الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا سامِرِيُّ أي ما حملك على ما صنعت، وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت، والمعني الحرفي هو: ما أمرك الذي تخاطب عليه يا سامري
قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي علمت ما لم يعلمه بنو إسرائيل فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها أي فطرحتها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينت لي نفسي أن أفعله ففعلته اتباعا لهواي، وهو اعتراف بالخطإ واعتذار، وليس توبة واستعدادا لقبول العقاب
قالَ أي موسى فَاذْهَبْ أي من بيننا طريدا فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أي ما عشت أَنْ تَقُولَ لمن أراد مخالطتك جاهلا بمالك لا مِساسَ أي لا يمسني أحد، ولا أمسه ولنا عودة على هذا الموضوع وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذاك في الدنيا وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أي معبودك العجل الَّذِي ظَلْتَ أي ظللت عَلَيْهِ عاكِفاً أي مقيما على عبادته لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ أي في البحر نَسْفاً أي لنذرينه في البحر تذرية، ومن هذا فهم بعض المفسرين أنهم بردوه في المبارد، ولما كانوا قد قالوا من قبل عن العجل هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى
فإن موسى ختم كلامه بقوله إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فليس غيره إلها وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل شئ، ومن كان هذا شأنه فهو وحده المستحق للعبادة، فأين تغيب عقولكم إذ تعبدون العجل؟! وبهذا قضى موسى على الفتنة وأرجع قومه إلى التوحيد، وفي ذلك درس لهذه الأمة كيف تقضي على كل انحراف.
كلمة في السياق:
نلاحظ أن قصة موسى جاءت بعد قوله تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى * اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى * وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ..
وختمت قصة موسى بقوله تعالى: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً إن ذكر قصة موسى بين الآيتين المذكورتين تدليل على أن منزل القرآن وسع علمه كل شئ، وأنه يعلم السر وأخفى، كما أن في ذكر قصة موسى التي هي تكليف بالتوحيد ودعوة وحماية له بعد قوله تعالى اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى نموذج على أن ما يدعو إليه القرآن من التوحيد هو دعوة كل الرسل، ومن ثم فالصلة بين قصة موسى ومقدمة السورة من الوضوح بما لا مزيد عليه، وتزداد الصلة وضوحا في أذهاننا إذا تذكرنا ما يلي:
بدأت السورة بقوله تعالى طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى * اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. ثم قصة موسى، وبعد ذلك يأتي قوله تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً .. إن ذكر قصة موسى بين المقدمة وبين هذه الآيات تشير بوضوح إلى أن ذكر هذه القصة من باب التدليل على أن هذا القرآن من عند الله، الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم كل شئ، ولو لم تكن المسألة كذلك ما كان القرآن ليقص علينا أنباء ما قد سبق بمثل هذه الدقة، فإذا أدركنا هذا عرفنا كذلك الصلة بين ما مر معنا من السورة، وبين محورها من سورة البقرة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ .. فالسورة تعمق الإيمان بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام من خلال الكلام عما أنزله من قبل وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ .. ولنكمل تفسير الآيات ملاحظين أن ما سنفسره الآن هو المجموعة الثانية من المقطع الثالث، وهي تشكل فاصلا بين قصة موسى وقصة آدم فتبدأ بذكر الحكمة من عرض قصة موسى، ثم تنطلق بما يخدم سياق السورة الخاص وسياق القرآن العام كما سنرى:
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ أي مثل قصصنا عليك من قصة موسى وفرعون نقص عليك من أنباء ما قد سبق من أخبار الأمم الماضية؛ تكثيرا لبيناتك وزيادة في معجزاتك.
قال ابن كثير فيها: أي: كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا أي من عندنا ذِكْراً أي وقد أعطيناك من لدنا قرآنا، وسمي القرآن ذكرا لأن فيه ذكر الله، ولأنه يذكر الإنسان، ولأنه يثير فكره واعتباره، فهذه واحدة من خصائص هذا القرآن، أن كل ما فيه من قصص وأخبار وتشريع وتقرير ذكر ومذكر، فكتاب هذا شأنه، وهذه بعض من خصائصه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله العزيز الحكيم.