الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ: (وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد- ولعله كان يشعر كما أسلفنا- أنها محددة، وهي التي وقع التجاوب والثقة بين قلبها وقلب الفتى. عرضها في غير تحرج ولا التواء. فهو يعرض نكاحا لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل. ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد، والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة، تمنع الولد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته أو أخته أو قريبته، وتحتم أن يكون الزوج أو وليه أو وكيله هو الذي يتقدم، أو لا يليق أن يجئ العرض من الجانب الذي فيه المرأة، ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة أن الفتيان والفتيات يلتقون ويتحدثون ويختلطون ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة ولا نية نكاح. فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح، فيهبط الخجل المصطنع، وتقوم الحوائل المتكلفة وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة.
ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم أو من يرغب في تزويجهن منهم. كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تخدش معه كرامة ولا حياء .. عرض عمر- رضي الله عنه ابنته حفصة على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا طيب خاطره عسى أن يجعل الله لها نصيبا فيمن هو خير منهما. ثم تزوجها صلى الله عليه وسلم وعرضت امرأة نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر لها. فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء. فزوجها رجلا لا يملك إلا سورتين من القرآن، يعلمها إياهما فكان هذا صداقها.
وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته ويقيم كيانه. في غير ما تلعثم ولا جمجمة ولا تصنع ولا التواء).
فوائد:
1 -
ذكر ابن كثير بسند صحيح إلى عمر بن الخطاب أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، قال فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما؟
فحدثتاه فأتى الحجر فرفعه ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم. إسناده صحيح.
2 -
ذكر ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ما قاله ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: أحثثت على جمل ليلتين حتى أصبحت مدين فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى فإذا هي شجرة خضراء ترف، فأهوى إليها جملي وكان جائعا فأخذها جملي فعالجها ساعة ثم لفظها، فدعوت الله لموسى عليه السلام ثم انصرفت، وفي رواية عن ابن مسعود أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها موسى- كما سيأتي إن شاء الله- والله أعلم. أقول: إن صحت هذه الرواية فإن أهل مدين يكونون قد بقوا يتوارثون قصة موسى والشجرة التي جلس عليها حتى صدر الإسلام.
3 -
بمناسبة رعي الفتاتين للغنم قال النسفي: (وإنما رضي شعيب عليه السلام أقول هذا على القول بأن شعيبا هو صاحب موسى في القصة والتحقيق أنه ليس كذلك-
لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور، والدين لا يأباه، وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة).
4 -
حقق ابن كثير في اسم الرجل الذي أوى إليه موسى فقال: (وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال: أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين، هذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد. ورواه ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص قال لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى هديت» وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب: وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب.
وقال آخرون: كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة، لأنه قال لقومه وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو- والله أعلم- احتراز من هذا الإشكال، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة
موسى لم يصح إسناده- كما سنذكره قريبا إن شاء الله- ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه يثرون والله أعلم.
5 -
تتحدث التوراة الحالية عن هذا المشهد وتسمي الرجل رعوئيل، وتسميه يثرون وتصفه بكاهن مدين. وتذكر أن البنات اللواتي كن يسقين سبع، وهذا مما حرف وبدل. ولننقل النص بحروفه كما ورد في الإصحاح الثاني من سفر الخروج وكان لكاهن مديان سبع بنات، فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن فأتى الرعاة وطردوهن، فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن، فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن. قال: ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم؟ فقلن: رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وإنه استقى لنا أيضا وسقى الغنم، فقال لبناته: وأين هو؟ لماذا تركتن الرجل؟ ادعونه ليأكل طعاما، فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى صفورة ابنته، فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم؛ لأنه قال: كنت نزيلا في أرض غريبة) ونلاحظ أن النص التوراني المحرف ليس فيه كثير من التفصيلات التي ذكرها القرآن مع مخالفته للحق الذي أكرم الله عز وجل به هذه الأمة.
6 -
بمناسبة قوله تعالى: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قال ابن كثير:
(كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: جاءت مستترة بكم درعها، وقال ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ليست بسلفع من النساء، دلاجة، ولاجة، خراجة. هذا إسناد صحيح. قال الجوهري: السلفع من الرجال الجسور، ومن النساء الجارية السليطة، ومن النوق الشديدة).
7 -
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قال ابن كثير:
(وروى سفيان الثوري عن عبد الله بن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف حين قال أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين).
8 -
بمناسبة قوله تعالى حكاية عن صاحب موسى عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ قال ابن كثير: (وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية على صحة البيع فيما إذا قال: بعتك أحد هذين العبدين بمائة فقال: اشتريت. أنه يصح والله أعلم .... وقد استدلوا بهذه الآية الكريمة لمذهب الأوزاعي فيما إذا قال: بعتك هذا بعشرة نقدا، أو بعشرين نسيئة، أنه يصح، ويختار المشتري بأيهما أخذ صح. وحملوا
الحديث المروي في سنن أبي داود: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا» على هذا المذهب وفي الاستدلال بهذه الآية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ليس هذا موضع بسطه لطوله والله أعلم. ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة استئجار الأجير بالطعمة والكسوة بهذه الآية، واستأنسوا في ذلك بما رواه ابن ماجه في كتابه السنن حيث قال: باب استئجار الأجير على طعام بطنه
…
عن عتبة بن المنذر السلمي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى قال: «إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشرة سنين على عفة فرجه وطعام بطنه» . قال ابن كثير: وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف
…
ولكن قد روي من وجه آخر وفيه نظر .. ).
9 -
روى البخاري .. عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت على ابن عباس رضي الله عنه فسألته، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل. هكذا رواه حكيم بن جبير وغيره عن سعيد بن جبير، ووقع في حديث الفتون من رواية القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية والأول أشبه، والله أعلم. وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعا وروى ابن جرير .. عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما» .
10 -
أخرج البزار بسنده إلى أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال أوفاهما وأبرهما» قال: «وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما» ثم قال البزار لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد.
11 -
تروي التوراة الحالية المحرفة في قصة يعقوب في سفر التكوين (أن يعقوب عند ما أراد فراق أبي زوجته، جعل له أبو زوجته كل شاة لها لون معين، وأن يعقوب جعل عصيا ملونة بذلك اللون عند سقي الغنم وأن الغنم ولدت كلها من اللون الذي ليعقوب) ينقل ابن كثير مثل هذه الحادثة على أنها حدثت لموسى، ويذكر بعضهم حديثا في الموضوع وبعد أن ذكر ابن كثير الحديث قال: مدار هذا الحديث على عبد الله بن لهيعة المصري.
وفي حفظه سوء وأخشى أن يكون رفعه خطأ. أقول: إن هذه الحادثة هي من روايات أهل الكتاب- والله أعلم- وحدث فيها خلط فإما أن هناك نسخا قديمة تذكر هذه الحادثة لموسى أو أن الذي رواها عنهم غلط.