الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقرون. تنتهي بهذا التهديد المخيف. الذي يلخص موضوع السورة. وكأنه الإيقاع الأخير المرهوب؛ يتمثل في صور شتى، يتمثلها الخيال ويتوقعها. وتزلزل كيان الظالمين زلزالا شديدا).
الفوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ* ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ قال ابن كثير: (وفي الحديث الصحيح «يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ هل رأيت نعيما قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة ثم يقال
له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا والله يا رب» أي ما كأن شيئا كان).
وقال النسفي بمناسبة هذه الآية (قال يحيى بن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته، والتذ بمراداته، وسكن إلى مألوفاته، والله تعالى يقول: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ* ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف- وكان يتمنى لقاءه- فقال عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية. فقال ميمون: قد وعظت فأبلغت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم).
2 -
بمناسبة قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال ابن كثير: (وهذه النذارة الخاصة لا تنافي العامة، بل هي فرد من أجزائها، كما قال تعالى: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ. وقال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها.
وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ: لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا. وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. كما قال تعالى:
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ وفي صحيح مسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة فلنذكرها:
الحديث الأول: روى الإمام أحمد رحمه الله .. عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
لما أنزل الله عز وجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا، فصعد عليه
ثم نادى: «يا صباحاه» فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا بني عبد المطلب؛ يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم، قال:«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش به.
الحديث الثاني: روى الإمام أحمد .. عن عائشة قالت: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم» انفرد بإخراجه مسلم
…
الحديث الثالث: روى الإمام أحمد .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص فقال: «يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار: فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها» . ورواه مسلم والترمذي من حديث عبد الملك بن عمير به.
الحديث الرابع: روى الإمام أحمد .. لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضمة من جبل على أعلاها حجر فجعل ينادي «يا بني عبد مناف إنما أنا نذير، إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فذهب يربأ أهله رجاء أن يسبقوه فجعل ينادي ويهتف يا صباحاه» ورواه مسلم والنسائي.
الحديث الخامس: روى الإمام أحمد .. عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا قال: وقال لهم «من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟» فقال رجل لم يسمه شريك: يا رسول الله أنت كنت بحرا من يقوم بهذا، قال ثم قال الآخرة- ثلاثا- قال فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي أنا .. » وبعد أن ذكر ابن كثير طرق هذا الحديث قال: (فهذه طرق متعددة لهذا
الحديث عن علي رضي الله عنه، ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه، ويخلفوه في أهله يعني إن قتل في سبيل الله، كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل، فلما أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فعند ذلك أمن، وكان أولا يحرس حتى نزلت هذه الآية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ولم يكن أحد في بني هاشم إذ ذاك أشد إيمانا ويقينا وتصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من علي رضي الله عنه، ولهذا بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد هذا- والله أعلم- دعاؤه الناس جهرة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا، حتى سمى من سمى من أعمامه وعماته وبناته، لينبه بالأدنى على الأعلى، أي إنما أنا نذير والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي من طريق عمرو بن سمرة عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء رضي الله عنه يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أزهد الناس في الدنيا الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون» وذلك فيما أنزل الله عز وجل قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ إلى قوله تعالى: فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ اه.
وبمناسبة هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أقول: إن البدء بإنذار الأقربين علامة على صدق الداعية في دعوته، وعلامة على جديته فيها، ثم إنه هو الطريق الفطري للدعوة. ومن ثم فعلى الداعية أن يعطي دعوة الأقربين جزءا من وقته وعمله.
3 -
ليس هناك أبلغ ولا أعظم ولا أروع في الأمر بالتواضع من قوله تعالى:
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إن أصل الصلة بين التواضع وخفض الجناح أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض
للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع، ولين الجانب، والملاحظ أن الأمر بخفض الجناح قد ورد أكثر من مرة في القرآن من ذلك قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ .. بالنسبة للوالدين، فإذا أمر الله عز وجل رسوله بخفض الجناح فإن هذا يعني أنه أمره بأقصى قدر من التواضع، تواضع يشبه تواضع الابن لوالديه. فمن يطيق هذا الأدب مع كل مؤمن إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومن وفقه الله لمثل ذلك، ولقد رأينا من شيوخنا من يعامل كل مؤمن صغيرا أو كبيرا بمنتهى الأدب، حتى ليستصغر الإنسان أدبه مع أبويه بجانب ذلك الأدب. فرحمهم الله ورزقنا مكارم الأخلاق، وإن من الجماعات الإسلامية المعاصرة من جعلت إكرام المسلم إحدى شعاراتها. وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا) أبرزنا ماهية الذلة على المؤمنين كخلق أساسي من أخلاق الإسلام.
4 -
بمناسبة قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال ابن كثير: (أي في جميع أمورك، فإنه مؤيدك وحافظك، وناصرك ومظفرك ومعلي كلمتك، وقوله تعالى الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي هو معتن بك كما قال تعالى اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا قال ابن عباس الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ يعني إلى الصلاة، وقال عكرمة يرى قيامه وركوعه وسجوده، وقال الحسن الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ إذا صليت وحدك، وقال الضحاك الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي من فراشك أو مجلسك. وقال قتادة الَّذِي يَراكَ قائما وجالسا وعلى حالاتك وقوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال قتادة الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجمع. وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن البصري وقال مجاهد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه. ويشهد لهذا ما صح في الحديث «سووا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري». وروى البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيا. وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم كما قال تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ (61: يونس).
5 -
بمناسبة قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ قال ابن كثير: (أي يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء كما صح بذلك الحديث، كما رواه البخاري من حديث الزهري أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة رضي الله
عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: «إنهم ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشئ يكون حقا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة» .
وروى البخاري أيضا .. عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض- وصف سفيان بيده فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقول أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء» تفرد به البخاري. وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن رجال من الأنصار قريبا من هذا وسيأتي عند قوله تعالى في سورة سبأ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ الآية. وقال البخاري وقال الليث .. عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إن الملائكة تحدث في العنان- والعنان: الغمام- بالأمر في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كذبة» . ورواه البخاري في موضع آخر من كتاب بدء الخلق عن عروة عن عائشة بنحوه).
6 -
بمناسبة قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. قال ابن كثير: (والمراد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر؛ لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة كما قال تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ وقال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وهكذا قال هاهنا: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. إلى أن قال وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ* وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ إلى أن قال: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ
أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ* وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ.
7 -
بمناسبة قوله تعالى عن الشعراء أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ قال ابن كثير: (فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم، ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم. ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حدا هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا؟ لأنهم يقولون ما لا
يفعلون؟ على قولين. وقد ذكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في الطبقات، والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة وكان يقول الشعر.
فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن خليلها
…
بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية
…
ورقاصة تحنو على كل مبسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني
…
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
…
تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أي والله إنه ليسوؤني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أما بعد فقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
…
تنادمنا بالجوسق المتهدم
وايم الله إنه ليسوؤني، وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر، فقال:
والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذاك الشعر إلا شئ طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت. فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكن ذمه عمر رضي الله ولامه على ذلك وعزله به. ولهذا جاء في الحديث «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا» .
قال الألوسي: (وما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه