الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبراير سنة 1937 ما يلي:
لغة الطير:
كشف عالم ألماني- بعد ملاحظات دقيقة وصبر طويل- أثرا لم ينتبه إليه أحد قبله وهو أن الطيور لا تصدح فقط ولكنها تتكلم. ولها على مثال البشر لهجات خاصة.
مثال ذلك: أن الشحرور النمساوي لا يفهم لهجة الشحرور البافاري، والشحرور الفرنساوي لا يفهم لهجة الشحرور الإنكليزي) اه.
وفي كتاب (دنيا الحشرات) تأليف فرديناند لين ترجمة «أحمد عماد الدين أبو النصر» الذي صدر في سلسلة «كل شيء عن» في عددها السابع: هذا البحث عن النمل: تحت عنوان: النمل ذلك الشغال المدهش:
(يقوم النحل والزنابير بأعمال مدهشة، ولكن النمل يظهر براعة وذكاء أعظم، ومن بين الحشرات جميعا يتشابه النمل معنا في العادات، فهو يبني المدن، ويشق الطرق، ويحفر الأنفاق، ويخزن الطعام في شئون خاصة به وبعض أنواعه تزرع الحدائق والنباتات أيضا، ومن النمل نوع يحتفظ بمواش خاصة به ويرعاها، ومن المؤسف حقا أن نقول إن النمل أيضا يعلن الحرب بين قبائله، ويأخذ المنتصر أسرى من النمل الضعيف، وبالاختصار فللنمل مدينة غريبة تخصه. يعيش النمل حياة أطول من النحل، فبينما تفني شغالة النحل المسكينة نفسها في عمل متواصل لمدة ستة أسابيع قد تعيش شغالة النمل مدة سبعة أعوام ويصل عمر ملكة النحل إلى أربعة أعوام أو خمسة، بينما تدوم ملكة النمل نحو ثمانية عشر عاما، ويتغذى النحل على العسل وخبز النحل، بينما يأكل النمل كل أنواع الطعام تقريبا. ويظهر النمل على صغر حجمه تمسكا عجيبا بالحياة، فقد عاشت نملة تحت الماء نحو ثلاثة أيام، وظلت غيرها مدة ثمانية أيام بدون هواء تماما، وثالثة بقيت حية مدة واحد وأربعين يوما بعد أن فصل رأسها عن جسدها. وهناك آلاف من أنواع النمل، منها ما يبلغ طوله بوصة تقريبا، ومنها ما لا يزيد حجمه على ذرة من تراب، ويختلف النمل في عاداته تماما كما يحدث عند الإنسان.
وتعيش أغلب أنواع النمل تحت الأرض، ولكن النمل «النجار» يقيم مساكنه في الأشجار الميتة أو في أخشاب المنازل القديمة، ويستعمل «نمل الخشب» أوراق الصنوبر الإبرية في بناية مساكنه التي قد ترتفع بضع أقدام، ويبلغ عرضها عدة أقدام.
وعند ما يحين وقت التجمع تطير الذكور والإناث معا في سحابة كبيرة، وكلا الجنسين له أجنحة، وبعد ذلك يتفرق ويموت أغلبه، ولكن حيثما يحط منه ذكر وأنثى يبدءان في حفر بيت لهما في التربة، ولا يعيش الذكر طويلا بينما يكون أمام الأنثى شهور طويلة من العمل. وبما أن أجنحتها أصبحت عديمة الفائدة فهي تقطعها أو تقرضها بفكوكها، وتبدأ وضع البيض في جرة لها تحت الأرض، ومنه تخرج يرقات لا أرجل لها، وبما أنها لا تملك طعاما فإنها تغذيها من لعابها نفسه. وعند ما يشتد بالأم الجوع تأكل بعضا من بيضها ذاته. بالرغم من أن المعروف عنها أنها قد تعيش مدة عام تقريبا بدون أكل. وتغزل يرقات النمل شرانق صغيرة تتحول داخلها إلى عذارى، وأخيرا تقرض طريقها إلى الخارج، والنمل الجديد يكون كما يحدث في معظم أنواع النحل من صنف الشغالة، وهو يساعد أمه في حفر حجرات أكبر ويسعى إلى جمع الطعام، وقد تمر أعوام عديدة قبل أن يكتمل نمو المستعمرة وعندئذ تترك النملة الأم العمل وتستريح، فلقد أصبحت الآن ملكة حقيقية، وليس أمامها إلا وضع البيض والتمتع بالغذاء. وقد تنمو ملكة الأنواع الاستوائية حتى تبلغ حجما يساوى حجم الشغالة مائة مرة، ولكنها على عكس ملكة النحل- التي تغار من شقيقاتها وتلسعها حتى الموت، ترحب ملكة النمل بمجيء الملكات الجديدة كي تنمو المستعمرة وتكبر. ويملك النحل كيسا للعسل في بطنه يخزن فيه الرحيق، وعند النمل كيس مشابه يسمى «المعدة الاشتراكية» لأنه كثيرا ما يشاركها غيرها من النمل في محتويات هذا الكيس.
وللنحل ثلاث طوائف فقط: الملكات والذكور والشغالة، ولكن النمل له عادة طائفة رابعة وهي العساكر، وهذا الطائفة تحرس العش، أو تخرج في غارات على قبائل النمل الأخرى، جسمها أكبر من جسم الشغالة، ورءوسها كبيرة ذات فكوك قوية كالمبرد، وبعضها له إبرة مثل النحل، ولكن معظم أنواعها يعض ويحتوي لعابها علي حامض الفورميك الذي يسبب الألم في لسعة النحلة، وفي الحقيقة سمي هذا الحامض عن النملة التي أطلق عليها الرومان اسم «فورميكا» .
وتقوم شغالة النحل بأعمال كثيرة، ولكن النمل قسم نفسه إلى طوائف مميزة، ولقد وصف العلماء أكثر من عشرين صنفا من الشغالة، وأغربها تلك الشغالة التي أصبحت بمثابة براميل حية لخزن الرحيق، وعصارة بعض الأشجار والنباتات، وهي تمتلئ بهذا السائل الحلو حتى تنتفخ معدتها كالبالون الصغير، وتتعلق في سقف العش عاما بعد عام
وتملؤها الشغالة الأخرى بالرحيق الذي يعودون لتذوقه بعد حين، وربما لا نجد مثل هذه التضحية بالنفس في أي مجتمع آخر.
ويصنع النحل من الشمع دور حضانة لصغاره، أما النمل فكثيرا ما يحمل معه الشرانق التي تحوي صغاره حيثما تنقل، وتسمى هذه الشرانق خطأ بيض النمل، ولكنها في الحقيقة عذارى النمل وليست بيضه.
وتقوم النملة الشغالة بتنظيف جسمها داخل العش كما تفعل القطة الصغيرة، وربما تفعل ذلك عشرين مرة في اليوم الواحد، وأحيانا تتكور النملة وتنام كما يفعل الكلب، وعند ما تستيقظ تتمطى وتفتح فمها كما لو كانت تتثاءب.
وقد يسكن نوعان مختلفان من النمل أنحاء منفصلة في عش واحد، ويحتفظ النمل بحشرات صغيرة كثيرة استأنسها، ولقد وجد نحو ألفي نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن النمل الذي نجح في استئناس العدد الكبير من الحيوانات المختلفة أكثر مما استأنسه الإنسان.
ومع ذلك ليس كل هؤلاء السكان من المرغوب فيهم، فهناك حفار الغيط الصغير الذي يفضل مساكن النمل الآمنة التي شقي في حفرها النمل، وكذلك تغزو بعض الخنافس المتوحشة عشه. بيد أن للنمل أعداء أفظع، فأنواع كثيرة من الطيور تلتهمه، وكذلك «السحالي» والضفادع، ويلتقطه آكل النمل العملاق في جنوب أمريكا بالمئات بواسطة لسانه اللزج، وبعض القبائل من الأهالي تحب أكل النمل، ويعتبر نمل «قوارير العسل» من الحلوى النادرة عند هنود المكسيك، وحتى الأوربيون وجدوا أن طعم النمل المحمر يشبه طعم الجوز المحمص. وأغرب أعداء النمل جميعا حشرة عجيبة تشبه الرعاش، وهي غير ضارة مطلقا في طورها الكامل، ولكن في طورها اليرقي تكون مخلوقا متوحشا يسمى «أسد النمل» ويقل طولها حينئذ عن البوصة، وأرجلها الست ضعيفة لدرجة أنها تمشي بصعوبة، وإلى الخلف فقط، ولها ست عيون، وليس لها فم، ولكن فكوكها المتباعدة المزودة بأشواك حادة تجري داخلها قنوات تمتص بها غذاءها، وتحفر هذه الحشرة حفرة قمعية الشكل في الرمل، وتدفن نفسها في القاع تاركة فكوكها مكشوفة فقط، وعند مجيء نملة إلى حافة الحفرة تسقط وتنزلق على الرمل الناعم. وإذا ما حاولت الفرار تسرع «أسد النمل» وترميها بحباب الرمل، حتى تسقط إلى القاع، وعند ما تصبح في متناول الفكوك تمتص جسمها وتتركه جافا بعد فترة وجيزة، ويسميها