الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن هذه ليست سوى نظرية فلكية. تقوم اليوم وقد تنقض غدا. وتقوم نظرية أخرى تصلح لتفسير الظواهر الكونية بفرض آخر يتحول إلى نظرية. ونحن أصحاب هذه العقيدة- لا نحاول أن نحمل النص القرآني المستيقن على نظرية غير مستيقنة تقبل اليوم وترفض غدا. لذلك لا نحاول في هذه الظلال أن نوفق بين النصوص القرآنية والنظريات التي تسمى علمية. وهي شئ آخر غير الحقائق العلمية الثابتة القابلة للتجربة كتمدد المعادن بالحرارة، وتحول الماء بخارا وتجمده بالبرودة .. إلى آخر هذا النوع من الحقائق العلمية. وهي شئ آخر غير النظريات العلمية- كما بينا من قبل في الظلال.
إن القرآن ليس كتاب نظريات علمية ولم يجئ ليكون علما تجريبيا كذلك. إنما هو منهج للحياة كلها. منهج لتقديم العقل ليعمل وينطلق في حدوده ولتقويم المجتمع
ليسمح للعقل بالعمل والانطلاق. دون أن يدخل في جزئيات وتفصيليات علمية بحتة.
فهذا متروك للعقل بعد تقويمه وإطلاق سراحه.
وقد يشير القرآن أحيانا إلى حقائق كونية كهذه التي يقررها هنا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن. وإن كنا لا نعرف منه كيف كان فتق السموات والأرض. أو فتق السموات عن الأرض.
ونتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن. ولكننا لا نجري بالنص القرآني وراء أية نظرية فلكية. ولا نطلب تصديقا للقرآن في نظريات البشر وهو حقيقة مستيقنة، وقصارى ما يقال: إن النظرية الفلكية القائمة اليوم لا تعارض المفهوم الإجمالي لهذا النص القرآني السابق عليها بأجيال).
نقل:
بمناسبة قوله تعالى: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً قال صاحب الظلال:
(والسماء كل ما علا، ونحن نرى فوقنا ما يشبه السقف. والقرآن يقرر أن السماء سقف محفوظ. محفوظ من الخلل بالنظام الكوني الدقيق، ومحفوظ من الدنس باعتباره رمزا للعلو الذي تنزل منه آيات الله .. )
فوائد:
1 -
في تفسير قوله تعالى رَتْقاً في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً اتجاهان رئيسيان ذكرهما ابن كثير مع غيرهما.
الأول: قاله ابن عباس وهذا هو: (كانت السموات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات) وهذا الاتجاه في التفسير يتفق مع ما يقوله علماء الكون. فعلماء الكون يقولون: إن الأرض كانت كتلة نارية ولهم أدلة في ذلك تكاد تجعل المسألة من باب القطعيات، فإذا كان الأمر كذلك فإن الأرض كانت أيام ذلك لا تنبت وكانت سماؤها لا تمطر.
الاتجاه الثاني قاله سعيد بن جبير وهذا هو كما نقله ابن كثير: (بل .. كانت السماء والأرض ملتزقتين فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه) وهذا الكلام نفسه يتفق مع أدق النظريات العلمية في عصرنا، فالملاحظات العامة في هذا الكون أن بعض المجرات تنطلق بسرعة هائلة خارجة عن مركز الكون، مما يدل على أن هذا الكون كان ملتزقا، وكان كتلة واحدة، ويؤكد ذلك أنه من خلال طيف الإشعاعات تأكد أن مادة الكون واحدة وهناك نظرية أخرى لا تتحدث عن الكون كله وإنما عن المجموعة الشمسية أنها كانت كتلة واحدة وكل من هاتين النظريتين العلميتين تتفق مع قول سعيد بن جبير في الآية.
فعلى تفسير ابن عباس أو تفسير سعيد بن جبير فإن الآية أشارت إلى شئ لم يعرفه الإنسان إلا متأخرا. والملاحظ أن الذين طرحوا كلا من النظريتين الكافرون، فكأنه في قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا إشارة إلى أن الكافرين سيكتشفون هذه الحقائق ويبرهنون عليها، وفي ذلك كله مظاهر من إعجاز هذا القرآن، الذي لا تتناهى عجائبه، وهنا يثور سؤال يثيره النسفي ويرد عليه. قال النسفي: فإن قيل متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ حتى ألزمهم الله بحجيتها عليهم (قلنا- القول للنسفي- إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد). أقول:
فكم في هذه الآية من حجة وكم فيها من معجزة؟!
2 -
فهم بعضهم من قوله تعالى وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أن الميدان هو الدوران. ففهم من الآية أن الأرض لا تدور، وهذا فهم خاطئ فإن الجبال تمنع الميدان وهو الاضطراب، ولا تتحدث عن الدوران، وهذا الذي ذكره القرآن، هو الذي دلل العلم الحديث عليه بوسائله المتوفرة، إذ من المعلوم علميا أنه لولا الجبال لكانت القشرة الأرضية في حالة تشققات دائمة، بسبب تزحلق القشرة الأرضية على طبقة السيما وهي الطبقة الثانية في الأرض وبالتالى فإن الزلازل تكون دائمة والبراكين