الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليأمرهم بعبادة الله وحده، مطالبا إياهم بأنواع من العبادة، وقبل أن نستعرض هذه الأوامر نحب أن نلفت النظر إلى قضية في السياق تكاد تكون معجزة:
كلمة مهمة حول السياق القرآني العام:
في سورة البقرة يأتي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ.
ثم بعد ذلك جاء قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها هذا المثل الذي أشار الله إليه هناك هو المثل الذي ضربه الله عز وجل في أواخر سورة الحج، فما الحكمة في الإشارة المتقدمة إليه وتأخير ذكره إلى سورة الحج؟ أقول في تعليل ذلك- وأستغفر الله- إن سورة الحج كلها مستكنة في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لأن سورة الحج كلها تفصيل لها فعند ما يأتي في سورة البقرة إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا
…
بعد قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
…
فما ذلك إلا لاستكنان سورة الحج قبل ذلك، ومن ثم فكأن سورة الحج سابقة حكما للآية إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا إن منزل هذا القرآن المحيط بكل شئ جعل في كتابه من أسرار الإعجاز ومن تشابك الصلات بين سوره وآياته ما به يعرف أن هذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كان منزل هذا القرآن هو الله رب العالمين، الذي أحاط بكل شئ علما.
بين يدي خاتمة السورة:
رأينا أن محور سورة الحج هو قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقد سارت السورة مفصلة نوع تفصيل لمعاني
العبادة والتقوى، والمقطع الذي بين أيدينا أبطل عبادة غير الله، وها هو السياق الآن يتوجه إلى المؤمنين ليطالبهم بأنواع من العبادة، كلها ضروري للتحقق بالتقوى فلنر ذلك.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا أي في صلاتكم وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بطاعته في كل ما أمر وَافْعَلُوا الْخَيْرَ كله قال النسفي: (قيل: لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات، دعا المؤمنين أولا إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، لقوله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه: 14) ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما، ثم عم بالحث على سائر الخيرات، وقيل أريد به (أي بالخير) صلة الأرحام ومكارم الأخلاق) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي كي تفوزوا أو افعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح، غير مستيقنين، ولا تتكلوا على أعمالكم
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ أي وجاهدوا في ذات الله، ومن أجله، حق جهاده قال ابن كثير:
أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم. وقال النسفي في تفسير الجهاد حق الجهاد:
(وهو ألا يخاف في الله لومة لائم) هُوَ اجْتَباكُمْ أي اختاركم لدينه ونصرته قال ابن كثير: (أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع) وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق بل رخص لكم في جميع ما كلفكم، من الطهارة والصلاة والحج والصوم، بالتيمم وبالإيماء، وبالقصر، والإفطار لعذر السفر، والمرض، وعدم الزاد والراحلة مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ أي اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، أو أعني بالدين ملة إبراهيم عليه السلام. قال النسفي: (وسماه أبا- وإن لم يكن أبا للأمة كلها- لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبا لأمته، لأن أمة الرسول في حكم أولاده قال عليه الصلاة والسلام:
«إنما أنا لكم مثل الوالد» ) هُوَ أي الله سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ في الكتب المتقدمة وَفِي هذا أي في القرآن أي فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه قد بلغكم رسالة ربكم وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم والمعنى: إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا عدولا خيارا مشهودا بعدالتكم عند جميع الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، لأن جميع الأمم معترفة يومئذ بسيادتكم وفضلكم على كل أمة سواكم، فلهذا تقبل شهادتكم عليهم يوم القيامة، في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم، والرسول صلى الله عليه وسلم