الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النسفي: أي أجرينا فيها روح المسيح، أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها، فأحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها، وإضافة الروح إليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام. وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً أي دلالة على أن الله على كل شئ قدير، وأنه يخلق ما يشاء، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون لِلْعالَمِينَ أي للجن والإنس.
نقول:
بمناسبة قوله تعالى عن داود عليه السلام: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ قال صاحب الظلال: (تلك هي صنعة الدروع حلقا متداخلة، بعد أن كانت تصنع صفيحة واحدة جامدة، والزرد المتدخل أيسر استعمالا وأكثر مرونة، ويبدو أن داود هو الذي ابتدع هذا النوع من الدروع بتعليم الله. والله يمن على الناس أن علم داود هذه الصناعة لوقايتهم في الحرب: لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ وهو يسألهم سؤال توجيه وتحضيض: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟ ..
والحضارة البشرية سارت في طريقها خطوة خطوة وراء الكشوف. ولم تجئ طفرة، لأن خلافة الأرض تركت لهذا الإنسان، ولمداركه التي زوده الله بها ليخطو في كل يوم خطوة، ويعيد تنسيق حياته وفق هذه الخطوة. وإعادة تنسيق الحياة وفق نظام جديد ليست سهلة على النفس البشرية، فهي تهز أعماقها وتغير عاداتها ومألوفها، وتقتضي فترة من الزمان لإعادة الاستقرار الذي تطمئن فيه إلى العمل والإنتاج. ومن ثم شاءت حكمة الله أن تكون هناك فترة استقرار تطول أو تقصر بعد كل تنسيق جديد.
والقلق الذي يستولي على أعصاب العالم اليوم منشؤه الأول سرعة توالي الهزات العلمية والاجتماعية التي لا تدع للبشرية فترة استقرار، ولا تدع للنفس فرصة التكيف والتذوق للوضع الجديد).
وبمناسبة الكلام عن سليمان عليه السلام في السورة يقول صاحب الظلال:
(وتدور حول سليمان روايات وتصورات وأقاويل، معظمها مستمد من الإسرائيليات والتخيلات والأوهام. ولكي لا نضل في هذا التيه. فإننا نقف عند حدود النصوص القرآنية وليس وراءها أثر مستيقن في قصة سليمان بالذات.
والنص القرآني هنا يقرر تسخير الريح- وهي عاصفة- لسليمان تجري بأمره إلى
الأرض التي باركنا فيها. وهي في الغالب الشام لسبق الإشارة إليها بهذه الصفة في قصة إبراهيم. فكيف كان هذا التسخير؟. هنالك قصة بساط الريح الذي قيل: إن سليمان كان يجلس عليه هو وحاشيته فيطير بهم إلى الشام في فترة وجيزة. وهي مسافة كانت تقطع في شهر على الجمال. ثم يعود كذلك .. وتستند هذه الرواية إلى ما ورد في سورة سبأ من قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ
ولكن القرآن لم يذكر شيئا عن بساط الريح ذلك؟ ولم يرد ذكره كذلك في أي أثر مستيقن. فليس لنا ما نستند عليه لنقرر مسألة البساط، والأسلم إذن أن نفسر تسخير الريح بتوجيهها- بأمر الله- إلى الأرض المباركة في دورة تستغرق شهرا طردا وعكسا كيف؟ لقد قلنا: إن القدرة الإلهية الطليقة لا تسأل كيف؟
فخلق النواميس وتوجيهها هو من اختصاص تلك القدرة الطليقة. والمعلوم للبشر من نواميس الوجود قليل. ولا يمتنع أن تكون هناك نواميس أخرى خفية على البشر تعمل
وتظهر آثارها عند ما يؤذن لها بالظهور: وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ
…
العالم المطلق لا كعلم البشر المحدود وكذلك تسخير الجن لسليمان- عليه السلام ليغوصوا في أعماق البحر وأعماق اليابسة. ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان، أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك .. فالجن كل ما خفي وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك. وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده.
وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء)
وبمناسبة الكلام عن إدريس وذي الكفل في السورة يقول صاحب الظلال: (وأما إدريس فقد سبق إن زمانه مجهول وكذلك مكانه، وإن هنالك قولا بأنه أوزوريس الذي عبده المصريون بعد موته، وصاغوا حوله الأساطير. بوصفه المعلم الأول للبشر، الذي علمهم الزراعة والصناعة: ولكننا لا نملك على هذا دليلا. فلنعلم أنه كان من الصابرين على نحو من أنحاء الصبر الذي يستحق التسجيل في كتاب الله الباقي.
وأما ذو الكفل فهو كذلك مجهول لا نملك تحديد زمانه ولا مكانه. والأرجح أنه من أنبياء بني إسرائيل. وقيل: إنه من صالحيهم، وأنه تكفل لأحد أنبيائه قبل موت هذا النبي. بأن يخلفه في بني إسرائيل على أن يتكفل بثلاث: أن يقوم الليل، ويصوم النهار ولا يغضب في القضاء. فوفى بما تكفل به، وسمي ذا الكفل لذاك، ولكن هذه ليست