الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقرآن لا يقرر هنا حقيقة ما حدث، إنما هو يحكي قول السامري مجرد حكاية، ونحن نميل إلى اعتبار هذا عذرا من السامري وتملصا من تبعة ما حدث. وأنه هو الذي صنع العجل من الذهب الذي قذفه بنو إسرائيل من زينة المصريين التي أخذوها معهم، وأنه صنعه بطريقة تجعل الريح تصوت في فراغه فتحدث صوتا كالخوار. ثم قال حكاية أثر الرسول يبرر بها موقفه، ويرجع الأمر إلى فطنته إلى أثر الرسول).
فائدة وكلمة حول السياق:
فيما فعله السامري وقصه الله علينا درس بليغ جدا، فقد استغل السامري روح الورع التي رباها موسى- عليه السلام في أتباعه ليوجهها توجيها سيئا، يخدم أغراضه الكافرة، وذلك قد يحدث دائما إذا لم يوجد علم ووعي، فهذا الذي فعله السامري في حياة موسى- عليه السلام فعله عبد الله بن سبأ بعد وفاة رسولنا عليه الصلاة والسلام إذ استغل روح المثالية التي سيطرت على المسلمين، وروح الورع، واستغل السوابق التي كانت في عصر أبي بكر وعمر، وهي سوابق من الورع، فبدأ يطعن- كذبا وزورا- في تصرفات عثمان، مما أدى إلى الفتنة العمياء، التي لا زلنا نعاني من آثارها، أخذ بعض المسلمين بحبل الورع الجاهل ليصل بهم إلى الضلال المبين، وأي ضلال أفظع من قتل عثمان رضي الله عنه، إلا أن الشئ الذي ينبغي أن نسجله هنا أن الجيل الذي استطاع السامري إضلاله وفتنته هو نفس جيل موسى- عليه السلام أما عبد الله بن سبأ فقد فتن جيلا أصبح الصحابة فيه قلة، وعلى كل حال فهذا الدرس يعلمنا أنه ما لم يكن كل فرد من المسلمين على غاية من العلم والوعي فإن استعدادهم
للفتنة يبقى قائما، وقد تكون الفتنة باسم الدين نفسه.
وفي كون هذه القصة جاءت في سياق السورة التي محورها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ فإنها درس لأهل الإيمان أن يحذروا كل سامري يريد أن يفتنهم عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد ما مر يصل السياق إلى أن يعرض علينا كيف عالج هارون وموسى- عليهما السلام هذا الوضع وكل منهما رسول، ومن هذه المعالجة ندرك حكمة الله إذ جعل موسى رئيسا على هارون، وندرك أهمية العزم والحسم في تصرفات القائد الأعلى:
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ أي لمن عبدوا العجل مِنْ قَبْلُ أي من قبل رجوع
موسى إليهم يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ لا العجل فَاتَّبِعُونِي أي كونوا على ديني الذي هو الحق وَأَطِيعُوا أَمْرِي أي فيما آمركم به، واتركوا ما أنهاكم عنه، من عبادة العجل
قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى أي حتى يعود إلينا موسى فننظر هل يعبده كما عبدناه، وهل صدق السامري أو لا، وهكذا خالفوا هارون في ذلك، وقد قص الله علينا في سورة الأعراف على لسان هارون قوله وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي وإذن كان موقفهم شديدا وسفيها.
ولنذكر بهذه المناسبة موقف أبي بكر إذ ارتد من ارتد من العرب، كيف أنه أرجعهم إلى الجادة بحد السيف، لنعرف لأبي بكر فضله، وحاشا لله أن يكون في إشارتنا هذه انتقاص من هارون عليه السلام. فلنر كيف عالج موسى عليه السلام هذه الفتنة.
بدأ موسى عليه السلام السيطرة على الموقف بتوجيه اللوم الشديد لأخيه، بل بتعزيره لما تصوره من تقصيره، بأن أخذ برأس أخيه يجره إليه كما قص الله علينا ذلك في سورة الأعراف، وكما يفهم من السياق هنا: قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أي أي شئ منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك، وتلحق بي وتخبرني؟ أو ما منعك أن تتبعني في الغضب لله، وهلا قاتلت من كفر بمن آمن، وما لك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهدا أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي أي الذي قاله له يوم استخلفه وهو اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ كما ورد في سورة الأعراف
قالَ يَا بْنَ أُمَّ قال ابن كثير: ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي دل هذا على أن موسى قد أخذ بشعر رأس أخيه وبشعر لحيته غضبا وإنكارا عليه، لأن الغيرة في الله ملكته، ثم إن هارون ذكر عذره في عدم قتال من عبد العجل بمن لم يعبده فقال إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي أي ولم تحفظ قولي عند ما استخلفتك وهو كما مر في الأعراف وَأَصْلِحْ قال النسفي: وفيه دليل على الاجتهاد. أقول: وفي إنكار موسى على هارون دليل على أن القضاء على الكفر- ولو على حساب وحدة الأمة- هو الإصلاح، وليس الإصلاح هو المحافظة على وحدة الأمة مع الكفر،
ثم تابع موسى عليه السلام عملية السيطرة على الفتنة، فأقبل على السامري منكرا قالَ فَما خَطْبُكَ