الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النسفي: تحريم منع لا تحريم شرع. أي منعناه أن يرضع ثديا غير ثدي أمه، فكان لا يقبل ثدي مرضع مِنْ قَبْلُ أي من قبل قصها أثره، أو من قبل أن نرده على أمه أو أزلا. قال ابن كثير: أي تحريما قدريا، وذلك لكرامته عند الله، وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه ولأن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه لترضعه وهي آمنة بعد ما كانت خائفة، فلما رأتهم حائرين فيمن يرضعه فَقالَتْ أي أخته هَلْ أَدُلُّكُمْ أي أرشدكم عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ النصح: إخلاص العمل من شائبة الفساد
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بالمقام معه وَلا تَحْزَنَ أي بفراقه وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي فيما وعدها من رده إليها. قال النسفي: أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبرا وعدها من رده إليها. قال النسفي: أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبرا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي أكثر الناس لا يَعْلَمُونَ أن وعد الله حق فيرتابون، أو لا يعلمون حكمة الله في أفعاله وعواقبها المحمودة التي هو المحمود عليها في الدنيا والآخرة.
فربما يقع الأمر كريها إلى النفوس، وعاقبته محمودة في نفس الأمر. وبهذا انتهى المشهد الأول.
فوائد:
1 -
يتحدث الإصحاح الثاني من سفر الخروج في بدايته عن هذا المشهد، ولكنه يذكر بدلا من زوجة فرعون بنت فرعون. وهذا يدلنا على أن في هذا المقام كذبا، أو غلطا إلا إذا كان المراد أنها بنت فرعون سابق وعندئذ فلا ينبغي أن تكون زوجة لفرعون موسى. ومن المعلوم أن الفراعنة كانوا يتزوجون أخواتهم. فقد ذكر المؤرخون أن كليوباترا كانت حصيلة تزاوج أربعة عشر جيلا من الإخوة والأخوات. فإذا عرفنا هذا فلننقل النص بكامله:
(وذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي. فحبلت المرأة وولدت ابنا ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر، ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد أخذت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت. ووضعت الولد فيه. ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر.
ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به. فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر فرأت السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبى يبكي فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت
أخته لابنة فرعون: هل أذهب وأدعوا لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد، فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي فذهبت الفتاة ودعت أم الولد فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أعطي أجرتك، فأخذت المرأة الولد وأرضعته ولما كبر الولد إلى ابنة فرعون فصار لها ابنا ودعت اسمه موسى وقالت إني أنتشلته من الماء).
هذا كل ما ذكرته التوراة عن هذا الموضوع. ونلاحظ أن ما ذكره القرآن على اختصاره هو الذي يعطينا التصور الأكمل للموضوع بدقائقه كلها، ويعطينا تفسيرات
شاملة، مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله، وما خالفه فهو الباطل.
2 -
نلاحظ أن الله عز وجل أكرم أم موسى بإرجاع ولدها إليها مع الرزق الحسن قال ابن كثير: (فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمنا في عز وجاه ورزق دار، ولهذا جاء في الحديث: «مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها» ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليلة أو نحوه والله أعلم، فسبحان من بيده الأمر، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجا، وبعد كل ضيق مخرجا). قال النسفي: (وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم- كما قال السدي- لأنه مال حربي، لا أنه أجرة على إرضاع ولدها).
3 -
يسمي العلماء اللام في قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً لام العاقبة. قال النسفي. أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا، كقولهم للموت:
ما تلده الوالدة وهي لم تلد لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجاج وعن هذا قال المفسرون: إن هذه لام العاقبة والصيرورة. وقال صاحب الكشاف هي لام كي التي معناها التعليل، كقولك: جئتك لتكرمني ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز؛ لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء).
وقال ابن كثير: (قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل، لأن معناه أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه ليجعله عدوا لهم وحزنا فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه).
4 -
احتج عمر بن العزيز على القدرية، أي الذين يكذبون بالقدر بآية لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً على إثبات القدر، وعلى خطئهم في زعمهم الكافر. قال ابن كثير: (وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب كتابا إلى قوم من القدرية، في تكذيبهم بكتاب الله، وبأقداره النافذة في علمه السابق:
وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن قال الله تعالى: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ وقلتم أنتم لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليا وناصرا والله تعالى يقول: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً).
5 -
نلاحظ من سياق القصة أن الله عز وجل إذا أراد إنقاذ أمة هيأ لها المنقذ، ومن ثم فإن وجود الرسول، أو المجدد، أو الوارث، أو الخليفة، أو القائد، له دوره الكامل في نقل الأمة من حال إلى حال، كما نلاحظ أن الله عز وجل إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه، وأن كل معاندة مهما كان شأنها لا يمكن أن تخدم إلا مراد الله، ومن كلام ابن كثير في هذا المقام:(أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه من ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه، وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلّله وتتفداه، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلى هو القاهر الغالب العظيم، القوي العزيز، الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن).
6 -
في المشهد الأول من هذه السورة دروس كثيرة لهذه الأمة في التعريف على أهمية القيادة، وفي الاطمئنان إلى فعل الله بعباده المؤمنين، وفي التدليل على صحة الإلهام، وفي ضرورة التوكل مع الأخذ بالأسباب، وغير ذلك من الدروس فلننتقل إلى المشهد الثاني في القصة:
***