الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طس ثم القصص، وأيضا قد ذكر سبحانه في السورة السابقة من توبيخ الكفرة بالسؤال يوم القيامة ما ذكر، وذكر جل شأنه في هذه من ذلك ما هو أبسط وأكثر مما تقدم، وأيضا ذكر عز وجل من أمر الليل والنهار هنا فوق ما ذكره سبحانه منه هناك، وقد يقال في وجه المناسبة أيضا: إنه تعالى فصل في تلك السورة أحوال بعض المهلكين من قوم صالح، وقوم لوط، وأجمل هنا في قوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ الآيات، وأيضا بسط في الجملة هناك حال من جاء بالحسنة، وحال من جاء بالسيئة، وأوجز سبحانه هنا حيث قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ فلم يذكر عز وجل من حال الأولين أمنهم من الفزع، ومن حال الآخرين كب وجوههم في النار، إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل.
وقال صاحب الظلال في تقديمه لهذه السورة:
(هذه السورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعفة، والمشركون هم أصحاب الحول والطول والجاه والسلطان. نزلت تضع الموازين الحقيقية للقوى والقيم، نزلت تقرر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله؛ وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان. فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة، ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة، ولو ساندته جميع القوى؛ ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومن فقد هذه القيمة فليس بنافعه شئ أصلا.
كلمة في سورة القصص ومحورها:
قلنا: إن محور الطاسينات الثلاث هو قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ فلنلاحظ الآن بعض ما ورد في سورة القصص مما يؤيد ما قلناه.
تبدأ السورة بقوله تعالى: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ التشابه بين بداية السورة وآية المحور: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ يقابلها في السورة تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ يقابلها نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ فلنلاحظ التشابه الكامل بين
البداية وبين محور السورة.
وفي الآية السابعة يرد قوله تعالى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وصلة ذلك بقوله تعالى في المحور: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ واضحة، وبعد أن تنتهي قصة موسى يأتي مباشرة قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ* وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ لاحظ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وصلة ذلك بآية المحور نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. ثم يسير السياق مناقشا الذين يكفرون بآيات الله وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، مقيما الحجة تلو الحجة عليهم، وكل ذلك نوع تفصيل لمحور السورة. فإذا وصلنا إلى الآية (65) نجدها:
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ وصلة ذلك مع قوله تعالى:
وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لا تخفى. وتنتهي السورة بخطاب مباشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه آياته وجعله من المرسلين: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ* قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ* وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*
…
تبدأ السورة بتفصيل آية المحور من خلال قصة موسى في طفولته، ثم في شبابه، ثم وهو في مدين، وهو موضوع لم يذكره القرآن إلا هنا، ثم تقص علينا قصة موسى في عودته وما جرى بينه وبين فرعون، وهو موضوع يستغرق قسما كبيرا من سفر الخروج فيما يسمونه التوراة الحالية. ثم تبرهن السورة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فتتكلم عن التوراة، وعن موسى، لتقيم من خلال ذلك بعض الحجج على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تقص علينا السورة قصة قارون كرجل بغى من قوم موسى أنفسهم، بعد أن رأينا قصة الباغين على قوم موسى من غير أنفسهم، فترينا في قصة قارون نهاية الباغين على الرسل من أقوامهم. ثم تأتي خاتمة السورة مربية موجهة لسيد المرسلين.