الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ التَّاسِعُ الْحَجْرُ وَالْإِكْرَاهُ وَالشُّفْعَةُ] [
الْمُقَدَّمَةُ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ وَالْإِذْنِ وَالْإِكْرَاهِ وَالشُّفْعَةِ]
الْحَجْرُ وَالْإِكْرَاهُ وَالشُّفْعَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْحَكِيمِ، الْغَفُورِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ضِيَاءِ الْمِلَّةِ وَسِرَاجِ الدِّينِ الْقَوِيمِ.
الْكِتَابُ التَّاسِعُ فِي الْحَجْرِ وَالْإِذْنِ وَالْإِكْرَاهِ وَالشُّفْعَةِ.
وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ، وَقَدْ جُمِعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ التَّاسِعِ مِنْ الْمَجَلَّةِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْوَارِدَةِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ تَحْتَ عِنْوَانِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ، وَكِتَابِ الْحَجْرِ، وَكِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَحَيْثُ إنَّهُ قَدْ بُحِثَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْإِذْنِ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَدْخُلَ فِي عِنْوَانِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا.
الْمُقَدَّمَةُ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجْرِ وَالْإِذْنِ وَالْإِكْرَاهِ وَالشُّفْعَةِ (الْمَادَّةُ 941) - (الْحَجْرُ هُوَ مَنْعُ شَخْصٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ الْقَوْلِيِّ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ بَعْدَ الْحَجْرِ مَحْجُورٌ) الْحَجْرُ - بِسُكُونِ الْجِيمِ وَتَثْلِيثِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْمَنْعُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْعَقْلِ أَمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَإِطْلَاقُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَقْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يَحْجُرُ الْإِنْسَانَ عَنْ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ. وَقَدْ فُسِّرَتْ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَ {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] بِذِي عَقْلٍ (الزَّيْلَعِيّ) . قَوْلُنَا فُلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ أَيْ: فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ (مِسْكِينٌ، أَبُو السُّعُودِ) وَمَعْنَاهُ شَرْعًا مَنْعُ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ أَيْ: مَنْعُ أَحَدِ الْأَشْخَاصِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَوَادِّ (957، 958، 959) وَهُمْ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَعْتُوهُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمَدِينُ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ الْقَوْلِيِّ أَيْ: مِنْ تَصَرُّفِهِمْ الْقَوْلِيِّ فِي أَمْثَالِ الْبَيْعِ، وَالْإِيجَارِ، وَالْحَوَالَةِ، الْكَفَالَةِ، الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، الرَّهْنِ، الْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ وَمَا إلَيْهَا أَوْ مِنْ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَحْجُورٌ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 -
شَخْصٌ مَخْصُوصٌ: يَخْرُجُ بِهَذَا التَّعْبِيرِ مِنْ التَّعْرِيفِ مَنْعُ الْحَاكِمِ نَفَاذَ إقْرَارِ الْمُكْرَهِ.
؛ إذْ لَا يُقَالُ لِهَذَا حَجْرٌ (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
2 -
مِنْ تَصَرُّفِهِ الْقَوْلِيِّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ مَنْعُ صُدُورِ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ
ذَلِكَ لَيْسَ مُمْكِنًا؛ إذْ قَدْ يُقْدِمُ الْمَحْجُورُ أَحْيَانًا كَثِيرَةً عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْقَوْلِ بِالرَّغْمِ مِنْ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعُ حُكْمِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ مَنْعُ نَفَاذِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ فَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ.
3 -
الْمَنْعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ ضِدُّ الْإِعْطَاءِ.
الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْمَنْعُ مِنْ نَفْسِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ وَأَصْلُهُ، وَقَدْ وَضَحَ مَنْعُ النَّفْسِ آنِفًا وَهُوَ كَمَنْعِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ مِنْ التَّصَرُّفِ.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحَجْرِ أَقْوَى أَنْوَاعِهِ.
مَثَلًا: قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّتَيْنِ 966 و 979 أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ الْقَوْلِيَّةَ بَاطِلَةٌ وَلَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ نَافِعَةً لَهُمَا وَأَجَازَهَا وَلِيَّاهُمَا كَمَا لَوْ وَهَبَ الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مَالَهُ لِآخَرَ أَيْ: لَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُ ضَرَرًا مَحْضًا لَهُ يُمْنَعُ مِنْ إجْرَائِهِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا وَلَوْ لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ لُزُومِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ وَنَفَاذِهِ وَذَلِكَ كَبَيْعِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ مَالًا مِنْ آخَرَ.
وَهَذَا النَّوْعُ يُدْعَى بِالْحَجْرِ الْمُتَوَسِّطِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (967) أَنَّهُ إذَا بَاعَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ وَالْمَعْتُوهُ وَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ مَالًا مِنْ آخَرَ يَمْتَنِعُ لُزُومُهُ وَنَفَاذُهُ بِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ وَمَتَى اطَّلَعَ وَلِيُّهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ أَيْ: أَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ قَابِلٌ لِلْإِجَازَةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: هُوَ مَنْعُ وَصْفِ التَّصَرُّفِ مِنْ وَصْفِهِ أَيْ: مَنْعُ تَحَقُّقِ نَفَاذِهِ فِي الْحَالِ، وَالنَّفَاذُ وَصْفٌ وَصَيْرُورَتُهُ فِي الْحَالِ وَصْفٌ لِلْوَصْفِ، كَمَنْعِ نَفَاذِ إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ فِي الْحَالِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1002) وَيُقَالُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحَجْرِ الضَّعِيفُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْحَجْرِ بِتَغْيِيرٍ) .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1002) أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ بِدَيْنِ آخَرَ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْحَجْرِ أَيْ: لَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ مَدِينًا وَمُكَلَّفًا بِأَدَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِالتَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ، أَنَّ الْحَجْرَ لَا يَجْرِي فِي التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (960) ، صَرِيحًا.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَتْلَفَ مَجْنُونٌ مَالَ أَحَدٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ لَوْ مَزَّقَ مَجْنُونٌ ثَوْبَ أَحَدٍ لَزِمَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ الطِّفْلُ مَالَ آخَرَ كَمَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةٍ لِأَحَدٍ مَثَلًا وَتَلِفَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ الْمَحْجُورُ بِالدَّيْنِ مَالَ آخَرَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَيُشَارِكُهُمْ فِي التَّرِكَةِ بِلَا خِلَافٍ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
كَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمَحْجُورَ أَتْلَفَ مَالًا لَزِمَ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ.
وَالْحَجْرُ يَجْرِي فِي الْأَقْوَالِ وَلَا يَجْرِي فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ أَثَرٌ فِي الْخَارِجِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ اُعْتُبِرَ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ؛ إذْ إنَّهُ يَنْشَأُ بِالْأَقْوَالِ مَعَ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يُرَى وَلَا يُشَاهَدُ فِي مَحَالِّهَا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ وَهِيَ الْحُرْمَةُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْمَلَكِيَّةُ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةُ أَمْرٌ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ الَّتِي هِيَ إخْبَارَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَخْبَرِ عَنْهُ تُعْرَفُ أَيْضًا بِالشَّرْعِ لِكَوْنِهَا فِي نَفْسِهَا مُحْتَمِلَةً الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ؛ إذْ إنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ لَا تَدُلَّ الْإِخْبَارَاتُ وَالْإِنْشَاءَاتُ عَلَى مُقْتَضَيَاتِهَا (الْكِفَايَةُ) .
مَثَلًا جُمْلَةُ بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ هِيَ قَوْلٌ وَأَثَرُهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَغَيْرُ مَرْئِيٍّ فِي الْخَارِجِ فَمِنْ الْجَائِزِ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ وَعَدُّ مَدْلُولَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا حُكْمٍ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إنْكَارٌ لِلْحَقَائِقِ أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ فَبِمَا أَنَّ أَثَرَهَا مَوْجُودٌ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ عَدَمِهَا مَثَلًا أَوْ قَتَلَ صَبِيٌّ شَخْصًا آخَرَ أَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ مُنْعَدِمًا وَرَفْعُ وُجُودِهِ الْخَارِجِيِّ وَعَدُّ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ غَيْرَ مُتْلَفٍ وَتَخْلِيصُ الصَّبِيِّ مِنْ الضَّمَانِ.
وَعَلَيْهِ فَاعْتِبَارُهُ مُنْعَدِمًا إنَّمَا هُوَ سَفْسَطَةٌ أَيْ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ دُخُولًا فِي اعْتِقَادَاتِ السُّوفُسْطَائيين الْبَاطِلَةِ (الدُّرَرُ فِي الْحَجْرِ) والسُّوفُسطائِيَة بِفَتْحِ السِّينِ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ تُنْكِرُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَتَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُدْعَى بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هُوَ أَوْهَامٌ وَخَيَالَاتٌ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الْعِنَايَةُ) .
أَسْبَابُ الْحَجْرِ: إنَّ بَعْضَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ الصِّغَرُ، وَالْعَتَهُ، وَالْجُنُونُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ خَلَقَ الْبَشَرَ وَشَرَّفَهُمْ عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْلِ وَمَيَّزَهُمْ عَنْ الْبَهَائِمِ فَالسَّعِيدُ مِنْهُمْ سَعِيدٌ بِعَقْلِهِ.
وَالْخَالِقُ الْحَكِيمُ قَدْ أَوْدَعَ الْإِنْسَانَ الْعَقْلَ وَالْهَوَى أَمَّا الْبَهَائِمُ فَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِمْ غَيْرَ الْهَوَى.
فَمَنْ هَوَاهُ عَقْلُهُ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ فَهُوَ أَرْدَأُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ تَعَالَى {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 44] أَمَّا مَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ هَوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَعَلَيْهِ فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْمُخَالَفَةِ لِهَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلشَّدَائِدِ، وَالْخَالِقُ جَلَّ شَأْنُهُ قَدْ خَلَقَ مِنْ الْبَشَرِ كَثِيرًا مِنْ ذَوِي النُّهَى وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى كَمَا خَلَقَ بَعْضَهُمْ وَابْتَلَاهُ بِأَسْبَابٍ تَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ الْعَقْلِ كَالْجُنُونِ وَفُقْدَانِ الْعَقْلِ بِأَسْبَابٍ أُخْرَى كَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ وَقَدْ جَعَلَ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِالْحَجْرِ غَيْرَ نَافِذَةٍ لِيَصُونَ مَالَهُمْ مِنْ طَمَعِ الطَّامِعِينَ وَحِيَلِ الْمُحْتَالِينَ وَأَوْجَبَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى الْوَلِيِّ الْخَاصِّ كَالْأَبِ وَالْوَلِيِّ الْعَامِّ كَالْقَاضِي كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، الطَّحْطَاوِيُّ) كَمَا أَنَّهُ قَدْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ وَالْجُنُونَ وَالْعَتَهَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمَاجِنَ وَالطَّبِيبَ الْجَاهِلَ وَالْمَكَّارَ وَالْمُفْلِسَ مَلْحُوقُونَ بِهِمْ أَيْ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى هَؤُلَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا (الشُّرُنْبُلَالِيُّ) وَقَدْ أَوْضَحَ فِي الْمَادَّةِ (876) أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ أَمَّا السَّفَهُ وَالدِّينُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ فَهُمَا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مِنْ أَسْبَابِهِ، اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (959) وَلَيْسَ الْفِسْقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ.
4 -
الْمَحْجُورُ، اسْمُ مَفْعُولٍ مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ الْحَجْرِ وَمَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ الصِّلَةِ بِأَنْ تَقُولَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَمَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْمَأْذُونِ مَعَهَا أَيْضًا فَتَقُولَ الْمَأْذُونُ لَهُ فَقَدْ حَذَفَ الْفُقَهَاءُ الصِّلَةَ فِي كِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ تَخْفِيفًا وَلِأَنَّ الْمَعْنَى يُفْهَمُ بِدُونِهَا فَقَالُوا (مَحْجُورٌ، وَمَأْذُونٌ) .
وَقَدْ جَرَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْمَجْرَى (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْمَأْذُونِ، الطَّحْطَاوِيُّ، عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
مَحَاسِنُ الْحَجْرِ: الْحَجْرُ عِبَارَةٌ عَنْ النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ أَيْ: أَنَّ فِي الْحَجْرِ إشْفَاقًا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ وَهُوَ أَحَدُ قُطْبَيْ أَمْرِ الدِّيَانَةِ، أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى (الْعِنَايَةُ) وَهَذَانِ - النَّظَرُ وَالْإِشْفَاقُ - إمَّا أَنْ يَعُودَا