الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نخالفك، كأنهم أشاروا عليها بالقتال، أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة، وأنت ذات الرأي والتدبير فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ أي فانظري ماذا ترين نتبع رأيك، وهذا يدل على أنهم كانوا واثقين من رأيها، كما يدل علي أن وضع المملكة كان وضعا مستقرا، فماذا كان جوابها ورأيها؟
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أي عنوة وقهرا أَفْسَدُوها أي خربوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً أي أذلوا أعزتها، وأهانوا أشرافها، وقتلوا وأسروا وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ هل هذه الكلمة تصديق من الله لها فيكون هذا الكلام ليس لها؟ أو هو تتمة كلامها بمعنى: وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك ورأت؟ قولان للمفسرين. ولم يذكر ابن كثير إلا الأول، ورجح النسفي الثاني، ومن كلامها هذا يبدو أنها عازفة عن الحرب، ومخطئة لطريقه
ثم قالت: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ أي بقبولها أم بردها.
فوائد:
1 -
من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» . وهذا يفيد أن السياسة العليا للدولة إذا أصبحت بيد المرأة فإن قراراتها لا بد أن يكون فيها خلل تسري آثاره على الأمة، وما من مرة في تاريخ هذا العالم حكمت فيه امرأة، ولو كانت أدهى النساء وأحزمهن، إلا تبينت بعد فترة، بعض الآثار السيئة لحكمهن، حتى فيكتوريا ملكة بريطانيا، وحتى كاترين ملكة روسيا، وهذه غولدا مائير وهذه أنديرا غاندي، وهذه باندارانيكا، والثلاث الأخيرات حكمن، وكل منهن سقطت وسقط معها حزبها، وقد عادت أنديرا إلى الحكم، ولكن وضع الهند متفجر والمستقبل كاشف، وفي قصة بلقيس مشاهد:
لا شك أن فكرة الهدية فكرة سياسية رائعة، إذ من خلالها تستطيع بلقيس أن تتعرف بواسطة رسلها على وضع سليمان وقوته. إذ بحجة الهدية يستطيعون أن يتجسسوا ويتحسسوا، كما أن للهدية العظيمة أثرا في تليين نفوس الملوك، فهي رشوة قد تفعل فعلها، ومن ثم قال قتادة رحمه الله:«ما كان أعقلها في إسلامها وشركها؛ علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس» ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه أن قومها وقد أعلنوا استعدادهم للقتال، مع تفويض أمرهم إليها، لم تأمرهم بالإعداد، ولا بالاستعداد، بل ثبطت هممهم بقولها إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً
…
ومن ثم فإنها لم تتخذ مجموعة
القرارات الضرورية للموقف، وقد علق الحسن البصري على تفويض قومها لها، وذم حلها فقال:«فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها» . ونحن لا نقول هذا الكلام رغبة منا في أن يكون موقفها أحزم تجاه نبي فهذا كفر، وإنما لنثبت أن المرأة مهما كانت عاقلة فتركيبها النفسي لا يؤهلها لاتخاذ القرارات العليا في سياسة الدولة.
2 -
بمناسبة الكلام عن رسالة سليمان إلى بلقيس قال ابن كثير: (وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يكتب أحدبسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام، وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا في تفسيره عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود، قلت يا نبي الله أي آية؟ قال: «سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد» قال فانتهى إلى الباب، فأخرج إحدى قدميه فقلت نسي ثم التفت إلي وقال: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا حديث غريب وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم، حتى نزلت هذه الآية. فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
3 -
قال ابن عباس وغير واحد: إن بلقيس قالت لقومها: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه وليس في سياق القصة ما يشير إلى هذا والله أعلم.
…
فَلَمَّا جاءَ رسولها بمن معه سُلَيْمانَ دل ذلك على أنها نفذت اقتراحها وأرسلت قالَ سليمان منكرا عليهم أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ أي أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ أي الذي أعطاني الله من النبوة والملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ قال ابن كثير: (أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف، وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف). وقال النسفي في الآية: (والمعني: أن ما عندي خير مما عندكم، وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر، والغنى الأوسع، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه فكيف- يرضى مثلي بأن يمد بمال بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فلذلك تفرحون بما تزادون ويهدى إليكم، لأن ذلك مبلغ همتكم، وحالي