الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب (وقل) فكأنها معطوفة عليها، ومضمون القول في الأولى: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى فالحمد جزء منه، ومضمون القول في الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها .. فالحمد جزء منه. الأولى فيها ذكر المرسلين، والثانية فيها ذكر الآيات. وهذا يدلنا على ما يلي:
1 -
على وحدة المقطع بدليل وحدة المبدأ والختام.
2 -
وأن المقطع يبني على المقدمة والمقطع الأول في موضوع الآيات والمرسلين.
3 -
وأن المقطع والسورة يفصلان المحور الذي ذكرناه تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
4 -
وأن المقطع الثاني يحدد ما ينبغي ذكره وتذكره، نتيجة لما ورد في المقطع الأول. فلنعرض المقطع الثاني على مجموعات، لنرى تتمة السورة، وصلة مقطعها الأول بالثاني والعكس، ومحل ذلك كله في السياق العام.
1 - المجموعة الأولى
التفسير:
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على نعمة إنعامه هذا القرآن، وعلى إفاضته على عباده النعم التي لا تعد ولا تحصى، وعلى ما أتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى أي الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام. قال ابن كثير:(والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعله بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر أن يحمدوه على جميع أفعاله، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار) وقال النسفي:
(أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بتحميده، ثم بالصلاة على المصطفين من عباده، توطئة لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته، وقدرته على كل شئ وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما) ..
كلمة في السياق:
نلاحظ أن ابن كثير ذكر محل آية قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى بالنسبة لما قبلها، وأن النسفي ذكر محلها بالنسبة لما بعدها، وبالجمع بين
القولين ندرك أن الآية جسر بين ما قبلها وما بعدها، فما بعدها حديث عن الله واليوم الآخر، وما قبلها حديث عن الدعاة لله واليوم الآخر، وهم المرسلون ولنسر قليلا:
آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ قال ابن كثير (في هذا النص: استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى). وقال النسفي: (ولا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شئ وإنما هو إلزام لهم، وتهكم بحالهم، وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئا على شئ إلا لداع يدعوه إلى إيثاره، من زيادة خير، ومنفعة فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير، ولكن هوى وعبثا، لينبهوا على الخطأ المفرط، والجهل المورط، وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال: «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم).
قال ابن كثير: ثم شرع تعالى يبين أنه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره فقال: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي على هذه الحكمة والإحكام وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ أي السحاب السَّماءِ أي مطرا فَأَنْبَتْنا بِهِ بالماء حَدائِقَ أي بساتين ذاتَ بَهْجَةٍ أي ذات حسن لأن الناظر يبتهج به ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أراد أن تأتي إنبات الأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع الحسن بماء واحد، وبمثل هذا الإتقان والإحكام محال من غيره أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أي أغيره يقرن به ويجعل شريكا!؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أي يجعلون لله عدلا ونظيرا
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً أي لا تميد ولا تضطرب، إذ لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، وليس في الآية ما ينفي الدوران ولا الميدان الجزئي الذي يحدث لقطعة من الأرض حال الزلزال وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً أي جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة، شقها في خلالها، وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار، وبين ذلك، وسيرها شرقا
وغربا، وجنوبا وشمالا بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم، حيث ذرأهم في أرجاء الأرض، وسخر لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه وَجَعَلَ لَها أي للأرض رَواسِيَ أي جبالا تمنعها من الميدان والاضطراب وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ العذب والمالح حاجِزاً أي مانعا يمنعهما من الاختلاط.
قال ابن كثير: لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا. فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس.