الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَرْداً وَسَلاماً أي كوني ذات برد وسلام عَلى إِبْراهِيمَ أراد ابردي فيسلم منك إبراهيم
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً أرادوا أن يكيدوه بالإحراق فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ أي المغلوبين الأسفلين، لأنهم أرادوا بنبي الله كيدا فكادهم الله ونجاه من النار فغلبوا هنالك.
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً أي بعد أن سلمه الله من النار أخرجه من بين أظهرهم هو ولوط ابن أخيه إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ أي أرض الشام، قال النسفي: وبركتها أن أكثر الأنبياء منها، فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً أي عطية وهل إسحاق ويعقوب نافلة أو أن النافلة يعقوب؟ قولان للمفسرين: قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم سأل واحدا فأعطاه إسحاق، وزاده يعقوب نافلة، قال النسفي:
وأعطي يعقوب نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال وَكُلًّا من يعقوب وإسحاق وإبراهيم جَعَلْنا صالِحِينَ أي الجميع أهل خير وصلاح
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً أي يقتدى بهم في الدين يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أي يدعون إلى الله بإذنه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وهي جميع الأفعال الصالحة وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ أي أمرناهم بها، ووفقناهم إليها وَكانُوا لَنا عابِدِينَ لا للأصنام
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً أي حكمة: وهي ما يجب فعله من العمل، أو فصلا بين الخصوم أو نبوة وَعِلْماً أي وفقها وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ وهي قرية سدوم، وقد عدد النسفي من الخبائث التي كانت تعملها: اللواطة، والضراط، وقذف المارة بالحصى إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ أي خارجين عن طاعة الله
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا أي في أهل رحمتنا أو في الجنة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ دل ذلك على أن إدخاله في الرحمة، وإهلاك قومه، كان جزاء له على صلاحه
وَنُوحاً أي واذكر نوحا عليه السلام إِذْ نادى أي دعا مِنْ قَبْلُ أي من قبل هؤلاء المذكورين فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أي المؤمنين من ولده وقومه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الطوفان وتكذيب أهل الطغيان
وَنَصَرْناهُ أي ومنعناه ونجيناه وخلصناه منتصرا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم.
فوائد:
1 -
بمناسبة الكلام عن إبراهيم عليه السلام في هذه السورة قال ابن كثير: (وما
يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع، وأنه خرج بعد أيام فنظر إلى الكواكب والمخلوقات فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم، فعامتها أحاديث بني إسرائيل فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه. لموافقته الصحيح، وما خالف شيئا من ذلك رددناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه، بل نجعله وقفا وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته، وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين).
2 -
بمناسبة قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ذكر ابن كثير ما أخرجه ابن أبي حاتم
…
عن الأصبع بن نباتة قال:
(مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج فقال ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ؟ لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها) أقول: هذا مذهب علي رضي الله عنه في الشطرنج، وهو الذي أخذ به الحنفية، ما عدا أبا يوسف إذ اعتبروا اللعب بالشطرنج كاللعب بالنرد، والكثيرون من الفقهاء يفرقون بين النرد والشطرنج، فيعتبرون اللعب بالشطرنج ما لم يكثر أو يله عن واجب لا بأس به إذا رافقته نية صالحة.
3 -
وبمناسبة قوله تعالى قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ذكر ابن كثير ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ
4 -
بمناسبة قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا قال ابن كثير: (وفي الصحيحين .. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا، وقوله إِنِّي سَقِيمٌ قال: وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، ومعه سارة إذ
نزل منزلا، فأتى الجبار رجل فقال: إنه قد نزل هاهنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني عنده؛ فإنك أختي في الله، وأنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم عليه السلام ثم قام يصلي، فلما أن رآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فأهوى إليها
فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة، فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال:
ادعي الله فلا أضرك، فدعت له فأرسل، ثم دعا أدنى حجابه فقال: إنك لم تأت بإنسان ولكنك أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر، فأقبلت فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال: مهيم؟ قالت: كفى الله كيد الكافر الفاجر وأخدمني هاجر).
أقول: وقد أطال بعض المفسرين في التعليل لموقف إبراهيم عليه السلام عند ما سأله قومه، ولا شك أن موقفه كان في معرض إقامة الحجة، ولكنه على كل حال هرب من الجواب المباشر، وفي ذلك فسحة لمن ابتلي بمثل موقفه
…
5 -
بمناسبة الكلام عن إنجاء الله إبراهيم من النار يذكر ابن كثير ما أخرجه البخاري عن ابن عباس، أنه قال:«حسبي الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وذكر ابن كثير ما أخرجه أبو يعلى
…
عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال:
اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك».
وذكر ابن كثير ما قاله ابن عباس وأبو العالية لولا أن الله قال: وسلاما لآذى إبراهيم بردها» كما ذكر ابن كثير ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت: نقتل به هذه الأوزاغ. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار غير الوزغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله»
6 -
وبمناسبة قوله تعالى وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ ذكر ابن كثير قول قتادة قال: (كان بأرض العراق فأنجاه إلى الشام، وكان يقال للشام أعقار دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشام، وما نقص في الشام زيد في فلسطين).
وذكر النسفي بهذه المناسبة حديثا قال: «وقال عليه الصلاة والسلام إنها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم» .