الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها- قال- فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني وتقتحمون فيها» أخرجاه (في الصحيحين) من حديث عبد الرزاق).
كلمة في السياق:
ختم المقطع الثالث وهو المقطع الأخير في السورة بالتذكير بوجوب تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم مجالسه، وجعل ذلك علامة على الإيمان، فالمقطع بدأ بتبيان ما هو من الإيمان، وختم بما هو من الإيمان، وتحدث في الوسط عن أحكام من الإسلام، والصلة بين الخاتمة وبين محور السورة واضحة.
إن محور السورة هو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ والسلم: هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قالت خاتمة السورة فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إن هذا النص هو تفسير لقوله تعالى فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فمن عزته أن يفتنكم إن زللتم، أو يعذبكم في الدنيا والآخرة، ومن حكمته أن يفتنكم إن زللتم، أو يعذبكم في الدنيا والآخرة.
كلمة في سورة النور:
إن سورة النور عرضت بشكل رئيسي إلى أحكام من الإسلام: حد الزنا، ثم حد القذف، ثم الملاعنة، ثم الموقف من إشاعة الفاحشة، ثم العفو والصفح، ثم عدم دخول بيت الغير إلا بإذنه، ثم غض البصر، وحفظ الفروج، وعدم إبداء الزينة إلا لدوائر معينة، والتوبة، وإنكاح الأيامى، والأرقاء، والاستعفاف عن الزنا حال فقد النكاح، والمكاتبة، وعدم إكراه الإماء على البغاء، وحددت خصائص الإيمان الكامل، وذكرت آداب المسلم مع المساجد، وحددت وظائف المسجد، وذكرت خصائص رواده، ومثلت لأعمال الكافرين من أهل الكتاب، ومثلت لأعمال الكافرين من غيرهم، وحددت خلقين من أخلاق المنافقين، وحددت ما يقابلهما من أخلاق المؤمنين، ووعدت المؤمنين بالاستخلاف، والتمكين والأمن، وأمرت بالصلاة والزكاة وطاعة الرسول، ونهت عن حسبان المؤمنين أن الكافرين لا يغلبون، أو يقهرون، ثم
أمرت الأرقاء والأطفال أن يستأذنوا على أهليهم في ثلاث أوقات، وأمرت الكبار بالاستئذان في كل حال، وأذنت للقواعد من النساء بالتخفف من الثياب، وأذنت للأعمى والأعرج والمريض بالأكل مما أذن لهم أن يأكلوا منه، وأذنت للإنسان أن يأكل من بيوت دائرة حددتها، وأباحت أكل الجماعة، وأكل المنفرد، وأمرت أن يسلم الإنسان على نفسه إذا دخل بيتا ليس فيه أحد، وحددت بعض آداب المسلمين في اجتماعاتهم، وأمرت بالأدب الكامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، محددة بعض الآداب، وبهذا يعرف المسلم ماهية كثير من دين الله، الإسلام الذي أمر أن يدخل فيه، ولذلك كله صلة بقوله تعالى في المحور يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.
وقد نهت السورة عن اتباع خطوات الشيطان، ولذلك صلة بقوله تعالى في المحور وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
وحذرت السورة من الزلل، وحذرت من مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوعدت من يفعل ذلك، ولذلك صلة بقوله تعالى في المحور:
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
ولقد جاء التحذير الأخير في السورة بعد ذكر الآيات البينات:
وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ. وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ. لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
فالسورة ذكرت آيات بينات، ثم حذرت من مخالفة الأمر: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ولذلك- كما قلنا- صلاته بآية المحور: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وكنا ذكرنا من قبل أن أي سورة تفصل في محور من سورة البقرة فإنها تفصل في هذا المحور وفي امتدادات معانيه في سورة البقرة نفسها ولا شك أن قوله تعالى في سورة البقرة وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ مرتبط بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً .. فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ
…
إن هناك صلة واضحة بين آية سورة البقرة المذكورة، وبين الآيتين
اللتين شكلتا محور سورة النور، ولذلك نلاحظ أن لسورة النور صلة قوية بتلك الآية، سواء في شقها الأول: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ كما رأينا أو في شقها الثاني:
وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ فلقد وردت كلمة (الفاسقون) مرتين في سورة النور: مرة في أول السورة:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
ومرة في أواخر السورة بعد الوعد بالاستخلاف: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وفي هذا إشارة إلى فظاعة جريمة الكفر بعد النصر، وإلى عظم جريمة القذف.
وبعد: فقد اجتمعت في هذه السورة خصائص القرآن كلها على أوضح ما يكون ذلك، ففيها البيان، وفيها المثل، وفيها الموعظة، وفيها الهداية، وفيها الحق، والعدل، وفيها الحكم التكليفي، وفيها التعليل، وفيها التذكير، إلى غير ذلك مما هو من خصائص القرآن.
***