الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحميد: هو الله المحمود بكل لسان، ويحتمل أن يكون المعنى: وهدوا في الآخرة إلى القول الطيب، حتى لا يقولوا إثما، ولا يقولوا إلا ذكرا وسلاما، وهدوا إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم.
كلمة في السياق:
دلت هذه الآيات على ما أعد الله للخصوم فيه، فعرفنا بذلك أن نصرة الله في الآخرة لأوليائه ما بعدها نصرة، وأن خذلان الله لأوليائه ما بعده خذلان، فلنتذكر كيف سارت المجموعة: أنكرت على من ييأس من النصر، ثم بينت أن النصر الحقيقي يوم القيامة، ثم بينت أن كل شئ خاضع لله، ثم بينت عاقبة المتخاصمين فيه في الآخرة، وهكذا عرفتنا أن النصر الحقيقي هو النصر في الآخرة، وسنرى أنه بعد المجموعة اللاحقة ستأتي بشارة الله بالنصر لمن يستحق النصر فالسياق الخاص للسورة يتسلسل- كما نرى- بشكله العجيب الفريد. والصلة بين هذه المجموعة كلها، وبين محور السورة من البقرة واضح، فقد استقرت المجموعة على ذكر عاقبة المتقين، وعاقبة الكافرين بما لا يبقى معه ذو عقل إلا ويختار طريق التقوى، كيف والكلام كلام الله، والوعد والوعيد وعده ووعيده، وقد رأينا أن من امتدادت آية المحور في سورة البقرة قوله تعالى:
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
…
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .. يروي ابن كثير حديث الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» وانظر ما كتبناه عن هذا الموضوع في أواخر سورة الأنعام، وقد ساقه ابن كثير للتدليل على سجود الأشياء لله، وبمناسبة كون هذه الآية آية سجدة قال ابن كثير: وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي، يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» .
2 -
وبمناسبة قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ أخرج ابن أبي حاتم أنه قيل لعلي: إن هاهنا رجلا يتكلم في المشيئة، فقال له علي: يا عبد الله، خلقك الله كما يشاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف».
3 -
بمناسبة قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ عرض ابن كثير مجموعة من الأقوال في الآية، ورجح ما أثبتناه في صلب التفسير، وهذا كلامه: (ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في حمزة وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر- لفظ البخاري عند تفسيرها- ثم روى البخاري عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال قيس: وفيهم نزلت هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: علي وحمزة وعبيده وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال: اختصم المسلمون، وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب:
نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم؛ فنحن أولى منكم، وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها، ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم، فأفلج الله الإسلام على من ناوأه وأنزل هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ وقال شعبة عن قتادة في قوله هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال: مصدق ومكذب، وقال ابن أبي نجيح عن
مجاهد في هذه الآية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث، وقال في رواية هو وعطاء في هذه الآية: مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث، وقال في رواية هو وعطاء في هذه الآية: هم المؤمنون والكافرون. وقال عكرمة هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال. هي الجنة والنار، قالت النار:
اجعلني للعقوبة، وقالت الجنة: اجعلني للرحمة. وقال مجاهد وعطاء: إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون، يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان، وخذلان الحق، وظهور الباطل، وهذا اختيار ابن جرير وهو حسن).
4 -
بمناسبة قوله تعالى يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ قال ابن كثير: (روى ابن جرير .. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رءوسهم، فينفذ الجمجمة، حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه، وهو الصهر. ثم يعاد كما كان» وعن ابن أبي حاتم .. عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت عبد الله بن السري قال: يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته، فإذا أدناه من وجهه تكرهه قال: فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه، فيفرغ دماغه ثم يفرغ الإناء من دماغه، فيصل إلى جوفه من دماغه، فذلك قوله يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وقوله وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ روى الإمام أحمد .. عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لو أن مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان، ما أقلوه من الأرض. وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان، ولو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» وقال ابن عباس في قوله تعالى وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ قال: يضربون بها فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور، وقوله كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها روى الأعمش .. عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة، لا يضيء لهبها، ولا جمرها ثم قرأ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها قال: بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون، وقال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة، وإن الأيدي لموثقة، ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها، وقوله وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ كقوله وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ومعنى الكلام أنهم يهانون بالعذاب قولا وفعلا.
5 -
بمناسبة قوله تعالى يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ذكر ابن كثير الحديث المتفق عليه «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» .
6 -
وبمناسبة قوله تعالى وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ قال ابن كثير: كما جاء في الحديث الصحيح «إنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس» .
***