الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْأَوَّلُ بَيَانُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ وَيَحْتَوِي عَلَى فَصْلَيْنِ] [
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهَا]
الْبَابُ الْأَوَّلُ: بَيَانُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ:
وَيَحْتَوِي عَلَى فَصْلَيْنِ يُنْظَرُ فِي الْهِبَةِ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:
(1)
سَبَبُهَا وَهُوَ قَصْدُ الْوَاهِبِ عَمَلَ الْخَيْرِ وَهَذَا الْخَيْرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا دُنْيَوِيًّا كَالْعِوَضِ وَالثَّنَاءِ أَوْ دَفْعَ شَرِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا أُخْرَوِيًّا كَالنَّعِيمِ الْمُخَلَّدِ وَهَذَا إذَا حَسُنَتْ نِيَّةُ الْوَاهِبِ.
وَالْهِبَةُ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مَالًا حَرَامًا أَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْوَاهِبَ سَيَمْتَنُّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَا وَهَبَ إلَيْهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
(2)
شَرْطُ الْهِبَةِ سَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ.
(3)
حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكِيَّةً غَيْرَ لَازِمَةٍ وَلِذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَفَسْخُ عَقْدِهَا حَيْثُ إنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَجُوزُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
(4)
رُكْنُ الْهِبَةِ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ (أَبُو السُّعُودِ) .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهَا:
يُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ يَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ أُخْرَى غَيْرِ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَلِذَلِكَ أَصْبَحَ الْعِنْوَانُ أَخَصَّ مِنْ الْمُعَنْوَنِ.
(الْمَادَّةُ 837) :
تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ.
تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِقَبْضِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْضًا كَامِلًا أَيْ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ نَائِبِهِ وَمَعْنَى تَتِمُّ أَيْ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُمَا رُكْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ هُمَا رُكْنُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْأُخْرَى اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (491 و 433) .
قُلْنَا: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ (وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْغَيْرِ مَا لَمْ يَمْلِكْ مِنْ طَرَفِهِ لِلْغَيْرِ وَيُوجِبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ هُوَ إلْزَامُ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ وَلَا إلْزَامَ بِدُونِ قَبُولٍ (الْكِفَايَةُ وَالْقُهُسْتَانِيُّ) .
وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُلْزَمَ بِهِ فِيهِ فَائِدَةُ الْمُلْزَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ بِدُونِ رِضَاءِ ذَلِكَ الْآخَرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (167) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي رُكْنِ الْهِبَةِ وَأَدِلَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا يُعَدُّ رُكْنَ الْهِبَةِ رَغْمًا عَنْ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي لَا أَهَبُ مَالِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَ مَالًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ أَوْجَبَ الْهِبَةَ يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ (النِّهَايَةُ) .
كَذَلِكَ إذَا حَلَفَ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ لِفُلَانٍ وَبَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ الْهِبَةَ لَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَلَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ رُكْنَ الْهِبَةِ وَكَانَ الْقَبُولُ رُكْنًا فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِعَدَمِ قَبُولِ الْإِيجَابِ وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يُعَدَّ الْوَاهِبُ حَانِثًا بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِإِنَّنِي لَا أَبِيعُ فُلَانًا مَالًا ثُمَّ بَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ مَالَهُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَلَا يَكُونُ الْمُوجِبُ حَانِثًا (النِّهَايَةُ) . وَتَكُونُ الْهِبَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ (الْعِنَايَةُ) حَتَّى أَنَّ
الْقُهُسْتَانِيَّ قَدْ ذَكَرَ بِكَوْنِ الْقَبُولِ لَيْسَ رُكْنًا هُوَ قَوْلُهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَالًا فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكٌ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا (ابْنُ الْهُمَامِ) فَقَدْ قَالَ: إنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ رُكْنٌ قِيَاسًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا اسْتِحْسَانًا.
تَسْيِيبُ الدَّابَّةِ إذَا تَخَلَّى شَخْصٌ عَنْ حَيَوَانِهِ وَتَرَكَهُ حَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عَاطِلًا وَغَيْرَ نَافِعٍ وَأَخَذَهُ آخَرُ فَأَصْلَحَهُ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُهُ مُطَالِبًا بِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ لِلْحَيَوَانِ: فَلِيَأْخُذْهُ مَنْ يُرِيدُهُ، فَيُصْبِحُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْقَبْضِ يَصِيرُ مَعْلُومًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَائِبًا حِينَمَا تَكَلَّمَ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَعَلِمَ بِهِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ أَمْ كَانَ حَاضِرًا حِينَ قَالَ ذَلِكَ وَسَمِعَ الْكَلَامَ بِأُذُنِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ قَالَ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ بِثَوْبِهِ إلَى الْخَارِجِ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُهُ حِينَ قَذَفَهُ فَلْيَأْخُذْهُ مَنْ أَرَادَهُ (الْخَانِيَّةُ) وَيَتَحَقَّقُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا الشَّخْصُ الَّذِي الْتَقَطَ ذَلِكَ الْمَالَ وَأَصْلَحَهُ أَوْ بِنُكُولِ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ لَدَى اسْتِحْلَافِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَاب الثَّالِثِ) .
أَمَّا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ فَيَقُولُ بِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَرُكْنِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّ الْإِيجَابَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَقِيَامُ الْعَقْدِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلْزَامَ الْمِلْكِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ بِدُونِ قَبُولِهِ (الْفَتْحُ) أَمَّا حِنْثُ حَالِفِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ إيجَابِهِ الْهِبَةَ هُوَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لِلْيَمِينِ يَكُونُ قَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ أَيْ الْإِيجَابِ إذْ إنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ (الْكِفَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُعَدَّ حَانِثًا حَسَبَ هَذَا الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي كُلِّ عَقْدٍ هُوَ الْإِيجَابُ لِلْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (الْفَتْحُ) .
وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْهِبَةِ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ.
الْقَوْلُ الَّذِي قَبِلَتْهُ الْمَجَلَّةُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ: الْهِبَةُ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ كِلَا الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ رُكْنَ الْهِبَةِ.
وَتَتَفَرَّعُ بَعْضُ مَسَائِلَ عَلَى انْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ:
1 -
مَسْأَلَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِوَعْدِ الْهِبَةِ مَثَلًا لَوْ وَعَدَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا لَهُ: إنَّنِي سَأَهَبُك مَا فِي ذِمَّتِك مِنْ الدَّيْنِ لِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ إيَّاهُ فَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَى الْهِبَةِ لِلْوَعْدِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ إذْ لَيْسَ لِلْوَعْدِ مِنْ حُكْمٍ " الْبَهْجَةُ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي.
2 -
مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: إنَّنِي وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ إلَّا أَنَّك لَمْ تَقْبَلْهُ، وَعَجَزَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ إثْبَاتِ قَبُولِ الْهِبَةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ " الْهِنْدِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُنْكِرٌ لِلْهِبَةِ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ مُدَّعٍ بِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) .
إيضَاحَاتٌ فِي حَقِّ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ.
إنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْمَوْهُوبِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ أَيْ تَرَتَّبَ حُكْمٌ عَلَى الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْمَوْهُوبِ فَلِذَا لَيْسَ لِلْهِبَةِ مِنْ حُكْمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ يَبْقَى الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِلْكًا لِلْوَاهِبِ كَمَا كَانَ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ " الْهِدَايَةُ، وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ، وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ.
إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ رُكْنَ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ الرُّكْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ.
لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ: وَبِمَا أَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ الْكَامِلِ فَبِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ. مَثَلًا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: قَدْ وَهَبْت مَالِي الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ لَا يُعَدُّ الْوَاهِبُ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ قَبَضَ مَالَ الْمَوْهُوبِ " الْأَنْقِرْوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ مَعًا فَيَثْبُتُ حُصُولُ الْقَبْضِ وَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّك كُنْت وَهَبْتَنِي هَذَا الْمَالَ الَّذِي تَحْتَ يَدِك وَسَلَّمْته لِي وَقَدْ أَقْرَرْت بِقَبْضِي إيَّاهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا " التَّتَارْخَانِيَّة ".
الْعُقُودُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْقَبْضِ: إنَّ الْعُقُودَ الْمَوْقُوفُ تَمَامُهَا عَلَى الْقَبْضِ هِيَ اثْنَا عَشَرَ عَقْدًا وَهِيَ: (1) الْهِبَةُ (2) الصَّدَقَةُ (3) الرَّهْنُ (4) الْعُمْرَى (5) النِّحْلَةُ (6) الصُّلْحُ (بَعْدَ أَقْسَامِهِ)(7) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ (8) إذَا ظَهَرَ بَعْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ زُيُوفًا قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (9) الصَّرْفُ (10) الْكَيْلُ إذَا بِيعَ بِكَيْلٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (11) الْوَزْنُ إذَا بِيعَ بِوَزْنٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِمَجْلِسِ الْبَيْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ)(12) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (371) .
الْأَدِلَّةُ عَلَى لُزُومِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا حُكْمُ الْمِلْكِيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَالْمَقْصِدُ فِي ذَلِكَ نَفْيُ الْمِلْكِ " أَبُو السُّعُودِ " أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْجَوَازُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ (الْهِدَايَةُ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَسَبَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (57) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ إجْبَارَ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ إنَّ إيجَابَ شَيْءٍ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ التَّبَرُّعَاتِ " الْفَتْحُ ".
وَالْحَاصِلُ لَوْ ثَبَتَتْ الْمِلْكِيَّةُ فِي الْمَوْهُوبِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْهِبَةِ لَأَصْبَحَ الْوَاهِبُ مُطَالِبًا بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي أَسْئِلَةٌ ثَلَاثَةٌ: (1) س - إنَّ الْوَاهِبَ بِهِبَتِهِ الْمَالَ يَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ إذْ إنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ شَخْصٌ نَقْلَ شَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ وَشَرَعَ فِي نَقْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ.
ج - لِلْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ مِلْكَانِ الْأَوَّلُ مِلْكُ الْمَالِ وَالثَّانِي مِلْكُ الْيَدِ وَمِلْكُ الْيَدِ مَقْصُودٌ كَمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا غُصِبَتْ فَكَمَا أَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ كَذَلِكَ تَكُونُ الْيَدُ مَضْمُونَةً أَيْضًا إذَا غُصِبَتْ إذْ الْمَادَّةُ (1637) تَبْحَثُ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَأْجُورِ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْيَدِ مَضْمُونٌ وَضَمَانُ مِلْكِ الْيَدِ هُوَ بِرَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ. كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي مَبَاحِثِ اللُّقَطَةِ إذَا أُخِذَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَلِلْمُلْتَقِطِ اسْتِرْدَادُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَضْمُونَةٌ وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْهِبَةِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِمَا فَالْتِزَامُ الْوَاهِبِ أَحَدَهُمَا لَا يُوجِبُ الْتِزَامَهُ الْآخَرَ " الْكِفَايَةُ وَالْهِدَايَةُ بِزِيَادَةٍ ".
(2)
س - إذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهِبَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِيَّةِ بِصُورَةِ أَلَّا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى التَّسْلِيمِ. إنَّ الْمِلْكِيَّةَ الَّتِي تَثْبُتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ هُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ كَيْفَمَا يَشَاءُ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1192) وَلَا يَحْصُلُ هَذَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِوُجُودِ حَقِّ الْقَبْضِ " الْكِفَايَةُ " فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ مِنْ الْوَاهِبِ وَتَسْلِيمَهُ لِلْمُشْتَرِي.
(3)
س - بِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَبَرُّعٌ وَهِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَغَيْرُ مَوْقُوفَةٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ أَيْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ هِبَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْمَوْتِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ بَحْثِنَا هِبَةٌ مُرْسَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَبِمَا أَنَّ الْهِبَةَ الْمُعَلَّقَةَ تَتِمُّ بِلَا قَبْضٍ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ بِلَا قَبْضٍ أَيْضًا.
ج - إنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِوَفَاةِ الْمُوصِي تَزُولُ مِلْكِيَّتُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ فَلَا يَحْصُلُ هُنَا إلْزَامُ شَخْصٍ عَلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْهِبَةِ وَحَتَّى لَمْ يَبْقَ لُزُومٌ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَبَرِّعِ. أَمَّا حَقُّ الْوَارِثِ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ إذْ إنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمُوصَى بِهِ حَتَّى تَتَوَقَّفَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لِلْمُوصَى بِهِ " الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ وَالْعِنَايَةُ، " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 57 ".
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ.
" 1 " - مَسْأَلَةٌ: إذَا وَهَبَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ أَوْدَعَهُ لِشَخْصٍ خِلَافَهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ وَسَلَّمَ الْمُسْتَوْدَعَ ذَلِكَ الْمَالَ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِنَادًا عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْوَاهِبِ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ ذَلِكَ الْمَالِ إمَّا لِلْمُسْتَوْدَعِ وَإِمَّا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 910 "" النَّتِيجَةُ ".
مَسْأَلَةٌ: إذَا أَمَرَ شَخْصٌ شَرِيكَهُ بِأَنْ يُعْطِيَ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ لِابْنِهِ وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ عَنْ الْإِعْطَاءِ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِعْطَاءَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ قَدْ وَكَّلَ ابْنَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ شَرِيكِهِ فَإِذَا كَانَ الشَّرِيكُ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِهَذِهِ الْوَكَالَةِ فَلِلِابْنِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ وَيَطْلُبَ تَسْلِيمَ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ إعْطَاءَ الْمَالِ عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ وَيَطْلُبَ تَسْلِيمَ الْمَالِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَتِمَّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ " الْبَحْرُ " وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ ".
" 3 " - مَسْأَلَةٌ: إذَا أَخَذَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالٍ لِيُعْطِيَهُ لِفَقِيرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْفَقِيرَ فِي بَيْتِهِ فَلِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ أَوْ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى أُمُورِهِ وَيَسْتَهْلِكَهُ " الْوَجِيزُ ".
" 4 " مَسْأَلَةٌ - إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ حَسَبَ مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ " 849 ".
" 5 " مَسْأَلَةٌ - إنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْهِبَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ " الْهِنْدِيَّةُ " وَلِذَلِكَ لِلْوَكِيلِ بِالْهِبَةِ بَعْدَ إيجَابِهِ الْهِبَةَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ: إنِّي وَكَّلْتُهُ بِالْهِبَةِ فَقَطْ وَلَمْ أُوَكِّلْهُ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ.
تَقْسِيمُ الْقَبْضِ قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ كَامِلًا وَالْقَبْضُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الْقَبْضُ الْكَامِلُ. وَهُوَ يَكُونُ بِقَبْضِ كُلِّ مَوْهُوبٍ بِالصُّورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِقَبْضِهِ فَإِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارًا فَقَبَضَ مِفْتَاحَهَا هُوَ قَبْضٌ لِلدَّارِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي - الْقَبْضُ النَّاقِصُ، كَقَبْضِ حِصَّةٍ شَائِعَةٍ فِي مَالٍ وُهِبَ بَعْضُهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي الْقَبْضُ النَّاقِصُ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ إذَا وُهِبَ بَعْضُ مَالٍ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ يَجِبُ إفْرَازُ وَتَقْسِيمُ الْحِصَّةِ الْمَوْهُوبَةِ وَتَسْلِيمُهَا وَقَبْضُهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا إذَا سُلِّمَتْ الْحِصَّةُ الْمَوْهُوبَةُ مَعَ الْحِصَّةِ الْغَيْرِ مَوْهُوبَةٍ بِدُونِ إفْرَازٍ وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ " 858 ".
وَقَدْ بُيِّنَ فِي الْمَوَادِّ " 841 و 842 و 843 " أَنْوَاعَ هَذَا الْقَبْضِ وَشُرُوطِهِ أَمَّا إذَا وُهِبَ الْمَالُ الْغَيْرُ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ فَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ الْوَاقِعِ بِالتَّبَعِ أَيْ الْقَبْضِ الَّذِي يَحْصُلُ ضِمْنًا بِقَبْضِ كُلِّ الْمَالِ " الدُّرَرُ وَالطَّحْطَاوِيُّ ".
تَقْسِيمُ الْقَبْضِ الْكَامِلِ: الْقَبْضُ الْكَامِلُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ - الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ كَأَخْذِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِيَدِهِ أَوْ حَمْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ وَذَهَابِهِ بِهِ " الطَّحْطَاوِيُّ ".
النَّوْعُ الثَّانِي - الْقَبْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْقَبْضِ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ وَمِثَالُهُ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا مَوْجُودًا