الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً - عِنْدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَلَا يَكُونُ أَيْضًا لُقَطَةً لِلْعِلْمِ بِصَاحِبِهِ بَلْ يَكُونُ أَمَانَةً فَقَطْ وَلَفْظُ (كَمَا لَوْ. ..) هَذَا مِثَالٌ لِفِقْرَةِ (بِدُونِ قَصْدٍ وَعَقْدٍ. ..)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّالِفَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَاتِ السَّائِرَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.
وَالْحَمْلُ فِي قَوْلِهِمْ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْمُسْتَعَارُ أَمَانَةٌ وَالْمَأْجُورُ أَمَانَةٌ) مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَالْحَمْلِ فِي قَوْلِهِمْ (كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ) وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا عَكْسُهُ أَيْ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَالْقَوْلِ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ لَا يَجُوزُ. مَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ وَمَادَّةُ الِافْتِرَاقِ - يَجْتَمِعُ خُصُوصُ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً وَدِيعَةً فِي الْمَالِ الَّذِي أُعْطِيَ ضِمْنَ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُعْطِيَ لِأَجْلِ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ يَكُونُ أَمَانَةً وَدِيعَةً مَعًا. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ مَالُ شَخْصٍ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ بِسَبَبِ هُبُوبِ الرِّيحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلَيْسَ وَدِيعَةً. فَتَفْتَرِقُ الْأَمَانَةُ عَنْ الْوَدِيعَةِ فِي هَذَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ فَرْقَانِ مُخْتَلِفَانِ:
الْأَوَّلُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وُجُودُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ مُطْلَقٍ بَيْنَهُمَا.
الثَّانِي - اخْتِلَافُ الْأَمَانَةِ عَنْ الْوَدِيعَةِ حُكْمًا أَيْضًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. مَثَلًا بَيْنَمَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضَعُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً وَمُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ بَعْدَ مُخَالِفَتِهِ وَعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَمِينُ بَعْدَ الْمُخَالِفَةِ وَالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ، يَعْنِي حَتَّى وَلَوْ أَزَالَ الْأَمِينُ تَعَدِّيهِ بِقَصْدِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى لَا يَزُولُ حُكْمُ الضَّمَانِ وَلَا تَنْقَلِبُ يَدُ الْغَصْبِ أَيْ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ بِمُجَرَّدِ إزَالَةِ التَّعَدِّي بِنِيَّةِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَعَدَّى عَلَى الْأَمَانَةِ بَلْ تَبْقَى فِي ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا سَالِمَةً. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787)(الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْحَثْ فِيهِ فِي عُمُومِ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ بِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ أَنَّهُ بَحَثَ فِي بَعْضِ الْأَمَانَاتِ كَاللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَرَى الْبَحْثُ فِي الْمَادَّةِ (370) عَلَى أَمَانَةِ الْمَبِيعِ بَاطِلًا وَفِي الْمَادَّةِ (600) عَلَى أَمَانَةِ الْمَأْجُورِ وَفِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) عَلَى أَمَانَةِ الْمَرْهُونِ وَفِي الْمَادَّةِ (1350) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (1413) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (1461) عَلَى أَمَانَةِ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ.
[
(الْمَادَّةُ 763) الْوَدِيعَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُودَعُ عِنْدَ شَخْصٍ لِأَجْلِ الْحِفْظ]
الْوَدِيعَةُ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ رَدْعِ وَمَعْنَى الْوَدْعُ التَّرْكُ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ وَزْنُ فَعِيلٍ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَحِيمٍ وَبِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَقَتِيلٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الشَّرْعِيِّ الْآتِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ.
إذَنْ فَاسْتِعْمَالُ وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ يَكُونُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ سَوَاءٌ حِينَمَا يَتَقَدَّمُ مَوْصُوفُهُ عَلَيْهِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ وَحَيْثُ إنَّ تَعْبِيرَيْ رَجُلٌ قَتِيلٌ وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ صَحِيحٌ فَالتَّاءُ الَّتِي فِي آخِرِ كَلِمَةِ وَدِيعَةٍ لَيْسَتْ عَلَامَةً
لِلتَّأْنِيثِ بَلْ أَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى انْتِقَالِهَا مِنْ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ.
وَاسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ (وَدْعٍ) وَمَاضِيهِ فِي اللُّغَةِ وَاقِعٌ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْعَالِي (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ) وَفِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] بِتَخْفِيفِ وَدَّعَكَ (الزَّيْلَعِيّ) . وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الزنجاني قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى عِزِّي وَأَمَاتُوا مَاضِي يَدَعُ أَيْ أَنَّهُمْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَ الْمَاضِي الَّذِي مُضَارِعُهُ يَدَعُ وَلَا يُقَالُ وَدَعَهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ: تَرَكَهُ وَلَا وَادِعٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ: تَارِكٌ (سَعْدُ الدِّينِ عَلِيٌّ الْعَزِيُّ) . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا أَمَاتُوهُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ نَطَقُوا بِهِ نَادِرًا فَيَكُونُ هَهُنَا مِنْ قَبِيلِ النَّادِرِ (الْبَاجُورِيُّ) . وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّائِعَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ وَمَاضِيهِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ يَعْنِي تَوْدِيعٌ وَوَدَّعَ أَوْ مِنْ بَابِ إفْعَالٍ أَيْ إيدَاعٌ وَأَوْدَعَ فَاسْتَعْمَلَتْهُ الْمَجَلَّةُ مِنْ بَابِ إفْعَالٍ. ثَالِثًا - النَّهْيُ وَالْمَنْعُ فِي الْعَارِيَّةِ لَهُ عَمَلٌ وَتَأْثِيرٌ وَالْحَالُ لَا عَمَلَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلنَّهْيِ فِي التَّمَلُّكِ كَالْإِجَارَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا نَهَى الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعَارِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَأَمَّا إذَا نَهَى الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَأْجُورِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا حُكْمَ لِذَلِكَ النَّهْيِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَيَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا أَوْ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا أَوْ مَا دُونَهَا. رَابِعًا - إجَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ لَا تَجُوزُ فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ تَمْلِيكٌ وَإِجَارَةٌ مَمْلُوكَةٌ (الزَّيْلَعِيّ) كَمَا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إيجَارُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي مَلَكَهَا بَعْدَ الْإِجَارَةِ لِلْآخَرِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 428) وَشَرْحَهَا.
وَذَهَبَ عُلَمَاءُ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ اخْتَارَتْ هَذَا الْقَوْلَ.
وَأَدِلَّةُ هَؤُلَاءِ هِيَ هَذِهِ: أَوَّلًا - لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ كَمَا ذُكِرَ عِبَارَةً عَنْ الْإِبَاحَةِ لَمَا كَانَ لِلْمُبَاحِ أَنْ يُبِيحَهَا لِلْآخَرِ مَثَلًا مَتَى أُبِيحَ الطَّعَامُ لِأَحَدٍ فَمَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَنَاوَلَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ وَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ وَلَمَّا جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ الْآخَرِ وَالْحَالُ أَنَّ عِبَارَةَ لِلْآخَرِ جَائِزَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (819)(الزَّيْلَعِيّ) .
ثَانِيًا - انْعِقَادُ الْإِعَارَةِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ يَشْهَدُ عَلَى تَمْلِيكٍ وَلَيْسَتْ إبَاحَةً (الْبَحْرُ) وَالصَّحِيحُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْقَائِلُ بِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَبِمَا أَنَّ عَامَّةَ الْحَنَفِيَّةِ ذَهَبُوا لِهَذَا الْقَوْلِ فَالْمَجَلَّةُ اخْتَارَتْهُ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَيُمْكِنُ إعْطَاءُ الْجَوَابِ عَلَى أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا إبَاحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: الْجَوَابُ عَلَى الْأَوَّلِ - الِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي وَلَيْسَ لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 3) . .
الْجَوَابُ عَلَى الثَّانِي - بِمَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا وَأَنَّ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَ فَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ لَا تُوجِبُ النِّزَاعَ. وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تَكُونُ جَالِبَةً لِلنِّزَاعِ لَا تَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْعَقْدِ. كَبَيْعِ الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ وَتَسَلُّمٍ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (200) . وَأَمَّا الْمُعَاوَضَاتُ كَالْإِجَارَةِ فَحَيْثُ إنَّهَا لَازِمَةٌ وَإِنَّ الْجَهَالَةَ
فِيهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ لَازِمٌ فِيهَا (الزَّيْلَعِيّ) وَلِذَلِكَ قَيَّدَتْ الْمَجَلَّةُ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ بِقَيْدِ (مَعْلُومَةٌ) وَتَرَكَتْ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا.
الْجَوَابُ عَلَى الثَّالِثِ - حَيْثُ إنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَإِنَّ لِلْمُعِيرِ حَقَّ الرُّجُوعِ مَتَى أَرَادَ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6 80) فَلَا عَمَلَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلنَّهْيِ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِعَارَةِ.
الْجَوَابُ عَلَى الرَّابِعِ - إنَّ عَدَمَ جَوَازِ إجَازَةِ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (823) مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِلْزَامِهِ شَيْئًا غَيْرَ جَائِزٍ كَلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ أَوْ عَدَمِ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَلَيْسَ نَاتِجًا عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ تَمْلِيكٍ حَتَّى أَنَّهُ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ جَائِزَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكٌ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 815) .
تَقْسِيمُ التَّمْلِيكَاتِ: الشَّيْءُ الَّذِي يُمْلَكُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالًا أَوْ مَنْفَعَةً وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إمَّا أَنْ يُمْلَكَ فِي مُقَابِلِهِ بَدَلٌ أَوْ مَجَّانًا فَتَمْلِيكُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ يَكُونُ بَيْعًا وَالتَّمْلِيكُ مَجَّانًا يَكُونُ هِبَةً كَمَا وَأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ يَكُونُ إجَارَةً وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مَجَّانًا يَكُونُ عَارِيَّةً.
فَبَيْنَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ أَيْنَمَا يُوجَدُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ يُوجَدُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ. أَفَلَا يُرَى أَنَّهُ مِنْ مَلَّكَ شَخْصًا مَالًا بِالِاشْتِرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ يَصِيرُ مَالِكًا أَيْضًا لِمَنْفَعَتِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْإِعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
فَلْنَشْرَحْ الْآنَ الْقُيُودَ الْوَاقِعَةَ فِي التَّعْرِيفِ:
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ (مَجَّانًا) - قَيْدُ مَجَّانًا هُنَا مَرْبُوطٌ بِالتَّمْلِيكِ وَمَوْقِعُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى بَعْدَ قَيْدِ مَنْفَعَتِهِ فَبِقَيْدِ (مَجَّانًا) يَبْقَى الْمَأْجُورُ خَارِجًا كَمَا وَأَنَّهُ بِقَيْدِ (مَنْفَعَتِهِ) أَيْضًا بَقِيَتْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي مُلِكَتْ أَعْيَانُهَا خَارِجَةً مِثْلُ الْقَرْضِ وَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ بِعَيْنِهِ.
وَلَا مَجَالٍ لِلْقَوْلِ إنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْقَرْضَ وَالْمَبِيعَ يَبْقَيَانِ خَارِجَيْنِ بِقَيْدِ (مَجَّانًا) فَلَا لُزُومَ لِإِخْرَاجِهَا بِقَيْدِ (مَنْفَعَتِهِ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ: الْعَارِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ مَجَّانًا يَعْنِي بِلَا بَدَلٍ.
يَتَفَرَّعُ بَعْضُ مَسَائِلَ عَلَى خُصُوصِ كَوْنِ الْعَارِيَّةِ بِلَا بَدَلٍ.
1 -
مَسْأَلَةٌ - نَظَرًا لِأَنَّ قَيْدَ (بِلَا بَدَلٍ) مُعْتَبَرٌ فِي الْعَارِيَّةِ فَإِذَا اسْتَعَارَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عَرْصَةً عَلَى أَنْ يُنْشِئَ عَلَيْهَا أَبْنِيَةً وَيَسْكُنَ فِيهَا وَتَعُودَ إلَى صَاحِبِهَا مَتَى خَرَجَ مِنْهَا لَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ عَارِيَّةً بَلْ إجَارَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْأُجْرَةَ مَجْهُولَتَانِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ يَصِيرُ الْبِنَاءُ مِلْكَ الْمُسْتَعِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُعِيرُ أَجْرَ مِثْلِ عَرْصَتِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْعَارِيَّةِ) . رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (0 5 4 و 2 46)(الْبَحْرُ) .
2 -
مَسْأَلَةٌ - إذَا شُرِطَتْ تَأْدِيَةُ ضَرِيبَةِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ يَخْرُجُ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ كَوْنِهِ إعَارَةً وَيَصِيرُ إجَارَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ ضَرِيبَةَ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَا يُقَاسَ عَلَى الْمَادَّةِ (5 81) .
وَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْإِجَارَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هِيَ أَنْ يَضُمَّ مِقْدَارَ الضَّرِيبَةِ عَلَى بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَبَعْدَ أَنْ يُسَمَّى بَدَلُ الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَأْمُرُ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِأَنْ يُعْطِيَ الضَّرِيبَةَ مِنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْبَدَلِ الْمَذْكُورِ. وَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا مِنْ طَرَفِ الْمُؤَجِّرِ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الضَّرِيبَةِ مِنْ بَدَلِ الْإِجَارَةِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (59 4 1) . (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْقَيْدُ الثَّانِي الْمَنْفَعَةُ - بِمَا أَنَّ تَعْبِيرَ الْمَنْفَعَةِ هُنَا ذُكِرَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَكَمَا أَنَّهُ يَكُونُ شَامِلًا لِكُلِّ مَنْفَعَةٍ فَالْمَالُ يَكُونُ شَامِلًا أَيْضًا لِمَنْفَعَةِ جُزْءٍ شَايِعٍ مِنْ الْمَالِ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ إعَارَةَ الْمَشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ وَغَيْرِ الْقَابِلِ صَحِيحَةٌ. وَسَوَاءٌ أُعِيرَ إلَى الشَّرِيكِ أَوْ إلَى أَجْنَبِيٍّ كَمَا أَنَّ إعَارَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ إلَى شَخْصَيْنِ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَسَوَاءٌ أُعِيرَ عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ مُنَاصَفَةً أَوْ بِنِسْبَةِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ أُجْمِلَتْ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ تُفَصَّلْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْعَارِيَّة) .
سُؤَالٌ - وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (29 4) إنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. مَعَ أَنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ. فَمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ .
الْجَوَابُ - إنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَبِالنَّظَرِ لِكَوْنِهَا مُعَاوَضَةً فَلَا مُسَامَحَةَ فِيهَا.
مَنْفَعَةُ الْمُسْتَعَارِ: كَمَا وَأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمُسْتَعَارِ تَكُونُ بِأَشْيَاءَ كَاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ وَرَهْنِ الْمَالِ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ كَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا بِإِيجَارِ الْمُسْتَعَارِ إلَى آخَرَ وَانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ بِبَدَلِ الْإِجَارَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ) .
مَثَلًا لَوْ أَعْطَى الْمُعِيرُ مَالَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ بِإِيجَارِهِ لِلْغَيْرِ وَالِانْتِفَاعِ بِبَدَلِهِ جَازَ وَكَانَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ مِلْكَ الْمُسْتَعِيرِ.
أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا عَلَى تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ الْمَالُ الَّذِي أُوصِيَتْ مَنْفَعَتُهُ. مَثَلًا لَوْ قَالَ رَجُلٌ: إذَا تُوُفِّيتُ فَلْيَسْكُنْ زَيْدٌ فِي دَارِي هَذِهِ مُدَّةَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ وَصِيَّةٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَيْثُ إنَّ تَعْرِيفَ الْعَارِيَّةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ.
الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ وَمَالِ التَّعْرِيفِ هُوَ (الْمَالُ الَّذِي مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ فِي الْحَالِ) وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا تَمْلِيكَ فِي الْحَالِ بَلْ أَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ فِي عَرْصَةِ شَخْصٍ آخَرَ حَقُّ مُرُورٍ مُجَرَّدٍ عَنْ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَوَهَبَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَقَّ مُرُورِ هَذَا إلَى صَاحِبِ الْعَرْصَةِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ إسْقَاطًا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْرِيفُ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ.
الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْلِيكِ التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ حَقُّ الرُّجُوعِ مَتَى أَرَادَ وَإِلَّا لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ. حَتَّى أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (6 80) لِلْمُعِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ مَتَى شَاءَ عَنْ هَذَا التَّمْلِيكِ. فَحِينَمَا قُصِدَ مِنْ هَذَا التَّمْلِيكِ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ أَيْ هِبَةُ حَقِّ الْمُرُورِ أَبَدًا فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّعْرِيفِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مُوجِبٍ لِعِلَاوَةِ عِبَارَةِ (لَا عَلَى التَّأْبِيدِ) وَأَيْضًا تَعْبِيرُ (مُلِكَتْ) الْمَذْكُورُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَجْلِ إخْرَاجِ هَذِهِ الْهِبَةِ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ فِي الْعَارِيَّةِ) .