بِدَاعِي أَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَى رِبْحِهِمْ وَكَسْبِهِمْ نَقْصٌ وَخَلَلٌ.
مَثَلًا: لَوْ تَعَاطَى أَحَدٌ الدِّبَاغَةَ وَأَرَادَ بَيْعَ الْجُلُودِ الَّتِي دَبَغَهَا وَطَلَبَ الدَّبَّاغُونَ الْحَجْرَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَمَنْعَهُ مِنْ تَعَاطِي الدِّبَاغَةِ فَلَا يُسْمَعُ لَهُمْ (التَّنْقِيحُ) كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً؛ فَلَيْسَ لِأَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ تَعَلُّمِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ فَتَحَ أَحَدٌ حَانُوتًا فِي جَانِبِ حَانُوتٍ لِآخَرَ وَكَسَدَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْحَانُوتِ الْأَوَّلِ فَلَا يُقْفَلُ الْحَانُوتُ الثَّانِي عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1288) وَيَمْنَعُ فِي زَمَانِنَا بَعْضُ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالتِّجَارَةِ غَيْرَهُ مِنْ فَتْحِ حَانُوتٍ أَوْ مَخْزَنٍ لِتَعَاطِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ أَوْ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ الْحَانُوتُ أَوْ الْمَخْزَنُ قَرِيبًا مِنْ حَانُوتِهِ أَوْ مَخْزَنِهِ مَسَافَةً مَعْلُومَةً.
فَعَلَيْهِ إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْمَحْكَمَةِ فَعَلَى الْمَحْكَمَةِ أَنْ تَمْنَعَ حُصُولَ أُمُورٍ كَهَذِهِ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَإِلَيْكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَقَدْ اُخْتِيرَ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَهَذَا جَائِزٌ وَأَمَّا لَوْ مُنِعَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَكُونُ قَدْ اُخْتِيرَ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِمِثْلِهِ.