الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُؤَالٌ: التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ مُشْكِلٌ لِلْغَايَةِ.
وَبِمَا أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَخْتَصُّ بِمَنْ حَذَقَ التِّجَارَةَ فَكَانَ مِنْ اللَّائِقِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ مِثْلُ هَذَا فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؟ .
الْجَوَابُ: عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ:
أَوَّلًا: لَوْ قِيلَ لِلصَّغِيرِ مَا هُوَ تَغْرِيرُ خَمْسَةٍ فِي الْعَشَرَةِ مَثَلًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فَاحِشٌ فَلَا يَكُونُ مُمَيِّزًا أَيْ: أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِلصَّغِيرِ إذَا غُرِرْتَ بِخَمْسَةٍ فِي الْعَشَرَةِ أَوْ بِوَاحِدٍ فِي الْعَشَرَةِ فَكَيْفَ هَذَا الْغَبْنُ فَإِذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْ: الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَلَا يَكُونُ مُمَيِّزًا (الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا قَبِلَتْ هَذَا الْجَوَابَ.
ثَانِيًا: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَمْيِيزِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ الْكِنَايَةُ عَنْ كَوْنِ الصَّبِيِّ عَاقِلًا، وَإِلَّا؛ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ تَمْيِيزَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ فَإِنَّ فِي الْعِبَارَةِ مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ الْمَلْزُومِ.
ثَالِثًا: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ مَنْ لَا يُفَرِّقُ وَلَا يُمَيِّزُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَكُونُ قِيمَتُهُ مَعْرُوفَةً وَمَشْهُورَةً.
وَإِلَّا فَقَدْ يُخْدَعُ أَعْقَلُ النَّاسِ وَيُغَرَّرُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، التَّنْقِيحُ) .
2 -
إنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمَلَكِيَّةِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ جَاءَ الصَّغِيرُ إلَى بَائِعِ الْحَلْوَى وَأَعْطَاهُ نُقُودًا وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُ الْبَائِعُ الْحَلْوَى طَلَبَ مِنْهُ إعَادَةَ النُّقُودِ يَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَعِدْ النُّقُودَ بَعْدَ أَخْذِهِ الْحَلْوَى فَيَكُونَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ مُمَيِّزًا 3 - وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ كَالْإِغْرَارِ بِخَمْسَةٍ فِي الْعَشَرَةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَعْطَى صَغِيرٌ لُعْبَةً تُسَاوِي قِيمَتُهَا قِرْشًا فَأَعْطَى الْبَائِعَ مَا يَلْبَسُهُ مِنْ ثِيَابٍ تُسَاوِي أَرْبَعِينَ قِرْشًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِأَنَّهُ قَدْ خُدِعَ فَيَكُونُ الصَّغِيرُ حِينَئِذٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ)
[
(مَادَّةُ 944) الْمَجْنُونُ عَلَى قِسْمَيْنِ]
أَحَدُهُمَا: الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهُ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ، وَالثَّانِي: الْمَجْنُونُ غَيْرُ الْمُطْبِقِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَجْنُونًا وَيُفِيقُ فِي بَعْضِهَا.
الْمَجْنُونُ قِسْمَانِ وَلِكُلٍّ تَعْرِيفٌ فِيمَا يَأْتِي وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الدُّرَرُ فِي بَحْثِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ: إنَّ الْمَجْنُونَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: وَالْقِسْمَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي التَّقْسِيمِ الْمُعْتَمَدِ آنِفًا هُمَا:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهُ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ.
وَالْجُنُونُ هُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالُهُ وَيَمْنَعُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى نَهْجٍ مُسْتَقِيمٍ. (الْمَجَامِعُ) وَيَنْشَأُ الْجُنُونُ إمَّا عَنْ نَقْصٍ فِطْرِيٍّ فِي الْعَقْلِ أَوْ رَدَاءَةِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ وَاسْتِيلَاءِ التَّخَيُّلِ الْفَاسِدِ (فُصُولُ الْبَدَائِعِ) وَلَا يُقْصَدُ فِي الْجُنُونِ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ مَجْنُونًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ كُلَّ عُمْرِهِ أَوْ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ بَعْدَ طُرُوءِ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْمُطْبِقَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ جُنُونِهِ مُطْبِقًا بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَا يُقْطَعُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِكَوْنِ
جُنُونِهِ مُطْبِقًا أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ.
وَعَلَيْهِ فَمَنْ يَقْضِي أَيَّامَ حَيَاتِهِ مَجْنُونًا لَا تَعْتَرِيهِ إفَاقَةٌ أَصْلًا وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُعَدُّ مَجْنُونًا مُطْبِقًا كَمَا أَنَّهُ يُعَدُّ مَجْنُونًا مُطْبِقًا بِالِاتِّفَاقِ مَنْ يَقْضِي سَنَةً وَهُوَ مَجْنُونٌ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أُرِيدَ بِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ وَلِذَلِكَ فَلَفْظُ (جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ) بِمَعْنَى جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ فِي سَنَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ شَهْرٍ كَامِلٍ وَبِذَلِكَ تَكُونُ خُلَاصَةُ التَّعْرِيفِ كَمَا يَأْتِي: الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ عَلَى قَوْلٍ هُوَ مَنْ يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهُ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي سَنَةٍ وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي شَهْرٍ.
وَالْآنَ فَلْنُدَقِّقْ الْوَقْتَ الَّذِي يَلْزَمُ لِيُعَدَّ الْجُنُونُ فِيهِ جُنُونًا مُطْبِقًا.
وَيَكُونُ لَفْظُ الْمُطْبِقِ إذَا جَاءَ صِفَةً لِلْجُنُونِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَإِذَا جَاءَ صِفَةً لِلْمَجْنُونِ يَكُونُ بِفَتْحِهَا.
فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ هُوَ الَّذِي يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا تَقَلَّبَتْ عَلَيْهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يُفِقْ مِنْ جُنُونِهِ عُلِمَ أَنَّ جُنُونَهُ مُسْتَحْكِمٌ، وَالْفَتْوَى فِي حَقِّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجُنُونِ لِمُدَّةِ سَنَةٍ (حَاشِيَةٌ الْأَشْبَاهُ لِلْغَزِّيِّ) وَقِيلَ (حَقُّ التَّصَرُّفَاتِ) ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْجُنُونِ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ قَدْ حُدِّدَتْ بِصُورَةٍ أُخْرَى وَتُوجَدُ التَّفْصِيلَاتُ فِيهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي، الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ لِمُدَّةِ شَهْرٍ أَيْ: الْجُنُونُ الَّذِي يَمْتَدُّ شَهْرًا كَامِلًا وَقَدْ رُجِّحَ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَأَشْعَرَ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) رُجْحَانَ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُوَ كَالْجُنُونِ الَّذِي يَمْتَدُّ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: هُوَ الْجُنُونُ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الرَّابِعَ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْخَانِيَّةِ وَيُقَالُ لِلْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ الْمَجْنُونُ الْمَغْلُوبُ أَيْضًا.
وَقَدْ ذُكِرَ حُكْمُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ فِي الْمَادَّةِ (979) .
الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ الْمَجْنُونُ غَيْرُ الْمُطْبِقِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَجْنُونًا وَيُفِيقُ فِي بَعْضِهَا كَالْمَصْرُوعِ (التَّنْقِيحُ، وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْحَجْرِ) .
وَيَصْدُقُ تَعْرِيفُ الْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبِقِ هَذَا عَلَى الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ أَحَدٌ مَجْنُونًا سَنَةً كَامِلَةً أَوْ شَهْرًا كَامِلًا ثُمَّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ إلَى عَقْلِهِ عَادَ فَجُنَّ أَيْضًا مُدَّةَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ شَهْرٍ كَامِلٍ فَيُعَدُّ مَنْ كَانَ حَالُهُ كَذَلِكَ مَجْنُونًا غَيْرَ مُطْبِقٍ أَيْضًا.
وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَجْنُونُ غَيْرَ الْمُطْبِقِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَجْنُونًا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ عَلَى قَوْلٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُدَّةِ الْجُنُونِ وَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ وَالْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبِقِ الْقَوْلِيَّةِ فِي حَالِ جُنُونِهِمَا يَعْنِي: مَثَلًا بَيْعُهُمَا وَشِرَاؤُهُمَا وَإِيجَادُهُمَا وَاسْتِئْجَارُهُمْ وَصَيْرُورَتُهُمَا مَحَالًا لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ كَفَالَتُهُمَا أَوْ رَهْنُهُمَا وَارْتِهَانُهُمَا وَإِيدَاعُهُمَا وَاسْتِيدَاعُهُمَا وَهِبَتُهُمَا وَاتِّهَابُهُمَا فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ.
وَقَدْ مَرَّتْ التَّفْصِيلَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا فِي شَرْح الْمَوَادّ الْمَخْصُوصَة وَإِذَا أَفَاقَ الْمَجْنُون الْمُطْبَق وَالْمَجْنُون غَيْر الْمُطْبَق وَعَادَ إلَيْهِمَا الْعَقْل تَامًّا تَصِحّ تَصَرُّفَاتهمَا الْقَوْلِيَّة الْمَذْكُورَة وَتَجُوز.